اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ... 1- الشِّرْكُ بِاللهِ
مبارك العشوان 1
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيْهِ، وَنَعُوْذُ بِهِ تَعَالَى مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
عِبَادَ اللهِ: رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَـافِلاتِ ).
يُحَذِّرُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ مِنَ الذُّنُوبِ المُهْلِكَةِ.
وَأَعْظَمُهَا إِهْلَاكًا لِصَاحِبِهِ: الشِّرْكُ بِاللهِ؛ وقد سُئِلَ: صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللهِ أَكْبَرُ؟ قَالَ: ( أَنْ تَجْعَلَ لِلهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ،...) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ. وَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } لقمان 13 قَالَ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: ( وَوَجْهُ كَوْنِهِ ظُلمًا عَظِيمًا أَنَّهُ لَا أَفْظَعَ وَلَا أَبْشَعَ مِمَّنْ سَوَّى المَخْلُوقَ مِنْ تُرَابٍ بِمَالِكِ الرِّقَابِ، وَسَوَّى الَّذَي لَا يَمْلِكُ مِنَ الأَمْرِ شَيْئًا بِمَالِكِ الأَمْرِ كُلِّهِ، وَسَوَّى النَّاقِصَ الفَقِيرَ مِنْ جَمِيعِ الوُجُوهِ بِالرَّبِّ الكَامِلِ الغَنِيِّ مِنْ جَمِيعِ الوُجُوهِ وَسَوَّى مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنعِمَ بِمِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنَ النِّعَمِ بِالَّذِي مَا بِالخَلْقِ مِنْ نِعْمَةٍ فِي دِينِهِمْ وَدُنيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ وَقُلُوبِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ إِلَّا مِنْهُ، وَلَا يَصْرِفُ السُّوءَ إِلَّا هُوَ، فَهَلْ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا الظُّلْمِ شَيءٌ؟! وَهَلْ أَعْظَمُ ظُلْمًا مِمَّنْ خَلَقَهُ اللهُ لِعبَادَتِهِ وَتَوحِيْدِهِ فَذَهَبَ بِنَفْسِهِ الشَّرِيفَةِ فَجَعَلَها فِي أخَسِّ المَرَاتِبِ؟! جَعَلَها لِمنْ لَا يَسْوَى شَيْئًا؛ فَظَلَمَ نَفْسَهُ ظُلمًا كَبِيٍرًا ) أ هـ
الشِّرْكُ هُوَ مُحْبِطُ الأَعْمَالِ؛ فَلَا يَنْفَعُ مَعَ الشِّرْكِ عَمَلٌ، بَلْ إِنَّهُ إِذِا دَخَلَ العَمَلَ أفسَدَهُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: { وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }الأنعام 88
الشِّرْكُ هُوَ الذَّنْبُ الَّذِي لَا يُغْفَرُ إِلَّا بِتَوبَةٍ، وَهُوَ مَا حُرِّمَتِ الجَنَّةُ عَلَى فَاعِلِهِ، وَجُعِلَتِ النَّارُ مَأْوَاهُ: { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } المائدة 72 وَقَالَ تَعَالَى: { إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افـْتَرَى إِثْماً عَظِيماً } النساء48
وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ الشِّرْكَ مُهْلِكًا لِصَاحِبِهِ؛ فَإِنَّ التَّوحِيدَ نَجَاةٌ وَفُوزٌ وَفَلَاحٌ؛ يَقُولُ تَعَالَى فِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: ( يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ) رواه الترمذي وصححه الألباني. وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ لِمُعَاذٍ: ( يَا مُعَاذُ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ؟ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ؟ قَالَ قُلْتُ اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا...) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
حَقٌ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَحْذَرُوا الشِّرْكَ غَايَةَ الحَذَرِ؛ وَيَجْتَنِبُوا وَسَائِلَهُ كَمَالَ الِاجْتِنَابِ؛ وَيُذَكِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِخَطَرِهِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخَافُهُ عَلَى أُمَّتِهِ كَثِيرًا، وَيُحَذِّرُ مِنْهُ كَثِيرًا.
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُصْلِحَ وَيَحْفَظَ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أمْرِنَا وَدُنْيَانَا الَّتِي فِيْهَا مَعَاشُنَا وَآخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا؛ وَأَنْ يُبَارِكَ لِي وَلَكُمْ... وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ... الغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ. أَمَّا بَعْدُ:
فَاحْفَظُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - تَوْحِيْدَكُمْ، وَالْزَمُوا سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم، وَسُنَّةَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، الزموا مَا كَانَ عَلَيْهِ صَالِحِي سَلَفِكُمْ، وَتَنَبَّهُوا لِمَا يُحِيْطٌ بِنَا وَبِأَبْنَائِنَا مِنَ الخَطَرِ عَلَى الثَّوَابِتِ العَقَدِيَّةِ، تَنَبَّهُوا لِمَا تَبُثُّهُ مِنَ السُّمُومِ بَعْضُ القَنَوَاتِ، ومَوَاقِعُ الإِنْتَرْنِتِ، وَمَا يُلقَى فِيْهَا مِنَ الشُّبَهِ؛ وَيُدَسُّ مِنَ القَصَصِ، وَالمَنَامَاتِ، وَالأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ، وَالمَوضُوعَةِ؛ فَيَتَلَقَّفُهَا مَفْتُونٌ، وعَامِّيٌ، وَصَغِيرُ سِنٍ، وَقَلِيلُ عِلْمٍ؛ وَلَرُبَّمَا زَاغَ - عِيَاذاً بِاللهِ - وَانْحَرَفَ.
اِحْذَرُوا أَشَدَّ الحَذَرِ مَا يَنْقُضُ التَّوْحِيْدَ وَمَا يُنْقِصُهُ.
اِحْذَرُوا الشِّرْكَ وَوَسَائِلَهُ مِنَ الغُلُوِّ وَالْبِدَعِ، وَاحْرِصُوا أَنْ تَلْقَوا رَبَّكُمْ بِعَقِيْدَةٍ صَافِيَةِ، وَإِيْمَانٍ خَالِصٍ، وَقُلُوبٍ سَلِيْمَةٍ مِنَ الشَّهَوَاتِ، سَلِيمَةٍ مِنَ الشُّبُهَاتِ؛ فَإنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ يَومَ القِيَامَةِ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.
رَزَقَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ قُلوبًا سَلِيمَةً، وَأَجَارَنَا مِنَ الشِّرْكِ، وَهَدَانَا وَوَفَّقَنَا وَثَبَّتَنَا عَلَى التَّوْحِيدِ الخَالِصِ.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَــــا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُــوا صَلُّـــوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُــــــوا تَسْلِيمـًا }الأحزاب 56
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.