اِبْدَأوا بِالصَّلَاةِ

سعود المغيص
1445/09/11 - 2024/03/21 15:06PM

الخُطْبَةُ الأُولَى

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. 

أمَّا بعدُ عباد الله :

اتَّقُوا اللهَ تعالى واعْلَمُوا أَنَّ وَإِنَّهُ مَهمَا اجتَهَدَ المَرءُ في صِيَامٍ أَو قِيَامٍ، أَو قِرَاءَةِ قُرآنٍ أَو ذِكرٍ أَو دُعَاءٍ، أَو صَدَقَةٍ أَو تَفطِيرِ صَائِمِينَ، فَإِنَّ ثَمَّ بَابًا عَظِيمًا مِن أَبوَابِ الإِسلامِ، بَل هُوَ أَصلٌ وَأَسَاسٌ لا يَقُومُ بِنَاءٌ إِلاَّ بِهِ، وَلا يُقبَلُ عَمَلٌ إِلاَّ بِتَمَامِهِ، وَلا يُفلِحُ وَيُنجِحُ إِلاَّ مَن أَفلَحَ فِيهِ وَأَنجَحَ، وَهُوَ بَابٌ كُلُّهُ أُجُورٌ مُضَاعَفَةٌ وَحَسَنَاتٌ، وَفَضَائِلُ مُتَعَدِّدَةٌ وَدَرَجَاتٌ، وَمَعَ هَذَا يُرَى التَّقصِيرُ فِيهِ وَاضِحًا مِن كَثِيرٍ مِنَ المُسلِمِينَ حَتَّى في رَمَضَانَ، إِنَّهَا الصَّلاةُ، نَعَم، إِنَّهَا الصَّلاةُ، رُكنُ الإِسلامِ الأَهَمُّ بَعدَ الشَّهَادَتَينِ، وَالفَارِقَةُ بَينَ الكُفرِ وَالإِسلامِ، وَفَرِيضَةُ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ مِن فَوقِ سَبعِ سَمَاوَاتِهِ، وَوَصِيَّةُ نَبِيِّهِ الأَمِينِ لأُمَّتِهِ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفسِهِ، عَن عَبدِاللهِ بنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَأَلتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ العَمَلِ أَفضَلُ؟ قَالَ: "الصَّلاةُ لِوَقتِهَا"، قَالَ: قُلتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "بِرُّ الوَالِدَينِ"، قَالَ: قُلتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ"؛.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ : إِنَّهُ لا يَصِحُّ لامرِئٍ صَومٌ وَلا تُقبَلُ لَهُ زَكَاةٌ وَلا صَدَقَةٌ، وَلا يُجزِئُهُ حَجٌّ وَلا تُرفَعُ لَهُ نَافِلَةٌ وَلا يُسمَعُ لَهُ دُعَاءٌ، وَلا يَنفَعُهُ حُسنُ خُلُقٍ، وَلا يَرفَعُهُ طِيبُ ذِكرٍ عِندَ الخَلقِ، مَا لم يَستَقِمْ لَهُ أَمرُ صَلاتِهِ، وَمَا لم يَكُنْ حِفظُهَا وَالمُحَافَظَةُ عَلَيهَا هُوَ هَمَّهُ وَشَاغِلَ فِكرِهِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "خَمسُ صَلَوَاتٍ افتَرَضَهُنَّ اللَّهُ تَعَالى، مَن أَحسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلاَّهُنَّ لِوَقتِهِنَّ، وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ، كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهدٌ أَن يَغفِرَ لَهُ، وَمَن لم يَفعَلْ فَلَيسَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهدٌ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ"؛

