( إن الشيطان لكم عدو ) لفضيلة الشيخ عبدالعزيز محمد ( مختصرة )

منصور بن هادي
1447/06/06 - 2025/11/27 19:33PM

الحمْدُ للهِ، خَلَقَ فَقَدَّر، ومَلَكَ فَدَبَّر، وشَرَعَ فَيَسَّر، وأَشْهَدُ أَن لا إِله إلا اللهُ وحَدَهُ لا شَرِيْكَ لَه، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً عبْدُهُ ورَسُولُه، صلى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ عليه وعلى آله وأَصحابِه وعلى مَنْ اسْتَمْسَكَ بِسُنَّتِهِ إِلى يَومِ الدينِ.   أَما بعدَ: فاتَّقُوا الله عبادَ اللهِ لعلكم ترحمون.

أيها المسلمون: تُوَالِي النَّفسُ مَنْ يَوالِيْها، وتُعادِيْ مَنْ يَتَرَبَصُ بِها ويُعَادِيْهَا. لا يَسْتَوِي ناصِحٌ مُخْلِصٌ، وَعَدُوٌّ حَاسِدٌ حَاقِدٌ.

وحِيْنَ يَكُونُ الحَدِيْثُ عَنْ العَدوِّ وعَنْ أَصْنافِ العَداواتِ. وحِيْنَ تُورَدُ في ذلكَ القَصَصُ والمَواقِفُ والحِكايات، فَإِنَّكَ لَنْ تَجِدَ قِصَّةً أَصْدَقَ من قِصْةٍ قَصَّهَا اللهُ عَلَيْكَ في القُرآنِ، قِصَةَ عَداوَةِ الشَيْطانِ للإِنْسان. عَداوَةٌ مِنْ أَشْرَسِ العَداواتِ وأَحْقَدِها وأَطوَلِها وأَقْوَاهَا. عَداوَةٌ كانَ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ خَلْقِ آدَمَ عَليّهِ السّلامُ، وانْتِهَاؤُهَا، في آخِرِ الزَمانِ {قَالَ أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا  لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ} .

عَداوَةُ الشَيْطانِ للإِنْسان مِنْ أَخطَرِ العداواتِ {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا } .

عَدُوٌّ لَمْ يُخْفِ عَداوَتَهُ، ولَمْ يَكْتِم أَحْقادَهُ ، بَلْ قَال: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا} أي: لَأُسَيْطِرَنَّ عَلَى أَبْنَائِهِ، وَلَأَقُودَنَّهُمْ إِلَى المَعْصِيَةِ، وَلَأَصْرِفَنَّهُمْ عَنْ طَرِيقِ الحَقِّ.

 طَلَبَ مِنْ ربِهِ إِمْهَالاً وَعُمُرَاً طَوِيّلاً، وسَأَلَهُ حَيَاةً مَدِيّدَةً، لِيُضَاعِفَ فيها مكرَهُ وإِضلالَه، وصَدَّهُ وإِفسَادَهُ، وكيْدَهُ وإِغواءَه، فَأَجابَهُ اللهُ لِما سأَلَهَ، ليجْعَلَهُ للناسِ ابْتِلاءً وفِتْنَة.

أَذِنَ اللهُ للشَّيْطانِ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَهُ، ولَمْ يَذَرِ اللهُ عِبادَهُ سُدَى، ولَمْ يُسْلِمْهُم لِعَدُوِّهِم دُونَ أَنْ يَهَبَهُم وَسائِلَ النَجاةِ، ويُبَيِّنَ لَهُم عِظَمَ الخَطَر. بَلْ أَرْسَلَ إِليهِمُ المُرسَلِيْنَ، وأَنْزَلَ مَعَهُم كُتُباً بِها يَهْتَدُون، فَقَاَلَ {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ ..} وَقَال (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ) فَما حِيْلةُ إِنْسانٍ يَتَرَبَّصُ بِهِ عَدُوٌّ يَراهُ وهُو لا يُرَاه؟! وما حِيْلَةُ إِنسانٍ يوَسوِسُ لَهُ شَيْطانٌ ويَدْعُوه إِلى هَواه؟!  كَيْفَ الخَلاصُ، وكَيفَ مِنْهُ المَهْربُ؟! 

لَقْدَ بَيَّنَ اللهُ لِعِبَادِهِ أَسْبابَ الوِقايةِ مِنَ الشَيْطانِ، والمؤْمِنُ لا يَزالُ يَسْعَى في طَلَبِ الوِقَايَةِ من الشَيْطانِ، فَما للشَّيْطانِ قُوَّةٌ، ولَيْسَ لهُ أَمْرٌ يُرْغِمُهُ على فِعْلِ مَا شَاءَ. وإِنَّمَا لَهُ مَكْرٌ يَسْتَدْرِجُ بِهِ الإِنسانَ رُويداً رُويداً حَتَى يُوقِعَهُ في أَبْشَعَ الأَفْعالِ، وأَقْبَحَ الأَعْمالِ، وأَرْذَلِ الخِصال.

يُهَوِّنُ عليهِ الشَيْطَانُ صَغائِر الذُنُوبِ ويُزَيِّنُ لَهُ ارْتِكَابَهَا، فَإِذَا ما وَقَعَ المرءُ فِيْها، فَتَحَ لَهُ نَافِذَةً إِلى ذُنُوبٍ أَكْبَرَ مِنْها، ثُم يَفْتَحُ لَهُ الشَيْطَانُ أَبْواباً إِلى الحَرامِ في أَجْمَلِ صُورَةٍ. وهُنا الشَيْطَانُ يَقْوَى، والمُسْتَجِيْبُ يضعفُ وَيَنْهَزِم .

خُطُواتُ الشَيْطَانِ ماكِرَةٌ، يَسْتَدْرِجُ بِها الإِنْسانَ حَتَى يُوقِعَهُ في هَلَاكِهِ {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} أَغْلِقْ نافِذَةَ الحَرامِ مِنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ، وجاهِدْ نَفْسَكَ في الخَلاصِ مِنْها مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ، وتَدَارَكْ نَفْسَكَ في أَقْرَبِ وَقْتٍ. فإِنكَ إِن خَطَوْتَ واحِدَةً، فَلَسَوفَ تَخْطُو أُخْرَى .

اسْتَعْذْ باللهِ من شَيْطانِ يَتربَّصُ بِكَ، فإِنَ من اسْتعاذَ باللهِ أَعَاذَه، وفي القُرآنِ سُورَةٌ كامِلَةٌ بِها للمُسْتَعَيْذِ مَعَاذٌ، وبِها للمُسْتِجِيْرِ أَمَان. {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَٰهِ النَّاسِ * مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}

وذِكْرُ اللهِ حِصْنٌ حصيِنٌ من الشَّيْطانِ الرَّجِيْم، وكُلَّما كانَ العَبْدُ أَكْثَرَ ذِكْراً للهِ في يَومِهِ ولَيْلَتِهِ، كانَ أَقْوَى حَصانَةً ومَنَعَةً وأَماناً. وكُلَّما كَانَ العَبْدُ في غَفْلَةٍ وبُعْدٍ وصُدُودٍ، كانَ الشَيْطانُ أَقْدَرُ عليهِ وأَقْوَى .

بارك الله لي ولكم.. 

الخطبة الثانية

الحَمْدُ للهِ الذِي هَدَانَا، والصَلاةُ والسَلامُ عَلى مَن للهُدَى دَعَانَا، أمَا بَعْدُ:  أَيُّهَا المُسْلِمُوْن: مَنْ عَرَفَ عَدُوَّهُ تَحَرَّزَ مِنْهُ، وكَانَ مِنْ مَكْرِهٍ على تَخَوُّفٍ وتَوَقٍّ وحذَر. وعَلى قَدْرِ العَدَاوَةِ يَكُونُ البُعْدُ، وعلى قَدْرِ المَكْرِ يَكُونُ الحَذَر. ومَا أَفْلَحَ مَنْ مَنَحَ العَدُوَّ مِفْتَاحَ دَارِهِ، ومَا نَجا مَنْ وَهَبَ العَدُوَّ أَسْبَابَ الظَفَرِ بهِ .

وكَما أَنَّ العَبْدَ مَأْمُورٌ بِتَحْصِينِ نَفْسِهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَهُوَ مَأْمُورٌ أَيْضًا بِتَحْصِينِ أَهْلِهِ وَبَيْتِهِ وَأَوْلَادِهِ؛ فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُلْزِمَ الذِّكْرَ وَالتَّسْمِيَةَ فِي بَيْتِهِ، وكُلِّ مَكانٍ يَأَوِيْ إِليهِ، وَطَعَامِهِ، وأَنْ يَلْزَم الذِكْرَ الوَارِدَ قَبْلِ الجِماعِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حِفْظٍ لِذُرِيَتِهِ ؛ «اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ… فَإِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا».

ومما يَنْبَغِيْ للوَالِدِينِ والمعَلِمِيْنَ والمُرَبِيْنَ أَنْ يُرَبِو النَّاشِئَةَ على الَحذَرِ مِنْ الشَيْطانِ، وعَلى الحَذَرِ مِن اتِّباعِ خُطُواتِه، وأَنْ يُرَبُّوهُم على مُلازَمَةِ الاسْتِعاذَةِ باللهِ مِنْ الشَيْطانِ، وعلى مُلازَمَةِ ذِكْرِ اللهِ والتَسْمِيَةِ عِنْدَ الدُخُولِ والطَعامِ والشَّرَاب.

 أَلا إِنَّ السَّعِيْدَ مَنْ عُصِمَ منَ الشَيْطانِ وَوُقِيَ مَنْ شِراكِهِ  {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلًا}

اللهم أَعذنا من الشَّيْطانِ الرجيم، واجْعَلنا من عِبادِكَ المُخْلَصِيْن..

المرفقات

1764254013_إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ .docx

المشاهدات 824 | التعليقات 0