إن الله كتب الإحسان على كل شيء

عنان عنان
1436/04/30 - 2015/02/19 13:16PM
" الــخُطبةُ الأولــى "

عبادَ اللهِ، أمرَ اللهُ بالإحسانِ فقالَ: "إنَّ اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القربى وينهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغيِّ لعلكم تذّكرونَ " وأمرَ بالإحسانِ إلى الوالدينِ فقالَ: " وبالوالدينِ إحساناً " وأمرَ بالإحسانِ إلى الناسِ فقالَ: "قولوا للناسِ حُسناً " وأخبرَ اللهُ عبادَهُ بأنَّ رحمتَهُ قريبٌ من المحسنينَ، فقالَ: " إنَّ رحمتَ اللهِ قريبٌ من المحسنينَ "وكتبَ اللهُ الإحسانَ على كُلِّ شيءٍ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ اللهَ كتبَ الإحسانَ على كُلِّ شيءٍ، فإذا قتلتُكم فأحسنوا القِتلةَ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِبحةَ، وليحدْ أحدُكم شفرتَه، وليرحْ ذبيحتَه " [رواه مسلمٌ] وإذا كتبَ اللهُ على شيءٍ، فإنه يُصبحُ فرضاً لا سُنةً ولا مُستحباً،
كما قالَ اللهُ: " إنَّ الصلاةَ كانت على المؤمنينَ كتاباً موقوتاً " وقالَ: " كُتِبَ عليكمُ القتالُ وهو كُرهٌ لكم "

عبادَ اللهِ، ومعنى الإحسانِ في اللغةِ، هو تمامُ العبادةِ وإتقانُها، فهو يشملُ الإحسانَ في حقِّ اللهِ وفي حقِّ الخلق، فالمحسنُ هو من أحسنَ في عملهِ، وأحسنَ إلى غيرِه.
وللإحسانِ أنواعُ وأصنافٌ شتَّى، 1- الإحسانُ في الواجباتِ الظاهرةِ والباطنةِ، يكونُ الإتيانُ بها على كمالِ وأجباتِها، فهذا من الإحسانِ الواجبِ، أما الإحسانُ فيها لكمالِ مستحباتِها فهو مُستحبٌ ليسَ بواجبٍ.
2- الإحسانُ في تركِ المحرماتِ، يكونُ بالإنتهاءِ عنها تركُ ظاهرِها وباطنِها، كما قالَ اللهُ تعالى: " وذروا ظاهرَ الإثمِ وباطنَهُ "
3- الإحسانُ في أقدارِ اللهِ المؤلمةِ، يكونُ بالصبرِ عليها بدونِ تسخطٍ وجزعٍ.
4- الإحسانُ في بابِ معاملةِ الخلقِ، يكونُ بالإحسانِ إليهم بما أوجبَ اللهُ لهم من حقوقٍ.
وأعظمُ الأحسانِ كما أخبرَ عنه المصطفى-صلى الله عليه وسلم-: " أن تعبدَ اللهَ كأنك تراهُ، فإن لم تكنْ تراهُ فهو يراكَ ".

عبادَ اللهِ، أمرَ اللهُ بالإحسانِ في القتلِ، على ما يجوزُ قتلُهُ من الناسِ والدوابِ، يكونُ بإزهاقِ نفسِهِ على أسرعِ الوجوهِ وأسهلِها من غيرِ زيادةٍ في التعذيبِ، لأنه إيلامٌ بلا حاجةٍ ولا مصلحةٍ راجحةٍ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم: " إذا قتلتُم فأحسنوا القِتلةَ " دليلٌ على إحسانِ هيئةِ القتلِ، سواءٌ كانَ ذلك في إختيارِ الآلةِ الحادةِ التي تمضي وتريحُ المقتولَ، أو في صفةِ القتلِ وطريقتِهِ، وأسهلُ وجهٍ لقتلِ الآدميِّ، ضربُهُ بالسيفِ على العُنقِ، كما قالَ تعالى: " فإذا لقيتمُ الذينَ كفروا فضربَ الرقابِ "
وكانَ النبيُّ-صلى الله عليه وسلم- إذا يعثَ سريةً تغزو في سبيلِ اللهِ قالَ لهم: " لا تُمثِّلوا ولا تقتلوا وليداً " [رواه مسلم] وفي صحيحِ البخاريِّ " نهى النبيُّ-صلى الله عليه وسلم-عن المُثلةِ " وقدْ وردَ وعيدٌ شديدٌ لمن مثَّلَ، أخرجَ الإمامُ أحمدُ عن رجلٍ من الصحابةِ عن النبيِّ-صلى الله عليه وسلم-أنَّه قالَ: " من مثَّلَ بذي روحٍ ثُمَّ لمْ يتُبْ، مثَّلَ اللهُ بهِ يومَ القيامةِ "
وأهلُ الإيمانِ هم أعفُّ الناسِ، لا يُعذِّبونَ ولا يُمثِّلونَ في القتلِ، فهم أرحمُ الناسِ في القتلِ، أما الكفارُ والخوارجُ وأهلُ البدعِ، إذا تمكنوا من عدوِّهم ليس عندهم ورعٌ قُساةٌ وظلمةٌ في القتلِ، وقدْ قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " أعفُّ الناسِ قِتلةً أهلُ الإيمانِ " [رواه أبو داود].
والتحريقُ بالنَّارِ فلا يجوزُ فقدْ أذنَ النبيُّ-صلى الله عليه وسلم-بهِ ثُمَّ نهى عنه، عن أبي هُريرةَ-رضيَ الله عنه-قالَ: بعثنا رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-في بعثٍ فقالَ: " إنْ وجدتُم فلاناً أو فلاناً لرجلينِ من قُريشٍ فأحرقوهما بالنَّارِ، ثُمَّ قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-حينَ أردنا الخُروجَ، " إني قد كنتُ أمرتُكم أن تحرقوا فلاناً أو فلاناً بالنَّارِ، وإنَّ النَّارَ لا يُعذِّبُ بها الا اللهُ، فإن وجدتُهما فأقتلوهما" [رواه البخاريُّ ومسلمٌ] وعن ابنِ عباسٍ-رضي الله عنهما-أنَّ النبيَّ-صلى الله عليه وسلم-قالَ: " لا تُعذِّبوا بعذابِ اللهِ-عزَّ وجلَّ-" [رواه البخاريُّ] ولهذا أنكرَ ابنُ عباسٍ على عليٍّ-رضي الله عنه- عندما حرقَ المرتدينَ، فلا يجوزُ التحريقُ بالنَّارِ مُطلقاً سواءٌ كانَ مُسلماً أوْ كافراً، ويدخُلُ في ذلكِ، تحريقُ الهوامِ والحشراتِ، وأكثرُ العلماءِ على كراهيةِ ذلكَ، فقدْ نهتْ أمُّ الدرداءِ عن حرقِ البرغوثِ. وقالَ الإمامُ أحمدُ: " لا يُشوى السمكُ وهو حيٌّ ". ورخصَ في الجرادِ وقالَ: " هو أهونُ لأنه لا دمَ له ".

