{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} 23 /11 / 1445هـ
د عبدالعزيز التويجري
الخطبة الأولى : {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} 23 /11 / 1445هـ
الحمد لله إيماناً بكمال الله وجلاله، ويقيناً بعلمه وحكمته، ورضا وطُمأنينةً بعدله ورحمته، أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبدالله ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً مزيدا ... أما بعد..
فاتقوا الله ربكم واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون ..
التوحيدُ يوحد الأمة ويجمع الكلمة {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}
وأول عمل بدء به رسول الله r بعد هجرته إلى المدينة تحقيق التوحيد بالولاء والبراء ، يتجلى ذلك بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ، أخوةٌ تُبنى على العقيدةِ والإيمان، ويؤصِل معانيها ومبانيها القرآن {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}
توحيدٌ لا يجتمع أبداً ولا يتفق مطلقاً مع من يشركوا مع الله أحدا (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) واليهود والنصارى مشركون بالله قد ضلوا ضلالاً بعيداً {وَقَالَت الْيَهُود عُزَيْر ابْن الله وَقَالَت النَّصَارَى الْمَسِيح ابْن الله}
التوحيدُ هو دينُ الله عز وجل الذي لا يقبل غيره {إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام} {وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ} والقرآنُ العظيم يُقرر أنه لا يجتمعُ ولا يتفق الموحدون من أهل الإسلامِ مع المشركين من اليهودِ والنصارى {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} ،وأنهم أشدُ أهلِ الأرضِ عداوةً للمؤمنين {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}
وخبرٌ ربانيٌ، وحقائقُ تاريخيةٌ، وأحداثٌ حيةٌ، تؤكدُ أنّ اليهود لن يتوقفوا أو يكفوا عن شنِّ الغاراتِ والحروبِ لإبادةِ المسلمين، وسيظلُ هذا شأْنهم باستهدافِ كلِ طفلٍ برئٍ أو امرأةٍ ضعيفةٍ أو جريحٍ يأن {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}.
دمُ المصلين في المحرابِ ينهمرُ ** والمستغيثون لارجعُ ولا أثرُ
وأهلُ غـزةَ باتوا بالعـرا جثثـــا ** دماؤهم في ثراها بعدُ تسْتعرُ
يا أمةَ الحقِ إنّ الجرحَ مُتسِــعُ ** فهل ترى من نزيفِ الجرحِ نعْتبرُ
فواجعُ تَقْرعُ الأسماعَ، ومشاهدُ تُدمعُ العيونَ، ومجازرُ تُدمي القلوبَ، يرتكبُها دهاقنةُ الصهاينةِ ضِدَ المسلمين والمستضعفين في أرضِ المقدسِ بمددٍ من أئمةِ الكفر {لَا يَرْقُبُونَ في مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} لم يفعل غازٍ أو محتلٍ مثلما يفعلُه اليهودُ اليومَ في غزةَ والأرضَ المباركة، من قصف المباني وإحراق المخيمات على اللاجئين النازحين، وليس مَن رأى كمَن سمع.. جنونٌ وأعمالُ مجانينٍ إذا ما قيست بمقياسِ العقل، وعصاباتُ مجرمين إذا ما قورنت بميزانِ العدل، وهمجيةٌ إذا عُرِضَت على معايير الإنسانية، وهي قبل ذلك وبعده عدوان صارخ وإثمٌ وبغيٌ وطغيانٌ إذا ما قيست بمقياس الدينِ والحق، ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ.
بلغوا من الاعتداءِ مُنْتهاه، وحققوا من الإجرامِ والطغيانِ أقصاه..دماءٌ تراق، وأرواحٌ تُحصد، ومستشفياتٌ تُباد بمرضاها وجرْحاها ، ومخيمات تحرق بأهلها وأطفالها.
كبلـــــوهم قتلــوهم مثَّلــــــوا بذواتِ الخـدرِ عاثـوا باليتامـى
ذبحوا الأشياخَ والمرضى ولم يرحموا طفلاً ولم يُبقوه غُلاما
هدموا الدُّور استحلُّوا كلما حــرَّم الله ولم يَرْعَوْا ذِمَـامــــــا
أين من أضلاعنـا أفئــــــدةٌ تنصرُ المظلومَ تأبى أن يُضاما
نســـألُ اللهَ الذي يكــــــلؤنا نصرةَ المظلــومِ شيخاً أو أيَامـى
{وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}
هِيَ الأيّــــَامُ والغِيــــَرُ ... وَأَمْرُ اللَّهِ مُنْتَظَرُ
أَتَيْأَسُ أَنْ تَرَى فَرَجًا ... فَأَيْنَ اللَّهُ وَالقَدَرُ؟
إنّ معَ العُسرِ يُسراً، وإنّ للكربِ نهايةٌ، وإنَّ الظُلْمةَ تحملُ في أحشائِها الفجرَ المنتظرْ.
وعدٌ من الله {لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ} {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا}.
