احوال الناس بعد رمضان

محسن الشامي
1434/10/02 - 2013/08/09 00:08AM
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وحده لا شريك له وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُوصفيه وخليله بلّغ الرسالة وأدّى الامانة ونصح الأمّة فكشف الله به الغمة، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا أما بعدُ عبادَ الله فأُوصِيكُم ونفسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَدِيرِ فَإِنَّ هَذهِ الدُّنيَا كَالخَيَالِ لا بُدَّ أنْ يطرَأَ عليهَا الزَّوال فهنيئًا والله لمن قدَّم فيها لِيَوْمِ المعادِ مَا يَنْفعُه يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ ولا بَنُونَ إلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ{قُلْ يَا عِبَادِالَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُم لِلَّذِينَ أَحسَنُوا في هَذِهِ الدُّنيَاحَسَنَةٌ وَأَرضُ اللهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفىَّ الصَّابِرُونَ أَجرَهُمبِغَيرِ حِسَابٍ}معاشر المسلمينانقضى رمضان وتصرمت أيامه ولياليه واللهُ يعلم كم من صحائفَ بُيضت وكم من حسناتٍ كُتبت وكم من ذنوبٍ غُفرت وكم من رقابٍ أُعتقت ولنا في انقضائه عِبرةً وعظة، فقدْ كُنَّا نعيشُ أيامَهُ فَرِحينَ متنعمينَ بها ثُمَّ انقضتْ تِلكُمُ الأيامُ وكأَنها طيفُ خيالٍ، مضتْ تلكم الأيامُ لِنقطَعَ بها مرحلةً مِنْ حياتِنَا لَنْ تعودَ إلينا أبدًا قال الحسن البصريُّ رحمه الله "يا ابنَ آدمَ، إنَّما أنت أيَّام، إذا ذهبَ يومُك ذهبَ بعضُك"
تَمُرُّ بِنَا الْأَيَّامُ تَتْرَى وَإِنَّمَا نُسَاقُ إِلَى الْآجَالِ وَالْعَيْنُ تَنْظُرُ
فَلاَ عَائِدٌ ذَاكَ الشَّبَابُ الَّذِي مَضَى وَلاَ زَائِلٌ هَذَا الْمَشِيبُ الْمَكَدَّرُ
انقضى رمضان ولكن هل اتخذنا من رمضانَ قاعدةً للمحافظة على الأعمال الصالحة في باقي الشهور ومنطلقاً لترك المعاصي والذنوب؟ هذا ما سيأتي معنا في سياق الحديث نعم انقضى رمضان وانقسم الناس إلى ثلاثة أقسام : القسم الأول قوم كانوا على خير وطاعة فلما جاء رمضان شمروا عن سواعدهم وضاعفوا من جهدهم وجعلوا رمضان غنيمة ربانية ومنحة إلاهية استكثروا من الخيرات و تعرضوا للرحمات فما انقضى رمضان إلا وقد علت رتبهم عند الرحمن وارتفعت درجاتهم في الجنات وابتعدت ذواتهم عن النيران فهنيئا لهم والله واما القسم الثاني:فهم قوم كانوا قبل رمضان في إعراض وغفلة، فلما أقبل رمضان أقبلوا على الطاعة والعبادة ، صاموا و قاموا قرأوا القران و تصدقوا ودَمَعت عيونهم و خشعت قلوبهم ولكن ما إن ولى رمضان حتى عادوا إلى ما كانوا عليه عادوا إلى غفلتهم عادوا إلى ذنوبهم وكأنهم في رمضانَ يَعبدون رَبًّا آخرَ أو كأن اللهَ لا يُعرفُ إلا في رمضانَ، أو كأنهم قدِ استغنوا عن ربِّهِم وخالقِهم بَعدَ رمضانَ ألا فليعلم هؤلاء أن الله سبحانه وتعالى يُعبَد ويُرجَى ويخُاف ويُخشَى ويتَّقى في كلّ الشهور والأعوام، قيل لبِشر الحافي: إنّ قومًا لا يعبُدون الله إلاّ في رمضان، فإذا ذهَب رمضان ترَكوا فقال: بِئسَ القومُ لا يَعرِفون اللهَ إلاّ في رمضان فلهؤلاء نقول إن الذي أمركم بالعبادة في رمضان هو الذي أمركم بها في غير رمضان فكيف تعودون إلى السيئات وقد طهركم الله منها؟ كيف تعودون إلى المعاصي و قد محاها الله من صحائفكم ؟ أيُعتِقُكم الله من النار فتعودُوا إليها ؟ أيبيضُ اللهُ صحائفكم من الأوزار و أنتم تسوِّدُوها؟الم تسمعوا لقول الله تعالى لما ضَرَبَ مَثَلاً لِلعَمَلِ الصَّالِحِ المَتبُوعِ بِالعَمَلِالسَّيِّئِ فَقَالَ ( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً لبعض الصحابة وكان منهم عبد الله بنُ عباس " فيمَ ترون هذه الآية نزلت ( أيود أحدكم أن تكون له جنة)" فقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ضُرِبَتْ مَثَلاً لِعَمَلٍ قَالَ عُمَرُ : أَيُّ عَمَلٍ ؟قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعَمَلٍ قَالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُبِطَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ الشَّيْطَانَ فَعَمِلَبِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أعماله ) أخرجه البخاري فيا من كنتم لله طائعين ثم عدتم لاقتراف الذنوب والسيئات اسمعوا لقول الله عز وجل (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً) امرأةٌ حمقاء تجهدُ صباحَ مساءَ في معالجة صوفها حتى إذا صارَ خيطاً سويا ومحكماً قويا عادت عليه تنقضُ شعيراته وتجعله بعد القوة منكوثا ولم تجنِ من صنيعها إلا التعب فإيَّاكم أن تكونوا مثلها فتهدموا ما بنيتم وتبدِّدوا ما جمعتم فإنَّ هَذَا وربي لهو الخسران المبين كَيفَ وَقَد أَمَرَ سُبحَانَهُ مَن أَمَرَ مِن أَنبِيَائِهِوَأَوصَى مِنهُم مَن أَوصَى بِاستِدَامَةِ العِبَادَةِ وَالمُحَافَظَةِ عَلَىالطَّاعَاتِ حَتَّى يَأتِيَهُ المَوتُ وَتُفَارِقَ روحُه جسَدَه فقَالَ سُبحَانَهُ: " وَاعبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأتِيَكَ اليَقِينُ " وَقَدِ امتَثَلَ نبينا صلى الله عليه وسلم أَمرَ رَبِّهِ لَهُ بِاستِدَامَةِ العِبَادَةِ وَأَتَى بمايَرضَاهُ تَعَالى وَيُحِبُّهُ مِنَ المُدَاوَمَةِ عَلَى صَالِحِ العَمَلِ سُئِلَت ام المؤمنين عَائِشَةُ رَضِيَاللهُ عَنهَا عَن عَمَلِهِ قَالَت : كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً وَقَد أَمَرَ بِذَلِكَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ بَعضَ صَحَابَتِهِالكِرَامِ لِيَكُونَ لَهُم وَلِمَن بَعدَهُم مَنهَجًا يَسِيرُونَ عَلَيهِ كما ثَبَت ذلكفي الصَّحِيحَينِ عَن عَبدِاللهِ بنِ عَمرِو بنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ : قَالَ لي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ " يَاعَبدَاللهِ ، لا تَكُنْ مِثلَ فُلانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيلَ فَتَرَكَ قِيَامَاللَّيلِ )) نعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى
واماالقسم الثالث : قوم دخل رمضان و خرج رمضان وحالهم كحالهم لم يتغير منهم شيء ولم يتبدل فيهم أمربل ربما زادت آثامهم ، وعظمت ذنوبهم ، واسودت صحائفهم فبئس القوم هم (ورَغِمَ أنفَ رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له) أولئك هم الخاسرون حقا وليس أمامهم إلا التوبةُ إلى ربهم و تداركُ ما بقي من أعمارهم اللهم وفقنا للعمل الصالح وجنبنا السوء بارك الله لي و لكم


