احفظ الله يحفظك
تركي بن عبدالله الميمان
اِحْفَظِ اللّهَيَحْفَظْك
الخُطْبَةُ الأُوْلَى
إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيْهِ، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى الله، فَالتَّقْوَى: تَدْفَعُ النَكَبَات، وَتَجْلِبُ البَرَكات؛ ﴿وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾.
عِبَادَ اللهِ: إِنَّها قَاعِدَةٌرَبَّانِيَّة، وَوَثِيْقَةٌ نَبَويّة، يَنْبَغِي أَنْتَكُوْنَ نُصْبَ أَعْيُنِنَا،وَقِبْلَةَ قُلُوْبِنَا؛ لِنَحْيَا حَيَاةً سَعِيْدَةً! ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾؛فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّﷺ، أَنَّهُ قَالَ لِابْنِعَبَّاسٍ t: (اِحْفَظِ اللهَيَحْفَظْكَ! اِحْفَظِ اللهَتَجِدْهُ أَمَامَكَ!).
فَقُوْلُهُ ﷺ: (اِحْفَظِ اللهِ): يَعْنِي اِحْفَظْحُدُوْدَهُ وَحُقُوْقَهُ، وَأَوَامِرَهُوَنَوَاهِيَهُ، فَمَنْ فَعَلَذَلِكَ؛ فَهُوَ مِنَ الحَافِظِينَلِحُدُوْدِ اللهِ، الَّذِينَ وَعَدَهُمُاللهُ بِالجَنَّةِ! ﴿هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾.
وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَجِبُ حِفْظُهُ: الصَّلَوَاتُالخَمْس، فَقَدْ أَمَرَ اللهُبِالمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا؛ ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى﴾. قال ﷺ:(مَن حَافَظَ عَلَيْهَا؛كَانَتْ لَهُ نُوْرًا،وَبُرْهَانًا، وَنَجَاةً يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْيُحَافِظْ عَلَيْهَا؛ لَمْتَكُنْ لَهُ نُوْرًا، وَلَا بُرْهَانًا، وَلَا نَجَاةً).
وَمِنْ عَلامَاتِ الإِيْمَانِ:المُحَافَظَةُ عَلَىالطَّهَارَةِ، لِأَنَّها مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ، قال ﷺ: (لا يُحَافِظُ على الوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ).
وَمِمَّا يَجِبُ الحِفَاظُ عَلَيْهِ:الرَّأْس وَالبَطْن! قالﷺ: (الاِسْتِحْيَاءُ مِنَاللهِ حَقَّ الحَيَاءِ: أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَتَحْفَظَالبَطْنَ وَمَا حَوَى).
وَحِفْظُ الرَّأْسِ وَمَا وَعَى:يَدْخُلُ فِيْهِ: حِفْظُ السَّمْعِ وَالبَصَرِوَاللِّسَانِ مِنَ الحَرَامِ؛قال ﷻ: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾.
وَحِفْظُ البَطْنِ وَمَا حَوَى: يَتَضَمَّنُ حِفْظَهُ مِنْإِدْخَالِ الحَرَامِ إِلَيْهِ؛ فَلَا يَأْكُلُ إِلَّا مَا أَحَلَّ اللهُ، وَلَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ كَسْبٍحَلَالٍ.
وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَجِبُ حِفْظُهُ: اللِّسَانُ وَالفَرْجُ! قال ﷺ: (مَنْحَفِظَ لي ما بَيْنَلَحْييْهِ -أي اللِّسَان- ومابَينَ رِجْلَيْهِ -أي الفَرْج-أَضْمَنُ لَهُ الجَنَّةَ).
قال I: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾.
وَمَنْ حَفِظَ حُدُوْدَ اللهِ وَحُقُوْقَهُ؛ حَفِظَهُ اللهُ؛فَإِنَّ الجَزَاءَ مِنْ جِنْسِالعَمَلِ؛ قال U: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوْفِ بِعَهْدِكُمْ﴾.
وَحِفْظُ اللهِ لِعَبْدِهِ؛ علىنَوْعَينِ:
النَّوْعُ الأَوَّلُ: أَنْ يَحْفَظَهُاللهُ في أُمُوْرِ دُنْيَاه: كَحِفْظِهِ في بَدَنِهِ،وَوَلَدِهِ، وأَهْلِهِ، وَمَالِهِ؛ قال تعالى: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ﴾، قال ابْنُ عَبَّاسٍ t:(هُمُ المَلائِكَةُيَحْفَظُوْنَهُ بِأَمْرِ اللهِ). قال مجاهد: (مَا مِنْ عَبْدٍ، إِلَّا لَهُ مَلَكٌ يَحْفَظُهُ فِي نَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ: مِنَ الْجِنِّ،وَالإِنْسِ، وَالهَوَامِّ! إِلَّا شَيْئًا أَذِنَ اللهُ فِيهِ).
