( إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ )

مبارك العشوان 1
1443/11/16 - 2022/06/15 14:33PM

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

عِبَادَ اللهِ: سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ رَبِّنَا جَلَّ وَعَلَا، وَجِيزَةٌ ألْفَاظُهَا، غَزِيرَةٌ مَعَانِيْهَا، خَمْسَ عَشْرَةَ كَلِمَةً فِي أَرْبَعِ آيَاتٍ؛ تَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ.

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَن ِالرَّحِيـمِ:  { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ }.

يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ؟ قَالُوا: وَكَيْفَ يَقْرَأْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَفِي الحَـدِيث الآخَرِ: ( إِنَّ اللَّهَ جَزَّأَ الْقُرْآنَ ثَلاَثَةَ أَجْزَاءٍ، فَجَعَلَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الْقُرْآنِ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ: { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ } يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ، جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلمَ: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ.  

سُورَةُ الإِخْلَاصِ؛ سُورَةٌ عَظِيمَةٌ فِي فَضَائِلِهَا، عَظِيمَةٌ فِيمَا تَضَمَّنَتْ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَصِفَاتِهِ.

وَفِي البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلاً عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِ، فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟ فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ: أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ يُحِبُّهُ )

وَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو وَهُـوَ يَقُولُ: ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) فَقَالَ: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِه الأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى ) رَوَاهُ أبَوُ دَاودَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.  

يَقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: فَأَخْبَرَ أَنَّ هَذَا هُوَ الِاسْمَ الأَعْظَمَ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ وَالتَّوْحِيدِ، وَلِمَحَبَّةِ الرَّبِّ تَعَالَى لِذَلِكَ أَجَابَ مَنْ دَعَا بِهِ.

عِبَادَ اللهِ: تُشْرَعُ قِرَاءَةُ هَذِهِ السُّورَةَ فِي مَوَاطِنَ: فَتُقْرَأُ مَعَ المُعَوِّذَتَينِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ صَبَاحًا وَمَسَاءً؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيءٍ ) رَوَاهُ أبَوُ دَاودَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ

وَتُقْرَأُ هَذِهِ السُّوَرُ الثَّلَاثُ عِنْدَ النَّوْمِ؛ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا، فَقَرَأَ فِيهِمَا: { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ } وَ{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ } وَ{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَتُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ سُورَةِ الإِخْلَاصِ مَعَ سُورَةِ الكَافِرُونَ فِي رَاتِبَةِ الفَجْرِ، وَرَاتِبَةِ المَغْرِبِ وَرَكْعَتَيِ الطَّوَافِ؛ يَقْرَأُ الكَافِرُونَ بَعْدَ الفَاتِحَةِ فِي الأُولَى، وَالإِخْلَاصَ بَعْدَ الفَاتِحَةِ فِي الثَّانِيَةِ.

وَفِي الوِتْرِ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ؛ يَقْرَأُ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وَقُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ، وَفِي الثَّالِثَةِ: ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ).

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ.

 

الخطبة الثانية: 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَأَكْثِرُوا رَحِمَكُمُ اللهُ مِنْ قِرَاءَةِ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَكْثِرُوا مِنْ قِرَاءَةِ هَذِهِ السُّورَةِ، اقْرَأُوا فِي تَفْسِيرِهَا،  تَدَبَّرُوا مَعَانِيْهَا، وَتَدَارَسُوهَا، تَيَقَّنُوا وَالْزَمُوا مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ تَوحِيدِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَاحْذَرُوا أَشَدَّ الحَذَرِ مَا يُنَاقِضُ التَّوحِيدَ أَوْ يُنْقِصُهُ.

عِبَادَ اللهِ: وَهَذَا تَفْسِيرُ هَذِهِ السُّورَة مِنْ تَفْسِيرِ الإِمَامِ السَّعْدِيِّ رَحِمَهُ اللهُ: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } أَيْ { قُلْ } قَولًا جَازِمًا بِهِ، مُعْتَقِدًا لَهُ، عَارِفًا بِمَعْنَاهُ، { هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } أَيْ: قَدِ اِنْحَصَرَتْ فِيهِ الْأَحَدِيَّةُ، فَهُوَ الْأَحَدُ المُنْفَرِدُ بِالكَمَالِ، الَّذِي لَهُ الْأَسْمَاءُ الحُسْنَى، وَالصِّفَاتُ الكَامِلَةُ العُلْيَا، وَالأَفْعَالُ المُقَدَّسَةُ، الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ وَلَا مَثِيل.

{ اللَّهُ الصَّمَدُ } أَيْ: المَقْصُودُ فِي جَمِيعِ الحَوَائِجِ؛ فَأَهْلُ العَالَمِ العُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ مُفْتَقِرُونَ إِلَيهِ غَايَةَ الِافْتِقَارِ، يَسْأَلُونَهُ حَوَائِجَهُمْ، وَيَرْغَبُونَ إِلَيهِ فِي مُهِمَّاتِهِمْ، لِأَنَّهُ الكَامِلُ فِي أَوْصَافِهِ، العَلِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي عِلْمِهِ، الحَلِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِلْمِهِ، الرَّحِيمُ الَّذِي كَمُلَ فِي رَحْمَتِهِ الَّذِي وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيءِ، وَهَكَذَا سِائِرُ أَوْصَافِهِ، وَمِنْ كَمَــالِهِ أَنَّهُ { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } لِكَمَالِ غِنَاهُ { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } لَا فِي أَسْمَائِهِ وَلَا فِي أَوْصَافِهِ، وَلَا فِي أَفْعَالِهِ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى. فَهَذِهِ السُّورَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى تَوحِيدِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ. ا هـ .

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ المُصْطَفَى؛ فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

 

المرفقات

1655303599_( إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ ).pdf

1655303616_( إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ ).doc

المشاهدات 674 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا