ابجَدِيَةٌ تَدعُوكَ إلى الإستِقَامَةِ..

نايف بن حمد الحربي
1437/10/06 - 2016/07/11 12:01PM
(ابجَدِيَةٌ تَدعُوكَ إلى الإستِقَامَةِ..) جامع العزيزية: 14/04/1435هـ

الحمدُ للهِ الحقَّ أظهَر, وبالحُجَةِ أبهَر, فأمرُ الدِينِ في ازدِيَاد, والبَاطِلُ وإنْ صَالَ, فمَآلُهُ يَتَقَهقَر, وأشهد أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَّهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ عليه، وعلى آلِهِ وصحبِهِ, وتابعيهِم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

أما بعد :

فعَلَيْكم بتقوى اللهِ عبادَ الله، يَستَوي سِرُّ صَاحِبِهَا والعَلَن, ذِكرَاهَا مُشَوِقَةٌ, كُلَمَا طَيفُهَا على القلبِ فَطَن, فاسأَلُوهَا اللهَ في بُدُوٍ, وحالَ ما الـمَرءُ استَكَن.

معاشرَ المسلمين:

العَازِفُونَ عَن مُواصَلَةِ السَيرِ إلى اللهِ, تَنتَابُهُم عَوَارِضُ شَتَى, في أقَلِّ أحوالِهَا تُعِيدُ تَرتِيبَ الأولويَاتِ في اهتِمَاما تِهِم, في حينِ تَنقُلُ بعضَهُم مِن أقصَى اليمينِ إلى أقصَى الشِمَال, والـمُسَلَّمُ مَن سَلَّمَهُ اللهُ, وفي الأثَر: "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ".

هذهِ العَوارِضُ على تَفَاوِتِ آثَارِهَا, لا يَحتَاجُ الـمَرءُ في دَفعِهَا عن نَفسِهِ إلى كَثِيرِ عَنَاء, فما عليهِ إلا أنْ يَستَحضِرَ ابجَدَيَةً في تاريخِ الخَلِيقَة, يُفتَرَضُ أنْ تَكونَ في ذهنِهِ مِن البَدهِيَاتِ, إليها يَقيسُ الأمورَ, وعليها يَبني الأحكَامَ والتصَرُفَاتِ, عِندَها لَنْ يَستَثقِلَ تَبِعَةَ حَقٍّ, ولن يَستَهويِهِ عَاجِلُ لَذَّةِ باطِل, فَيَفُوزُ مِن اللهِ بالبُشرَى؛ إذْ في الآي: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى}.
فَمَا هيَ هذهِ الأبجَدِيَة؟ ومَا وَجهُ كَونِهَا أدَاةَ تَقويمِ حَياة؟

الكُلُّ يَعلَمُ كيفَ بَدأ اللهُ خَلْقَ الإنسَانَ, صَوَّرَ آدَمَ مِن طينٍ, ونفخَ فيهِ مِن رُوحِهِ, وعَلَّمَهُ أسماءَ كُلِّ شئ, وأسجَدَ لَهُ مَلائِكَتَهُ, وخَلَقَ زَوجَهُ مِن ضِلَعِهِ, وأسكَنَهُ وإيَّاهَا فَسِيحَ جَنَتِهِ, وحَذَّرَهُ مِن مَكرِ عَدُّوهِ {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} {إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ} لكنَّ العَدُّوَ بَلغَ مِنهُمَا مُرَادَهُ بسببِ تَصدِيقِهِمَا لَهُ فيما وَسوَس: أنْ ليسَ بينهُمَا وبينَ عُلُو الرُتَبَةِ, ودَوامِ السلامَةِ, إلا مُجَرَدُ الأكلِ مِن هذهِ الشجَرة {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} والرُتَبُ, ودَوامُ السلامَةِ, أمرَانِ مُحبَبَانِ إلى النُفوس, فأطاعَا العَدُو, وتَجَشَّمَا النهي, مع ابتداءِ اللهِ لهُمَا بالفضلِ, وجميلِ إحسانِهِ عليهمَا بسترِ العوراتِ, فكانَ عاقبةُ الحرصِ على تحصيلِ اللَّذَةِ الـمُتَوَهَمَةِ, تَفويتُ اللَّذَةِ الـمُؤَكَدَة {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} ونَتَاجُ غَيَابِ هَاجِسِ التَقوى للحَظَات, أنْ تَتَبَدَّىَ مِن أبدانِهِمَا السَوءاتُ, فَطَفِقَا لِسَترِهَا بخَصفِ أَورَاقِ شَجَرِ الجَنَّات {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ}.

