اجعل عامك مختلفًا

د عبدالعزيز التويجري
1442/01/20 - 2020/09/08 19:52PM

الشيخ: عبدالعزيز حمود التويجري 

المملكة العربية السعودية/  بريدة- حي الصباخ/ جامع إبراهيم الخليل -عليه السلام- 

الخطبة الأولى : اجعل عامك مختلفا .     1/1/1442هـ

الحَمْدُ للهِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ، نَشْكُرُ ربنا على ما من علينا من الخير والبر والإحسان، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ هَدَانَا لِلْإِيمَانِ، وَعَلَّمَنَا القُرْآنَ؛ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِوَأَصْحَابِهِ والتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.أَمَّا بَعْدُ:

فاتقوا الله ويعلمكم الله ، واعلموا انكم ملا قوه ..

عُمْرُ الإنسان لا يقاس بالسنين ، والأممُ لا يحسب تاريخها بعمرها ، والرجالُ لا يُذكرون إلا بأعمالهم .

قد مات قومٌ وما ماتت مكارمُهم                                وعاش قومٌ وهم في الناس أمواتُ

وأصدق الأسماء (حارث وهمام ): من الهَمِ والإرادة ، والحارث : من العمل والحرث. 

لكل إنسان أمنية وطموح وآمال .. فمن الناس من تكون طموحه وأمانيه حبيسةَ الأفكار ، ورهينةَ التسويفِوالإهمال ، ومنهم من تتجسد هذه الأمنيات والتطلعات إلى لبناتٍ في كل يوم يضع لبنةً أو لبنتين فما ينصرم عام حتى يسقف سقفاً ، وفي نهاية عمره يرى ناطحاتٍمن الأعمالِ والمنجزاتِ مشدودة ، إما على مستوى النفس، أو الأسرة ، أو المجتمع ، أو الأمة ، يتفيئ ظلا لها .

   لَوْلا المشقةُ سَادَ النَّاسُ كلُّهمُ                              الجُودُ يُفقِرُ والإِقْدامُ قَتَّالُ

اجتمع في الحِجر صَحَابِيَّانِ وَتَابِعِيَّانِ .. ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وأخوه مُصْعَبُ ، فَقَالُوا تَمَنَّوْا؟ قَالَ عَبْدُاللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَمَّا أَنَا فَأَتَمَنَّى الخِلَافَةَ، وَقَالَ عُرْوَةُ: أَمَّا أَنَا فَأَتَمَنَّى أَنْ يُؤْخَذَ عَنِّي العِلْمُ، وَقَالَ مُصْعَبٌ: وَأَمَّا أَنَا فَأَتَمَنَّى إِمَارَةَ العِرَاقِ، وَالجَمْعَ بَيْنَ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ وَسُكَيْنَةَ بِنْتِ الحُسَيْنِ، وَقَالَ عَبْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ: وَأَمَّا أَنَا فَأَتَمَنَّى مَغْفِرَةَ اللهِ والجنة.

وَبِصِدْقِ عَزِيمَةِ هَؤُلَاءِ وَعُلُوِّ هِمَّتِهِمْ، حققوا مرادهم، فتَقَلَّدَ عَبْدُاللهِ بْنُ الزُّبَيرِ الخِلَافَةَ، وَأُخِذَ عَنْ عُرْوَةَ العِلْمُ حَتَّى عُدَّ فِي الفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَتَوَلَّى مُصْعَبٌ إِمَارَةَ العِرَاقِ، وَتَزَوَّجَ سُكَيْنَةَ بِنْتَ الحُسَيْنِ، وَكابد ابْن عُمَرَ قيام الليل ونشر العلم والتمسك بالسنة لينال المغفرة والجنة .

من تمنى أن يكون من أهلِ القرآنِ ليحيا به آناءَ الليل والنهار ، فليضع حفظ القرآن مشروعة ، ويرسم له برنامجه، ويثني ركبته عند حافظ ، ليكون من أهل القرآن.

ومن تطلع لأن يؤخذ عنه العلم ، ويكون منارة يُهتدى به، فليكن الكتاب جليسه ، وحلق العلم أنيسه.

ومن تطلع لأن يرفع من قيمة بيته ، وتكون أسرته قرة عين له ولأمته ، فليلزم عتبة داره ، ولا تشغله عنهم تجارةًأو لهواً .

ومشاريع الحياة كثيرة .. يفرج هماً ، يقضي دينًا ، يكفل يتيمًا ، يعول أرملةً ، ينصر مظلوماً ، يمنع باطلاً ، ينكر منكراً ، يقيم معروفاً ، ينصر حقا ، يزيل منكرا ، يعلم جاهلاً ، يهدي ضالاً .. وغيرها من أبواب الخير المُشرعة، يختار منها الإنسان ما وافق ميوله وتيسرت أسبابه ..

    فبادر ما دام في العمر فسحة  ...  وعقلك مقبول وطرفك قيم

   وجدّ وسارع واغتنم زمن الصبا  ... ففي زمن الإمكان تسعى وتغنم

أسامة بن زيد: يقود جيشاً عرمرماً ، وفيه كبار الصحابة.

ومعاذ ومعوذ ابنا عفراء: يتصديان لقتل فرعون هذه الأمة.

وابن عباس ترجمان القرآن: كان مرجعية علمية وآية في الفهم على صغر سنه.

وأشبال في القديم والحديث حفظوا القرآن في ريعان الشباب ، وأتبعوه بكنوز السنة .

