إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ

محمد البدر
1441/07/03 - 2020/02/27 01:30AM
الْخُطْبَةِ الأُولَى:
عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾‏[العنكبوت:2، 3]. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « يَتَقَارَبُ الزَّمَان، وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّمَ هُوَ قَالَ: القَتْلُ، الْقَتْلُ »مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.فتنٌ تموج أعاصيرُها موجَ البحار، فتتغير فيها المفاهيم، وتنقلب الحقائق ، ويُشرِّع للهوى ، ويُستخف بالدم ، ويَنطق الرويبضة السفيه ويُقدّم . فَعَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كنا مَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سَفَرٍ فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً ، فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءهُ ، وَمِنّا مَنْ يَنْتَضِلُ ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ في جَشَرِهِ ،إذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصَّلاةَ جَامِعَةً ،فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ « إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ،فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ ..إلخ » رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ قِيلَ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ قَالَ الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.                 
عِبَادَ اللَّهِ:إن الخوفَ من الفتن ومدافعتَها، والتواصي بالتحذير من ويلاتها سنةٌ سابقةٌ عرفها سلف  هذه الأمة وإنَّ سبب كثير من هذه الفتن هو مخالفةُ أمر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَعَالَى ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾.
إن هذه الفتن بحسب قوتها لها تأثير قوي في عقائد الناس وفي أفكارهم ومواقفهم . ففي الفتن تبرز الردةُ عن الإسلام ، وتمييعُ القضايا الثابتة ، ويُرخّص أمرُ الدين ، وتَتغيرُ المسلَّمات ،قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِى كَافِرًا أَوْ يُمْسِى مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا » رَوَاهُ مُسْلِمٌ.  
فإذا كانت العقائد تتغير في الفتن ؛ فمادونها أولى؛ كتغير المرء من السُّنَّة إلى البدعة، أو من الهداية إلى الضلالة، أو من سلامة الفكر إلى الولوغ في الفكر المنحرف إما جفاءً أو غلوًا فطبيعة الفتن - أعاذنا الله منها - التباسُ الحق بالباطل ،ورواجُ الشبهات حتى تحتار أمامها عقولُ الرجال فالفتن بحر لا يُعلمُ ساحلُه، تموج سفينة المجتمع في لجج هذا البحر، ويسعى لخرم هذه السفينة منافقون ومخذّلون، يزينون الباطل، ويُهوِّنون الحرام، ويشرعون للأهواء، ويمهّدون الناس للتعايش مع المنكر قَالَ تَعَالَى ﴿  وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا﴾ (النساء: 27).
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا..
 
الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ:
عِبَادَ اللَّهِ : إنَّ مِن علاماتِ السعادةِ وأسبابِ الفلاح أن يَسلَم العبدُ من شر هذه الفتن ،قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ وَلَمَنِ ابْتُلِىَ فَصَبَرَ فَوَاهًا » رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
ومن اسباب اجتناب شر هذه الفتن الدعاء فقدكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو« اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ومن اسباب اجتناب الفتن التمسك بكتاب الله وتوحيدالله وإفراده بالعبادة والتمسك بسنة النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والعودة إلى ما كان عليه السلف الصالح فإذا وقعت الفتن فينبغي علينا الفزعُ إلى الله  تَعَالَى والانكسارُ بين يديه ،قَالَ تَعَالَى ﴿ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ« أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإنْ تَأمَّر عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ ، وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اختِلافاً كَثيراً ، فَعَليْكُمْ بسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِيِّنَ عَضُّوا عَلَيْهَا بالنَّواجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ, فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ» صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ..ومن أسباب النجاة من الفتن لزومُ جماعة المسلمين ونبذُ الفرقة وطاعة ولاة الأمور ،وإحياءِ شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحصين النفس بالعلم الشرعي، واليقين بالله، والتفقّه في أمور الدين..وصلُّوا وسلِّموا.
المرفقات

إِنَّ-السَّعِيدَ-لَمَنْ-جُنِّبَ-الْف

إِنَّ-السَّعِيدَ-لَمَنْ-جُنِّبَ-الْف

المشاهدات 1201 | التعليقات 0