إن تنصروا الله ينصركم
تركي بن عبدالله الميمان
إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُم
الخُطْبَةُ الأُوْلَى
إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ، وَتَمَسَّكُوا بِهُدَاه؛ فَالتَّقْوَىتَدْفَعُ السُّوْءَ والبَلْوَى!﴿وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.
عِبَادَ الله: إِنَّها آيَةُالنَّصْرِ وَالنَّجَاحِ، وَشَرْطُالثَّبَاتِ والفَلَاح! وَهِيَ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْتَنْصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾. قال المُفَسِّرُونَ: (أَيْ ﴿إِنْ تَنْصُرُوا﴾ دِينَ اللهِ:يَنْصُرْكُمْ عَلَى الْكُفَّارِ.﴿وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ﴾: أَيْ عِنْدَ الْقِتَالِ، وَقِيلَ: عَلَى الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ: عَلَى الصِّرَاطِ، وَقِيلَ: المُرَادُ تَثْبِيتُ الْقُلُوبِ بِالْأَمْنِ؛فَإِنَّ الجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، وَلِهَذَا قَالَ تعالى: ﴿وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ﴾: بِأَنْ يَمْلأَقُلُوْبَكُمْ: سَكِيْنَةًوَاطْمِئْنَانًا،وَأَبْدَانَكُمْ: قُوَّةًوَشَجَاعَةً: في حَالِالقِتَالِ، وفي وَقْتِالبَحْثِ وَالجِدَالِ، وفي جَمِيعِ الأَعْمَالِ!).
وَمِنْ فَوَائِدِ الآيَةِ: أَنَّالمُؤْمِنِينَ إِذَا امْتَثَلُواأَمْرَ اللهِ بِقَدْرِ طَاقَتِهِمْ،وَاجْتَمَعَ لَهُمْ: حُسْنُالِاعدَادُ، وَصِحَّةُالِاعْتِقَادُ، وَالاِفْتِقَارُإلى الوَاحِدِ القَهَّارِ؛ كَانُوا أَهْلاً لِلْنَّصْرِ المُبِيْنِ؛ لِأَنَّهُم اتَّصَلُوا بِالقَوِيِّالمَتِيْنِ! ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾، قال قَتَادَة: (حَقٌّ عَلَى اللهِ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ سَأَلَهُ، وَيَنْصُرَ مَنْ نَصَرَهُ!).
وَمِنْ أَسْبَابِالاِنْتِصَارِ: تَجْدِيْدُالإِيْمَانِ، وَطَاعَةُالرَّحْمَنِ، وَتَرْكُالعِصْيَان، وَحِيْنَئِذٍيَتَحَقَّقُ النَّصْرُوالأَمَانُ! قال U: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾.
وَمِنْ فَوَائِدِ الآيَةِ: أَنَّ المُتَفَرِّدَ بِالنَّصْرِ: هُوَاللهُ وَحْدَهُ، وَأَنَّ غَيْرَهُ لا يَمْلِكُ مِنَ النَّصْرِشَيْئًا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا في الكَونِ بِتَدْبِيرِهِوَمَشِيْئَتِهِ! ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ﴾.
وَالنِيَّةُ الصَّادِقَةُ،وَالعَقِيْدَةُ الرَّاسِخَةُ؛ سَبَبٌ لِلْنَّصْرِوَالسَّكِيْنَةِ، وَالفَتْحِوَالطُّمَأْنِيْنَةِ! قال تعالى: ﴿فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾. وفي الحديث: (مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا؛ فَهُوَ فِي سَبِيلِ الله).
وَالثَّبَاتُ على الحَقِّ بَعْدَالنَّصْرِ؛ أَعْظَمُ مِنَالنَّصْرِ! فَإِنَّ كَثِيرًامَنْ يَثْبُتُ على المِحْنَةِوَالبَلَاءِ، وَلَكِنَّ القَلِيْلَمَنْ يَثْبُتُ عَلَى النَّصْرِوَالنَّعْمَاءِ! وَلَهِذَا بَيَّنَ اللهُصِفَاتَ المُنْتَصِرِيْنَبِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِوَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ﴾.
وَمِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ:الاِتْفِاقُ والاِجْتِمَاعُ، وَتَرْكُ التَّفَرُّقِ وَالنِّزَاعِ!﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾.