وَمَنْ حَفِظَ اللهَ في شَبَابِهِ وَقُوَّتِهِ؛حَفِظَهُ اللهُ في كِبَرِهِوَضَعْفِهِ! وَقَدْ سَاقَ ابْنُكَثِيرٍ قِصَّةً لِأَحَدِالعُلَمَاءِ الصَّالحِيِن، قَدْجَاوَزَ مِئَةَ عَامٍ، وَهُوَمُمَتَّعٌ بِقُوَّتِهِ وَعَقْلِهِ؛فَسَأَلَهُ النَّاسُ عَنْ سِرِّ ذَلِكَ؛ فَأَجَابَ قَائِلًا: (هَذِهِ جَوَارِحُ حَفِظْنَاهَا عَنِ المَعَاصِي فِي الصِّغَرِ؛ فَحَفِظَهَا اللهُفي الكِبَرِ!).
وَيَحْفَظُ اللهُ العَبْدَالصَّالِحَ (بَعْدَ مَوْتِهِ) فيذُرِّيَّتِهِ، بِبَرَكَةِصَلَاحِهِ! قال سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ -لِابْنِهِ-: (لَأَزِيْدَنَّ في صَلَاتِي مِنْ أَجْلِكَ؛ رَجَاءَ أَنْ أُحْفَظَ فِيْكَ!)، ثُمَّ تَلَا هَذِهِالآيَةَ: ﴿وَكَانَ أَبُوْهُمَا صَالِحًا﴾ قال المُفَسِّرُوْن: (حَفِظَهُمَا اللهُ بِصَلَاحِوَالِدِهِمَا).
النَّوْعُ الثَّانِي (مِنْحِفْظِ اللهِ لِلْعَبْدِ): أَنْيَحْفَظَهُ في أُمُورِدِيْنِهِ: فَيَحْفَظُهُ مِنَالشُّبُهَاتِ المُضِلَّةِ، وَالشَّهَوَاتِ المُحَرَّمَةِ، وَيَحْفَظُ عَلَيْهِ دِيْنَهُعِنْدَ مَوْتِهِ، فَيَتَوَفَّاهُعَلَى الإِيمان.
وكانَ النَّبيُّ ﷺ يُوَدِّعُ مَنْأَرَادَ سَفَرًا، فَيَقُولُ:(اَسْتَوْدِعُ اللهَ دِيْنَكَ، وَأَمَانَتَكَ، وَخَوَاتِيْمَ عَمَلِكَ)، وكان يقول: (إِنَّ اللهَ إِذَا اسْتُوْدِعَ شَيْئًا؛حَفِظَهُ).
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.
أَمَّا بَعْدُ: وَمِنْ عَجِيْبِحِفْظِ اللهِ لِعَبْدِهِالمُؤْمِنِ: أَنَّهُ يَحُوْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُفْسِدُ عَلَيْهِ دِيْنَهُ؛بِأَنْوَاعٍ مِنَ الحِفْظِ،فَيَسْعَى العَبْدُ إلى شَيءٍ مِنْ أُمُوْرِ الدُّنْيا،وَيَطْلُبُهُ حَثِيْثًا، وَلَكِنَّاللهَ -بِحِكْمَتِهِ- يَصْرِفُهُعَنْهُ! ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللهُالرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾.
وَمِنْ حِفْظِ اللهِ الخَفِيِّ: أَنَّهُ يَصْرِفُ عَنْكَ مِنَالسُّوْءِ؛ بِسَبَبِ دُعَائِكَالَّذِي تَدْعُوْهُ (وَلَمْ تُعَجَّلْ إِجَابَتُهُ)، أَوْ بِسَبَبِمَعْرُوْفٍ بَذَلْتَهُ، أَوْصَدَقَةٍ أَنْفَقْتَهَا، أَوْخَيْرٍ فَعَلْتَهُ، وَهَذِهِ مِنْ بَرَكَةِ الإِحْسَانِ في عِبَادَةِ اللهِ، وَمَعَ عِبَادِاللهِ! ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيْعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ﴾.
* * * *
* اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَاكْلَأْنَا بِرِعَايَتِكَ، اللَّهُمَّ احْفَظْنِا مِنْ بَيْنَ أَيْدِيْنَا وَمِنْ خَلْفِنَا، وَعَنْ أيَمِانِنَا وَعَنْ شِمَائِلِنَا، وَمِنْ فَوْقِنَا، وَنعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ نُغتالَ مِنْ تحتِنا.
* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَوالمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَوالمُشْرِكِيْن.
* اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.
* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
* فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللهِأَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
* * * *
المرفقات
1700650484_احفظ الله يحفظك.docx
1700650484_احفظ الله يحفظك نسخة بدون حواشي.docx
1700650485_احفظ الله يحفظك.pdf
1700650485_احفظ الله يحفظك (للطباعة).pdf
1700650485_احفظ الله يحفظك (للهاتف).pdf