حَادِثَةٌ, حَولَهَا مَزِيدُ تَأمُل..

أقول هذا القول, واستغفر الله لي ولكم...


الحمدُ للهِ أَضَاءَ بوحيهِ على الدُنَا نِبرَاسَا, هَدَى بهِ عُقولاً, وأذهَبَ أَوجَاساً, فَسَمَتْ نُفُوسٌ, وزَكَّى أَنفَاسَا, وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ على عبدِهِ ورسولِهِ محمد, وعلى آلِهِ وصحبهِ والتَابعين, ما أقَامَ رَبُكَ على أبوابِ السماءِ شُهُباً وحُرَاسَا.

أما بعد :

أهلَ الإسلام, بعدَ أنْ تَلا اللهُ علينا قِصَةَ أبينَا مع إبليسِ في سُورةِ الأعراف, وجَّهَ الخِطَابَ إلينَا فقالَ سُبحَانَهُ: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} أمَّا لِماذا؟
فلئنَّ قِصَةَ أَبِينَا مع عَدُوِّهِ تَتَكَرَرُ بجميعِ حَيثِيَاتِهَا في يَوميَاتِ حَيَاتِنَا, اللَّهُمَّ ليسَ ثَمَّةَ جَنَّةٌ مُشَاهَدَة, وإلا فَنِسبَةُ ما حَرَّمُ اللهُ علينا في هذهِ الدُنيا إلى ما أَبَاح, كَنِسبَةِ تِلكَ الشجَرَةِ إلى الجَنَّةِ, كيف لا؟! واللهُ يَقُول: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} ويقول: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} مع قولِهِ: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} وأيضاً {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} هذا مَع كَونِ ما بِنَا مِن نِعمَةٍ فَمِن الله, والرسُولُ إنِّمَا جَاءَنَا بِمُرَادِ الله, والشيطَانُ يُوَسوِسُ للصَدِّ عن سبيلِ اللهِ, وأوليَاؤُهُ مِن الإنسِ يَجهَدُونَ للتَرويجِ بينَ النَّاسِ لِدَعواه.
ومع كُلِّ هذا مِن بَيانٍ للسُبُل, وضَربٍ للمُثُل, لا يَكَادُ يُخطِئُ عِلمَكَ قَوافِلُ العازِفينَ عن مُواصَلَةِ السيرِ إلى اللهِ, حِرصاً على دُنيا, أو طَمَعاً في مَكَانَةٍ, أو تَلبِيَةً لِرَغَبَاتِ نَفسٍ على الشهَواتِ ولهَانَة -فذَاك قد سَارَ في رِكابِ الـمُفسِدين, وهذا قد نَذَرَ نَفسَهُ لحربِ الـمُصلِحين, ودُونَهُم مَن هو على نَفسِهِ بالـمَعاصِي القاصِرَةِ مِن الـمُسرِفين- والكُلُّ يَجمَعُهُم وصفُ مَن صَدَّقَ وَعدَ عَدُوِّهِ, ولم يَأبَه بوعدِ ولا وعيدِ مولاه.

فاللهَ اللهَ, لأنْ كنتَ قد ماثَلتَ أباكَ في الذنبِ, فمَاثِلهُ بالتوبةِ, وحُثَّ إلى مَولاكَ خُطَى الأوبَةِ, يُورِثُكَ في الدُنَا هَدأةَ البَال, وفي الأخرى حُسنَ المآل, لا يَصُدَنَّكَ عنها هوى نفسٍ, ولا كلامُ عُذَال, فما مِن مُقِيمٍ في هذه الدارِ, وإنِّمَا الكُلُّ لارتِحَال, وعندَ اللهِ في الأخرَى, التَفَاضُلُ الحَقُّ للأحوال {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ * قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

أصلحَ اللهُ الحال, ونفعَ بالمقال, وأجارنا مِن غَلَبَاتِ الهوى, وميلِهِ إذا مَال..

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين, ...

وكتب/ نايف بن حمد الحربي..
المشاهدات 1990 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا