إِني صَائِم

عبدالعزيز بن محمد
1443/09/06 - 2022/04/07 06:55AM

أيها المسلمون:  صائمٌ.. أمضى نهاراً عَن اللذاتِ منصرفٌ، عن الطعامِ يُشِيْحُ الوجه يَبْتَعِدُ،  مُمْسِكٌ عَنْ شَهِيِّ المآكلِ والمشارِبِ.. يَقْضِيْ النَّهَارَ مُطِيْعاً راجياً وَجِلاً.  

صائمٌ.. لَبَّى أَوامِرَ للرحمنِ مُحتَسباً. يَرْجُو الجزاءَ كَرِيماً يَوْمَ يَلْقاهُ.  صائِمٌ.. لَه قلْبٌ تَقِيٌّ، يُراقِبُ رَبَّهُ في كُلِّ حِينِ. في خَلْوَةٍ لا يَكْذِبُ، في سِرِّه والجهرِ يَحْفَظُ صَوْمَه. عبدٌ تَقِيٌ والإلهُ سَيُكْرٍمُ.

صائمٌ.. كَم نالَ فضلاً وافِراً،  واللهُ يُكرِمُ مَن يَصومُ لِوَجِهِهِ.  صائمٌ.. في شهرٍ صَومٍ للجليلِ مُعظمٌ..  فازَ الذي بالصومِ يَحْتَسِبُ الأَجرَ. عن أَبي هريرة رضي اللهُ عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) متفقٌ عَلَيْهِ

صائمٌ.. والصائمونَ غداً بالفوزِ قَدْ سَبَقُوا، يا فَرْحَة القلبِ يَلْقَى أَجرَ ما عَمِلَ، عن أَبي هريرة رضي اللهُ عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:  (لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ) رواه البخاري ومسلم

صائمٌ.. وأبوابُ الجنانِ في شهرِ الصومِ مُشْرَعَةٌ، وأبوابُ الجحيمْ فيهِ مُوْصَدَةٌ، وللشياطِينِ فيه أغلالٌ وتصْفِيْدُ. عن أَبي هريرة رضي اللهُ عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ، فُتِحَتْ أبْوَاب الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أبْوَابُ النَّارِ، وَصفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ) متفقٌ عَلَيْهِ

صائمٌ.. غَداً يُدعى لِبابٍ في الجِنانِ مُخَصَّصُ: أَينَ مَن صام مُطِيْعاً؟! البابُ بابُكَ أَقْبِلَن، فاليومُ يومُ الفائزين عن سهل بن سعد رضي اللهُ عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إنَّ في الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ له: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ منه الصَّائِمُونَ يَومَ القِيَامَةِ، لا يَدْخُلُ منه أحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ، لا يَدْخُلُ منه أحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ منه أحَدٌ)  متفقٌ عَلَيْهِ

صائمٌ.. والصومُ يَهْدِيْ للرشادِ ويَرْتَقِيْ بالأنفسِ. صَومٌ يَصُوْنُ النَّفْسَ عَنْ فِعلِ الأَذَى، وَعَن القَبِيْحِ مِنَ الكَلامِ يُهَذِّبْ (الصيامُ جُنَّةٌ، فإذا كان أَحَدُكُمْ صَائمًا فلا يَرفُثْ ولا يَجهلْ، فإنِ امْرُؤٌ شَاتَمَه أو قَاتَلَهُ فَليَقُلْ إنِّي صائمٌ) متفق عليه

صائمٌ.. حَفِظَ الفرائضَ لَم يَكُنْ مُتساهِلاً.  لَمْ يُغْرِهِ نومٌ عَن الصلواتِ. فالصومُ فَرْضٌ والصلاةُ فَريضَةٌ، أَدَّى الفَرَائِضَ صَادِقُ الإيمانِ، دَخَلَ المِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ على عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه من الليلةِ التي طُعِنَ فيها، فأَيْقَظَ عمرَ لصلاةِ الصبحِ، فقال: الصلاةَ يا أَميرَ المؤمنين، فقال عُمرُ: نَعَمْ، ولا حَظَّ في الإسلامِ لمنْ تَركَ الصلاةَ، فصلَّى عمرُ وجُرْحُهُ يَثْعَبُ دمًا ــ وَجُرْحُهُ يَثْعُبُ دَماً!!

صَائمٌ.. قَامَ في وَقْتِ السَّحَرِ يتعَبَدُ للهِ بأَكلةٍ يأَكُلُها. يَنْشُدٌ بَرَكةً ويطلبُ ثواباً، عَن أَنَسٍ رضي اللهُ عنه أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (تَسَحَّرُوا؛ فإنَّ في السَّحُورِ بَرَكَةً) متفق عليه بَرَكَةٌ أَخْبَرَ بها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَنْ تَهُونَ في نَفْسِ مُؤمِن.

وَقتُ السَّحَرِ مِنْ أَكرمِ الأَوقاتِ التي تُرفَعُ فيها الدعواتُ، وتُحَقَّقُ فيها المطالبُ، وتُغْفَرُ فيها السيئات. ذُنُوْبُ المُسْتَغفِرِينَ..  بالأسحارِ تُغْمَرُ بالمغْفِرَةِ {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}

صَائمٌ، جادَ بالمالِ سَخياً.. يُطْعِمُ جائعاً، ويُعينُ مِسكيناً، ويُفَطِّرُ صائماً، ويَكْفَلُ يتيماً،  يوقِفُ وقفاً ويبذلُ خيراً، ولأهلِ القُرآنِ مِن مالِهِ أَكرمُ نَصِيْب.  جُوْدٌ بالمالِ في شهرِ الصيامِ، سَبِيلٌ يَرقى به المؤمِنُ في درجاتِ المقربين. هَدْيٌ للرسولِ ومَنْهَجُ، قال ابنُ عَباسٍ رضي الله عنهما: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أجْوَدَ مَا يَكُونُ في رَمَضَانَ..الحديث)  متفقٌ عَلَيْهِ

صَائمٌ.. وبالقرآنِ يعمرُ عُمْرَهُ، شَهرُ الصيامِ بِهِ القرآنُ من رَبنا نَزَل {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ..} ما عَمَرَ صائمٌ وقْتَهُ بأَكرَمِ مِن قراءَتِهِ للقُرآن،  يتلوه مُتَدَبِّراً. يَفْهَمُ عَن اللهِ خِطابَه، فَيَعْمَلُ بما بِه يُؤمَر، وَيَنْتَهِي عَمَّا عَنْه نُهي.  قُرآنٌ هُوَ للرُّوْحِ حَيَاةٌ، وَهْوَ للقلبِ نورٌ، وهو لما في الصدورِ شفاء.

تَدَارَسِ القُرآنَ في رَمَضانَ.. ضاعِفْ تِلاوَتَه، أثْبِتْه في الصدرِ لا تُهْمِلْ فيَنْفَلِتُ. عن ابن عَباسٍ رضي الله عنهما: قال: (..وَكَانَ جِبْريلُ يَلْقَاهُ ــ أي يَلْقَى رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ــ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ..) متفقٌ عَلَيْهِ

صَائمٌ.. يَحْفَظُ جوارِحَهُ يَصونُ صَوْمَه،  فالعينُ لا تَنْظُرُ إلى حرامٍ، واللسانٌ لا يخوضُ في لَغوٍ، والسمْعُ لا يُصْغِي إلى مُنكرٍ، والرِّجْلُ لا تمشي إلى رِيْبَةٍ، واليدُ لا تَمتَدُّ إلى خَطيئةٍ.  والقلبُ قَدْ طَابَت سَرِيْرَتُهُ، لا السوءُ يَسْكُنهُ، بالبِرِّ قَدْ عُمِرَ.  روى البخاري أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعَمَلَ بِهِ، فليسَ للَّهِ حاجةٌ بأن يدَعَ طعامَهُ وشرابَهُ)

الصومُ صِدْقٌ وَانْطِلاقُ عَزِيمَةٍ  **  فِي اللهِ يَكْبُو دُوْنَها الكَسْلانُ

صَائمٌ.. أَدركَ أَن الصيامَ لَهُ حِكْمٌ..  وأَن تحقيقَ التقوى مَنْ أَعظِمِ حِكَمِ الصيام  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَىٰ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} بارك الله لي ولكم..


الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، أشهد أن محمداً عبده ورسوله إلى الناسِ أجمعين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله.

أيها المسلمون: وَفِي رَمَضَانَ.. للأُسرةِ حالٌ بِهِا تَزْكُو.  تعاوُنٌ على البِرِّ، وتآزُرٌ على التقوى.  اجتِماعٌ على مائدةِ الإفطارِ مع غُرُوبِ شَمسِ كُلِّ يومٍ، ممزوجٌ بروحانيةِ عبادةٍ، وطُمأنينةِ طاعة. تلتئمُ الأُسرةُ على مائدةِ الإفطارِ.. شاكِرَةً لله على ما أَنْعَم، حامِدَةً لهُ على ما أعان، مستبشرةً بما شَرَع، فَرِحَةً بما يَسَّرَ.   

في الْتِئامِ الأُسرةِ واجْتِماعِها مكاسِبُ لَو تَقَطَنَّ لها الأولياء. يَسْتَثْمِرُ قَيِّمُ الأًسرةِ الفُرَصَ.. ليزرعَ فِيهم فضيلةً، ويُبَيِّنَ لَهم سُنَّة، ويشرحَ لَهمْ عبادةً، ويُهذِّبَ لهم سلوكاً، وَيُصَوِّبَ لهم طَرِيْق.

يَسْتَثْمِرُ قَيِّمُ الأًسرةِ الفُرَصَ.. لِيُبَيِّنَ للأُسرةِ المخاطِرَ التي تُحيطُ بها. والتي يَعمَلُ الأَعداءُ على تقويض أركانها.. لِتَبقى الأُسرةُ المسلمةُ مُتَفَكِّكَةً مُتَمَزِّقةً مُتباعِدَةً مُضطَرِبَةَ.  كما هي عليهِ عامَّةُ الأُسرُ الغربية.

يُبَيِّنُ القَيِّمُ لأُسرَتِه.. الحقوقَ المتبادَلَةَ التي كَفَلَتها الشريعةُ وأَثبتها، فلا تحيدُ الأُسرةُ عتها ولا تَبْغِيْ لها بَدَلاً.  قِوامةٌ للأبِ، وحَضَانَةٌ للأُمِّ، بِرٌّ للوالدين، وعدلٌ بَينَ الأولاد، عفافٌ للمرأةِ، وحشمةٌ للفتاةِ، وحياءٌ يُربى عليه الصغيرُ والكبير.

تُفَقَّهُ الأُسرةُ بمعاني الحُرِيَّةِ الحَقَّة للفَرْد. وأَنها حُرِّيةٌ سَبَقَ الإسلامُ إلى تحقيقها. وأَن لها مسلكٌ صحيحٌ، وطريقٌ قويمٌ، وشريعةٌ بَيِّنَة. حُرِّيةٌ تَضْمَنُ لكلِّ ذي حَقٍّ حَقًّهُ، دونَ أَن يستخِفَّ المرءُ بحقوقٍ مَن هو فَوْقَهُ، ولا مَنْ هُو دُوْنَه.  وأَن الحُرِّيةَ التي يرفعُ الأعداءُ اليومَ شعارَها. ما هي إلا دعوةٌ للانفلاتٌ والانسلاخٌ، يَنْفَصِلُ فيها الفردُ عَن كيانِ الأُسرةِ والمجتمع.. فإذا ما تَمزقَت الأُسرةُ ضاعَ أَفرادُها. وسَهُلَ للخرابِ قِيادُها.

الأُسرةُ في رمضان.. تُحَقِّقُ مكاسِبَ لَن تُدرِكَها في غَيْرِه من الشهور. وغَبْنٌ أَن تُضي الأُسرَةُ هذا الشهرِ في متابَعةِ المسلسلاتِ، أو العكوفِ على وسائل التواصُلِ أو تافِهِ القنوات.

وبَعدَ اجتماعِ الأُسرةِ على الإفطار. تتواصى بالحفاظَ على صلاة التراويحِ، والقيامِ بِها كامِلَةً، لِتُدْرِكَ أكرمَ المغانِمِ ولتتزودَ لدارِ القرار. مستذكرةً قولَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) متفق عليه  وأَن (مَنْ قَامَ مَع الإمامِ حَتى يَنْصَرِفَ كُتبَ له قِيامُ لَيلة)

إِنه رمضانُ.. فَيضٌ من الرحماتِ أسبغها الكريمُ.. فَهل نَكُونُ لَفضلِ الله مُبْتَدِراً، وهَلْ تكونُ لبابِ الخيرِ سَبَّاقُ؟  رَغِمَ أَنْفُ امْرِئٍ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ.

ربنا اغفر لنا ذنوبنا..

المرفقات

1649314526_إني صائم ـــــــ.docx

المشاهدات 1125 | التعليقات 1

نفع الله بك وسدد خطاك

وجعلها في ميزان حسناتك