إنه مراهق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، واصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

إخوة الإيمان والعقيدة ... إنه مراهق. كلمة نسمعها كثيرًا وربما نتلفظ بها نحن كثيرًا ( إنه مراهق ) كلمة نبرر بها لكل شاب أو فتاة وقعا في خطأ وربما خطأ كبير. ضحكوا علينا بل نضحك على أنفسنا ... اتركوه إنه في سن المراهقة ... سايروه إنه في سن المراهقة ... لا تؤنبوه وتعاتبوه إنه في سن المراهقة. وأصبحت هذه الكلمة ( إنه مراهق ) شماعة يعلق عليها أفعال الشاب والفتاة إذا أخطآ.

يَعصي أباه وأمه ويرفع صوته عليهما ( إنه مراهق ). يُصاحب أصدقاء السوء وبفعل أفعال الطيش ( إنه مراهق ) يسهر الليل كله ويتأخر فلا يأتي البيت إلا آخر الليل أو بعد الفجر ... ثم يبرر له ( إنه مراهق ) يَكذب ويسرق ... ثم يبرر له ( إنه مراهق ). يولع في شرب الدخان وربما تطور الأمر إلى الحشيش بل إلى أعلا من ذلك ... ثم يبرر له ( إنه مراهق ). يعاكس الفتيات ويضايق الناس بأخلاقه السيئة ... ثم يبرر له ( إنه مراهق ). بل يقصر في الصلاة وربما لا يصلي أبدًا ... ثم يبرر له ( إنه مراهق ). وهكذا أصبحت كلمة مراهق جواز السفر لينال به الشاب بل الفتاة ما يريد.

ببساطة – أيها الأخوة – أصبحت هذه الكلمة خدعة كبرى، ليجعلونا نتفرج على شبابنا وقتياتنا وهم يغرقون في شهواتهم ، ولا نحرك ساكنًا، بل نبرر لهم بكلمة ( مراهق ). بل أصبحت هذه الكلمة برمجة العقل اللاواعي للشاب والفتاة بل ولمن هو أصغر منه، بأن يستعد من الآن، فالمجتمع سيغفر لك كل ما تصنعه حينما تبلغ سن المراهقة.

يا سادة يا كرام ... بسبب هذا نسينا أن تناسينا بأن سن المراهقة التي حددها علماء النفس هي بداية التكليف الشرعي، وكتابة الملائكة لما يقوم به من أعمال، وهي المرحلة التي سيحاسب عليها. فهو سن البلوغ والرشد وليست هي مرحلة الطيش.

وافتحوا صفحات التاريخ للمراهقين قديمًا، لتروا أفعال مشرقة تفتخر به الأمة.

من الذي فتح بيته للنبي ﷺ وصحبه بمكة ! إنه الأرقم بن أبي الأرقم وعمره ست عشرة سنة.

من أول من رمى بسهم في الإسلام!! إنه سعد بن أبي وقاص وعمره سبع عشرة سنة.

من أكرم العرب في الإسلام!! إنه طلحة بن عبيد الله وعمره ست عشرة سنة.

من حواري النبي ﷺ !! ومن أول من سلَّ سيفه في الإسلام!! إنه الزبير بن العوام وعمره خمس عشرة سنة.

وهل تعرفون قاتل فرعون هذه الأمة (أبو جهل) بغزوة بدر!! إنهما معاذ بن الجموح وعمره ثلاث عشرة سنة، ومعوذ بن عفراء وعمره أربعة عشر سنة.

من هو كاتب الوحي وترجمان النبي ﷺ!! إنه زيد بن ثابت وعمره ثلاثة عشر سنة. وقد حفِظ لغة اليهود في سبع عشرة ليلة.

وهذا أسامة بن زيد رضي الله عنه جعله النبي ﷺ يقود جيش المسلمين وفيه كبار الصحابة كأبي بكر وعمر، وهو ابن ثمانية عشر سنة.

وهذا عَتّاب بن أَسِيد بن العِيص ولاه النبي ﷺ على مكة ، حين خرج للغزو وعمره ثمان وعشرة سنة.

من هو فاتح بلاد الأندلس!! عبدالرحمن الداخل وعمره واحد وعشرين سنة.

من هو فاتح القسطنطينية!! محمد الفاتح وعمره اثنان وعشرين سنة.

من هو فاتح بلاد السند!! محمد القاسم وعمره سبع عشرة سنة.

هل تعرفون من سيد قبيلة تغلب، وهي أقوى قبيلة بين العرب قبل الإسلام!! إنه عمرو بن كلثوم وعمره خمس عشرة سنة.

هؤلاء وغيرهم كثير .. شباب الأمس .. عاشوا مرحلة المراهقة – كما نسميها – لكنهم صخروا شبابهم وقوتهم في خدمة دينهم.

أما شبابنا اليوم - إلا من رحم الله – يبلغ خمس وعشرين سنة ولا زال مراهق. ضيعوا الكثير من أوقاتهم وطاقاتهم ومواهبهم فيما لا فائدة منه. اللهم رُد شبابنا وبناتنا وجميع المسلمين إليك ردَّا جميلاً.

إنها مسؤولية الآباء والأمهات. ومسؤولية المربين والمربيات، ومسؤلية المجتمع كله.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، واصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

معاشر المؤمنين ... مرحلة المراهقة هي المرحلة الحرجة التي يمر بها كل إنسان والتي تحتاج إلى المزيد من الجهد والتخطيط في التربية. فالمراهقة هي مرحلة انتقال من الطفولة إلى الرجولة أو الأنوثة. هي المرحلة التي تنضج فيها قدرات الإنسان ويجري فيها التكليف وتحمل المسؤولية. لذلك اهتم الإسلام بهذه المرحلة اهتماماً واضحاً في هدي القرآن الكريم والسنة المطهرة.

والإسلام الدين الكامل الشامل لأمور الحياة وأحوالها اهتم بتربية المراهق ودعا إلى غرس العقيدة الصحيحة والسليمة في نفسه، وتربيته على الأخلاق الإسلامية القويمة، وتوجيه قدراته وترشيد حاجاته حتى يكون مسلماً فاعلاً في المجتمع قادراً على حمل الإسلام ونشره بين الناس.

العقيدة الإسلامية هي أول ما يجب غرسه في نفس المراهق، ويكون ذلك بتعريفه بالإسلام وبأننا مسلمون لنا هويتنا الخاصة بنا ومأمورون بعبادة الله وطاعته وشكره على نعمه. ولنا في رسول الله أسوة حسنة عندما خاطب الصحابي الشاب عبد الله بن عباس فقال له ( يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك. احفظ الله تجده تجاهك. إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك. وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).

ويجب على الأب والأم أن يغرسوا في أبنائهم الأخلاق الإسلامية الفاضلة التي يتأدب بها المسلم مع نفسه ومع غيره كالشجاعة والكرم والحلم والثبات وكظم الغيظ والعفة والحياء والقناعة والعدل والحكمة والصدق والأمانة والصبر. أن ينهوهم عن الأخلاق السيئة كالكذب والغيبة والنميمة والحسد والبغض والبخل. ويكون ذلك بالمتابعة المستمرة والتشجيع المستمر والرفق والتأنيب غير العنيف والتوجيه غير المباشر للأخلاق.

ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة عندما جاء إليه شاب في مقتبل العمر وطلب منه أن يأذن له بالزنا. فغضب الصحابة وأرادوا الإمساك بذلك الشاب فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أجلس الشاب وأخذ يحاوره. فقال له: يا بني أترضى ذلك لأمك؟ قال لا، قال لأختك، قال لا ... وهكذا ثم قال له وكذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم وأخواتهم. ثما دعا الله أن يشرح صدره للإسلام وأن يطهر فرجه عن الحرام. قال الشاب بعد ذلك: والله خرجت من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شيء عندي أبغض من الزنا.

عباد الله ... أخطر شيء في حياة المراهق هو وقت الفراغ وخاصة مع قدوم الصيف والعطل، فإذا لم يشغل وقت فراغه بالأعمال المفيدة والنافعة وبالأنشطة والمسؤوليات اتجه إلى اللعب والتسكع في الشوارع والانحراف.

فنسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يعيننا على تربية أبنائنا وبناتنا التربية الصالحة.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المشاهدات 5110 | التعليقات 0