احذروا جماعة الإخوان

د. محمد بن سعود
1442/04/04 - 2020/11/19 16:09PM

الحمد لله، الحمد لله المتفرِّد بالإسمِ الأشرف الأسمى، المختصِّ بالملكوت الأعظمِ الأسنى، الذي ليس دونَه منتهى ولا وراءه مرمى، وَسِعَ كلَّ شيء رحمةً وأحاط بكل شيء علمًا، -سبحانه- جلَّ إلهًا وربًّا، منَّ على المؤمنين إذ بعَث فيهم رسولًا من أَنْفُسِهم، هو أَنَفُسُهم عُربًا وعجَمًا، وأقربُهم زكاة ورُحمَى، وأزكاهم محتدًا ومنمَى، وأرجحُهم عقلًا وحِلْمًا، وأكمَلُهم يقينًا وعزمًا، زكَّاه ربُّه روحًا وجسمًا، وحاشاه عيبًا ووصمًا، وآتاه حكمةً وحُكْمًا، فآمَن به ونصرَه مَن جعَل اللهُ له في مغنم السعادة قِسْمًا، وكذَّب به مَنْ كتَب اللهُ عليه الشقاءَ حتمًا، (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى) صلَّى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه صلاة تنمو وتَنمَى أما بعد:-

فاتَّقُوا الله - عباد الله -؛ فمن اتَّقاه حفِظَه بحفظِه، وبرعايتِه رعاه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)

فلازِم تُقَى الرحمنِ واسأَله نُصرةً *** يُمِدُّكَ من إسعافِهِ بالعجائِبِ

أيها المسلمون: الحضارةُ الإنسانية بمُكتشفاتها ومُخترعاتها، غالبًا ما يكون آخرُها خيرًا من أولها، بخلاف أديان الناس ومُعتقداتهم؛ فسلَفُهم أهدى من آخرهم، ذلك أن الحضارة بدأت تحبو، في حين أن الأديان وُلِدت واقفة، والحضارةُ تراكمٌ معرفي، أما الدين فهو وحيٌ مُنزَّل وهديٌ مُحكَم.

والفرقُ بين الأتباع الأوائل لكل دينٍ صحيح، وبين مُتأخِّريهم، كمثل الفرق بين الماء عند منبعه، والماءِ عند مصبِّه، بعدما جرى وخالطَ ما خالطَ من الشوائب.

وكلما غبَرت أمةٌ أو قرنٌ من الناس، طُوِي معهم علمٌ ورُفِع معهم فضل، مِصداقُ ذلك ما ورد في وصية الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه قبل الرحيل: "إنه من يعِش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتي وسُنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجِذ، وإياكم ومُحدثات الأمور؛ فإن كل مُحدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة".

وإذا شئتَ أن تعرف قُربَ أهلِ دينٍ من دينهم، فانظر إلى قُربهم من سلَفهم، فكلما اقتربوا اهتدَوا، وكلما جفَوا ضلُّوا، أمّا إن لعنَ خلفُ أمةٍ سلَفَهم، فإنه لا خير فيهم؛ فهم دسيسةُ عدوٍّ، وصنيعةُ كائد.

قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "إذا رأيتَ الرجلَ يذكر أحدًا من الصحابة بسوءٍ، فاتَّهمه على الإسلام".

ولأجل هذا زخَرَت مُصنَّفاتُ الأئمة، بالحثِّ على التمسُّك بحُجَجِ السلف عند الاتباع، وفهمِ نصوص الوحيَيْن؛ فهو أمَنةٌ من الانحراف، وضمانةٌ من الضلال.

عباد الله: يتأكدُ الحديثُ عن المنهج الحق، في وقتٍ تعدَّدت فيه المرجعيَّات، وتبايَن الاستمداد، وقلَّ العلماء، وندَر الناصحون، حين تكثُر الشُّبَه، ويُلبَّسُ الحقُّ على أهله، ويحُولُ بينهم وبينه دعاةُ الضلالة، وعِداةُ الهداية، وأدعياءُ العلم، وهم أقربُ إلى الضلال، وإن تباكَوا على الإسلام ورسوله والآل.

إخوة الإيمان والعقيدة: سلفُكم هو محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- وصحابتُه والقرون المُفضَّلة؛ فبأيِّ كتابٍ وجدتموهم يقتلون المسلمين، أو يخونون المُستأمَنين، أو يدعون من دون الله الأئمةَ والصالحين، أو يتبرَّكون بالأضرحة وقبور السالفين، أو يُثيرون الفتن بين المسلمين؟!

سلفُكم حريصون على جمع الكلمة، ووَحدة الصفِّ، وتنقية الدين من تحريف الغالين، وانتحال المُبطِلين، وتأويل الجاهلين، سلفُكم كانوا أهدى طريقًا، وأقومَ مسلكًا، وأتبعَ للكتاب والسنة، وأعلمَ بالوحي؛ فكانوا حقًّا مسلمين. فالسعيدُ من تمسَّك بما كان عليه السلف، واجتنبَ ما أحدثَه الخلف، وما أسهل الاتباع وأيسر الاهتداء، إن عافَى الله من دعاة الضلالة. وقد شهِد الله تعالى بقوله: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)

((إن الله تعالى أمر بالاجتماع على الحق ونهى عن التفرق والاختلاف قال تعالى: " إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون"، وأمر العباد باتباع الصراط المستقيم، ونهاهم عن السبل التي تصرف عن الحق، فقال سبحانه : " وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون".