وَمِنْ فَوَائِدِ الآيَةِ: أَنَّالقُوَّةَ الرُّوْحِيَّةَ هِيَالأَصْل، وَالقُوَّةَ الجَسَدِيَّةَتَبَعٌ لِهَا، وَالمَطْلُوبُ:هُوَ الجَمْعُ بين القُوَّتَيْنِ: فَإِنَّ نَصْرَ اللهِ مَرْهُوْنٌبِأَمْرَيْنِ:
الأَوَّل: الإعدادُ المَعْنَوِيُّ: بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ، وَنُصْرَةِ دِيْنِ الله:اعْتِقَادًا، وَقَوْلاً، وَعَمَلاً.والأَمْر الثاني: الإِعْدَادُالمَادِي: كما قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾.
وَمِنْ أَسْبَابِالاِنْتِصَارِ: الحَذَرُ مِنَالاِفْتِخَارِ! قال I: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾؛ فَلَمَّا تَوَاضَعُوا لِرَبِّهِمْ، وَعَرَفُوْا ضَعْفَهُمْ؛وعَاقِبَةَ إِعْجَابِهِمْ: ﴿أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا﴾.
وَمِنْ فَوَائِدِ الآيَةِ: أَنَّحَلَاوَةَ النَّصْرِ، لَا تَأْتِي إِلَّا بَعْدَ مَرَارَةِالصَّبْرِ! قال ﷺ:(وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا).
وَمِنْ شُؤْمِ العِصْيَانِ:أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْهَزِيْمَةِوَالخِذْلَانِ! قال U: ﴿أَوَلمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾.
وَإِذَا عَادَ النَّاسُ إِلى رَبِّهِمْ بِالتَّوْبَةِوَالاِسْتِغْفَارِ: عَادَإِلَيْهِم الفَتْحُوَالاِنْتِصَارِ! ﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغفر لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا في أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِالكَافِرِيْنَ فَآتَاهُمُ اللهُثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ﴾.
وَمِنْ فَوَائِدِ الآيَةِ: أَنَّقَلِيْلَ التَّقْوَى، يَغْلِبُكَثِيرَ الجيوشِ، وَأَنَّ الْقُوَّةَالْقَلْبِيَّةَ، أَجْدَرُ بِالنَّصْرِ مِنَ الْقُوَّةِ المَادِّيَّةِ! وَلِذَا كانالنبيُّ ﷺ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ: أَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللهِ! قال ﷻ: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًاعَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.
أَمَّا بَعْدُ: إِذَا رَجَعَ النَّاسُإِلَى الدِّيْنِ، وَتَسَلَّحُوا بِالصَّبْرِ وَاليَقِينِ؛ عَادَ إِلَيْهِمُ العِزُّوَالتَّمْكِينُ! وَإِذَا تَخَلَّى المسلمونَ عَنِ الإسلام، وَانْشَغَلُوا بِالتَّوَافِهِ: فَقَدْأَضَاعُوا هَوِيَّتَهُمْ، وَصَارُوا في أَذْيَالِ الأُمَمِ! وَسَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمْ ذُلَّاًلَا يَنْزِعُهُ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلى دِيْنِهِمْ!قَالَ عُمَرُ t: (إِنَّا كُنَّا أَذَلَّ قَوْمٍ، فَأَعَزَّنَا اللهُبِالْإِسْلَامِ، فَمَهْمَا نَطْلُبُ الْعِزَّةَ بِغَيْرِ مَا أَعَزَّنَا اللهُ بِهِ: أَذَلَّنَا الله!). ولَمَّا فُتِحَتْ قُبْرُصُ، جَلَسَأَبَو الدَّرْدَاءِ t يَبْكِي، فَقُيل: (يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، مَا يُبْكِيكَ فِي يَوْمٍ أَعَزَّ اللهُ فِيهِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ؟!) فقَالَ: (مَا أَهْوَنَ الْخَلْقِ عَلَى اللهِ، إِذَا هُمْ تَرَكُوا أَمْرَهُ، بَيْنَما هِيَ أُمَّةٌ قَاهِرَةٌ ظَاهِرَةٌ، تَرَكُوا أَمْرَ اللهِ؛فَصَارُوا إِلَى مَا تَرَى). ﴿وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾.
*******
* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
* اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.
* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
* فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
* * * *
d قَنَاةِ الخُطَبِ الوَجِيْزَةa
¨https://t.me/alkhutab©
* * * *
المرفقات
1701264607_إن تنصروا الله ينصركم.docx
1701264607_إن تنصروا الله ينصركم (مختصرة منزوعة الحواشي).docx
1701264608_إن تنصروا الله ينصركم.pdf
1701264610_إن تنصروا الله ينصركم (مختصرة منزوعة الحواشي).pdf
1701264611_خطبة - إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُم (للطباعة).pdf
1701264612_خطبة - إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُم (للهاتف).pdf