احداث الموت والقبر

سالم بن محمد الغيلي
1442/05/27 - 2021/01/11 05:40AM

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه ما أزهرت النجوم وما أمطرت الغيوم.

-       {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [سورة آل عمران: 102]

-      {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء:1]

-      {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} ]سورة الأحزاب:70[

عباد الله:

الحديث عن لحظات وساعات وأوقات ماعشناها وما جربناها وما أتت علينا, لحظات عاشها من مات وعاصرها من فات وذاقها من أصبح رفات , نذكرها اليوم للذكرى : {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ[ } سورة الذاريات: 55] ,نرى في كل يوم وفي كل صباح وفي كل مساء من يذهب إليها من تأتيه تلك اللحظات, إنها لحظات الموت إنها ساعات النهاية وساعات البداية , مواقف ولحظات وأمور أتت على غيرنا أتت على الأقارب والأباعد والاقوياء والضعفاء والأغنياء والفقراء والملوك والوزراء , ولن يسلم منها أحد منها ولن ينجو منها هارب ولن يختفي منها شارد... نريد أن نعلم ماذا يحدث لهم , هل هو موت وانتهى الأمر ؟ هل هي لحظات خروج الروح ولا شيء بعدها؟ أم ماذا؟

وذكر الموت لن يقربه ولن يبعده , إن الموت حتم لازم لن ينجو منه أحد... حتى ملك الموت سيموت ويذبح بين الجنة والنار, فيقال يا أهل الجنة خلود فلا موت , ويا أهل النار خلود فلا موت , قال الله تعالى: { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ۚ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون } [سورة القصص: 88] ,وقال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ, وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ[  } سورة الرحمن: 26,27 ],وقال سبحانه: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ...} [سورة آل عمران: 185] ,وما نجا منه حتى خير من خلق الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال الله له: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [سورة الزمر: 30], وقال الله له: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ ۖ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [سورة الأنبياء: 34].

لكن أيها الناس أنه لن يأتي هكذا كيفما اتفق... له مواعيد وله أوقات وله لحظات وله ساعات لا يأتي إلا فيها وهي نهاية الأعمار نهاية الأنفاس نهاية الحياة الدنيا , إن الله تعالى قد جعل لكل مخلوق أجل , قد جعل لكل مخلوق عمر لا يزيد عليه ولا ينقص منه, وقد كتب الله الآجال عنده في اللوح المحفوظ من قبل أن يخلق السماوات والارض بخمسين ألف سنة, فإذا جاء الموعد وجاءت ساعة النهاية فلن يفلت منه أحد مهما فعل من أسباب البقاء فلن يستطيع, {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا..} [سورة آل عمران:145] , وقال تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ..} [سورة النساء:78] , وقال تعالى: }وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ [سورة الأعراف:34] , قالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي بزَوْجِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ، وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ، فَقالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: (إنَّكِ سَأَلْتِ اللَّهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ، وَآثَارٍ مَوْطُوءَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ، لا يُعَجِّلُ شيئًا منها قَبْلَ حِلِّهِ، وَلَا يُؤَخِّرُ منها شيئًا بَعْدَ حِلِّهِ، ولو سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ مِن عَذَابٍ في النَّارِ، وَعَذَابٍ في القَبْرِ لَكانَ خَيْرًا لَكِ..الحديث) صحيح مسلم, فلو سأل العبد ربه أن يزيد في عمره سنة أو شهر أو يوم أو ساعة لما حصل له ذلك.

أيها الأحبة ووقت مجيء الموت مجهول لحكمة يريدها الله تعالى , وهذه مسألة خطيرة في غاية الخطورة يجب على اللبيب أن يعمل لها ألف حساب لأنه لا يدري متى يتسلل إلى روحه فيأخذها, {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [ سورة لقمان:34], فإذا جاءت تلك الساعة وتلك اللحظة وتلك الدقائق التي نراها فيمن مات وفيمن فات فإن الله تعالى يرسل ملك الموت لسل تلك الروح أو نزعها , إذا كان مؤمنًا تسل , وإذا كان كافرًا أو فاجرًا تنزع قال تعالى: }وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۖ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ,ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ۚ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ{ {[سورة الأنعام:61,62[, لكن ملك الموت يأتي المؤمنين في صورة حسنة ويأتي الكافر في صورة مخيفة كما في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ العبدَ المؤْمن إذا كان في انْقِطَاعٍ من الدُّنْيَا، وإِقْبالٍ من الْآخِرَةِ، نزل إليه من السَّمَاءِ ملائكةٌ بِيضُ الوجُوهِ، كأَنَّ وجوهَهُمُ الشمسُ ، معهُمْ كفنٌ من أكْفَانِ الجنَّةِ، وحَنُوطٌ من حَنُوطِ الجَنَّةِ ، حتى يَجْلِسُوا منه مَدَّ البَصَرِ ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ المَوْتِ حتى يَجلِسَ عندَ رأسِه فيَقولُ : أيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إلى مغْفِرةٍ من اللَّهِ ورِضْوَانٍ، فتخْرُجُ تَسِيلُ كما تسِيلُ القَطْرَةُ من فِي السِّقَاءِ.. الحديث) إلى أن قال صلى الله عليه وسلم : (وإنَّ العبدَ الكافِرَ إذا كان في انقِطَاعٍ من الدنيا، وإقبالٍ من الآخِرةِ ، نزل إليه من السماءِ ملائكةٌ سُودُ الوجُوهِ معَهُمُ المُسُوحُ ، فيجلِسُونَ منه مَدَّ البَصَرِ ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الموتِ حتى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: يَا أيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ اخْرُجِي إلى سَخَطٍ من اللَّهِ وغَضَبٍ ، فَتَفْرُقُ في جَسَدِهِ فيَنتَزِعُهَا كَما يُنتَزَعُ السَّفُّودُ من الصُّوفِ المَبْلُولِ ... الحديث) صحيح الجامع للالباني .

كل هذه الاحداث الغريبة تحدث للميت ومن حوله لا يشعرون ولا يحسون قال تعالى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ,وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ ,وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ } [سورة الواقعة:83,85[, وكل من جاءه الموت يتمنى الرجعة إلى الدنيا فإذا كان كافرًا ,,فيريد أن يسلم , وإذا كان عاصيًا يريد أن يتوب , ويصور الله تلك اللحظات فيقول:} }حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ,لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ   { [سورة المؤمنون:99,100] , فيقال له: كلا إنها كلمة هو قائلها... مجرد كلام لا ينتفع به خلاص لا عودة ولا رجوع, والمؤمن يفرح بلقاء الله , المؤمن صاحب الإيمان صاحب الصدق والاخلاص والاخلاق صاحب الصلاة والعبادة طاهر القلب واللسان والجوارح, فإنه إذا جاء الموت يفرح بلقاء الله قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: (إذَا وُضِعَتِ الجِنَازَةُ، فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ علَى أعْنَاقِهِمْ، فإنْ كَانَتْ صَالِحَةً قالَتْ: قَدِّمُونِي، قَدِّمُونِي، وإنْ كَانَتْ غيرَ صَالِحَةٍ قالَتْ: يا ويْلَهَا، أيْنَ يَذْهَبُونَ بهَا؟ يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شيءٍ إلَّا الإنْسَانَ، ولو سَمِعَهَا الإنْسَانُ لَصَعِقَ.) صحيح البخاري.

وإذا جاءت ساعة الموت حضر الشيطان , وقد ذكر العلماء ان الشيطان يأتي الإنسان عند وفاته في صورة أمه أو أبيه أو غيرهم ممن هو عليه مشفق فيدعوه إلى اليهودية أو النصرانية , وقد حدث عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل قال: (حضرت وفاة أبي أحمد، وبيدي خرقة لأشد لحييه، فكان يغرق، ثم يفيق، ويقول بيده: لا بعد، لا بعد، فعل هذا مراراً، فقلت له: يا أبت أي شيء يبدو منك؟ قال: إن الشيطان قائم بحذائي عاض على أنامله، يقول: يا أحمد فتني، وأنا أقول: لا بعد، لا بعد، حتى أموت) الحجة في بيان المحجة499/1, هكذا المؤمن يختم له بخير ويصير إلى خير ويثبت بإذن الله على إيمانه وعلى دينه وعلى استقامته وعلى صلته بربه وهو في سكرات الموت, {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ..} [سورة إبراهيم:27] , المؤمن في تلك اللحظات يتشهد يذكر الله أو ساجد أو محرمًا أو يقرأ القرآن أو في المساجد, وفي تلك اللحظات العصيبة من يختم له بسوء الخاتمة اجارنا الله واياكم منها... كم في الناس من يختم له بسوء الخاتمة نعوذ بالله , لذلك يجب أن نحذر من عدة أمور , الامر ليس بالسهل , المسألة جنة أو نار , نعيم أو جحيم, يجب أن نحذر كل الحذر حتى لا تسوء خاتمتنا عند موتِنا :

أولًا- نحذر من فساد العقيدة: احذر أن يفسد اعتقادك في امر من أمور الدين أو تؤمن به على غير مراد الله وعلى غير ماجاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم, لا تعتقد أن الإسلام ظلم المرأة, لا تعتقد أن الإسلام يبيح الأغاني أو الموسيقى أو النظر إلى العاريات أو كشف الوجه للمرأة أو زواج المتعة أو سب الصحابة أو أن الدين تخلف ورجعية وارهاب ولا يصلح لهذا الزمن وأنه ضد التطور والرقي.

لا تعتقد أن المجوس والنصارى واليهود حياتهم أسعد من المسلمين أو أنهم على حق أو انهم على دين عيسى عليه السلام أو أنهم يعذرون بكفرهم لأنهم لا يعلمون الإسلام, احذر من هذه العقائد فإنها من اسباب سوء الخاتمة.

ومن اسباب سوء الخاتمة: الإصرار على المعصية نعلم أنها حرام وأنها سيئة وأنها مخالفة ومع ذلك نصر عليها وفي كل يوم نقترفها ونمارسها فإن ذلك من اسباب سوء الخاتمة والموت مع الاصرار على المعصية.

ومن الاسباب: العدول عن الاستقامة... يعلم إن الاستقامة حق وأنها ترضي الله وتقرب إلى الله وفيها سعادة الدنيا والأخرى ثم لا يهتم ولا يغتم ولا يهمه أن يستقيم ويقبل على الرب الرحيم فيبقى لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ولكنه عند الموت يغلب عليه ما كان مصرًا عليه.

ومن الاسباب: ضعف الايمان وهذا منزلق خطير لأن ضعيف الايمان يفشل عند السكرات ويندهش عند الممات فلا ايمان قوي ولا عمل خالص يثبته في تلك اللحظات, نقل عن الغزالي في الاحياء أن سوء الخاتمة على رتبتين: أحدهما اعظم من الأخرى فأما الرتبة الاولى العظيمة أن يغلب عند الموت الشك أو جحود فتقبض الروح على ذلك فيكون حائلًا عظيمًا بينها وبين الله, والثانية دونها أن يغلب على قلب الميت شيء من أمور الدنيا كان متعلقًا فيه من شهوة أو شبهة فتقبض روحه في حالةِ غلبةِ الدنيا.

اللهم اجرنا من سوء الخاتمة, اللهم ارحمنا قبل الموت وعند الموت وبعد الموت, اللهم لا تكلنا إلى اعمالنا ولا إلى أنفسنا طرفة عين يا أرحم الراحمين.

اقول ماتسمعون...

 

الخطبة الثانية:

الحمدلله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى.

عباد الله:

عن يحيى بن أبي كثير قال: دخل سليمان بن عبد الملك المدينة حاجًّا فقال: هل بها رجل أدرك عدّة من الصحابة؟ قالوا: نعم، أبو حازم، فأرسل إليه، فلما أتاه قال: يا أبا حازم ما هذا الجفاء؟ قال: وأي جفاء رأيت مني يا أمير المؤمنين؟ قال: وجوه الناس أتوني ولم تأتني، قال: والله ما عرفتني قبل هذا، ولا أنا رأيتك فأي جفاء رأيت مني؟ فالتفت سليمان إلى الزهري فقال: أصاب الشيخ وأخطأت أنا، فقال: يا أبا حازم ما لنا نكره الموت؟ فقال: عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة؛ فتكرهون الخروج من العمران إلى الخراب، قال: صدقت، فقال: يا أبا حازم ليت شعري ما لنا عند الله تعالى غدًا؟ قال: اعرض عملك على كتاب الله عز وجل، قال: وأين أجده من كتاب الله تعالى؟ قال: قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ[الانفطار: 13، 14]، قال سليمان: فأين رحمة الله؟ قال أبو حازم: قريب من المحسنين، قال سليمان: ليت شعري كيف العرض على الله غدًا؟ قال أبو حازم: أما المحسن كالغائب يقدَم على أهله، وأما المسيء كالآبق يُقدَم به على مولاه، فبكى سليمان حتى علا نحيبه واشتدّ بكاؤه... فقال سليمان أوصني فقال أوصيك وأوجز عظم ربك ونزهه أن يراك حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك) ج2 /ص147 - كتاب إحياء علوم الدين - كتاب الحلال والحرام - المكتبة الشاملة الحديثة

أيها الأحبة, ثم بعد الموت وخروج الروح ينتقل الميت إلى القبر فيا ترى ما تلك الحفرة؟ هل هي تراب فقط وطين وانتهى الأمر؟ أم ماذا فيها؟

