إني أخاف عليكم يوم التناد
الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل
الْحَمْدُ لِلَهِ الْعَلِيْمِ الْقَدِيْرِ [يُكَوِّرُ الْلَّيْلَ عَلَى الْنَّهَارِ وَيُكَوِّرُ الْنَّهَارَ عَلَى الْلَّيْلِ وَسَخَّرَ الْشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمَّىً أَلَّا هُوَ الْعَزِيْزُ الْغَفَّارُ] نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ وَآَلَائِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى إِنْعَامِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الَلهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ؛ عَظِيْمٌ فِي رُبُوْبِيَّتِهِ وَأُلُوْهِيَّتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ.. قَدِيْرٌ بِخَلْقِهِ وَأَفْعَالِهِ [يُغْشِي الْلَّيْلَ الْنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيْثَاً وَالْشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُوْمَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ الَلهُ رَبُّ الْعَالَمِيْنَ] وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ؛ حَذَّرَ أُمَّتَهُ مِنَ الْغُرُوْرِ بِالْدُّنْيَا، وَبَيَّنَ لَهُمْ سُرْعَةَ مُرُوْرِهَا، وَقَالَ:«مَا لِي وَلِلْدُّنْيَا مَا أَنَا فِي الْدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» صَلَّى الَلهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الْدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا الَلهَ تَعَالَى وَأَطِيْعُوْهُ، وَاعْتَبِرُوا بِمَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ لما بَقِيَ مِنَ الْأَيَّامِ، وَتَفَكَّرُوْا فِيْمَا انْقَضَى مِنْ أَعْمَارِكُمْ لِلْتَّزَوُّدِ فِيْمَا بَقِيَ مِنْهَا لما أَمَامَكُمْ؛ فَإِنَّ هَوْلَ الْمُطَّلَعِ شَدِيْدٌ، وَإِنَّ الْحِسَابَ عَسِيْرٌ، وَمَنْ نُوْقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ [وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِيْنَ مُشْفِقِيْنَ مِمَّا فِيْهِ وَيَقُوْلُوْنَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيْرَةً وَلَا كَبِيْرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوْا مَا عَمِلُوا حَاضِرَاً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدَاً].
أَيُّهَا الْنَّاسُ: يَخَافُ كَثِيْرٌ مِنَ الْنَّاسِ الْمَوْتَ وَهُمْ فِيْ غَفْلَةٍ عَنْهُ، وَيَخْشَوْنَ يَوْمَ الْحِسَابِ وَهُمْ لَا يُعِدُّونَ لَهُ، وَيُؤْمِنُوْنَ بِالْجَنَّةِ وَنَعِيْمِهَا وَلَا يَعْمَلُوْنَ بِعَمَلِ أَهْلِهَا، وَيُوْقِنُوْنَ بِالْنَّارِ وَعَذَابِ أَهْلِهَا وَلَا يَأْتُوْنَ أَسْبَابَ الْنَجَاةِ مِنْهَا، وَتَمْضِي الْسُنُوْنُ وَرَاءَ الْسِّنِيْنَ وَهُمْ يُسَوِّفُونَ فِي الْتَّوْبَةِ، وَيَعِدُونَ أَنْفُسَهُمُ بِالْمَزْيَدِ مِنَ الْعَمَلِ الْصَّالِحِ وَلَكِنْ بَعْدَ حِيْنٍ إِلَى أَنْ تَنْتَهِيَ آجَالُهُمْ وَلَمْ يَأْتِ الْحِينُ الَّذِي وَعَدُوا أَنْفُسَهُمْ بِهِ.
إِنَّ كُلَّ عَامٍ يَمْضِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْضِيَ عَلَى الْمُؤْمِنِ دُوْنَ مُحَاسَبَةٍ وَاعْتِبَارٍ؛ فَإِنَّهُ يُقَرِّبُ الْآَخِرَةَ وَيُبْعِدُ الْدُّنْيَا [يُقَلِّبُ الَلهُ الْلَّيْلَ وَالْنَّهَارَ إِنَّ فِيْ ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الْأَبْصَارِ].
إِنَّ الْنَّاسَ إِذَا حَلَّ بِهِمْ أَمْرٌ مَخُوْفٌ كَثُرَ الْتَّنَادِي بَيْنَهُمْ لِطَلَبِ الْنَّجَاةِ، وَدَفْعِ الْمَكَارِهِ، وَيَوْمُ الْقِيَامَةِ هُوَ يَوْمُ الْخَوْفِ الأَكْبَرِ [يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ] وَلِذَا يَكْثُرُ فِيْهِ الْتَّنَادِي بَيْنَ الْنَّاسِ حَتَّى كَانَ مِنْ أَسْمَائِهِ (يَوْمُ الْتَّنَادِ)، قَالَ مُؤْمِنُ آَلِ فِرْعَوْنَ فِيْ نَصِيْحَتِهِ وَدَعَوْتِهِ لَهُمْ بِالإِيْمَانِ [وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ الْتَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّوْنَ مُدْبِرِيْنَ مَا لَكُمْ مِنَ الَلهِ مِنْ عَاصِمٍ].
سُمِّيَ يَوْمَ الْتَّنَادِ لِأَنَّ الْخَلْقَ يَتَنَادَوْنَ يَوْمَئِذٍ: فَمِنْ مُسْتَشْفِعٍ وَمِنْ مُتَضَرِّعٍ وَمِنْ مُسَلِّمٍ وَمُهَنِّئٍ وَمِنْ مُوَبِّخٍ وَمِنْ مُعْتَذِرٍ وَمِنْ آَمِرٍ وَمِنْ مُعْلِنٍ بِالْطَّاعَةِ، فَالتُنَادِي وَاقِعٌ فِي صُوْرٍ شَتَّى، وَتَسْمِيَتُهُ «يَوْمَ الْتَّنَادِ» تُلْقِي عَلَيْهِ ظِلَّ الْتَّصَايُحِ وَتَنَاوحِ الْأَصْوَاتِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ، وَتَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَوْمُ زُحَامٍ وَخِصَامٍ، نَسْأَلُ الَلهَ تَعَالَى أَنْ يُخَفِّفَ عَنَّا وَعَنِ الْمُسْلِمِيْنَ.
وَالْنِّدَاءُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيْمِ يَصْدُرُ مِنَ الَلهِ تَعَالَى وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمُ الْسَلَامُ وَمِنَ الْنَّاسِ مُؤْمِنِيْنَ وَكُفَّارٍ.. فَكَانَ حَقِيْقَاً أَنْ يُسَمَّى يَوْمَ الْتَّنَادِ.
يَبْتَدِئُ ذَلِكَ الْيَوْمُ الْعَظِيْمُ بِنِدَاءِ إِسْرَافِيْلَ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ لِلْخَلْقِ حِيْنَ يَنْفَخُ فِي الْصُّورِ فَيَخْرُجُوْنَ مِنْ قُبُوْرِهِمْ لِلْحَشْرِ وَالْحِسَابِ [وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيْبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُوْنَ الْصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوْجِ].
وَيُنَادَى عَلَى الْنَّاسِ فِي الْمَحْشَرِ بِأَنْ يَتَّبِعَ كُلُّ عَابِدٍ مَعْبُوْدَهُ؛ كَمَا قَالَ الْنَّبِيُّ صَلَّى الَلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ لِيَتَّبِعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ الَلهِ سُبْحَانَهُ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْصَابِ إِلَّا يَتَسَاقَطُوْنَ فِي الْنَّارِ)رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلَا يَنْجُو عَقِبَ ذَلِكَ الْنِّدَاءِ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الَلهَ تَعَالَى لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئَاً.
وَيُنَادَى فِي الْأُمَمِ لِتُحَاكَمَ أَعْمَالُ أَفْرَادِهَا إِلَى دِيْنِهَا الْمُحْكَمِ، وَكِتَابِهَا الْمُنْزَلِ، وَلِيُنْظَرَ فِيْ سِجِلَّاتِ أَعْمَالِهِمْ هَلْ وَافَقَتْهُ أَمْ خَالَفَتْهُ [يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوْتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِيْنِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُوْنَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُوْنَ فَتِيْلَاً * وَمَنْ كَانَ فِيْ هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِيْ الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيْلَاً] وَفِيْ آَيَةِ أُخْرَى [وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُوْنَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُوْنَ].
وَفِيْ ذَلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيْمِ يُنَادِيْ الَلهُ تَعَالَى الْمُشْرِكِيْنَ لِيَسْأَلَهُمْ عَنْ الْشَّهَادَتَيْنِ: شَهَادَةِ تَوْحِيْدِهِ وَقَدْ أَشْرَكُوا مَعَهُ غَيْرَهُ [وَيَوْمَ يُنَادِيْهِمْ فَيَقُوْلُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِيْنَ كُنْتُمْ تَزْعُمُوْنَ] وَشَهَادَةِ تَصْدِيْقِ الْرُّسُلِ وَاتِّبَاعِهِمْ، وَهُمْ قَدْ كَذَّبُوْهُمْ وَعَارَضُوهُمْ [وَيَوْمَ يُنَادِيْهِمْ فَيَقُوْلُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِيْنَ]. فَتَضَمَّنَ هَذَانِ النِدَاءَانِ الرَّبَانْيَانِ الِسُؤَالَ عَنِ الْشَّهَادَتَيْنِ الْلَّتَيْنِ لَا يَكُوْنُ الْإِنْسَانُ مُؤْمِنَاً إِلَّا بِتَحَقِيقِهِما، وَهُمَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الَلهُ وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُوْلُ الَلهِ.
وَلِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ لِلْمُشْرِكِيْنَ فِيْ شِرْكِهِمْ فَإِنَّهُمْ يَتَبَرَّءُوْنَ مِنْ شُرَكَائِهِمْ حِيْنَ يُنَادَى عَلَيْهِمْ، فَلَا يَنْفَعُهُمْ يَوْمَئِذٍ تَبْرَؤُهُمْ، وَلَا مَحِيْصَ لَهُمْ [وَيَوْمَ يُنَادِيْهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِيَ قَالُوْا آَذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيْدٍ * وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُوْا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيْصٍ].
وَإِذَا كَانَ نِدَاءُ الَلهِ تَعَالَى لِلْمُشْرِكِيْنَ نِدَاءَ تَخْوِيْفٍ وَتَهْدِيْدٍ وَوَعِيْدٍ فَإِنَّ لِلْمُؤْمِنِيْنَ نِدَاءً آَخَرَ جَزَاءَ إِيْمَانِهِمْ وَعَمَلِهِمُ الْصَّالِحِ.. نِدَاءُ تَهْنِئَةٍ وَتَكْرِيمٍ وَتَوْقِيْرٍ وَتَبْشِيرٍ [وَقَالُوْا الْحَمْدُ لِلَهِ الَّذِيْ هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا الَلهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُوَدُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُوْرِثْتُمُوْهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُوْنَ] فَمَا أَعْظَمَهُ مِنْ نِدَاءٍ، وَمَا أَجْمَلَ طَرْقَهُ لِلْأَسْمَاعِ [وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُوْرِثْتُمُوْهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُوْنَ] نِدَاءٌ بِفَوْزٍ أَبَدِيٍّ فِيْ نَعِيْمِ الْجَنَّةِ، وَالْقُرْبِ مِنَ الْرَّحْمَنِ جَلَّ جَلَالُهُ، وَنَيْلِ رِضْوَانِهِ، وَرُؤْيَةِ وَجْهِهِ الْكَرِيْمِ..وَحَسْبُكَ بِهَذَا الْنَّعِيمِ عَنْ أَيِّ نَعِيْمٍ، وَيَا لَغِبْطَةِ مَنْ طَرِبَتْ أُذُنُهُ بِنِدَائِهِ، وَسَعِدَ بِبِشَارَتِهِ.. يَسْتَحِقُّهُ مَنْ جَعَلَ هَذَا الْنِّدَاءَ فِيْ الْدُّنْيَا حَاضِرَاً فِيْ ذِهْنِهِ، جَارِيَاً عَلَى لِسَانِهِ.. يَتَذَكَّرُهُ كُلَّ حِيْنٍ حَتَّى يُسَيْطِرَ عَلَى عَقْلِهِ وَوُجْدَانِهِ، وَيَكُوْنَ مُسَيَّرَاً لِعَمَلِهِ، ضَابِطَاً لِأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ..
وَإِذَا نَالَ أَهْلُ هَذَا الْنِّدَاءِ جَائِزَتَهُمْ، وَأَخَذُوا أُعْطِيَاتِهِمْ، وَتَبَوَّءُوْا فِيْ الْجَنَّةِ مَنَازِلَهُمْ تَذَكَّرُوْا أَقْرَانَاً لَهُمْ فِيْ الْدُّنْيَا كَانُوْا يَصُدُّونَهُمْ عَنِ الْسَّبِيلِ، وَيُخَذِّلُونَهُمْ في الْدِّيْنِ، وَيُزَيِّنُونَ لَهُمْ رْكُوبَ الْهَوَى وَاتِّبَاعَ الْشَّيَاطِيْنِ؛ فَيَمِيْلُوْنَ عَلَيْهِمْ مُنَادِينَ يُوَبِّخُونَهُمْ عَلَى أَفْعَالِهِمْ، وَيُذَكِّرُوْنَهُمْ بِمَاضِيْهِمْ، وَيَرُدُّونَ عَلَيْهِمْ سُخْرِيَتَهُمْ، وَيُخْبِرُوْنَهُمْ بِصِدْقِ مَوْعُوْدِ رَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ لَهُمْ [وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ الْنَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقَاً فَهَلْ وَجَدْتُّمْ مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقَاً قَالُوْا نَعَمْ] وَمَا تَنْفَعُهُمْ نَعَمُ حِيْنَئِذٍ، وَلَوْ قَالُوْهَا فِيْ الْدُّنْيَا لَنْفَعَتْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ قَالُوْا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا.
يَا لَحَسْرَتِهمْ وَهُمْ يَسْمَعُوْنَ أَهْلَ الْجَنَّةِ يُنَادُوْنَهُمْ وَيُخْبِرُوْنَهُمْ بِأَنَّهُمْ وَجَدُوا مَا وُعِدُوا مِنَ الْنَّعِيمِ حَقَّاً، وَيَسْأَلُوْنَهُمْ عَنِ الْعَذَابِ الَّذِيْ وُعِدُوا بِهِ هَلْ وَجَدُوْهُ وَهُمْ يُقَلَّبُونَ فِيْهِ، وَالْنَّبِيُّ صَلَّى الَلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَى قَتْلَى بَدْرٍ مِنَ الْمُشْرِكِيْنَ حِيْنَ طُرِحُوا فِيْ الْقَلِيبِ وَقَالَ لَهُمْ «هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمُ الَلهُ وَرَسُوْلُهُ حَقَّاً؟ فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي الَلهُ حَقَّاً، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُوْلَ الَلهِ، كَيْفَ تُكَلِّمُ أَجْسَادَاً لَا أَرْوَاحَ فِيْهَا؟ قَالَ: مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُوْلُ مِنْهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيْعُوْنَ أَنْ يَرُدُّوْا عَلَيَّ شَيْئَاً» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَيَعْظُمُ حُزْنُ أَهْلِ الْنَّارِ وَخِزْيُهُمْ بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِحَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَفِيْ أَنْفُسِهِمْ تَطَلُّعٌ لِلْخُرُوْجِ مِنَ الْنَّارِ وَلَكِنَّ أَمَلَهُمْ يَنْقَطِعُ حِيْنَ يُنَادَى فِيْهِمْ أَنَّ هَذَا الْعَذَابَ دَائِمٌ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مَطْرُوْدُونَ عَنْ رَحْمَةِ الَلهِ تَعَالَى إِلَى غَضَبِهِ وَلَعْنَتِهِ بِكُفْرِهِمْ [فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ الَلهِ عَلَى الْظَّالِمِيْنَ]. فَيَزْدَادُونَ حُزْنَاً وَكَمَدَاً وَهُمَّاً وَغَمَّاً.
وَعَلَى الْأَعْرَافِ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالْنَّارِ أُنَاسٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ، فَلَمْ تَبْلُغْ بِهِمْ سَيِّئَاتُهُمْ دُخُوْلَ الْنَّارِ، وَلَمْ تَرْجِحْ بِهِمْ حَسَنَاتُهُمْ فَيَدْخُلُوْنَ الْجَنَّةَ وَإِنْ طَمِعُوا فِيْهَا.. يَنْظُرُوْنَ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَطْمَعُوْنَ فِيْ دُخُوْلِهَا، وَيَنْظُرُوْنَ إِلَى الْنَّارِ فَيُنَادُوْنَ مَنْ يَعْرِفُوْنَ مِنْ أَهْلِهَا يُقَرِّعُونَهُمْ وَيُوَبِخُونَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ فِي الْدُّنْيَا [وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالَاً يَعْرِفُوْنَهُمْ بِسِيْمَاهُمْ قَالُوْا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُوْنَ].
ثُمَّ بَعْدَ تَذْكِيْرِهِمْ بِاسْتِكْبَارِهِمْ فِي الْدُّنْيَا يُذَكِّرُوْنَهُمْ بِالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِيْنَ حِيْنَ كَانَ الْمُسْتَكْبِرُوْنَ يَسْخَرُوْنَ مِنْهُمْ، وَيَرَوْنَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّوْنَ رَحْمَةَ الَلهِ وَجَنَّتَهُ لِأَنَّهُمْ عَبَيْدٌ وفُقَرَاءُ وضُعَفَاءُ، وَهَاهُم قَدْ نَالُوا الْجَنَّةَ، فَيَزِيْدُ هَذَا النِّدَاءُ مِنْ أَهْلِ الْأَعْرَافِ لِلْمُسْتَكَبِرِينَ مِنْ أَهْلِ الْنَّارِ غَمَّاً عَلَى غَمِّهِمْ، وَكَرْبَاً إِلَى كَرْبِهِم [أَهَؤُلَاءِ الَّذِيْنَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ الَلهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُوْنَ].
وَحِيْنَ أَيِسَ أَهْلُ الْنَّارِ مِنَ الْخُرُوْجِ مِنْهَا، وَأَيْقَنُوا أَنَّهُمْ مُخَلَّدُوْنَ فِيْهَا تَوَجَّهُوْا بِالْنِّدَاءِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ يَسْأَلُوْنَهُمْ مَاءً وَطَعَامَاً مِنْ شِدَّةِ مَا يَجِدُوْنَ مِنَ الْعَطَشِ وَالْجُوْعِ [وَنَادَى أَصْحَابُ الْنَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيْضُوْا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الَلهُ قَالُوا إِنَّ الَلهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِيْنَ] قَالَ سَعِيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ الَلهُ تَعَالَى: يُنَادِي الْرَّجُلُ أَبَاهُ أَوْ أَخَاهُ فَيَقُوْلُ: قَدِ احْتَرَقْتُ، أَفِضْ عَلَيَّ مِنَ الْمَاءِ.فَيُقَالُ لَهُمْ: أَجِيبُوهُمْ. فَيَقُوْلُوْنَ:[إِنَّ الَلهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِيْنَ].
وَحِيْنَ عَلِمُوا أَنَّهُمْ مَحْرُوْمُوْنَ مِنَ الْجِنَّةِ وَمَا فِيْهَا، وَأَنَّهُمْ لَنْ يَنَالُوْا مِنْ مَائِهَا وَطَعَامِهَا شَيْئَاً تَوَجَّهُوْا بِنِدَائِهِمْ إِلَى خَازِنِ جَهَنَّمَ يَطْلُبُوْنَ الْمَوْتَ وَيَتَمَنَونَهُ مِنْ شِدَّةِ مَا هُمْ فِيْهِ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ نَعُوْذُ بِالَلهِ تَعَالَىْ مِنْ حَالِهِمْ وَمَآلِهِمْ، وَنَسْأَلُهُ الْعِصْمَةَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ [وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ] يَطْلُبُوْنَ الْمَوْتَ وَقَدْ كَانُوْا يَفِرُّوْنَ مِنْهُ فِي الْدُّنْيَا، وَكَانَ الْإِيْمَانُ وَالْعَمَلُ الْصَّالِحُ أَسْهَلَ عَلَيْهِمْ مِمَّا هُمْ فِيْهِ وَمِمَّا يَطْلُبُوْنَ وَيَرْجُوْنَ، فَيَكُوْنُ جَوَابُ خَازِنِ جَهَنَّمَ لَهُمْ [إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الَلهُ عَنْهُمَا: مَكَثَ أَلْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ.
وَهَذَا أَعْظَمُ مَا يَكُوْنُ نَكَالَاً عَلَيْهِمْ أَنْ يُعَذَّبُوْا أَلْفَ سَنَةٍ وَهُمْ يَشْرَئِبُونَ إِلَى جَوَابٍ يَنْتَهِي فِيْهِ عَذَابُهُمْ، حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ الْطَّوِيْلَةُ مِنَ الانْتِظَارِ وَالْتَّطَلُّعِ كَانَ الْجَوَابُ مُخَيَّبَاً لْآمَالِهِمْ، قَاطِعَاً لِرَجَائِهِمْ، مُؤَكَّدَاً عَلَى بَقَائِهِمْ وَعَذَابِهِمْ. فَيَا لَلَّهِ الْعَظِيْمِ مَا أَشَدَّ بُؤْسَهُمْ حِيْنَ انْتَظَرُوا طَوِيْلَاً ثُمَّ أُجِيْبُوْا بِمَا يُخْيبِّهُمْ [قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ] أَيْ: لَا خُرُوْجَ لَكُمْ مِنْهَا وَلَا مَحِيْدَ لَكُمْ عَنْهَا.
نَسْأَلُ الَلهَ تَعَالَى أَنْ يُجِيْرَنَا وَوَالِدِيْنَا مِنَ الْنَّارِ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الْأَخْيَارِ، وَأَنْ يَهَبَ لَنَا مَنَازِلَ الْأَبْرَارِ، إِنَّهُ عَزِيْزٌ غَفَّارُ.
أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الْشَّيْطَانِ الْرَّجِيْمِ [كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُوْرَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ الْنَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الْدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُوْرِ]
بَارَكَ الَلهُ لِيْ وَلَكُمْ فِيْ الْقُرْآَنِ...
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا الْلَّهَ تَعَالَى وَأَطِيْعُوْهُ [وَاتَّقُوا يَوْمَاً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئَاً وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُوْنَ].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُوْنَ: بَعَثَ الْلَّهُ تَعَالَىْ رُسُلَهُ عَلَيْهِمْ الْسَّلَامُ لِلْنَّاسِ بِنِدَاءِ الْإِيْمَانِ وَالْعَمَلِ الْصَّالِحِ، وَأَمَرَ الْعِبَادَ بِالِاسْتِجَابَةِ لِنِدَائِهِمْ..
نَادَى الْرُّسُلُ أَجْمَعُوْنَ بِالإِيْمَانِ، وَدَعَوا أَقْوَامَهُمْ إِلَيْهِ..وَنَادَى بِهِ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى الَلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِيْنَ جَمَعَ الْنَّاسَ وَصَعِدَ الْصَّفَا وَقَالَ:«إِنِّي نَذِيْرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَي عَذَابٍ شَدِيْدٍ» رَوَاهُ الْشَّيْخَانِ. إِنَّهُ نِدَاؤُهُ عَلَيْهِ الْصَّلاةُ وَالْسَّلامُ حِيْنَ قَالَ لِأَمَتِهِ:(إِنِّي أَنَا الْنَّذِيْرُ الْعُرْيَانُ فَالنَّجَا الْنَّجَاءَ)مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
مَنْ اتَّبَعَ هَذَا الْنِّدَاءَ نَفَعَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَكَانَ مِنْ أَهَلِ هَذِهِ الْآَيَةِ [وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُوْرِثْتُمُوْهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُوْنَ]
إِنَّهُمْ مُجِيْبُو نِدَاءِ رَبِّ الْعَالَمِيِنَ عَلَى لِسَانِ رَسُوْلِهِ الْأَمِيْنِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الَلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِيْنَ يَدْعُونَ الَلهَ تَعَالَىْ قَائِلِيْنَ [ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيَاً يُنَادِيْ لِلْإِيْمَانِ أَنْ آَمِنُوْا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوْبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيْعَادَ].
فَكَانَ الْجَزَاءُ اسْتِجَابَةَ دَعَوَاتِهِمْ فِيْ الْدُّنْيَا، وَتَأْمِينَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّيْ لَا أُضِيْعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوْذُوْا فِيْ سَبِيْلِيْ وَقَاتَلُوَا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابَاً مِنْ عِنْدِ الَلهِ وَالَلهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْثَّوَابِ]..
فَضَعُوا يَا عِبَادَ الَلهِ يَوْمَ الْتَّنَادِ نُصْبَ أَعْيُنِكُمْ، وَاسْتَجِيبُوا لِنِدَاءِ رَبِّكُمْ، وَاعْمَلُوْا فِيْ دُنْيَاكُمْ مَا يُنَجِّيكُمْ فِي آخِرَتِكُمْ.. يَوْمَ يُنَادِي الْخَلْقُ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً يُرِيْدُوْنَ الْنَّجَاةَ مِنْ أَهْوَالِ ذَلِكَ الْيَوْمِ.. يَطْلُبُوْنَ الْغَوْثَ وَلَا مُغِيْثَ.. يَفِرُّ الْنَّاسُ بَعَضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُنَادِي: نَفْسِيْ نَفْسِيْ [يَقُوْلُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ] [يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيْهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيْهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيْهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيْهِ]..
وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى نَبِيِّكُمْ..
المشاهدات 3501 | التعليقات 2
أول آية يوجد فيها كلمة "يوم التناد" سورة غافر، مؤمن آل فرعون خائف على هؤلاء القوم، فهو يحبهم وهم سيدخلون النار لأنهم عصاه ورافضين أن يؤمنوا بسيدنا موسى، وهو يريد أن يخيفهم فقال لهم " وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ *
يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ..." (غافر:33) من الأصوات التي تأتي من كل مكان والكل يجري، "... مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ " (غافر:33)، هيا نعيش مع صور التناد يوم القيامة ونتفاعل معه ونتخيل هذا اليوم وترى أين أنت في هذا اليوم.
أول صورة تبدأ المناداة، أول النداء النفخة في الصور، " وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ... "( النمل:87) يفزع كل من في السماوات والأرض أول ما يبدأ النفخ في الصور، يقول النبي صلى الله عليه وسلم "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وأحنى الجبهة وأصغى الأذن ينتظر متى يؤمر بالنفخ فينفخ" ويعني أن كيف أتمتع في دنيتكم هذه والملك الموكل بالنفخ في الصور قد وضع القرن في فمه منذ 1400 سنه؟، و "أعلى الجبهة" بها تصوير عجيب، فعندما يأتي رجل لينفخ في شيء ينخفض قليلا حتى انه عندما ينفخ يعلا وهو ينفخ، والملك منتظر أن يقول له الله انفخ يا إسرافيل، النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يقول لك أن الساعة اقتربت جدا، الم يقل النبي "بعثت أنا والساعة كهاتين، وجمع بين إصبعيه"؟ وعندما يبدأ النداء بهذه النفخة الواحدة "... فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ... "(النمل:87)، "من في السماوات ومن في الأرض" تعني أن الجبال ستفزع، تخيل أن يفزع جبل؟فكيف سيكون فزعك أنت؟تخيل عندما يشيب الرضيع من النفخة؟الرضيع الذي لم يعصي، فماذا سيحدث لك؟أترى هيبة يوم التناد، "إلا من شاء الله" من؟ أربع، كلهم ملائكة وغير هذا كل كتب عليه الفناء، بنفخه واحده، فنت السماوات، لم يعد هناك شيء اسمه سماوات، الهواء، لم يعد هناك شيء اسمه هواء، لا يوجد نجوم، لا يوجد جبال، لا توجد ماء، لا يوجد إلا الله تبارك وتعالى وأربع ملائكة هم جبريل واسرافيل وميكائيل وملك الموت.
فينادي الله تبارك وتعالى "يا ملك الموت من بقى؟" فيقول "يا رب لم يبق إلا إسرافيل وجبريل وميكائيل وعبدك" فيقول الله "يا ملك الموت اقبض روح إسرافيل" وتقبض روح إسرافيل، فينادي الله " يا ملك الموت من بقى؟" فيقول"يا رب لم يبق إلا وجبريل وميكائيل وعبدك" فيقول الله "يا ملك الموت اقبض روح ميكائيل " فتقبض روح ميكائيل ، فينادي الله " يا ملك الموت من بقى؟" فيقول"يا رب لم يبق إلا عبدك جبريل وعبدك" فيقول الله "يا ملك الموت، اقبض روح جبريل " فتقبض روح جبريل، فينادي الله " يا ملك الموت من بقى؟" فيقول"يا رب لم يبق إلا عبدك" فيقول الله "يا ملك الموت اقبض روحك"، وينادي الله تبارك وتعالى "لمن الملك اليوم؟" لا يرد احد، أين الجبابرة؟أين القياصرة؟أين الفراعنة؟أين الظالمون؟أين الغافلون؟أين الضائعون؟أين العصاة؟ أين من تكبر، لوين من غفل؟ أين من استغنى؟ لو كان هناك جبال لأجابت، لو كان هناك هواء لأجاب، لو كان هناك شيئا لأجاب، لكن لا يرد أحد لأنه لا احد، لم يبق إلا الله تبارك وتعالى، يقول النبي "فيظل ينادي أربعين" أربعين ماذا؟ يوم؟ ام شهر؟ ام سنه؟لم يقل النبي، هذه الأيام والشهور والسنين عندكم انتم، أما عند الله تبارك وتعالى ومن ذلك اليوم قضي معن، لملزمن، لم يعد هناك شيء اسمه زمن، فلن يفرق معك أربعين ماذا، وأخيرا يجيب الله تبارك وتعالى على نفسه "...الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ* الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ "(غافر:17)، ويشاء الله أن تكون هذه الآية في نفس سورة غافر التي قال فيها اسم يوم القيامة، انظر إلى المقابلة العجيبة.
هيا نرى مشهد أخر من مشاهد التناد، ففي المشهد الأول، لم نسمع إلا نفخه ولم نرى شيء، المشهد الثاني صعب جدا، وسيؤلم جدا من أحب شيئا أكثر من الله في حياته، من تعلق بفتاة، من تعلقت بالموضة، من كانت الموضة في حياتها أغلى من الله، من كان عمله أو ماله أغلى عنده من الله، أي إنسان تعلق بشيء وعاش له أكثر من الله سوف يتعب في موقف التناد الآتي.البشرية كلها واقفة وينادي عليهم الله تبارك وتعالى " وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ" (القصص:62) ائتوا لي بكل شيء اشركتوه معي في حبكم وعطائكم وعيشتكم، ائتوا بأموالكم التي كنتم تعبدونها، وينادى ليقف كل واحد منكم خلف من عبده، فمن عبد الشيطان يأتي ليقف خلفه، ومن عبد النساء يأتي ليقف خلفهم، ومن عبدت الموضة تأتي لتقف خلفها، وهناك أناس تقف أمام الله تبارك وتعالى، فهم لم يشركوا مع الله احد، ترى أين أنت في هذا الموقف؟أين تقف؟ ، " أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ " كأن كل هذا كان كذب، كنتم تعيشون في زيغ وزعم باطل " ...أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ *قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ... "(القصص:63) من حق عليه القول؟ من عاش لغير الله " قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلاَءِ الَّذِين اَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ "(القصص:63) يقولون أنا أتبرأ من مالي، أنا أتبرأ من النساء، أنا أتبرأ من الفتاة التي فعلت معها معاصي كذا وكذا، " وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ... " (القصص:64) ففي المرة الأولى قال " أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ " فهربوا من الكلام ولم يجيبوا إجابه واضحة، فهو يقول لهم ائتوا بهم فقالوا تبرأنا، فيعيد عليهم السؤال مرة أخرى "وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ " للمذلة، يجب أن تنادوا عليهم، فنجد واحد يوم القيامة ينادي يا مالي يا من اتخذتك شريك من دون الله، انظر إلى الآية، أمر رباني أن ينادوا عليم، يقول الله تبارك وتعالى"...فَدَعَوْهُمْ ..." لا مفر، ادعوا شركائكم، فيبدأوا ينادوا عليهم، تخيل واحد واقف ينادي على فتاة تعلق بها وعصوا الله سويا؟، يا فلانه يا شاركتي من دون الله تعالي، أي خزي، تخيل أخر ينادي على المخدرات أو على حبوب أو..الخ، أي مصيبة، تخيل فتاة تنادي على لا شيء، لأنها لم تكن تهتم بأي شيء، تعلقت بأغاني وأفلام ولعب ولهو، لا تعلم على ماذا تنادي، فتكون في حيرة، " وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوْا الْعَذَابَ "(القصص:64) بالتأكيد لن يستجيبوا لهم، وأول ما بدأوا ينادوا على شركاءهم وجدوا النار تمر من أمامهم، انظر إلى ختام الآية، حزين جدا، تقول " ... لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ" (القصص:64) ليتهم اهتدوا، اسمع المناداة كلها بعد شرحها "وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوْا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ".
هيا نرى منظر ثالث من مناظر التناد يوم القيامة، البشرية واقفة ولكن هناك أناس يقفون جهة اليمين وحدهم، الأنبياء، هؤلاء واقفين أمام هؤلاء وينادي الله تبارك وتعالى، ينادي البشرية أولا " وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ"(القصص:65)، تخيل الله وهو ينادي عليك أنت شخصيا "ماذا أجبت محمد صلى الله عليه وسلم؟" استجيب؟ هناك من سيجيب، وهناك من لن ينطق، ماذا فعلت مع محمد؟ الم تعلم كم تعب من أجلك؟ الم تعلم كيف بذل من أجلك لتكون مسلما؟ أريه يا رسول الله وجهك وماذا حدث له بعد غزوة احد، اترى كيف تكسرت أسنان نبيك بعد غزوة احد؟، الآية التالية تقول" فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَاءَلُونَ"(القصص:66) لا يستطيعون أن يجيبوا، لا يستطيعوا أن يقولوا أي شيء، فيتجه النداء إلى المرسلين " يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ " انظر إلى النداء، حتى الأنبياء؟ هؤلاء " فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَاءُ ..." لا يستطيعون الإجابة, وحتى الأنبياء سيقولون " قَالُوا لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ" (المائدة:109) لا يستطيعون أن يجيبوا، الموقف صعب وشديد.
هيا نرى صورة رابعة من صور النداء، صورة رجل أتى يوم القيامة وملك يسحبه من رقبته وملك أخر يمسك بكتاب ويقرأ كل مصائبه، فتخيل نفسك مشدود بسلسلة من رقبتك يشدك ملك ويمشي بجانبك ملك يقرأ ويسمع البشرية مصائبك!، يقول الله تبارك وتعالى " وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ* لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ"(ق:22)، ويبدأ النداء، هذا النداء يختلف عن نداء كان يناديه الله على البشرية، ونداء لمن اتخذ من دون الله شركاء، ونداء للبشرية وأنبيائها، فهذا نداء شخصي يكلمك أنت بمفردك، انظر إلى تفاعل النداء وعيش مع سورة ق وهي تحكي " وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ * وَقَالَ قَرِينُهُ..." (ق:23) قرينه من الملائكة، الذي يقرأ، يمسك الكتاب وهو يرفعه ويقول " وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ"(ق:23) يقول هذا هو الكتاب، لم اترك كلمة قالها إلا وكتبتها، حتى غمزة عينه، حتى ضحكة السخرية، حتى الهمسة، حتى الغمزة، فينادي الله تبارك وتعالى " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ*. مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ*قَالَ قَرِينُهُ..."(ق:27) هذا القرين ليس من الملائكة بل هو شيطانه " قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ" (ق:27) أين أنت طوال هذا الوقت؟ أنت لا تتكلم، طوال هذا النداء والحوار أنت صامت وتشاهد، أنت الآن بلا قيمة، وقد تكلمت كثيرا في الدنيا فلتسكت الآن، " قَالَ لاَ تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ*مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ" (ق:29) ويدخل في الحوار شيء جديد لم نكن نعرف أنها تستطيع أن تتكلم وهي جهنم، " يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلْ امْتَلَأْتِ... " (ق:30) اتكدستي يا جهنم؟املئتي بالبشر العصاة؟ هل هناك ربع مكان غير ممتليء؟ وتسمع البشرية صوتها وهي تقول " ...هَلْ مِنْ مَزِيدٍ "(ق:30) ،يقول عمر بن الخطاب "اللهم إني أعوذ بك أن أكون من مزيد النار" أعوذ بك أن يكون دخل جهنم من دخل وهي تنادي "هل من مزيد؟" فيستجاب دعائها فيقذف فيها المزيد وتكون أنت أيها المسكين من هذا المزيد بعد ما نجيت أن تكون من الدفعة الأولى التي دخلت جهنم، فقد كنت عاصي حينا وطائعا حينا أخر فأصبحت من مزيد النار، لو كنت قلت للمعصية كفى لم تكن أصبحت من مزيد النار لكن للأسف كان إيمانك ليس قوي لم تكن جاد، أطعت في رمضان ونسيت بعده.تخيل كل هذه الأحداث، سنرى هذا الكلام، وإذا كنت لا تراه الآن فأول صفة في القرآن "الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ... " (البقرة:3)، يجب أن تصدق انه سيحدث، وإذا كنت لا تصدق انه سيحدث أو بعد أن سمعت هذا الكلام ظللت على حالك ستظل هكذا إلى أن تموت، يقول النبي "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا" انتبه قبل أن يأتي الممات.
انظر إلى هذه الصورة الأخرى من صور التناد، أهل الجنة ينادون على أهل النار وأهل الجنة ينادون على أهل الجنة، انظر كم صوتا سمعناه حتى الآن؟ أصوات من كل مكان، يقول الله تبارك وتعالى" وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا..."(الأعراف:44) انظر إلى فرحتهم وهم يقولوا هذا ".. فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ... "(الأعراف:44) وإذا بصوت جديد لا نعلم من أين أتى، يقول الله "... فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ" وهناك نداء جديد، كان ينادي "يا أهل الجنة انظروا"، فينظروا فيجدوا كبشا كبيرا فيقول المنادي "أتدرون ما هذا فيقولون نعم هذا الموت" أتى في صورة كبش، فيقول "يا أهل النار أتدرون ما هذا؟" فيقولون "نعم هذا الموت" فيذبح، ويقال"يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت"، وتستمر المناداة "وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ..." (الأعراف:50) أعطونا قليل من الماء، من يقول هذا كانوا يشربون مياه معدنية وماء ورد في الدنيا، كانوا منعمين يعيشون عيشة مترفة، اخذوا كل ما كانوا يريدون في الدنيا والآن يبحثون عن شربة ماء، فيرد أهل الجنة "...قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ"(الأعراف:50).
صورة نداء أخر، نداء أهل النار وهو ينادوا على خزنة جهنم، فقد تفحموا، لا يقدروا، فتأتي المناداة العجيبة، سوف ينادوا ثلاث مرات، أول مرة سوف ينادوا الملائكة خزنة جهنم، الملائكة المسئولة عن جهنم، يقول الله تبارك وتعالى " وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ" (غافر:49) الشباب اللذين يمزحوا سويا، يقول له سندخل النار، سنظل يوما ونخرج، فأهل النار يقولوا أنهم موافقون أن يعذبوا ولكن أيها الملائكة ادعوا الله أن يخفف عنا يوم واحد فقط، ليس يوقف عنا يوما ولم يقولوا يخرجنا منها ولكن يخفف عنا، أتحب أن تكون هناك؟ من يقبل أن يقول هو هذه الكلمة في يوم من الأيام؟ " قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ... " (غافر:50) الم تسمعوا الدرس الفلاني؟الم تحضروا في المسجد الفلاني؟الم تسمع النصيحة الفلانية؟ " ...قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ" (غافر:50) ادعوا ولكن لن يستجيب احد، فلم يجدوا فائدة في خزنة جهنم، فيتوجهوا بالنداء لشخص أخر، الملك مالك كبير الملائكة المسئول عن كل جهنم وخزنتها، " وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ..."(الزخرف:77) نموت! لا يخفف العذاب ولكن نموت، نداء أخر، تخيل لو كنت لم تدخل الجنة وأنت تسمع أصواتهم وهي تأتي من الداخل ورهبة قلبك وأنت لا تعلم، إذا كانت تعادلت سيئاتك وحسناتك وأنت تقف بالخارج حتى يرحمك الله، وتسمع أصوات الصراخ، فيرد مالك " ...قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ "(الزخرف:77)، لا احد يستجيب إليهم، فيقولون لبعضهم البعض "ادعوا ربكم فليس ارحم بكم من ربكم، " قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ* رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ" (المؤمنون:108)، فعند ذلك يفقدون أخر أمل في النجاة، تخيل ولا عياذ بالله لو أذنك سمعت " اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ" ماذا سيحدث لك؟.
النداء قبل الأخير، الآن الكتب تتطاير وكل واحد يديه ليست ملكه يا سترفع يدك اليمنى وتأخذ الكتاب بيمينك إما ترفع يدك اليسرى وتأخذ الكتاب بشمالك، لذلك يقول لك القرآن " فأما من أوتي كتابه بشمالهِ" أو " من أوتي كتابه وراء ظهره" لماذا؟ لأن بعض الناس سيخفون أيديهم خلف ظهورهم، يريد أن يقطعها، حتى لا يأخذ الكتاب بشماله، فأسمع كل واحد منهم وهو يعلي صوته والاثنين صوتهم عال، لكن واحد صوته عالي وهو يضح، واحدد صوته عالي وهو يصرخ، ترى بأي ستأخذ كتابك؟ يقول الله تبارك وتعالى " فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِي" (الحاقة:19) أتعلم ماذا تعني "هاؤم"؟ من شدة سعادته يهلل ويقول هيا تعالوا اقرأوا كتابي، هذه حسناتي، وانظر ال "ها" في "هاؤم" بها مد، في القرآن حتى المد يفيدك في المعنى، يريد أن يريك سعادته، كأن الكلمة تضحك، " فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِي* إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَه" (الحاقة:20) أنا كنت اعلم، وتبدأ الآيات الرقيقة الجميلة "
أبو البراء
نَسْأَلُ الَلهَ تَعَالَى أَنْ يُجِيْرَنَا وَوَالِدِيْنَا مِنَ الْنَّارِ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الْأَخْيَارِ، وَأَنْ يَهَبَ لَنَا مَنَازِلَ الْأَبْرَارِ، إِنَّهُ عَزِيْزٌ غَفَّارُ.
اللهم آمين.
اللهم صلّ وسلّم على نبيّنا محمّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
تعديل التعليق