إِنَّ أَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ 1443/11/11هـ

عبد الله بن علي الطريف
1443/11/11 - 2022/06/10 06:52AM

إِنَّ أَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ 1443/11/11هـ

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]

أما بعد أيها الإخوة: يقول الله تعالى ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكًا وَهُدًى لِلعالَمينَ﴾ [آل عمران: ٩٦] البيت هو: الكعبة المشرفة، البيت العتيق، مهوى الأفئدة، وغيرها من الأسماء وكلها تحمل دلالات على عظمة هذا المكان وقدسية هذا البيت الذي يستقبله المصلون في كل أصقاع الدنيا خمس مرات في يومهم وليلتهم.

‎من عظمة هذا المكان تبرز تفاصيل مهمة عن بناء الكعبة ذكرها التاريخ وسُطرت فيه وستظل سجلاً شرفيًا خالدًا لمن قام بهذا العمل عبر الحقب التاريخية المتعاقبة ومن أراد أن يتحدث عن بناء هذا البيت لا بد أن يذكر بصدر حديثه ما رواه البخاري وغيره في قصة بنائه.. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَاءَ إِبْرَاهِيمُ بأُمِّ إِسْمَاعِيلَ، وَابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ، حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ البَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ، فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى المَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ، وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الوَادِي، الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ لاَ يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لاَ يَرَوْنَهُ، اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ البَيْتَ، ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلاَءِ الكَلِمَاتِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) [إبراهيم:37] "وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ المَاءِ، حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى، أَوْ قَالَ يَتَلَبَّطُ، فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ يَلِيهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِنَ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا، ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الإِنْسَانِ المَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتِ الوَادِيَ، ثُمَّ أَتَتِ المَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا» فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى المَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا، فَقَالَتْ صَهٍ -تُرِيدُ نَفْسَهَا-، ثُمَّ تَسَمَّعَتْ، فَسَمِعَتْ أَيْضًا، فَقَالَتْ: قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ، فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ، أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ، حَتَّى ظَهَرَ المَاءُ، فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا، وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنَ المَاءِ فِي سِقَائِهَا وَهُوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ -أَوْ قَالَ: لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ المَاءِ-، لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا" قَالَ: فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا، فَقَالَ لَهَا المَلَكُ: لاَ تَخَافُوا الضَّيْعَةَ، فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ، يَبْنِي هَذَا الغُلاَمُ وَأَبُوهُ، وَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَهْلَهُ، وَكَانَ البَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنَ الأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ، تَأْتِيهِ السُّيُولُ، فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، فَكَانَتْ كَذَلِكَ حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمَ، أَوْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمَ، مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ، فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ، لَعَهْدُنَا بِهَذَا الوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ، فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ، فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاءِ فَأَقْبَلُوا، قَالَ: وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ المَاءِ، فَقَالُوا: أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، وَلَكِنْ لاَ حَقَّ لَكُمْ فِي المَاءِ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُحِبُّ الإِنْسَ» فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ، وَشَبَّ الغُلاَمُ وَتَعَلَّمَ العَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ، وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ، فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ، وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ... ثُمَّ جَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلًا لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ، فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الوَالِدُ بِالوَلَدِ وَالوَلَدُ بِالوَالِدِ، ثُمَّ قَالَ يَا إِسْمَاعِيلُ، إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ، قَالَ: فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ، قَالَ: وَتُعِينُنِي؟ قَالَ: وَأُعِينُكَ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَاِ هُنَا بَيْتًا، وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ، فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي، حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ البِنَاءُ، جَاءَ بِهَذَا الحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ فَقَامَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الحِجَارَةَ، وَهُمَا يَقُولاَنِ: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ) [البقرة:127]، قَالَ: فَجَعَلاَ يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ البَيْتِ وَهُمَا يَقُولاَنِ: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ) [البقرة:127] بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم....

ِِ

أيها الإخوة: لقد جعل ربنا تبارك وتعالى بيته المعظم مثابةً للناس، يثوبون إليه ولا يقضون منه وطرًا، كلما رجعوا إلى أهليهم رجعوا إليه حبًّا وشوقًا وابتهاجًا، إليه تشتاق الأرواح، وفيه تتعاظم المسرات والأفراح، ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا﴾ [البقرة:125]. أي لَا يَقْضُونَ مِنْهُ وَطَرًا، يَأْتُونَهُ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ، ثُمَّ يَعُودُونَ إِلَيْهِ. وهو أمان الناس وسلامتهم، ورَوْحِهِم ورَاحَتَهم، أَمِنَ فيه مُجَاورُه وساكِنُوه، وتلذَذُوا بعيشه وبركته، في حين يُتَخَطَفُ الناسُ من حولهم.

أيها الإخوة: وتتابع من ولي مكة من الولاة بالقيام ببناء الكعبة المشرفة ورعايتها تعظيماً لها، وقد ذكر المؤرخون أن الكعبة بنيت أكثر من عشر مرات عبر التاريخ، وأول من بنى الكعبة هم الملائكة، وآدم، وشيث بن آدم، وإبراهيم وإسماعيل، والعمالقة، وجرهم، وقصي بن كلاب، وقريش، وعبد الله بن الزبير عام 65 هـ، والحجاج بن يوسف عام 74 هـ، والسلطان مراد الرابع عام 1040 هـ. وفي العهد السعودي الحاضر اعتنى الملوك بالكعبة والحرمين عناية فائقة، ورممت الكعبة عدة مرات، كان أقواها في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز رحم الله الجميع بدأ في المحرم من عام 1417هـ.

أيها الاخوة: وعظمةُ الكعبة المشرفة نابعةٌ من عظمة الله تعالى الذي أمر بتعظيمِها، ورفَعَ قَدْرَها على سائر البَنِيَّات، ورغم بساطة بنائها، فلا تُدانيها أفخمُ المباني وأروعُها منذ أقدم العصور إلى عصرنا الحالي، وحتى يرث الله الأرض ومَنْ عليها.. ولقد تأصَّل في نفوس المسلمين، ورسخ في وجدانهم تعظيم هذا البيت وتلك البَنِيَّة؛ بقيَّةً من دين إبراهيم عليه السلام وبما أودعه الله في الفِطَرِ من تعظيمٍ وحبٍّ لهذا البيت، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ بِخَيْرٍ مَا عَظَّمُوا هَذِهِ الْحُرْمَةَ حَقَّ تَعْظِيمِهَا، فَإِذَا ضَيَّعُوهَا هَلَكُوا» رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني عَنْ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وحسنه ابن حجر. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: يُرِيدُ مَكَّةَ، وقد تعدَّدت مظاهر وصور تعظيم الكعبة، ومنها: قال الشيخ صالح بن حميد: "أما تعظيمُ البيت وإجلالُه وإكرامُه، فأولُ مظاهر التعظيم وأولاها: فعلُ ما يحبُّه الله ورسولُه ﷺ وتركُ ما لا يُحبُّه الله ورسولُه. تعظيم البيت بتعظيم شعائِر الله، (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32].

وأولُ ذلك وأولاه: الحرصُ على تحقيق التوحيد، وسلامة المُعتقد، والبُعد عن كل مظاهر البدع والتعلُّق بغير الله، فضلاً عن المعاصي والمخالفات، (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) [إبراهيم:35]، (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا) [الحج:26]. فهذا البيت المُعظَّم بُني لتوحيد الله وعبادته، والتقرُّب إليه بما شرَع، وتحرِّي بركته بالأعمال الصالحة. وفي الخبر الصحيح قَالَ رَسُول اللهِ ﷺ: اسْتَمْتِعُوا بِهَذَا الْبَيْتِ فَقَدْ هُدِمَ مَرَّتَيْنِ وَيُرْفَعُ فِي الثَّالِثة. أخرجه ابن أبي شيبة والبزار، وصحَّحه ابن خزيمة والألباني. وجاء في الأثر: "استكثِروا من الطواف بهذا البيت ما استطعتُم من قبل أن يُحال بينكم وبينه."

ومن مظاهر عظمة هذا البيت وتعظيمه: ما وضعَ الله فيه من الآيات البيِّنات والهُدى، فقال عزَّ شأنُه: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ* فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) [آل عمران: 96، 97]. يقول البغوي: "ومن تلك الآيات: الحجر الأسود، والحَطيم، وزمزم، والمشاعِر كلُّها. والكعبة المُشرَّفة من أعظم الآيات البيِّنات؛ ففي الحديث: "لا تزالُ هذه الأمة بخيرٍ ما عظَّموا هذه الحُرمة حقَّ تعظيمها، فإذا تركُوها وضيَّعوها هلَكُوا" حسَّنه الحافظ ابن حجر. ومن الآيات البيِّنات: الرُّكنُ والمقام، قال -عزَّ شأنه-: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) [البقرة: 125]، وقال: (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ) [آل عمران: 97]. قال قتادةُ ومُجاهد: "مقامُ إبراهيم من الآيات البيِّنات".

وفي الخبر: "إن الرُّكن والمقام ياقُوتتان من ياقُوت الجنة، طمسَ الله نورَهما، ولو لم يُطمس نورُهما لأضاءا ما بين المشرِق والمغرِب" أخرجه أحمد والترمذي وابن حبان والحاكم، وهو صحيحٌ لغيره. وقَالَ رَسُول اللهِ ﷺ: "ليأتينَّ هذا الحجرُ يوم القيامة وله عينان يُبصِر بهما، ولسانٌ ينطِقُ به يشهدُ على من يستلِمُه بحقٍّ" أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه، وصحَّحه ابن خزيمة وابن حبان والألباني، وقال الترمذي: "حديثٌ حسن. وكان ابن عُمر يُقبِّل الحجر ويلتزِمُه ويقول: "رأيتُ رسولَ الله ﷺ كان به حفيًّا".

يقول ابن القيم -رحمه الله-: "ليس على وجه الأرض موضِعٌ يُشرعُ تقبيلُه واستلامُه، وتُحطُّ الخطايا والأوزار فيه غيرَ الحجر الأسوَد والرُّكن اليمانيِّ". والمُلتزَمُ من آياتِ البيتِ البيِّنات، يقول ابن عباسٍ -رضي الله عنهما-: "المُلتزَمُ بين الرُّكن والباب". قال جمعٌ من أهل العلم: "يلتزِمُ بين الرُّكن والباب، فيضعُ وجهه وصدرَه وذراعيه ويدعُو ويسألُ اللهَ حاجتَه". وأما ماءُ زمزم فخيرُ ماءٍ على وجه الأرض، فيه طعامٌ من طُعم، وشفاءٌ من السُّقم، بذلك صحَّ الخبرُ عن رسولِ الله ﷺ وهو لما شُرِب له.. يقول مُجاهد: "إن شرِبتَه تُريد الشفاء شفاكَ الله، وإن شرِبتَ تُريدُ أن تقطعَ ظمأَك قطعَه الله، وإن شرِبتَه تُريدُ أن يُشبِعَك أشبعَك الله"...

وأي عمل يقصد به التعبد والبركة غير ما ذكرت بدعة يجب تركها...

المشاهدات 567 | التعليقات 0