أَيُّهَا المُسلِمُونَ : الصَّلاةُ تَغسِلُ الخَطَايَا وَتَحُطُّهَا، وَتُكَفِّرُ الذُّنُوبَ وَتَمحُو السِّيَّئَاتِ، وَيَرفَعُ اللهُ بها الدَّرَجَاتِ، وَالمَشيُ إِلَيهَا تُكتَبُ بِكُلِّ خَطوَةٍ مِنهُ حَسَنَةٌ وَتُرفَعُ دَرَجَةٌ وَتُحَطُّ خَطِيئَةٌ، وَكُلَّمَا غَدَا إِلَيهَا المُسلِمُ أَو رَاحَ، تُعَدُّ لَهُ الضِّيَافَةُ بِذَلِكَ في الجَنَّةِ، وَأَجرُ مَن خَرَجَ إِلَيهَا كَأَجرِ الحَاجِّ أَوِ المُعتَمِرِ، وَانتِظَارُهَا رِبَاطٌ في سَبِيلِ اللهِ، وَالمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى صَاحِبِهَا مَا دَامَ في مُصَلاَّهُ، وَهِيَ نُورٌ لِصَاحِبِهَا في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ، وَهِيَ مِن أَعظَمِ أَسبَابِ دُخُولِ الجَنَّةِ بِرِفقَةِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِكُلِّ هَذَا صَحَّتِ الأَحَادِيثُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، والصَّلاةُ أَيُّهَا المُسلِمُونَ، تَجمَعُ أَنوَاعًا مِنَ العِبَادَةِ، فَفِيهَا قِرَاءَةُ القُرآنِ، وَفِيهَا الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، وَأَقرَبُ مَا يَكُونُ العَبدُ مِن رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، وَفي الصَّلاةِ الدَّعَاءُ وَالذِّلُّ للهِ وَالخُضُوعُ، وَفِيهَا مَنَاجَاةُ الرَّبِّ سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وَفِيهَا التَّكبِيرُ وَالتَّسبِيحُ، وَفِيهَا الصَّلاةُ عَلَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ مِن بَينِ الأَعمَالِ وَخَاصَّةً في رَمَضَانَ، تُعَدُّ أَعظَمَ العِبَادَاتِ وَأَفضَلَ القُرُبَاتِ، وَالعَمَلَ الجَلِيلَ الَّذِي لا يَعدِلُهُ عَمَلٌ في المَكَانَةِ وَكَبِيرِ الأَجرِ وَعَظِيمِ الأَثَرِ،

وَإِنَّهُ لَمِمَّا يُؤسِفُ وَيُحزِنُ وَيُقَطِّعُ قَلبَ المُؤمِنِ أَسًى وَهَمًّا وَغَمًّا، أَن يُوجَدَ فِئَامٌ مِنَ المُسلِمِينَ يَصُومُونَ وَلا يُصَلُّونَ، أَو يُصَلُّونَ بَعضَ الصَّلَوَاتِ وَيَترُكُونَ بَعضًا، أَو يَحرِصُونَ عَلَى صَلاةِ التَّرَاوِيحِ مَعَ الجَمَاعَةِ وَيُفَرِّطُونَ في الصَّلَوَاتِ المَفرُوضَةِ أَو يُؤَخِّرُونَهَا عَن وَقتِهَا وَلا يُدرِكُونَهَا مَعَ الجَمَاعَةِ، أَو لا يَحرِصُونَ عَلَى إِدرَاكِ تَكبِيرَةِ الإِحرَامِ مَعَ الإِمَامِ، مَعَ التَّفرِيطِ في السُّنَنِ القَبلِيَّةِ وَالبَعدِيَّةِ، أَو يَنشَطُونَ في أَوَّلِ رَمَضَانَ بِالصَّلاةِ في وَقتِهَا في المَسَاجِدِ، ثُمَّ يَكسَلُونَ بَعدَ مُضِيِّ أَيَّامٍ مِنهُ، غَافِلِينَ أَو مُتَغَافِلِينَ عَنِ الوَعِيدِ الشَّدِيدِ لِلمُتَكَاسِلِينَ وَالخَامِلِينَ، وَالأُجُورِ العَظِيمَةِ لِلمُبَادِرِينَ وَالمُحَافِظِينَ، عَنِ ابنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: مَن سَرَّهُ أَن يَلقَى اللهَ غَدًا مُسلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاءِ الصَّلَوَاتِ حَيثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالى شَرَعَ لِنَبِيِّكُم صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِن سُنَنِ الهُدَى، وَلَو أَنَّكُم صَلَّيتُم في بُيُوتِكُم كَمَا يُصَلِّي هَذَا المُتَخَلِّفُ في بَيتِهِ لَتَرَكتُم سُنَّةَ نَبِيِّكُم، وَلَو تَرَكتُم سُنَّةَ نَبِيِّكُم لَضَلَلتُم، وَمَا مِن رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ، فَيُحسِنُ الطُّهُورَ ثم يَعمَدُ إِلى مَسجِدٍ مِن هَذِهِ المَسَاجِدِ إِلاَّ كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطوَةٍ يَخطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرفَعُهُ بها دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنهُ بها سَيِّئَةً، وَلَقَد رَأيتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنهَا إِلاَّ مُنَافِقٌ مَعلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقد كَانَ الرَّجُلُ يُؤتَى بِهِ يُهَادَى بَينَ الرَّجُلَينِ حَتَّى يُقَامَ في الصَّفِّ؛