الحمد لله على احسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد الا اله الا الله وحده لاشريك له تعظيما لشأنه واشهد ان محمد عبده ورسوله الداعي الى رضوانه صلوات ربي وسلامه عليه وعلى الع وأصحابه أَمَّا بَعدُعباد الله فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى فَإِنَّ تَقوَاهُ خَيرُ زَادٍوَاستَعِدُّوا بِالأَعمَالِ الصَّالِحَةِ لِيَومِ المَعَادِ وَاسْتَدِيمُوا الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ بَعْدَ رَمَضانَ فَإِنَّاللهَ تَعَالَى يُعْبَدُ فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَمُطَلِعٌ عَلَيكُمْ فِي كُلِّالْأَحْوَالِ فَلَا تَتْرُكُوا الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ، وَلَا تَهْجُرُواالقُرْآنَ، وَخُذُوا مِنْ ذَلِكَ مَا تُطِيقُونَ وَأَدِيمُوا عَلَى مَاتَسْتَطِيعُونَ، وَلَا تَمَلُّوا مِنْ الْعَمَلِ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لَايَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُواوَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}فَالزَمُوا الطريقَ المُنيرَ واستَمِرُّوا على هذا الصراطِ المستقيمِ ولا بُدَّ أَن يُحَاسِبَ كُلٌّ مِنَّا نَفسَهُ وَيُجَاهِدَهَا وَيُؤَدِّبَهَا فَلا يَترُكَعَمَلاً صَالِحًا فَعَلَهُ وَبَدَأَ بِهِ وَلا يَقطَعَ خَيرًا ذَاقَ لَذَّتَهُوَحَلاوَتَهُ بَل عَلَيهِ أَن يُدَاوِمَ وَلَو عَلَى القَلِيلِ فَإِنَّ القَلِيلَ الدَّائِمَ خَيرٌ مِنَالكَثِيرِ المُنقَطِعِ واللهَ يُحِبُّ مِن عَبدِهِالمُدَاوَمَةَ عَلَى العَمَلِ الصَّالِحِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلاً قَالَ صَلَّىاللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ " أَحَبُّ الأَعمَالِ إِلى اللهِ أَدوَمُهَا وَإِنْقَلَّ " رَوَاهُ البُخَارِيُّالا فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاحرِصُوا عَلَى التَّزَوُّدِ مِمَّا يُقَرِّبُكُم إِلى رَبِّكُم من الاستمرار في الأعمال الصالحة فلئن انقضى رمضان فلن ينقضى الصيام فها هو نبيكم صلى الله عليه وسلم يدعوكم الى الاستمرار في الصيام فقال عليه الصلاة والسلام ((«مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» صحيح مسلم
واو صى بصيام الاثنين والخميس فقال عليه الصلاة والسلام ((تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم )) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : أَوْصَانِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم بِثَلاثٍ : صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ , وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى , وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ )) والراجح أن الثلاثة الأيام هنا هي الأيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر والله اعلم . الا وصلوا
المشاهدات 2688 | التعليقات 2

بارك الله فيكم أستاذ أبا مزون ، تقبل الله مني ومنكم صيام رمضان وقيامه ، وأعاده علينا باليمن والخيرات ، والأجر والطاعات ، أزمنة مديدة وأعوامًا عديدة ، عيد مبارك وسعيد عامر بالنشاط و التجديد .
flowe8.jpg


جزيت خيرا أبا مزون كلمات تحرك الوجدان وتقيظ الضمير وتهز المشاعر
كما نثمن ونقدر للشيخ رشيد تفاعله المنقطع النظير وتجواله الملفت في هذا المنتدى وبصماته الحية في كل زاوية
ونتمنى شيخ أبا مزون لو غيرت بياناتك من الكنية إلى الاسم حتى يتسنى تغيير لقبك من صديق الخطباء إلى خطيب ولمنتدانا الشرف بذلك