إن الله هو الرزاق

عبدالله بن رجا الروقي
1438/02/03 - 2016/11/03 17:22PM
خطبة: إن الله هو الرزاق

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا،أما بعد:
فإن من دلائل ربوبيةِ الله عز وجل وقدرته أن غاير في الرزق بين الناس، فمنهم من يبسطُ اللهُ عز وجل له الرزق، ومنهم من يكونُ دون ذلك، قال تعالى: ﴿أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون﴾
كل هذا لنعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الرزاق وحده (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)
وقال تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا، اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ)
فقد تكفل الله عز وجل بأرزاق العباد، وكل سيستوفي رزقَه، كما سيستوفي أجَلَه، لكننا مأمورون بالسعي في طلب الأرزاق، وكما أن لطلب الرزق أسباباً حسيةً يعلمها كثيرٌ من الناس من البيع والشراء وأنواعِ التجاراتِ، فإن لحصول الرزق أسباباً شرعيةً تخفى على كثيرٍ من الناس.
أول هذه الأسباب الشرعية هو الإقبال على الله عز وجل بالدعاء قال الله تعالى: (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ)
فنحن مأمورون بابتغاء الرزق عند الله عز وجل، ومن ذلك الإكثار من دعائه سبحانه وتعالى في أوقات الإجابة، فمن ألح على الله بالدعاء وأخذ بالأسباب فحريٌ أن يرزقَه الله عز وجل.
ومن الأسباب الشرعية سببٌ عظيم ليس لتحصيل الرزق فحسب بل لأن يحصل لك الرزق من حيث لا تحتسب، ألا وهو تقوى الله قال تعالى:
﴿ ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ﴾
أي يرزقُه الله رزقا لا يخطر له على بال، وربما جاءه من غير كدّ ولا تعب لكن ذلك مقيدٌ بتقوى الله، بفعل الطاعات، وترك المحرمات، فمن اتقى الله حق التقوى فإنه حريٌ بأن يوفق للرزق من حيث لا يحتسب.
ومن الأسباب الشرعية أيضا التوكل على الله ، وهو سبب مهم والكلام عنه متأكدٌ في هذه الأيام، فالتوكل على الله أن يعتمد العبد بقلبه على الرزاق سبحانه وتعالى، ويسعى في طلب الأرزاق، لا يعتمدْ على راتبه، ولا على مديره، ولا على صديقه، ولا على الوجيه الفلاني، ولا على الأمير الفلاني،
إنما يعتمدْ بقلبه على الله سبحانه وتعالى قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) ، فمن اعتمد بقلبه على الله وسعى في طلب الرزق فإن الله يكفيه سبحانه وتعالى.

ثم اعلموا رحمكم الله أن نبينا ﷺ قال في هذا السبب العظيم وهو تحقيقُ التوكل: (لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا)
تغدو في أول النهار وهي جوعى بطونها ضامرة ثم تعود في آخر النهار وقد امتلأت بطونُها، من الذي رزق الطير، من الذي رزق النمل ، ألها رواتب؟
لا والله، بل هو رزق الله عز وجل لعباده، ورزق الله لخلقه، ومنه هذه الدواب، فالذي رزق النمل، والطير وسائر الدواب، يرزقُكَ سبحانه وتعالى، لكن لا بد من الأخذ بالأسباب، فإن الطير لم يمكث على شجره بل طار بحثا عن الرزق، فكذلك على الإنسان أن يبحث عن الرزق متوكلاً على الله سبحانه وتعالى،
نسأل الله العظيم من فضله وكرمه.

عباد الله
إن النقص الذي حصل لرواتب الناس، إنما هو بقدر الله، قدّره الله عز وجل قبل أن تخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، ومن المعتاد أن يقلق الناس، لكن من غير المعتاد أن يجزع الناس، وأن يظنوا أنهم سيفتقرون أو يَهْلِكون، هذا نوع من الاعتماد بقلوبهم على هذه الرواتب، فهو نقص في توكلهم على الله عز وجل وإنما يجب عليهم أن يعتمدوا على الله، وكم من إنسان لا وظيفة له فتح الله أبواب الرزق.
وإذا أغلق الله باباً من أبواب الرزق فإنه بقدرته وفضله يفتح أبواباً أخرى للرزق من ابتغاها وجدها بإذن الله ولكن لا بد من تحقيق التوكل.
وهذا الذي حصل، من ولاة الأمور إنما هو لمصلحة ارتأوها، والواجب علينا هو الصبر والدعاءُ لهم بالصلاح والمعافاة، ونرجو أن يكون عارضاً وسيزول بإذن الله عز وجل، ونحن بايعناهم لله عز وجل، لا لأجل الدنيا، ولذلك أذكر نفسي وإخواني بحديث عظيم من أحاديث النبي ﷺ قال ﷺ ((ثلاثٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذابٌ أليمٌ... وذكر منهم رجلا بايع إمامًا لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها وفَى، وإن لم يُعْطِه منها لم يَفِ)).
رواه البخاري ومسلم.
فالحذر الحذر أن نكون ممن يشملهم هذا الحديث
نسأل الله عز وجل أن يصلح أحوالنا جميعا.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم...

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا مزيدًا. أما بعد:
فمن أسباب الرزق الصدقة، قال الله تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)
هذا وعد ممن لا يخلف وعده سبحانه وتعالى.
ولهذا قال النبي ﷺ : (ما نقصت صدقة من مال) رواه مسلم.
وقال ﷺ ( مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ إلا مَلَكانِ يَنْزلاَنِ، فَيقُولُ أحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تلَفًا. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.) متفق عليه.
هذا دعاء من الملائكة وهو على رجاء إجابة فتصدق يا عبدالله ولو بريال واحد ولا مانع من أن تتصدق وتنوي أن الله يرزقك فمع إخلاصك لله في الصدقة تنوي أن الله يخلف عليك بالرزق فإن الله هو أكرم الأكرمين

ومن أسباب الرزق: الاستغفار قال تعالى (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)
فالإكثار من الاستغفار والتوبة إلى الله عز وجل من آكد أسباب رزق الله لعباده، خاصةً أن من أسباب تضييق الرزق الذنوب قال تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) ومن الفساد نقص الأرزاق الحاصل بسبب الذنوب .
وقال تعالى (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ).

عباد الله:
اعلموا أن العبرة بالبركة، ليست بكثرة المال فكم من إنسان ماله كثير لكن الله عز وجل لا يبارك له فيه،
وكم من إنسان ماله قليل قد تحرى أن يكون من حلال فبارك الله عز وجل له فيه.
فنسأل الله بمنه وكرمه أن يرزقنا رزقاً حلاًلاً وأن يبارك لنا في أموالنا وذرياتنا إنه جواد كريم.
المشاهدات 1480 | التعليقات 0