اتَّبِعُوا ولَا تَبْتَدِعُوا ،وَيَسَعُكَم مَا وَسِعَهُمْ

محمد البدر
1444/07/04 - 2023/01/26 07:58AM

الْخُطْبَةُ الأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

أمّا بعدُ:فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهدْيِ هدْيُ محمدٍﷺوشرَّ الأمورِ مُحدَثاتُها، وكلَّ مُحدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾.فحرّم اللهُ ظلمَ النفسِ في كلِّ الشهورِ ولكنْ في الأشهرِ الحُرُمِ يكونُ أشدَّ تَحْريماً وأشدَّ تعظيماً وإن من أشدِّ  وأقبح الظلم وأشنعه الشرك بالله,قَالَﷺ«الظُّلْمُ ثَلَاثةٌ:فَظُلْمٌ لَا يَغْفِرُهُ اللهُ، وَظُلْمٌ يَغْفِرُهُ، وَظُلْمٌ لَا يَتْرُكُهُ، فَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يَغْفِرُهُ اللهُ، فَالشِّرْكُ ,قَالَ اللهُ:﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي يَغْفِرُهُ، فَظُلْمُ العِبَادِ أَنْفُسَهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ - عز وجل - وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يَتْرُكُهُ، فَظُلْمُ العِبَادِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا , حَتَّى يُدَبِّرُ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ »حَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.فكل صور الظلم محرمةٌ على العباد, فَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّﷺفِيمَا يَرْوِيه عَنْ رَبِّهِ قَالَ :«يَا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْت الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي ، وَجَعَلْته بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا ، فَلَا تَظَالَمُوا»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.وَقَالَﷺ«الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.فَمِنَ الظلمِ:ظُلمُ النفْسِ بالبِدَعِ والمعاصِي والذنُوبِ،وَالشِّرْكَ.قَالَ تَعَالَى:﴿وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ﴾ومِن الظلمِ:ظلمُ الناسِ بِأَخْذِ حُقوقِهِمْ الخاصَّةِ والعامَّةِ. قَالَ تَعَالَى:﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾.

عِبَادَ اللَّهِ:اعلموا أن العبادة لا تقبل إلا بشرطان:أن تكون خالصة لله ؛ قَالَ تَعَالَى:﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾.وضد الإخلاص:الشرك وأن تكون موافقة لسنة النَّبِيُّﷺفَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِﷺ:«مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وضد السنة والإتباع:البدعة والابتداع. فبذلك نعلم أنه لا يجوز تخصيص زمان أو مكان بعبادة معينة ، أو اعتقاد أنه له فضيلة على غيره إلا بدليل من كتاب أو سنة ، ومن خصص بغير دليل فقد ابتدع في الدين مالم يأذن به الله.

عبادَ الله:الرَّوافضِ والصَوُّفِيه هم الذين اشاعوا وابتكروا الاحتِفالِ بِحَادِثَةِ الإِسرَاءِ والمِعرَاجِ وأنَّها في رَجَبٍ، قَالَ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ :لَم يَقُم دَليلٌ مَعلُومٌ لا على شَهرِها ولا على عَشرِها ولا على عَينِها،بل النُّقُولُ في ذَلِكَ مُنقَطِعَةٌ مُختَلِفَةٌ.إلخ.

وَمِنْ الأمورِ الْمُحْدَثةِ في شهر رجب:صلاةِ الرغائِبِ، قَالَ ابنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ:لم يصحَّ في شَهرِ رَجَبٍ صلاةٌ مَخصُوصَةٌ,والأحاديثُ المَرويَّةُ في فَضلِ صَلاةِ الرَّغَائِبِ في أوَّلِ لَيلةِ جُمُعَةٍ فيهِ كَذِبٌ وبَاطلةٌ, وهي بِدعَةٌ عندَ جُمهورِ العُلمَاءِ.إلخ.

ومِنَ الأمورِ الْمُبْتَدَعَةِ:ما يَفْعَلُهُ بعضُ الناسِ مِنْ تَخْصِيصِ شَهْرِ رجبٍ بالصِّيام واعْتقادِ أنَّ الصومَ فيه لهُ فضْلٌ ومَزِيَّةٌ عَن غَيْرِهِ مِنْ الشُّهورِ، ولَمْ يَصِحَّ في صَوْمِ شَهْرِ رَجَبٍ بِخُصوصِهِ حَديثٌ. ولكنْ مَنْ كانَ له عادةُ صَوْمٍ يَصومُها فَلْيَفْعَلْ، بل لَمْ يكنْﷺيَصُومُ شَهْراً كامِلاً سِوَى رمضانَ كمَا رَوَتْ ذلك أمُّ المؤمنينَ عائشةُ -رضي الله عنها[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]..قَالَ الشَّيخُ ابنُ العُثَيمِينَ رحمهُ الله:ليسَ لِشهرِ رَجَبٍ مِيزَةٌ عن سِواهُ من الأَشهُرِ الحُرُمِ،ولا يُخصُّ بِعمرةٍ ولا بِصيامٍ ولا بِصلاةٍ ولا بِقَراءَةِ قُرآنٍ؛بل هو كَغيرِهِ من الأَشهُرِ الحُرُمِ،وكلُّ الأَحَادِيثِ الوَارِدَةِ في فَضْلهِ ضَعيفَةٌ لا يٌبنى عليها حُكمٌ شَرعِيٌّ.اهـ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا...

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

وَقَالَ تَعَالَى:﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.فَمَحَبَّةُ الرِّسُولِﷺحقيقةً تَكونُ في اتِّبَاعِ أمرِهِ،واجتِنَابِ نَهيِهِ، والوُقُوفِ عِندَ سُنَّتِهِ وهَديِهِ.

ففي صحيحِ مُسلمٍ أنّ رسولَ اللهﷺقالَ في حَجَّةِ الوداعِ:(وإنّي تركتُ فيكمْ ما إنْ تَمَسّكْتُمْ بهِ لنْ تَضِلّوا أبَداً كتابَ الله، وسُنَّتي).فَلوْ أردَنا الخيرَ والتّمَسُّكَ بالطاعاتِ فهي كثيرةٌ فَلا داعِيَ للزيادَةِ عَلى ما عَلّمَنا إيّاهُ رسولُ اللهِﷺولْنَقُمْ بِما أَمَرَنا بِه، ومَنْ فَعَلَ ذلكَ فَقَدْ ضَمِنَ لهُ الفوزَ والفلاحَ في الدنيا والآخرةِ.

عِبَادَ اللهِ:إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد.وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. واحفظ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء يا ربَّ العالمين، واللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.

عِبَادَ اللَّهِ:اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.

المرفقات

1674708923_اتَّبِعُوا ولَا تَبْتَدِعُوا ،وَيَسَعُكَم مَا وَسِعَهُمْ.pdf

المشاهدات 1018 | التعليقات 2

الله يسعدك ياشيخ خطبكم قصيرة وافيه كافية شافية 


جزاك الله خيرا