إياكم والغش في الامتحانات

ثابت الأهدل
1435/08/08 - 2014/06/06 08:26AM
الحمد لله ذي الفضل والإحسان خلق الإنسان وجعله عرضةً للابتلاء والامتحان فمن أحسن فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك جعل الدنيا دار ابتلاء وامتحان والآخرةَ دار جزاء وحساب: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد؛
=معاشر المؤمنين والمؤمنات: في هذا الأسبوع تبدأ الامتحانات العامة للمرحلتين الثانوية والأساسية
=نعم في الامتحان يكرم المرء أو يهان، وفي الامتحان يعلم المجتهد نتيجة جهده ويلمس الكسول نتيجة كسله، ومن جد وجد ومن زرع حصد. وفي هذه الأيام يعيش الطلاب والطالبات هموم الامتحانات والاختبارات.. وخير ما نوصيهم ونوصي أنفسنا بعد الدعاء لهم بالتوفيق والنجاح أن يتقوا الله عز وجل، فتقوى الله تعالى هي وصيته سبحانه للأولين والآخرين من خلقه، ومن اتقى الله جعل له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً وجعل له من أمره يسرًا، وأتاه خيراً كثيراً.
=وأفضل أسباب النجاح وأجمعها وأصلحها: أن تعلموا علم اليقين أنه لا حول ولا قوة للعبد إلا بالله رب العالمين، ثم التوكل على الله عز وجل وتفويض الأمور كُلِها إليه، واعلموا أن الذكي لا غنى له عن ربه، وأن الذكاء وحده ليس سبباً للنجاح فحسب بل إرادة الله عز وحل وتوفيقه أولاً.
إذا لم يكن عون من الله للفتى فأوّل ما يجني عليه اجتهادهُ
=وليس للامتحان دعاءٌ ووردٌ مخصوص بعينه بل إذا واجه المرء مأزقاً أو معضلة أو مضيقاً أو اختباراً فإنه يدعو ربه بالتوفيق والإعانة ويحافظ على أوراده وأذكاره ويدعو بأدعية الكرب ويحسن توكله على الله ربه: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ
=معاشر الطلاب والطالبات إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال:" من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا ". رواه مسلم، والغش والخداع والتزوير خيانة وبئست البطانة وليس من خلق المؤمنين، فمن نجح أو تجاوز مرحلة أو مرتبة في هذه الحياة الدنيا بالزور والغش وبالخداع والتدليس فإن الله يمكر به ويعاقبه في دنياه قبل أخراه إلا من تاب وأناب فإن الله يتوب عليه.
=لقد كثر في المدارس بجميع مراحلها ( غش المدرسين للطلاب أو بعض الطلاب أو التغاضي عن الغش ) ولا شك أن هذا منكر عظيم والسكوت عنه أشنع
=ولربما كان الدافع لهم رحمة الطالب كما يزعم بعضهم أو من أجل القرب من الطالب والحظوة عنده لأسباب الله يعلمها أومن أجل الطمع المادي، وربما بارك هذا مدير المدرسة لنفس الدوافع أو غيرها, وربما تعلل المدير بأنه يحب أن يرفع سمعة المدرسة ولبئس ما قصدوا، وأيا كان الدافع فلا شك أن هذا منكر عظيم خاصة أنه من مرب للأجيال وقدوة في المجتمع .
=والسبب الحقيقي لذلك هو ضعف الوازع الديني، ورقة الإيمان، وقلة المراقبة لله تعالى أو انعدامها، وإيثار العاجلة الفانية على الآخرة الباقية، فهو دليل على دناءة النفس وخبثها، فلا يفعله إلا كل دنيء نفس هانت عليه فأوردها مورد الهلاك والعطب .
=ولنقف هذه الوقفات مع هذه الظاهرة

=أولا : أنه محرم فقد جاء في الصحيح عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا ».
=ثانيا : أنه إعانة على الحرام فبما أن الغش حرام لما سبق فالمتغاضي والراضي والفاعل كلهم مشتركون فتمكين الطالب من الغش هو من الإعانة على الحرام .
ثالثا:أنه خيانة للأمانات وهذه علامة من علامات النفاق فقد جاء في الصحيح: آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ). وقد جمع هذا الفعل عدد من الخيانات؛ فمن ذلك أنه خيانة لولي الأمر فولي الأمر استأمن المعلم على التعليم وجعل لذلك ضوابط وجعل الامتحان هو العلامة الدالة على استحقاق الطالب تجاوز المرحلة فتمكين الطالب من الغش أو زيادة درجات لا يستحقها الطالب من خيانة هذه الأمانة، وهو خيانة للطالب حيث يركن إلى الغش ويترك الجد والاجتهاد وخيانة لوالدي الطالب وخيانة للمجتمع حيث أن هولاء الذين نجحوا بالغش يتولون المناصب من تعليم وإدارة وغيرها وهم ليسوا أكفاء

