احذروا الهرج
إبراهيم بن سلطان العريفان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوة الإيمان والعقيدة ... إن الله عز وجل قد كرم الإنسان تكريماً كبيراً، وخلقه بيده ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته وسخر له ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه. وأرسل له الرسل ليأخذوا بيديه إلى الحق، وأنزل من أجله شريعة محكمة تضمن له السعادة في الدنيا والآخرة. وتصون الإنسان من الزيغ والانحراف، وتحفظه من مزالق الشر ونوازع الهوى، وتشفي صدره وتُحي نفسه وتروى عقله وتحفظُ بدنه.
ومن أجل هذا فقد ضمنت الشريعة المحكمة، جميع الحقوق التي تكرم وتسمو بهذا الإنسان، وفي طليعة هذه الحقوق حقُ الحياة، وهو حق كبير لا يحل لأحد أن ينتهك حرمته أو أن يستبيح حماه.
عباد الله ... جريمة شنعاء توجب اللعنة فاحذروها، وتطرد من الرحمة فاجتنبوها، جريمة بالرغم من عظمها إلا أنها تتوالى عبر العصور، وتتكرر بتكرر الأجيال، جريمة وأي جريمة، هي وهج الفتن، ووقود الدمار، ومعول الهدم.
نعم ... إنها جريمة القتل، جريمة إزهاق النفس التي حرمها الله، جريمة توجب سخط الله والعذاب الأليم.
بل جعل الإسلام قتل النفس كبيرة من الكبائر تأتي بعد كبيرة الشرك بالله تعالى ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ).
فحفظ الأنفس وحمايتُها ضرورة دينية، ومصلحة شرعية، وفطرة سوية، وطبيعة بشرية، وغريزة إنسانية، رعاها الإسلام أيما رعاية، واعتنى بها غاية العناية، صيانة للأمة وحفاظًا على الأفراد والمجتمعات من أخطار الجرائم المدمرة.
ولنعلم أن دماء المسلمين عند الله مكرمة محترمة, مصونة محرمة، لا يحل سفكها، ولا يجوز انتهاكها إلا بحق شرعي. وقتل النفس المعصومة عدوان آثم وجُرم غاشم، وأي ذنب هو أعظم عند الله بعد الشرك بالله من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ؟!لما في ذلك من إيلام المقتول وإِثْكَال أهله وترميل نسائه وتيتيم أطفاله، وإضاعة حقوقه وقطع أعماله بقطع حياته، مع ما فيه من عدوان صارخ على الحرمات وتطاول فاضح على أمن الأفراد والمجتمعات.
إنها لجريمة شنيعة ترتعد منها الفرائص وتنخلع لها القلوب ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) وهذا تهديد شديد، ووعيد أكيد لمن أقدم على هذا الجُرم العظيم ( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ).
جريمة القتل جريمة شنعاء وفعلة نكراء، عدها المصطفى العدنان ﷺ من السبع الموبقات، وقال ﷺ ( لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ،مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا ) وقال ﷺ ( لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ) وقال ﷺ ( يَأْتِي الْمَقْتُولُ مُتَعَلِّقًا رَأْسُهُ بِإِحْدَى يَدَيْهِ ،مُتَلَبِّبًا قَاتِلَهُ بِيَدِهِ الْأُخْرَى، تَشْخُبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا، حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ الْعَرْشَ، فَيَقُولُ الْمَقْتُولُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ :هَذَا قَتَلَنِي؟ فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَاتِلِ: تَعِسْتَ، وَيُذْهَبُ بِهِ إِلَى النَّارِ ) وقال ﷺ ( لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ ).
عباد الله ... ها هو الشرع الحنيف يحرم على المسلم الإشارة إلى أخيه بسلاح ( مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَضَعَهَا وَإِنْ كَانَ أخاهُ لأبيهِ وَأمه ) وما ذاك !! إلا سدًا لذريعة الفساد وصيانةً لدماء المسلمين أن تُنتهك.
