احذروا التكفير وأهله

بسم الله الرحمن الرحيم

إخوة الإيمان والعقيدة .. إنَّ نِعَمَ الله علينا كثيرة، توجب حقوقاً، لأننا سنُسأل عنها بين يدي الله تعالى ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ فإنَّ الله يسأل كلَّ ذي نعمةٍ، عمَّا أنعمَ عليه، فما من نعمةٍ إلا وسيُسأل عنها صاحبها، وهذا شامل لكلَّ ما تفضَّل الله تعالى به على عباده من النعيم.

إنَّ من أعظم نِعمِ الله تعالى، على عباده، نعمةَ الأمنِ، وقد فسَّر عبد الله بن مسعود، النَّعيم في قوله تعالى﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ فقال: الأمن والصِّحَّة، وهذا تفسير للآية ببعض صورها.

إنَّ نعمة الأمن، تنتظم بها كلُّ النِّعَم وتصلح وتستقيم، فجميع النِّعَم تختلُّ وتفسُد، إذا غاب الأمنُ، قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وعلى وسلَّم: (من أصبحَ منكم آمِناً في سِربِهِ، معافىً في جسدهِ، عنده قوتُ يومهِ، فكأنَّما حِيزت له الدُّنيا).

إذا غاب الأمنُ، لم تستقم حياةٌ، ولم يطب عيشٌ، فلا تصلح دنيا، ولا يقوم دين، إلا بالأمن، فالأمن أوَّلُ المطالب، وأساس كلِّ خيرٍ، لذلك لما دعا إبراهيم عليه السَّلام لأهله الَّذين تركهم، في وادٍ غير ذي زرع، دعا أول ما دعا بالأمن ﴿وإذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ ومَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إلَى عَذَابِ النَّارِ وبِئْسَ المَصِيرُ﴾ لا يعرف قدرَ الأمن إلا من فقده، وقد أقام الله تعالى لكم، فيمن حولَكم عظةً وعبرةً، والسَّعيد من وُعِظ بغيره!

أيُّها المؤمنون، إنَّ اختلالَ الفكر، واضطرابَ التَّفكير، من أعظم ما يُزعزعُ نعمةَ الأمن، فاختلال الفكر، واضطرابُ التَّفكير، غشاء يُعمي البصيرةَ، ويوقعُها في الرَّدى، فيرى الحقَّ باطلاً، ويرى الباطلَ حقَّاً.

إنّ من أعظم صور الاختلال الفكريِّ والانحراف العقديِّ، الغُلوَّ في التَّكفير، فبه تُستباحُ الدِّماء، وتُستحلُّ الأموال، وتدمر البلدان، فالتّكفير بالباطل عبر التاريخ بوَّابة كلِّ فتنةٍ وشرٍّ وفسادٍ وبلاء، فيجب الاحتراز من التَّكفير في أهل التَّأويل.

والخوارجُ أعظم من اشتهر بالتَّكفير، وقد ذمَّ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم، مسلك هؤلاء، وبيَّن سبب انحرافهم، في كلامٍ موجزٍ، فقال: (يقرءُون القرآن لا يُجاوز حناجرَهم، يقتلون أهلَ الإسلام ويدَعون أهلَ الأوثان) نعم، إنهم يقرءُون القرآن لكنَّهم لا يفقهون معانيه!

نعم، إنَّهم يستدلُّون على ضلالهم بالقرآن، فيُنزلونه في غير مواضعه، كما قال عبد الله بن عمر، رضي الله عنه: إنهم انطلقوا إلى آياتٍ نزلت في الكفار، فجعلوها على المؤمنين.

أيُّها المؤمنون، إنَّ تورُّطَ فئامٍ من الشَّباب في التَّكفير بالهوى، من غير هُدىٍ؛ حملهم على الإجرامِ في حقِّ أنفسهم وأهليهم وبلدانهم، حملهم على الإفسادِ في الأرض، وإهلاكِ الحرث والنَّسل، وشاهد هذا ما نراه ونسمعه، ممَّا يجري على الإسلام والمسلمين من فسادٍ عريض وشرٍّ مستطير، بسبب هؤلاء الغلاة التَّكفيريِّين، في شرق الأرض وغربها، باسمِ الجهاد، زوراً وبهتاناً.

ليت شعري أيُّ حقٍّ نصروا، وأيُّ خيرٍ نشرُوا، وأيُّ بلدٍ استنقذوا، وأي مظلوم نصروا، ما أصدق وصف النّبيُّ صلى الله عليه وسلم عليهم حين قال: (رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ).

أيُّها المؤمنون، إنَّ مِن تزيُّن الشَّيطان لهؤلاء، أن يُسمُّوا قبيحَ أفعالهم، وشنيع إفسادهم جهاداً، وإصلاحاً، واعلاءً لكلمة الله تعالى، خابوا وخسروا.

الجهادُ ذروة سنام الإسلام، وهو لإعلاء كلمة الله، ولا يكون إلا وفق نور الشَّريعة، وعلى هدي النبي، صلى الله عليه وسلم، صدق عليُّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، حينما سُئل عن قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ قال: هم أهل حروراء، أي: الخوارج، الذين خرجوا في هذه البلدة، وكفَّروا أهل الإسلام، واستحلُّوا دماءَهم.

أسال الله العظيم، ربَّ العرش الكريم، أن يرُدَّ كيدهم في نحورهم، وأن يحميَ بلادنا من شرورهم، وأن يجمعَ كلمتنا على الحقِّ والهدى، وأن يُديم أمننا، وأن يحفظ بلادنا من كلِّ سوء، وأن يحفظ ولي أمرنا وولي عهده الأمين. إنه على ذلك قدير.

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم، لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله رب العالمين ...

معاشر المؤمنين ... اعلموا أنَّه لا نجاةَ للخلق، إلا بالرُّجوع إلى كتاب الله تعالى، وسنَّة رسوله، فأصدقُ الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، صلَّى الله عليه وسلم، إنَّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقومُ، وإنَّ الرجوع إلى كتاب الله عز وجل، يكون بالقراءة والفهم والعمل به.

أيُّها المؤمنون، إنَّ الرجوع إلى أهل العلم غنيمة، وإنَّ الأمن مسئوليَّة الجميع، فكلٌّ منَّا مسؤولٌ عن نعمة الأمن، شكراً وحفظاً وصدَّاً لكلِّ ما يزعزعها، ويسعى إلى إفسادها، هذه مسئوليتنا جميعاً، وفي الصف الأول رجال الأمن، الذين وُكلوا بحفظ أمننا، فلهم منَّا الثَّناء والدُّعاء، واجبهم عظيم، وحقُّهم على بقيَّة الأمة المؤازرةُ، والمناصرة بما يستطيعون، من إعانةٍ، ودعاء، فنحن جميعاً في سفينة واحدة، إذا غرقت فلن ينجوَ أحد!

اللهمَّ آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمَّتنا، وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتَّقاك واتبع رضاك، اللهمَّ إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف، والرَّشاد والغنى، اللَّهمَّ ارزقنا شكرَ نعمك، وأدم علينا فضلك وإحسانك، اللهمَّ لا تؤاخذنا بما فعل السُّفهاء منَّا، اللهمَّ اجمع كلمتنا على الحق والهدى، يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهمَّ وفِّق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين إلى ما تُحب وترضى، اجمع كلمتهم على الحق والهدى، اللهمَّ سدِّدهم في أقوالهم وآرائهم وأعمالهم، يا ربَّ العالمين، ربَّنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين، اللهمَّ اغفر لنا ولإخواننا الَّذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غِلَّاً للذين امنوا، ربَّنا إنَّك رؤوف رحيم.

المرفقات

1709266980_احذروا التكفير.pdf

1709266989_احذروا التكفير.doc

المشاهدات 226 | التعليقات 0