وإنما يكون اتباع صراط الله المستقيم بالاعتصام بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد دلت الأحاديث الصحيحة على أنّ مِن السبل التي نهى الله تعالى عن اتباعها المذاهب والنحل المنحرفة عن الحق، فقد ثبت من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً بيده ثم قال : " هذا سبيل الله مستقيماً"، ثم خط عن يمينه وشماله، ثم قال : هذه السبل ليس منها سبيل إلاّ عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ : " وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" رواه الإمام أحمد. قال الصحابي الجليل عبدالله بن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : " فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتقرق بكم عن سبيله" وقوله : " أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه" ونحو هذا في القرآن، قال : أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمِراء والخصومات في دين الله.))

كُن في أمورِك كلِّها مُتمسِّكًا *** بالوحيِ لا بزخارِفِ الهذَيَانِ

وانصُر كتابَ الله والسُّنَنَ التي *** جاءَت عن المبعُوثِ بالفُرقانِ
الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى، خلقَ خلقَه واصطفَى منهم من اصطفَى، وجعل خيرتَهم أنبياءهم ومن ترسَّم سبيلَهم واقتفَى، وتبارك الله مُثيبُ الطائعين لأمره، ومن خالفَ منهم إن شاء عذَّب أو عفا، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا مَثيل ولا شبيه ولا كِفَا، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه المُصطفى، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه ومَن لمنهجهم اقتفَى. أما بعد:-

((والاعتصام بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هو سبيل إرضاء الله وأساس اجتماع الكلمة، ووحدة الصف، والوقاية من الشرور والفتن، قال تعالى : "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون".))

فمنهج السلف الصالح هو الإسلام الأول، الذي عرفه أبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ وعلي، هو النَّهجُ الذي قاتلَ لأجله خالدٌ وسعد، واستُشهِد في سبيله حمزةُ ومُصعب، هو الجادَّة الذي سلَكها ابنُ مسعودٍ وابنُ عباس، وهو السبيلُ الذي ترسَّمه الحسنُ البصري والنَّخعيُّ والشعبيُّ، وهو الفِجاجُ التي طرَقَها أبو حنيفة ومالك والشافعيُّ وأحمد، هو الطريق الذي خطا فيه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي، وأولئك كلُّ أولئك وكثيرٌ غيرُهم على منهجهم، سِيَرهم محفوظة، وآثارُهم معلومة، وكتبُهم مُسطَّرةٌ ومخطوطة.

والذي يرسمُ حدودَ هذا المنهج هو القرآنُ الكريم، والذي يُحدِّدُ معالمَه سنةُ النبي الخاتم، وهو الأمَنةُ من كل خلافٍ واختلاف، بذلك المنهج تُعرفُ الحادثات من الدين فتُتَّقى، ويُعرفُ الأدعياء في علم الشريعة فيُحذَرون، ويُعرف الشاقُّون لصف الأمة ووحدتها فيُجتنَبون، ويُعرف المُخلِصون المُهتَدون فيُتَّبعون.

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء: 59].

ولهذا صدر قبل أيام كما علمتم: بيان هيئةِ كبار العلماء (بالمملكة حرسها الله)، الذي سردت نَصّه ومضامينه في تضاعيف ما سبق من الخطبة، والذي اختتم قائلا:

((فعُلم من هذا : أن كل ما يؤثر على وحدة الصف حول ولاة أمور المسلمين من بث شبه وأفكار، أو تأسيس جماعات ذات بيعة وتنظيم، أو غير ذلك، فهو محرم بدلالة الكتاب والسنة. وفي طليعة هذه الجماعات التي نحذر منها ((جماعة الإخوان المسلمين))، فهي جماعة منحرفة، قائمة على منازعة ولاة الأمر والخروج على الحكام، وإثارة الفتن في الدول، وزعزعة التعايش في الوطن الواحد، ووصف المجتمعات الإسلامية بالجاهلية، ومنذ تأسيس هذه الجماعة لم يظهر منها عناية بالعقيدة الإسلامية، ولا بعلوم الكتاب والسنة، وإنما غايتها الوصول إلى الحكم، ومن ثم كان تاريخ هذه الجماعة مليئاً بالشرور والفتن، ومن رَحِمها خرجت جماعاتٌ إرهابية متطرفة عاثت في البلاد والعباد فساداً مما هو معلوم ومشاهد من جرائم العنف والإرهاب حول العالم.

ومما تقدم يتضح أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام، وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفرقة وإثارة الفتنة والعنف والإرهاب.

فعلى الجميع الحذر من هذه الجماعة وعدم الانتماء إليها أو التعاطف معها.

والله نسأل أن يحفظنا جميعاً من كل شر وفتنة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين((

انتهى نص البيان

ختاما أيها المؤمنون: وإذا كان المسلمون يلتمِسون اليومَ طريقًا للنهوض، فليس لهم من سبيلٍ إلا وَحدة جماعتهم، ولا سبيل إلى وَحدة الجماعة إلا على الإسلام الصحيح، والإسلامُ الصحيح مصدرُه القرآن والسنة، وهذه خُلاصة الاتجاه السلفي.

عودةٌ بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فلا تلتبِسْ عليكم السُّبُل، ولا تُضلَّنكم الأهواء، ولا يصُدَّنكم كثرةُ الأعداء، أو سَطوة الأدعياء.

وكلُّ هوى ومحدثةٍ ضلالٌ ** ضعيفٌ في الحقيقة كالخيالِ

فهذا ما أدين به إلهي ** تعالى عن شبيه أو مثالِ

ثم إن الله أمركم بأمر...

اللهم ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، لما تحبه وترضاه.

اللهم انصر بهم دينك، وأعل بهم كلمتك يارب العالمين.

 

المرفقات

احذروا-جماعة-الإخوان

احذروا-جماعة-الإخوان

المشاهدات 738 | التعليقات 0