اختبارات الأخوة // يحيى البوليني
احمد ابوبكر
1435/07/14 - 2014/05/13 13:38PM
من علامة صدق الإيمان إخلاص الإخوة بين المؤمنين , فلا إيمان صادقا إلا بأخوة حقيقية صادقة ومخلصة" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" , وهي النعمة التي امتن الله بها على عباده بعد أن حباهم بالإيمان " وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا " , وهي من أكبر دعامات بناء المجتمع المسلم وأعظم عامل من عوامل قوته وثباته وصلابته في المحن بعد الإيمان بالله ولهذا كان حرص النبي على التآخي كأول فعل له في المدينة بعد بناء مسجدها المبارك , وعظم تأكيده صلى الله عليه وسلم عليها كما جاء فى الصحيحين من حديث أنس بن مالك : " لا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا تنافسوا، وكونوا عباد الله إخوانا "
ودائما فالأخوة في السراء يسيرة وفي ساعة اليسر محببة للنفس وتزيد البهجة والسرور وعند إقبال الحياة تزيل عن الصدر الهموم , فما أجمل لقاء الإخوان والإنس بقربهم والسعادة بوجودهم , فالناس تكثر بغثها وبسمينها على أبواب الموسرين صدرا ومالا وعطاء ومنصبا , ولا يمكن تمييزهم حينها , إذا أن التمييز في وقت الإقبال عسير ومتعذر
ولكن هناك اختبارات حقيقية للأخوة تظهر فيه قيمتها الحقيقية وتعلن فيه عن وجهها الحقيقي , عندها تختبر ادعاءات الأخوة , فتكون تلك الاختبارات كالريح الشديدة الهوجاء العاتية التي تطيح بكل الأوراق الذابلة والنباتات المتسلقة والمتطفلة وتطرحها أرضا , فلا يثبت لها إلا من كانت جذور محبته وأخوته عميقة ضاربة في الأرض برسوخها وثباتها شامخة إلى عنان السماء بحسن غايتها ومقصدها .
فعندما تحين ساعة الضراء والعسر يفقد الإنسان كثيرا ممن التفوا حوله في يسره وممن آنسوا بحديثه وبطيب عطائه عند إقبال الدنيا عليه , حينها تتجلى له الحقيقة في أبهى صورها , فيجد إخوانه الحقيقيين بجواره في محنته وضرائه كما كانوا تماما في فرحه وسرائه , فهذه والله من أعظم نعم الدنيا , حينها يسعد الإنسان بصحبتهم وبموقفهم سعادة أكثر مما سعد بهم في وقت يسره .
أما الاختبار الأعنف والأقوى لصدق الأخوة والذي يطيح بكثير من الأوراق التي يظنها صاحبها عملات نقدية حقيقة فيكتشف زيفها ورداءتها هو وقوع الخلاف بين الإخوان .
فالخلاف كاشف لما تخفي الصدور من سلوكيات وأخلاقيات , عندها يظهر كل مستور , ويعلن كل ما أخفي على مر السنين , فالخلاف دائما شر ولكن أكثر شره أن نختفي فيه الصور البراقة والكلمات المنمقة والتعابير المهذبة ويحل محلها ما لا يرضي من القول والفعل والتصرفات .
واشد الخلافات إظهارا لما في النفوس هي الخلافات المادية حينما يختلف الإخوان على مال أو منصب أو زعامة , فيكثر الساقطون فيها ولا يثبت فيها إلا النادر , ويقل من يحتفظ فيها بأخلاقيات وآداب الأخوة مع المطالبة بما يراه حقا له .
فما أجمل التعبير القرآني لهذا السلوك النادر , حينما جاء الرجلان إلى داود عليه السلام ليحتكما إليه في مظلمة مادية , " وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ " , فقدم أحدهما للقضية وعرض مظلمته قائلا : " إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ " , فقبل أن يعرض المظلمة المادية قدم العلاقة بينهما وهي علاقة الأخوة التي لا ينبغي ان تنقطع بالخلاف حتى ولو كان ماديا .
وما أشد رقي الصحابة رضوان الله عليهم وما أعظم الدروس المستفادة من الخلاف الذي وقع بينهم , فلم يكن خلافهم شخصيا ولا انتصارا لشهوة نفس , بل كان كل من الفريقين يوقن بأن الحق معه وأنه سيدافع عن هذا الحق ولو بالقتال دون أن يفقد قيمة الأخوة في نفسه .
فهذا الإمام علي يتوجّع لما أصاب أخاه طلحة رضي الله عنهما , فحينما مر عليه ورآه مقتولاً فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول: " عزيزٌ عليّ أبا محمد أن أراك مجندلاً تحت نجوم السماء ثم قال: " إلى الله أشكوا عُجري وبُجري وبكى عليه هو وأصحابُه " [1]
وتوجع أيضا لما اصاب أخاه الزبير , فلمّا جاء قاتل الزبير لعله يجدُ حظْوةً ومعه سيفه الذي سلبه منه ليُقدّمه هديّة لأمير المؤمنين حزن عليه حُزْناً شديداً وأمسك السيف بيده وقال: " طالما جلّى به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأذن له بالدخول عليه" [2], وبشر قاتل الزبير بالنار " استأذن قاتل الزبير على علي ، فقال علي كرم الله وجهه : والله ليدخلن قاتل ابن صفية النار ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن لكل نبي حواريا وحواري الزبير " [3]
فالسعادة كل السعادة أن يرزقك الله أخا لا يتغير عليك في محنك وضرائك كما يتغير الناس , وأن يحتفظ لك بحقوق أخوتك حتى لو حدث بينكما خلاف .