=رابعا : أنه ينتج عنه تربية معوجة بعيدة عن مراقبة الله ، فإذا كان المعلم يتهاون في ذلك فسيكون الغش عند الطلاب أمرا لا حرج فيه ويتربى الطلاب على ذلك .
خامسا : ينتج عن التهاون بالغش - من المعلمين - الازدواجية في التعليم فما يدرسه في المناهج شيء , وما يراه من المعلم شئ آخر.
سادسا : تضييع للعدل وإشاعة للظلم في نتائج الطلاب فكيف يسوى بين المجتهد المثابر والمهمل، فكلهم في نهاية العام ناجح بل ربما حصل الغاش على مستوى أعلى من المجتهد, ولا شك أن هذا ظلم وفي الصحيح عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ : الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَة، وفي الحديث القدسي يَا عبادي إني حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نفسي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا..)
سابعا : السقوط من أعين الطلاب وهذا مشاهد ولو كان الطلاب يميلون إلى المعلم الغشاش إلا أنهم يرونه ساقط لامروءة عنده .
ثامناً : استغلال بعض المعلمين للطالب من هذا الباب ( الغش ) فيكون العرض مقابل وهذا وإن كان نادرا إلا أنه وارد .
تاسعاً: أخذ الإنسان ما لا يحق له، وهو الشهادة المترتبة على الامتحان المزيف بالغش، ويتبع ذلك أكل المال بالباطل ، في حال العمل بالشهادة ، فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ( أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ ، إِلا قَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ ، وَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ ، وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ، إِلا قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ ، أَلا وَإِنَّ الرُّوحَ الأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوعِي ، أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا ، فَاتَّقُوا اللَّهَ ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ ، وَلا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ رِزْقٍ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللهِ ، فَإِنَّهُ لا يُدْرَكُ مَا عِنْدَ اللهِ إِلا بِطَاعَتِهِ ).قال في الفتح: صححه الحاكم
عاشراً : أن فيه هدم لروح الجد والاجتهاد والتنافس المحمود بين الطلاب فالطالب إذا علم أنه ناجح لا محالة درس أو لم يدرس سوف يؤثر الكسل والخمول لأن النفس داعية إلى هذا في الغالب الأعم
الحادي عشر: الدخول في الرشوة الملعون صاحبها، في حال دفع الغاش مالاً لمن يسهّل له طريق الغش، قالت اللجنة الدائمة برئاسة ابن باز رحم الله الجميع: لا يجوز لك دفع مبلغ من أجل تيسير أمور الامتحان ، ولا يجوز لغيرك أيضا ذلك ؛ لأن المبلغ المدفوع لمن يسهل أمر الامتحانات رشوة ( وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش بينهما )وفيه أيضا غش أ.هـ.
الثاني عشر : أنه سبب في تسلط الظلمة والكفار فقد ذكر المؤرخون أن من أسباب تسلط الأعداء شيوع الغش في الناس فيعاقبهم الله بعدو يأخذ بعض ما في أيديهم،

=العلاج : ولعل من العلاج لهذه الظاهرة الخطيرة والبلاء المستطير أمور من أهمها : -
=أولا : مناصحة من ابتلي بذلك من الطلاب والمعلمين

=ثانيا : الإنكار عند وجود المنكر
=ثالثا : مراقبة الله في السر والعلن وهذه دعوة للجميع باستشعار مراقبة الله جل وعلا. قال سبحانه: ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )
رابعا : الاجتهاد في الدراسة حتى لا يحتاج الطالب إلى الحرام قال ابن باز رحمه الله: نوصي الجميع بتقوى الله جل وعلا، والعناية بالدروس، والاستعداد الكامل والمذاكرة بينهم ومراجعة مراجعهم حتى يستفيدوا وحتى ينجحوا إن شاء الله، ونوصيهم بالحذر من الغش، فإن الغش لا يجوز.. لأن الغش يترتب عليه شر كثير، فنوصي الطلبة جميعا بالحذر من الغش، ونوصيهم جميعا بالعناية والإعداد والمذاكرة ومراجعة الدروس ومراجعة الكتب التي يختبرون فيها والمذاكرة بينهم فيما يشكل، وسؤال الأساتذة عما يشكل قبل الاختبار، حتى إذا جاء الاختبار فإذا هو قد هيأ نفسه.أ.هـ
=تحذير العلماء من الغش في الامتحانات :
قال الإمام ابن باز رحمه الله : الغش في الامتحان وفي العبادات والمعاملات محرم...أ.هـ
قال ابن عثيمين رحمه الله : لا يجوز الغش في الامتحانات ، لعموم الأدلة في تحريم الغش ، فيشمل الغش في البيع والشراء ، وفي النصيحة ، وفي العهود والمواثيق ، وفي الأمانة ، وفي اختبار المدارس والمعاهد، ونحوها .أ.هـ
قالت اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة ابن باز رحمه الله : الغش حرام في امتحانات الدراسة أو غيرها، وفاعله مرتكب كبيرة من كبائر الذنوب.أ.هـ
وقالت اللجنة الدائمة : إملاء المراقبين الأجوبة على الطلاب في الاختبار من الغش والخيانة وفيه مفسدة للأخلاق ومضرة للأمة في نهضتها الثقافية، وهبوط في مستوى التعليم وضعف في تحمل المسئولية والقيام بواجبها، وذلك حرام كسائر أنواع الغش