عباد الله : المُسلِمُ الكَيِّسُ الفَطِنُ يَغتَنِمُ الفُرَصَ وَيَجتَهِدُ في مَوَاسِمِ الخَيرِ، وَمَن فَرَّطَ في أَهَمِّ أَركَانِ دِينِهِ العَمَلِيَّةِ، وَلم يَغتَنِمْ شَهرَ رَمَضَانَ بِالطَّاعَةِ وَالبِرِّ وَالإِحسَانِ، فَقَد ظَلَمَ نَفسَهُ وَحَرَمَهَا وَدَسَّاهَا .

أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أما بعد عباد الله:

اتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ، وَتُوبُوا إِلَيهِ وَاستَغفِرُوهُ، وَكُونُوا مِن عُمَّارِ المَسَاجِدِ وَرُوَّدِاهَا، وَاحرِصُوا عَلَى التَّبكِيرِ إِلى الصَّلَوَاتِ المَكتُوبَةِ وَبَادِرَوا إِليهَا عِندَ سَمَاعِ النِّدَاءِ أَو قَبَلَهُ، وَحَافِظُوا عَلَى الصُّفُوفِ الأُولى، وَخُذُوا نَصِيبَكُم مِنَ النَّوَافِلِ وَقِيَامِ اللَّيلِ مَعَ الأَئِمَّةِ في المَسَاجِدِ،

فَاعمَلُوا صَالِحًا يُنجِيكُم مِن عَذَابٍ أَلِيمٍ، وَأَنقِذُوا أَنفُسَكُم مِنَ النَّارِ وَتَسَابَقُوا إِلى دَارِ النَّعِيمِ، فَإِنَّ اليَومَ عَمَلٌ وَلا حِسَابٌ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلا عَمَل، ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾

اللهم تقبل منا الصيام والقيام، ووفقنا فيما بقي من الليالي والأيام، وتجاوز عن التقصير والآثام يا ذا الجلال والإكرام،

اللهم أعتق رقابنا من النار، اللهم أعتق رقابنا من النار، اللهم أعتق رقابنا من النار يا أرحم الراحمين، 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَدْفَعَ عَنَّا الغَلَاءَ وَالوَبَاءَ وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلَازِلَ وَالمِحَنَ وَسُوءَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا؛ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ؛ 

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أغثنا. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.. اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدراراً ، برحمتك يا أرحم الراحمين.

(ربَّنا آتِنا في الدُّنيا حَسَنةً وفي الآخِرَةِ حَسَنةً وقِنَا عذابَ النار)

سُبحانَ ربِّكَ ربِّ العِزَّةِ عمَّا يصفون ، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ لله رب العالمين.

المشاهدات 618 | التعليقات 0