فعن مثل هذا فابحث ودقق , وبمثل هذا فتمسك بكل قوتك , واصبر عليه وعلى لأوائه فلن تجده كاملا في أوصافه , فستجد فيه – حتما - نقصا كثيرا في بعض أقوال أو تصرفات وأفعال , لكن ينجبر كل نقصه بصدق إخوته ومودته .
[1] تاريخ دمشق 7/89
[2] طبقات ابن سعد 3/105
[3] حلية الأولياء - لصفحة أو الرقم: 4/206
المصدر: موقع المسلم
ودائما فالأخوة في السراء يسيرة وفي ساعة اليسر محببة للنفس وتزيد البهجة والسرور وعند إقبال الحياة تزيل عن الصدر الهموم , فما أجمل لقاء الإخوان والإنس بقربهم والسعادة بوجودهم , فالناس تكثر بغثها وبسمينها على أبواب الموسرين صدرا ومالا وعطاء ومنصبا , ولا يمكن تمييزهم حينها , إذا أن التمييز في وقت الإقبال عسير ومتعذر
ولكن هناك اختبارات حقيقية للأخوة تظهر فيه قيمتها الحقيقية وتعلن فيه عن وجهها الحقيقي , عندها تختبر ادعاءات الأخوة , فتكون تلك الاختبارات كالريح الشديدة الهوجاء العاتية التي تطيح بكل الأوراق الذابلة والنباتات المتسلقة والمتطفلة وتطرحها أرضا , فلا يثبت لها إلا من كانت جذور محبته وأخوته عميقة ضاربة في الأرض برسوخها وثباتها شامخة إلى عنان السماء بحسن غايتها ومقصدها .
فعندما تحين ساعة الضراء والعسر يفقد الإنسان كثيرا ممن التفوا حوله في يسره وممن آنسوا بحديثه وبطيب عطائه عند إقبال الدنيا عليه , حينها تتجلى له الحقيقة في أبهى صورها , فيجد إخوانه الحقيقيين بجواره في محنته وضرائه كما كانوا تماما في فرحه وسرائه , فهذه والله من أعظم نعم الدنيا , حينها يسعد الإنسان بصحبتهم وبموقفهم سعادة أكثر مما سعد بهم في وقت يسره .
أما الاختبار الأعنف والأقوى لصدق الأخوة والذي يطيح بكثير من الأوراق التي يظنها صاحبها عملات نقدية حقيقة فيكتشف زيفها ورداءتها هو وقوع الخلاف بين الإخوان .
فالخلاف كاشف لما تخفي الصدور من سلوكيات وأخلاقيات , عندها يظهر كل مستور , ويعلن كل ما أخفي على مر السنين , فالخلاف دائما شر ولكن أكثر شره أن نختفي فيه الصور البراقة والكلمات المنمقة والتعابير المهذبة ويحل محلها ما لا يرضي من القول والفعل والتصرفات .
واشد الخلافات إظهارا لما في النفوس هي الخلافات المادية حينما يختلف الإخوان على مال أو منصب أو زعامة , فيكثر الساقطون فيها ولا يثبت فيها إلا النادر , ويقل من يحتفظ فيها بأخلاقيات وآداب الأخوة مع المطالبة بما يراه حقا له .
فما أجمل التعبير القرآني لهذا السلوك النادر , حينما جاء الرجلان إلى داود عليه السلام ليحتكما إليه في مظلمة مادية , " وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ " , فقدم أحدهما للقضية وعرض مظلمته قائلا : " إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ " , فقبل أن يعرض المظلمة المادية قدم العلاقة بينهما وهي علاقة الأخوة التي لا ينبغي ان تنقطع بالخلاف حتى ولو كان ماديا .
وما أشد رقي الصحابة رضوان الله عليهم وما أعظم الدروس المستفادة من الخلاف الذي وقع بينهم , فلم يكن خلافهم شخصيا ولا انتصارا لشهوة نفس , بل كان كل من الفريقين يوقن بأن الحق معه وأنه سيدافع عن هذا الحق ولو بالقتال دون أن يفقد قيمة الأخوة في نفسه .
فهذا الإمام علي يتوجّع لما أصاب أخاه طلحة رضي الله عنهما , فحينما مر عليه ورآه مقتولاً فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول: " عزيزٌ عليّ أبا محمد أن أراك مجندلاً تحت نجوم السماء ثم قال: " إلى الله أشكوا عُجري وبُجري وبكى عليه هو وأصحابُه " [1]
وتوجع أيضا لما اصاب أخاه الزبير , فلمّا جاء قاتل الزبير لعله يجدُ حظْوةً ومعه سيفه الذي سلبه منه ليُقدّمه هديّة لأمير المؤمنين حزن عليه حُزْناً شديداً وأمسك السيف بيده وقال: " طالما جلّى به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأذن له بالدخول عليه" [2], وبشر قاتل الزبير بالنار " استأذن قاتل الزبير على علي ، فقال علي كرم الله وجهه : والله ليدخلن قاتل ابن صفية النار ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن لكل نبي حواريا وحواري الزبير " [3]
فالسعادة كل السعادة أن يرزقك الله أخا لا يتغير عليك في محنك وضرائك كما يتغير الناس , وأن يحتفظ لك بحقوق أخوتك حتى لو حدث بينكما خلاف .
فعن مثل هذا فابحث ودقق , وبمثل هذا فتمسك بكل قوتك , واصبر عليه وعلى لأوائه فلن تجده كاملا في أوصافه , فستجد فيه – حتما - نقصا كثيرا في بعض أقوال أو تصرفات وأفعال , لكن ينجبر كل نقصه بصدق إخوته ومودته .
[1] تاريخ دمشق 7/89
[2] طبقات ابن سعد 3/105
[3] حلية الأولياء - لصفحة أو الرقم: 4/206
المصدر: موقع المسلم