الثانية
=الغش في الامتحانات تكمن خطورته في أنه التجربة الأولى للغش في الحياة لذلك فهو البذرة الأولى لكل أنواع الغش والتدليس في أي مجتمع مثل التزوير في الأوراق الرسمية , وانتحال الشخصيات , والخداع في الخطبة والزواج , وتقديم ضمانات وهمية للبنوك للحصول على قروض يتم تهريبها والهرب معها , وتزوير الانتخابات , واغتصاب حقوق الشعوب , إلى آخر ذلك من الجرائم التي تنتمى في بداياتها إلى استحلال الغش في الامتحانات من الطالب ومن المراقب ومن المجتمع

=الذي يقوم بالغش :
=إنه طمّاع : يريد أن يأخذ أكثر مما يستحق وأكثر مما تسمح به ملكاته وقدراته
=إنه لص يسلب الآخرين ممتلكاتهم وحقوقهم
=إنه سلبى لا يحب أن يتعب أو يجتهد فى تحصيل العلم ولكنه يعتمد دائما على جهود الآخرين ومساندتهم .
=إنه انتهازي : على استعداد فى ظروف معينة أن يغير قيمه ومبادئه إذا وجد أن هذا سيحقق مصالحه فى ظرف بعينه .
=إن من يقدم الغش للطلاب: فاقد الثقة بنفسه : لذلك يريد أن يثبت للآخرين أنه يعرف مالا يعرفونه وأن باستطاعته تقديم العون لهم
=متسول للحب : وهو شخص يفتقد الحب من الناس ( أو على الأقل يشعر بذلك ) لذلك فهو يتطوع لخدمتهم استجداءا لحبهم واهتمامهم
=صاحب مروءة كاذبة : يتخيل أن مساعدة الزملاء والأصدقاء فى الإمتحان نوع من المروءة والشهامة والإيثار
=أما من يرضى بالغش من المعلمين والمراقبين
=مشوه أخلاقيا فلم يعد يرى في الغش أي مشكلة بل بالعكس ربما يراه نوعا من الرأفة والرحمة للطالب ولأسرته وخدمة للمجتمع بأن ينجح أكبر عدد من الطلاب .
=إنه مجامل يحب المجاملات ويضعف أمامها فلا يستطيع أن يقول لا لمن يطلب منه شيئا
=سلبى مستسلم ضعيف
=يريد أن يحقق منافع مادية من وراء ذلك
=أما المجتمع الذي ينتشر فيه الغش فهو مجتمع سقطت فيه قيم كثيرة أهمها الصدق والعدالة واحترام العمل الجاد, وهو مجتمع أصبح ضميره العام معتلا فأصبح لا يستنكر مثل هذه الظواهر بل يراها أمورا بسيطة لا تستدعى القلق والإستنفار وأنها مجرد شقاوة طلاب لا تستدعى أكثر من التنبيه أو الزجر اللطيف فى أصعب الأحوال , وهو مجتمع يقبل الرشوة ويقبل الكذب ويقبل تزوير الأوراق الرسمية وتزوير الإنتخابات وتلفيق القضايا وتشويه سمعة الناس , وهو مجتمع لم يعد للمصلحين فيه صوت مسموع بل علا فيه الباطل وتوحّش وأصبح يفرض قيمه وموازينه بلا حرج أو خجل .
=والطالب حين يمارس الغش منذ صغره فإنما هو يتعلم هذا السلوك بكل تفاصيله , وفى كل عام يتفنن في وسائل جديدة للغش مما يكسبه مهارات تتراكم معه مع الزمن حتى إذا كبر صار يخدع الناس ويسطو على حقوقهم دون أن يتمكنوا من فضحه أو إيقافه عن ذلك لأنه يكون مسلحا بقدرات غير عادية اكتسبها على مدار السنين من خبرات الغش المدرسي والغش الحياتي , وربما يصل هذا الغشاش الذكي الطمّاع المحترف إلى مناصب قيادية تمكنه من نشر قيمه ومفاهيمه على مستوى أوسع في المجتمع, وبهذا يهيئ وجود قواعد أخلاقية فاسدة ومع تزايد أعداد الغشّاشين في مواقع مختلفة نجد أن المجتمع يصبح مخترقا ومهلهلا وقائما على أخلاق نفعية انتهازية غير أخلاقية ,
=هل ظن أحدنا في يوم من الأيام أن الغش في الامتحانات له كل هذه الأبعاد المخيفة , وإذا كنا قد ظننا ذلك فلماذا تواطأنا بالسكوت أو بالضعف فلم نقاوم هذا الوباء المستشري في بلادنا والذى يفرخ لنا كل يوم فاسدين محترفين يهددون قيم المجتمع ويشوهون فطرته . ومن هنا نفه قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " من غشنا فليس منا " .
المشاهدات 2288 | التعليقات 1

بورك فيك يا شيخ ثابت على طرحك الجميل واستفائك لنتائج الغش السيئة والعاقبة الغير حميدة لهذه الظاهرة كتب الله أجرك على هذا الموضوع الرائع.