لا يخلو مسلم من وجود نقطة تميزه ، وإبداع يُفوقهعلى غيره ، فلِمَ لا تُخرج هذه الكنوز ؟ ولمَ لا تظهر هذه الإبداعات ؟ بدل أن تذهب جوهرة أعمارنا  هدراً لمتابعة حياة الآخرين ، أو تمحق بركتها أجهزةُ لا تقتل صيداً ولا تنكأ عدوا.

إن أحوج ما تكون الأمة له في هذا العصر .. إلى تاجرٍأمين ، ومربن فطين ، ومعلمٍ ناصحٍ أمين ..

قال عليه الصلاة والسلام : "يوشِكُ الأُممُ أن تَداعَى عليكم كما تَداعَى الأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها" قالوا يا رسول الله : ومن قلَّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: "بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكم غُثاءٌ كغثاء السَّيلِ، ولَينْزِعَنَّ اللهُ مِن صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم، وليقذفنَّ اللهُ في قلوبِكم الوَهْنَ".  أخرجه أبوداود في سننه.

لا بد أن يكون لكل واحد عملٌ يرفع به همته ، وينفع به نفسه وأمته ، ويزل عن كاهله الخنوع والوهن .

وليكن عامك هذا مختلفا في صلاتك وإحسانك ووصلك وحسن خلقك ..

فإِنْ ضَعُفتَ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ فَكُفُّ عن مخالفات وسيئات .. كإسبال أو أخذ من اللحية ، أو نظر محرم أو سماعه ، أو سوء خلق ، أو تقصير في طاعة ، أو ترك لسنة، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ ، وهو أعظم مشروع في إصلاح حياتك.

فتوكل على الله، واستعن بالله ولا تعجز .. واغتنم حياتك قبل موتك ، وشبابك قبل هرمك ، فما تغرسه اليوم ستستظل به غداً ..

تَناوَلْ مِن الأَغصَانِ مَا تَستَطِيعهُ   ***  وَجاهِد عَلى الغُصنِ الذي لا تُطَاوِلُهْ

أستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إن ربنا لغفور شكور.

            

الخطبة الثانية:

الحمدلله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتننا وصلى الله وسلم على على عبده ورسوله اما بعد .

في بيوتنا كنوز ، وفي محاضننا العلمية والتربوية والقرآنية فلتات من الإبداع والذكاء والفطنة .. ومن الجدير فيها إحياء الأمة بهم ، وبناء البيوت من خلالهم ، وذلك باكتشاف الطاقات والمواهب والقدرات من هذه الفلذاتواستثمارها وتوظيفها في مجالها ، وهذا هو نهج المربي الأول ، وصانع مدرسة الأمة عليه الصلاة والسلام ، فكان إذا لفت نظره شخص في تميز معين وظفها مباشرة .

قَالَ أَبُو مَحْذُورَةَ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ r مِنْ حُنَيْنٍ خَرَجْتُ فِي عَشَرَةِ فِتْيَانٍ وَهُوَ أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيْنَا، فَأَذَّنُوا فَقُمْنَا نُؤَذِّنُ نَسْتَهْزِئُ بِهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ r: (لَقَدْ سَمِعْتُ فِي هَؤُلاَءِ تَأْذِيْنَ إِنْسَانٍ حَسَنِ الصَّوْتِ) .

فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا، فَأَذَّنَّا رَجُلاً رَجُلاً، فَكُنْتُ آخِرَهُم، فَقَالَ حِيْنَ أَذَّنْتُ: (تَعَالَ) .

فَأَجْلَسَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِي، وَبَارَكَ عَلَيَّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: (اذْهَبْ، فَأَذِّنْ عِنْدَ البَيْتِ الحَرَامِ) .

قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ أَبُو مَحْذُوْرَةَ يُؤَذِّنُ بِمَكَّةَ خمسين سنة.وقد كانت بدايته غلاماً يرعى الغنم.

ونظر سفيان الثوري إلى عيني وكيع بن الجراح وقال: ترون هذا الرؤاسي لا يموت حتى يكون له شأن.

وتفرس الإمام أبو حنيفة في أبي يوسف فكان علامة مذهبه. 

ومالك تفرس في الشافعي النجابة . قال الشافعي لما سرت إلى المدينة ولقيت مالكاً وسمع كلامي نظر إلي ساعة وكانت له فراسة ، ثم قال لي ما اسمك؟ قلت محمد. قال يا محمد اتق الله واجتنب المعاصي ، فإنه سيكون لك شأن من الشأن.

وقال الحافظ الذهبي : وكان لعلم الدين البرْزَالي أثرُ علي ، وَهُوَ الذي حبّبَ إِلَى طلب الحَدِيث، فَإِنَّهُ رأى خطي،فَقَالَ خطك يشبه خط الْمُحدثين، فأثّر قَوْله فيّ ، فكان الذهبي بعد ذلك حافظاً وإماما في الحديث ، حتى قال الحافظ ابن حجر شربت ماء زمزم وسألت الله أن يبلغني مرتبة الذهبي في الحفظ  .

هذه شذرات لأئمة كبار غيرت مسار حياتهم كلمات من أساتذتهم أثرت فيهم ، وصنعت منها مجدا حافلا . .

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ورزقنا الإخلاص وجنبنا وذرياتنا الفتن .

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد

                               

 

المشاهدات 718 | التعليقات 0