اليهودُ لا يملكون أرضا، ولا يسكنون قِطرا .. في صحيح البخاري، قال أبو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي المَسْجِدِ، إذ خَرَجَ علينا النَّبِيُّ r فَقَالَ: «انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ»، فَخَرَجْنَا حَتَّى جِئْنَاهُمْ، فَنَادَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ r، فَقَالَ: «أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ، فَمَنْ يَجِدْ مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ، وَإِلَّا فَاعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ»
فاليهودُ لا مُقامَ لهم في أرضِ المقدسِ وإن طالَ الزمنُ في أعيننا، في صحيح مسلم "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ"، {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً}.
لا يأس يسكنُنا ، فإن كبُرَ الأسى وطغى ، فإنّ يقينَ قلبي أكبرُ
في منهجِ الرحمنِ أمنُ مخاوفي ، وإليه في ليلِ الشدائدِ نجأرُ
وإن عرفَ التاريخُ أوساً وخزرجاً ، فلِلَّه أوسٌ قادمون وخزرجُ
{وَللَّه الْعِزَّة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمنِينَ وَلَكِن الْمُنَافِقين لَا يعلمُونَ}
واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربنا لغفور شكور
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ: ..الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عَبْدِهِ الْمُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اجْتَبَى. أَمَّا بَعْدُ:
إنّ مما يبعثُ الأملَ ويقوي العزائمَ ماجلته عقيدة التوحيد في قلوب المسلمين، مما سطّره كثيرٌ من المسلمين في الأقطارِ والأمصارِ من التفاعلِ والتنادي للدعوةِ لنُصرةِ المسلمين والمستضعفين في غزةَ على اليهودِ المعتدين المحتلين، وأعوانِهم من النصارى المشركين..
وحاشا لأمةٍ أن تتخاذلَ أو تتقاعسَ وهي تسْتيقنُ أمرَ ربها{وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ في الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ}
لما سيّرَ عمرُ الفاروقُ رضي الله عنه جيشاً لملاقاةِ الفرسَ في نهاوند، بقيادةِ النعمانِ بن مُقَرّن، وبعث معه أجلاءِ الصحابةِ، فلما سارتِ الجيوشُ وانقطعتِ الاخبارُ، جعلَ عمرُ لاينامُ إلا غفوات، وكانَ يخرج ُكلَّ غداةٍ إلى ضواحيِ المدينةِ يتحسسُ أخبارَ المسلمين وينتظرُ بشاراتِ النصرِ، فلما رأى رجلاً قادماً على فرسٍ تبِعهُ عمرُ يقولُ لهُ :ما وراءك ؟ قال: فتحَ اللهُ على المسلمين واستشهدَ الأميرُ، فقال عمرُ: إنا للهِ وإنا إليهِ راجعون ، وعرضَ عليه غنائمَ نهاوند؛ لكنَّ عمرَ لم يأْبه لكلِ هذا، بلِ اعتلى المنبرَ، ونعى إلى المسلمين النعمانَ بن مُقَرن، وبكى حتى نشج.. وقد نعى النبيُ r قبلَه على المنبرِ قوادَ المسلمين بمؤته.. هذا هو الاحساسُ بالجسدِ الواحد ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى، {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}، وحين يُسجل التاريخُ مواقفَ العزِ والكرامةِ لنفرٍ من المسلمين، فسيُسجلُ مواقفَ الذلِ والخذلانِ لآخرين.
فتحسسوا أخبارَ إخوانِكم، وادْعوا لهم في صلواتِكم وخلواتِكم، ولايُنْسِينّكم ما أنتم فيه من خيرٍ وعافيةٍ وأمنٍ ورغدِ عيشٍ مصابَهم، فإن المصاب جلل، وإنّ اللهَ يبتلي بالسراءِ والضراء. {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}
قال شيخ الإسلام" والقتال يكون بالدعاء كما يكون باليد" وفي البخاري «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» " . وَكَان المسلمون يَقُولُونَ فِي الْمَغَازِي لِلْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ: يَا بَرَاءُ أَقْسِمْ عَلَى رَبِّكَ، فَيُقْسِمُ عَلَى رَبِّهِ فَيُهْزَمُ ، ثُمَّ فِي آخِرِ غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَالَ: " أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا رَبِّ لَمَا مَنَحْتَنَا أَكْتَافَهُمْ، وَجَعَلْتَنِي أَوَّلَ شَهِيدٍ " فَاسْتُشْهِدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
فاستحثوا أمهاتكم وأولادكم، والصالحين من عبادكم بالدعاء والنصر «فإنما تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ بِضُعَفَائِكُمْ» أخرجه البخاري.
اللهم منزل الكتاب مجري السحاب هازم الأحزاب اهزم اليهود والنصارى والبوذيين وارفع البلاء والظلم والقتل عن المسلمين ، اللهم كن للمستضعفين والمضطهدين والمشردين من المسلمين عونا ونصيرا .. اللهم كف بأس الذين كفروا ..
اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة امورنا ...
المرفقات
1717054984_{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}.docx
1717055052_{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}.pdf