إن في تلك الحفرة امور عظيمة يجب على المسلم أن يعلمها ويعد لها العدة

أولها: أن القبر أول منازل الآخرة, يقول عنه صلى الله عليه وسلم: (إنَّ القَبرَ أوَّلُ مَنازِلِ الآخِرةِ ، فإِنْ نَجَا مِنهُ ، فمَا بَعدَه أيسرُ مِنهُ ، و إنْ لَم يَنْجُ مِنهُ ، فمَا بَعدَهُ أشَدُّ مِنهُ) حسنه الالباني في صحيح الجامع من حديث عثمان بن عفان.

ثانيها: أن القبر ظلمة لا يشابهها ظلمة ولكن اهل الإيمان والصلاح ينور الله قبورهم عليهم, قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ هذِه القُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً علَى أَهْلِهَا، وإنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لهمْ بصَلَاتي عليهم.. الحديث) صحيح مسلم والحديث له قصة.

وثالثها: أن القبر له ضمة لا ينجو منها أحد ولكن على قدر عمل العبد يكون قدر ضمة القبر, قال صلى الله عليه وسلم عن سعد بن معاذ رضي الله عنه: (هذا الذي تَحَرَّكَ لهُ العرْشُ ، وفُتِحَتْ لهُ أبوابُ السماءِ ، وشهِدَهُ سبْعونَ ألْفًا من الملائِكةِ ، لقدْ ضُمَّ ضَمَّةً ، ثمَّ فُرِّجَ عنْهُ) صحيح الجامع للالباني.

ورابعها: أن في القبر اختبار واسئلة فناجح وراسب والاسئلة ثلاثة من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟

خامسها: ان في القبر نعيم وأن في القبر جحيم, صاحب النميمة يعذب في قبره والذي لا يستبرئ من بوله يعذب في قبره, والذي ينام عن الصلاة المكتوبة يعذب في قبره, والذي يكذب ويغتاب ويأكل لحوم الناس يعذب في قبره, ومن غل أو أخذ شيئًا لا يحق له سواءً من مقر عمله أو على أحد من الناس حتى ولو كان كافرًا عذب في قبره, ولذلك قتل رجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا له الشَّهَادَةُ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: بَلْ، والذي نَفْسِي بيَدِهِ، إنَّ الشَّمْلَةَ الَّتي أصَابَهَا يَومَ خَيْبَرَ مِنَ المَغَانِمِ، لَمْ تُصِبْهَا المَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عليه نَارًا فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذلكَ مِنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بشِرَاكٍ أوْ بشِرَاكَيْنِ، فَقَالَ: هذا شيءٌ كُنْتُ أصَبْتُهُ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: شِرَاكٌ - أوْ شِرَاكَانِ - مِن نَارٍ... الحديث) اخرجه البخاري ومسلم.

وهاجر القرآن والزاني وآكل الربا يعذبون في القبور , وارجعوا في ذلك إلى حديث الرؤيا رواه البخاري, ومن عليه دين يحبس في قبره , ومن ناح عليه اهله بعد موته عذب في قبره بنياحة أهله.

فالله الله أيها الأحبة الله الله الامر جد ولتلك اللحظات يجب أن نستعد.

 

لا شَيْءَ مِمَّا تَرَى تَبْقَـى بَشَاشَتُهُ     يَبْقَى الإِلَهُ وَيَفْنَى الْمَالُ وَالْوَلَـــدُ

لَمْ تُغْنِ عَنْ هُرْمُزَ يَوْمًا خَزَائِنُـهُ     وَالْخُلْدُ قَدْ حَاوَلَتْ عَادٌ فَمَا خَلَدُوا

وَلا سُلَيْمَانُ إِذْ تَجْرِي الرِّيَاحُ لَهُ     وَالإِنْسُ وَالْجِنُّ فِيمَا بَيْنَهُا تَرِدُ..!

أَيْنَ الْمُلُوكُ الَّتِي كَانَتْ لعزتها       مِنْ كُلِّ أَوْبٍ إِلَيْـــهَا وَافِدٌ يَفِــدُ

حَوْضًا هُنَالِكَ مَوْرُودٌ بِلا كَـذِبٍ     لا بُـدَّ مِنْ وِرْدِهِ يَوْمًا كَمَا وَرَدُوا

وصلوا وسلموا...

والله اعلم

جامع النور 1436/3/4هـ
المرفقات

javascript:alert("1");

المشاهدات 972 | التعليقات 0