عبادَ اللهِ، قالَ-صلى الله عليه وسلم-: " وإذا ذبحتُم فأحسنوا الذِبحةَ، وليحدْ أحدُكم شفرتَهُ، وليرحْ ذبيحتَهُ "
فأمرَ اللهُ بالإحسانِ للحيوانِ عند ذبحهِ، لترتاحَ الذبيحةُ وتزهقَ نفسُها بسرعةٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريِّ-رضي الله عنه- قالَ: مرَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-برجلٍ وهو يجرُ الشاةَ بأُذنِها، فقالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " دعْ أُذُنَها وخذْ بسالفتِها " يعني بمقدمِ عُنقِها [رواه ابنُ ماجه]. وقالَ الإمامُ أحمدُ: " تُقادُ إلى الذبحِ قوداً رفيقاً، وتُوراى السكينُ عنها، ولا تُظهَرُ إلا عندَ الذبحِ " وقالَ أيضاً: " ما أُبهمِتْ عليهِ البهائمُ فلم تُبهمْ، فأنَّها تعرفَ ربَّها وتعرفُ أنها ستموتُ " عن أبي هريرةَ-رضي الله عنه عن النبيِّ-صلى الله عليه وسلم-: " أنه نهى عن شريطةِ الشيطانِ " [رواه أبو داود] والودج هو مجرى النفسِ والمرئِ، وهي التي تُذبحُ فيُقطع الجلدُ ولا تفري الأوداجُ. وأنَّ رجلاً قالَ: للنبي-صلى الله عليه وسلم-يا رسولَ اللهِ إني لأذبحُ الشاةَ وأنا أرحمها فقالَ النبيُّ-صلى الله عليه وسلم-: " والشاةُ إن رحمتَها رحمكَ اللهُ " [رواه أحمد] قالَ مُطَرَّفٌ:" إنَّ اللهَ ليرحمُ برحمةِ العُصفورِ ".