يجب أن نُعلِّم أنفسنا وأبناءنا أن البطولات ليست في المضاربات والخصومات وتوجيه السلاح إلى المؤمن، ولكن البطولات تكمن في الالتزام بأمر الله والوقوف عند حدوده.
إن الاعتداء على دماء وأعراض المسلمين ليس من خلق المؤمن الصالح؛ لأن الإيمان حاجزٌ قويٌ دون الشر والفساد، يأمر بالعدل وينهى عن الظلم في الدماء والأموال والأعراض والحقوق كلها، فالمؤمن حقًا لا يغدر ولا يفجرُ ولا يتجبر.
فاتقوا الله عباد الله، وكونوا عباد الله إخوانًا، واتقوا الله فيما أمر، وابتعدوا عما نهى عنه وزجر ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا ) نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، أن يدفع عنا من البلاء ما يؤلمنا ويؤذينا، وأن يلهمنا من العلم النافع والعمل الصالح ما ينجينا، وأن يرزقنا من اليقين ما يهون علينا من مصائب الدنيا.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين ....
معاشر المؤمنين ... إن جريمة القتل هي أول جريمة ارتكبت في الأرض ظلمًا وعدوانًا في عهد آدم عليه السلام، قتل الإنسان لأخيه الإنسان ظلمًا وعدوانًا. والقتل مذموم عند جميع الناس وفي كل الشرائع والأديان والقوانين.
أخبرنا النبي ﷺ منبهًا ومحذرًا ومنفرًا عن خطورة القتل وانتشاره في آخر الزمان (لا تقومُ السَّاعةُ حتَّى يَكثُرَ الهرْجُ ) قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال ( القتْلُ القتْلُ ) وهذا ما نراه واقعاً في حياة كثير من المسلمين.
إنه لمن المؤسف والمحزن حقًا، أن يسمع المسلم بين وقت وآخر ما تهتز له النفوس حزنًا، وما ترجف له القلوب أسفًا عندما يسمع عن قتل نفس على يد آثمة ونفس شريرة مجرمة تسفك دم الناس، كما سمعنا وعلمنا وقرأنا قبل أيام في بعض وسائل الإعلام ما وقع في مدينة بريدة من قتل رجل أمن يقوم بمهمة الأمن والأمان في البلاد وللعباد.
عباد الله ... استهداف رجال الأمن استهداف لنا جميعا، فرجال الأمن حماة الوطن وحراسه والساهرون على ثغوره، إن رجال الأمن مصدر الفخر والاعتزاز، إنهم بفضله وتوفيقه حماةُ الدين وحماة مهبط الوحي، وسيظلون تاج الرؤوس ومصدرَ طمأنينة النفوس.
إن استهداف الأمن من الجرائم وبحق، تعد أعمالاً بشعة ومقيتة، وللقيم والأخلاق مميتة، يشوه بها سمعة الإسلام، وبلد الإسلام، الذي يرفض مثل هذه التصرفات الرعناء، والأفعال الهوجاء. فالله الله بالتكاتف، والرحمة والتآلف، وجمع الكلمة، والحذر الحذر من تلكم الأقلام المسمومة، التي تطعن في الظهور، وتندس في الجحور، تريد النيل من الإسلام ودولة الإسلام، تريد أن تجعل من هذه الحوادث قصصاً منسوجة، ترضي من خلالها أعوانَها، وتطعن في ولائها وبلدها ودينها.
اللهم اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم أيد بالحق والتسديد والعون والتوفيق إمامنا وولي أمرنا وأعز به دينك وأعلِ به كلمتك وارزقه البطانة الصالحة، واجعله نصرة لأوليائك واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يا رب العالمين. اللهم احفظ جنودنا ورجال أمننا وحماة حدودنا اللهم احفظهم بحفظك واكلأهم برعايتك وكن لهم عوناً ونصيراً ومؤيداً وظهيراً، اللهم عليك بالخوارج الفجرة. الخونة الغدرة. اللهم اهتك استارهم وأخرجهم من جحورهم ومكّن منهم جنودنا جنود الحق والتوحيد والسنة يا قوي يا عزيز.وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.