( إنَّ الذين أجرموا كانوا..):
HAMZAH HAMZAH
( إنَّ الذين أجرموا كانوا..):
جامع الفهد ...١٤٤١/٢/٢٦هـ
د. حمزة بن فايع الفتحي
الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين ، وخالق الخلق أجمعين، نحمده على آلائه، ونشكره على فضله وامتنانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .....
أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله، اتقو الله وراقبوه واتقوه بفعل أوامره ، واجتناب نواهيه ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيثُ لا يحتسب )سورة الطلاق .
إخوةَ الإسلام : في غزوة تبوك ولحظات الحرب والسفر والمتاعب، يتكلم بعضُ الناس في الصحابة رضي الله عنهم، فيقول : "ما رأينا مثلَ قرائنا هؤلاء أرغبَ بطونًا، ولا أكذب السنة، ولا أجبنَ عند اللقاء " فيُخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم ويتنزل القرآن بها ، فيرد على أولئك ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) . فكفرهم الله بتلك السخرية ...!
نعم السخرية خطيرة ، والاستهزاء بأهل الإيمان ودينهم، أمر شنيع وعظيم، ينزلق بصاحبه لمزالق الكفار، ..!
ومن أشد ما يؤلم المؤمن في تدينه والمستقيم في استقامته، سخرية الآخرين من دينه، وسمته وهيئته...!!
كما وصفهم القرآن في غير ما موضع: ( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون، وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهمُ انقلبوا فكهين، وإذا رأوهم قالوا إن هولاء لضالون ) سورة المطففين . وهذه حقيقة واقعة منذ القدم، ويعاني المتدينُ منها كثيرا، لما يشاهده من الغمز و اللمز، وتمالئ الجهلة عليه...!
أدينيَ مرمىً للسهام و إنني... على سنة المختار أقفو وأعملُ
زمانٌ عجيبٌ يملأ القلب حيرةً...
فيا رب ثبّتنا ولا نتململُ
وبعض هؤلاء المجرمين يخصصون وسائل إعلامية و إلكترونية للسخرية من المتدينين ، والتقليل من أهميتهم، و أنهم سبب النكبات ومعوقوا والتنمية...! وقصدهم الإسلام والسنة ( كبُرت كلمةً تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا )سورة الكهف .
وقد قال قوم نوح له ( أنومن لك واتبعك الأرذلون ) سورة الشعراء . وفي العهد النبوي ، كم سخر المشركون وتهكم المنافقون من الدعوة وحاملها وصحابته .. ؟! ومع ذلك ثبت الأخيار على دينهم ،ونافحوا بكل ما أوتوا من قوة ..! وفي هذه الأيام ستسمعون الوقيعة في اللحية وفي الثوب القصير وفي السواك ، وفي بعض أحكام الإسلام ، ولا ريب أن شناعتها وشدة وقعها على أهل الإيمان ثقيل، ولكنهم يحتملون ويصبرون، فمن كان ذَا علمٍ ٍ رد عليه بعلم وحجة، ومن كان سفيها فلا ينزلون له منازل السفهاء، كما قال الله ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ). سورة الفرقان.
وإنما يفعل ذلك أهل الباطل لقلة حيلتهم ، وتضايقهم من المؤمنين وخوفهم من ظهور الحق، وانتشار الشعائر ، وذهاب مكانتهم من الناس.
والسخرية والاستهزاء إنما هي حيلة العاجز ، من لا يملك عقلًا ولا علمًا،، ولا رسالة ..!
( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون) اأي ديدنُهم الضحك والاستهزاء، كما كان يصنع رؤساء قريش مع ضعفاء أهل الإيمان ( وإذا مروا بهم يتغامزون ) أي محتقرين لهم ( وإذا انقلبوا إلى أهلِهمُ انقلبوا فكهين) أي معجبين بذلك، الصنع السخيف ، وذلك العمل المجانب للعدل والمروءة..!
وكأن هؤلاء المجرمين وأذنابَهم من المنافقين، ليس لهم شغلٌ الا الاستهزاء بالأخيار، والوقيعة فيهم معجبين بذلك العمل ، ومفتخرين بنقدهم والطعن فيهم، وأشنع من ذلك، أن يعتقدوا أنهم على الحق ، وأولئك ضالون ليسوا على الجادة ( وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون ) أي بسبب اتباعهم الحق، وتركهم باطل قومهم، ولياذهم بالكتاب والسنة...!
قال تعالى : ( وما أُرسلوا عليهم حافظين ) أي ليسوا موكلين بهم، ومراقبة أعمالهم في كل شيء...( كل نفس بما كسبت رهينة) سورة المدثرر. ( ولا تزر وازرة وزر أخرى )سورة الإسراء . وإذا تعاظم السخف والاستهزاء ، كان ذلك اختبارًا لإيمان المؤمن، واختبارًا لثباته، واختبارًا لحُسن خلقه ، والله لا يصلح عمل المفسدين .
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم...
—————
الثانية :
الحمد لله وكفى، وسلاما على عباده الذين اصطفى،، وعلى نبينا محمد خير رسول مقتفى، وعلى آله وصحبه أربابِ المجد والوفا ، أما بعد :
أيها الإخوة الفضلاء :
من المؤسف أن السخرية والاستهزاء ، لم تعد من قبَل الكفار والملاحدة، بل باتت من بعض المسلمين، يفعلها تقليدا، أو نفاقا، أو ضحكا، أو تقليلا، لمنائر الحق ، ويعتقد أن الإسلام جسم بلا روح، أو أن الصلاة والصيام والحج، كافيةٌ للتدين المنضبط، ولا يبالي بمحرمات أخرى، وبواجباتٍ غيرها ، كاجتناب الكبائر ،والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانات، والمال الحلال الطيب ..!
ولذلك نقول لإخواننا هؤلاء :
خذوا الحذر، واسألوا الله الهداية، ولا تكونوا مطيةً لأعداء الإسلام، ومن وُفق لسنة لصحيحة ومنهج سليم في فالواجبُ تشجيعُه، وليس كرهه هو تحطيمه، والنيل من شرع الله وأحكامه...! قال الإمام النووي رحمه الله (والأفعال الموجبة للكفر ، هي التي تصدر عن عمد واستهزاء بالدين الصريح ).
والواجب على الشباب المستقيم، والصغار، وكل مسلم ابتُلي بشيء من ذلك فأولا : الصبر على الأذى ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل) سورة الأحقاف. ( ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك ) سورة فصلت . وصفوا بنقائص عصرهم فصبروا وُتحملوا ، ثانيا : الثبات على الحق والاعتزاز به واللهج دايما للمولى الكريم بالتثبيت والاصبير( وربطنا على قلوبهم ) سورة الكهف . و ثالثا : المحافظة على ما أنت عليه من الخير والسنن والفضائل ، رابعاً : التباعد عن مجالس هؤلاء، بعد الإنكار عليهم وتحذيرهم غضبَ الله تعالى...
خامساً: تذكير الناس والآخرين بالخير المحمول ، والذكر المحمود، قبل أن يفتنهم أولئك .
وسادسًا : تذكر حُسن العاقبة ، والفرح الكبير في جنات النعيم( فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون )سورة المطففين .
وربنا الموفق والمعين .
عافانا الله وإياكم من هذه البلية .....
وصلوا وسلموا يا مسلمون على المعلم الصبور ، والنبي الوقور، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.....
اللهم أعنا ولا تعن علينا....