عبادَ اللهِ، أمرَ اللهُ إحترامَ الحيوانِ والرحمةَ بالحيوانِ، ورتب على ذلك فوزاً عظيماً، وهيَ جنَّةٌ عرضُها السمواتُ والأرضُ،
عن أبي هريرةَ-رضي الله عنه-قالَ: قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " بينما كلبٌ يُطيِفُ بِرَكيةٍ كادَ أن يُقتِلَهُ العطشُ، إذ رأته بغيٌ من بغايا بني إسرائيلَ فنزعتْ موقَها-أي خُفَّها- فسقتهُ فغُفِرَ لها بهِ " [متفقٌ عليهِ]. لا إلهَ إلا اللهُ غفرَ اللهُ لزانيةٍ لأنها سقتْ كلباً عطشاناً، ونهى اللهُ عن تعذيبِ الحيوانِ وعدمِ الرأفةِ بهِ، ورتبَ على ذلك عذاباً أليماً، ألا وهي نارٌ يُقالُ لها هلِ إمتلاتِ وتقولُ: هلْ من مزيدٍ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " دخلتْ امرأةٌ النَّارَ في هِرةٍ، ربطتَها ولم تطعمْها ولمْ تدعْها تأكلُ من خِشاشِ الأرضِ " [متفقٌ عليهِ]. أما الحيوانُ المؤذيُ الذي من طبعهِ الإفتراسِ والإفسادِ فقدْ أمرَ الشرعُ بقتلهِ، عن عائشةَ-رضي الله عنها-قالتْ: قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " خمسُ فواسقُ يُقتلنَ في الحلِّ والحَرَمِ، العقربُ والحدأةُ والغرابُ والفأرةُ والكلبُ العَقورُ " [متفقٌ عليهِ]. والعقورُ هو كل شيءٍ مؤذٍ من السباعِ أوِ الطيورِ الجارحةِ، وليسَ من الرفقِ بالحيوانِ تربيةُ الحيواناتِ النجسةِ والعنايةُ بها، كالكلابِ والخنازيرِ كعادةِ أهلِ الغربِ ومن شابَهم، عن أبي هريرةَ-رضي الله عنه-قالَ: قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " من اتخذَ كلباً فإنه ينقصُ كُلَّ يومٍ من أجرهِ قيراطٌ، إلا كلبَّ حرثٍ أوْ ماشيةٍ، وفي روايةٍ إلا كلبَ زرعٍ أو صيدٍ أو غنمٍ " [متفقٌ عليهِ].

قلتُ ما سمعتم وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فأستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

" الخُطبةُ الثانيةُ "

عبادَ اللهِ، أمرَ اللهُ بالإحسانِ مع الأسيرِ الكافرِ، فقالَ تعالى:" ويُطعمونَ الطعامَ على حُبِّهِ مسكيناً ويتيماً وأسيراً "
فكانَ أصحابُ رسولِ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-يؤثرون طعامَهم لما بينَ أيديِهم من الأسرى، والأسيرُ الكافرُ لا يجوزُ قتلهُ إذا أسلمَ، أما إذا لم يُسلمْ فأمرُه متروكٌ للسلطانِ، إنَّ شاء قتله، وإن شاءَ منَّ عليهِ، وإن شاءَ أفداءهُ، وقدْ قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " عجبَ ربي من قومٍ يُقادونَ إلى الجنَّةِ بالسلاسلِ " [رواه أبو داود وصححه الألباني]. وهم الأسارى الذينَ يقعونَ في أيدي المسلمينَ فيدخلونَ في الإسلامِ وهم كارهون خوفاً من القتلِ، فيؤجرونَ رغمَ أنوفُهم.

وأمرَ اللهُ بالإحسانِ إلى المعاهدِ، وهو اليهوديُّ أو النصرانيُّ إذا لم يكنْ محارباً، ورتب على إيذائه وقتله عذاباً اليماً، قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " من قتلَ مُعاهِداً لمْ يجدْ رأئحةَ الجنَّةِ وإنَّ ريحها لَيوجدُ من مسيرةِ أربعينَ عاماً " [رواه البخاريُّ].

وأمرَ اللهُ بالإحسانِ إلى الزوجةِ والأولادِ، فقالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " خيركم خيرُكم لأهلهِ، وأنا خيرُكم لأهلي " [رواه الترمذي] وقالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " استوصوا بالنساءِ خيراً، فإنَّ المرأةَ خُلِقتْ من ضِلعٍ أعوجَ، وإنَّ أعوجَ شيءٍ في الضلعِ أعلاهُ، فإن ذهبتَ تُقيمُه كسرتَُه، وإن تركتُه لمْ يزلْ أعوجُ، فأستوصوا بالنساءِ " [متفقٌ عليه].
وقالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " لا يجلدْ أحدُكم امرأتَه جلدَ العبدِ ثُمَّ يُضاجْها في آخرِ اليومِ " [متفقٌ عليه].
وفي صحيحِ مُسلمٍ " كان رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-رجلاً سهلاً فإذا هويتَ عائشةُ شيئاً تابعها عليهِ " وقد كان النبيُّ-صلى الله عليه وسلم-حليماً لينَ المعشرِ مع أهله، كريماً عفَّ اللسانِ لا يضربُ ولا يعنفُ ولا يسيءُ الظنَّ رفيقاً بهم يصفح عن زلاتِ النساءِ ولا يستقصي حقَّه مُتغافلٌ في بيتهِ، فقدْ جمعَ بأبي وأمي كريمَ الخِصالِ وحُسنَ المعشرِ، فينبغي على المؤمنِ أن يُحسِنَ إلى أهلِهِ بجميعِ أنواعِ الإحسانِ، من طلاقةِ الوجهِ وحُسنِ الكلامِ وإصلاحِ المظهرِ والتسامحِ وإحتمالِ الأذى والرفقِ ومرعاةِ الأحوالِ وتفهمِ طبيعةِ المرأةِ والجودِ وغيرِ ذلك. فأحسنوا عبادَ اللهِ فإنَّ الإحسانَ يجلِبُ محبةَ اللهِ، قالَ تعالى: وأحسنوا إنَّ اللهَ يُحبُّ المحسنين "

وصلِّ اللهم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
المشاهدات 2104 | التعليقات 0