{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} 26 / 6 /1446هـ

د عبدالعزيز التويجري
1446/06/24 - 2024/12/26 12:50PM

الخطبة الاولى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}              26 / 6 /1446هـ

الحمدُ لله الذي أعزَّنا بالدين، وجعلنا خيرَ أمةٍ أخرجت للعالمين، وأشهد ألا إله إلاَّ الله وحدهُ لا شريك له ولي المؤمنين، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله سيدُ الأولين والآخرين-  صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}

أخرج ابن سعد في الطبقات، قَالَ: لَمَّا نَقَضَت قريشُ العهدَ قَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ الْمَدِينَةَ يُرِيدُ أَنْ يَزِيدَ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَة،ِ فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمِّ حَبِيبَةَ. فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ r طَوَتْهُ دُونَهُ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ أَرَغِبْتِ بِهَذَا الْفِرَاشِ عَنِّي، أَوْ رَغِبْتِ بِي عَنه ؟ فَقَالَتْ: بَلْ هُوَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ وَأَنْتَ امْرُؤٌ نَجِسٌ مُشْرِكٌ. فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ تَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِهِ.

تُجلي أمُ المؤمنين في هذا الموقفِ روحَ العزةِ والتميزِ والإباءِ في قِطعةِ فراشٍ أن لايمسه مشركُ، {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} حتى ولو كان هذا المشركُ أقربَ قريبٍ، لأنه فراشُ رسول الله  r.

        هل رأى المسلمُ كالإسلامِ فخراً   **    يُكْسبُ العزَ به دنيا وأخرى

 فما عساه أن يجليهِ منهزمي العزة في أمتِنا حين يُلطِخُ فراش ُسنةِ سيدِ الأنامِ، الصلاة والسلام، بتبعيةِ وورودِ وتهنئة لأعياد تخالفُ أصولَ الإسلامِ {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}

تنهزمُ النفوسُ حين تَجعلُ من شعاراتِ عزِها تبعيةً لمن يحارب دينَها .. وتَعتقدُ تميُزِها حينما تحاكي وتُسامي وتُدني من يخططُ كيف يَصدُها عن دينهِا، ويستولي على ثرواتهاِ ويسلبُ خيراتهِا {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً}

هذه امنياتُهم وهذه خططُهم التي نطق القرآنُ بها لتدميرِ الإسلامِ فكريا واقتصاديا وعسكريا {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}.

 لا يعتزُ من لا يفهمُ القرآنَ، ولا يفلحُ من يَحيدُ عن منهجِ الإسلامِ {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}

 لا ينصُر اللهُ من اتبع هواهم، ليس اتباعَ دينِهِم، إنما اتباعُ هواهُم ومرادُهم لاينصُرهُ الله، ولا يعزُه ولا يحميِه ولا يقيِه {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ} ويحشرهُ الله مع الظالمين {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ}

هذه حقائقُ القرآنِ واضحةٌ بينةُ، وشواهدُ الزمانِ ظاهرةُ جليةُ .. أنّ من اتبع غيرَ هدى اللهِ، ورجا العزةَ في باتباعِ نهج الكافرين فإنّ الذلةَ تَرْهقه، والخسرانَ نهايتُه، وفي الحديث: «وَجَعَلَ الذِّلَّةَ وَالصَّغَارَ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، ومَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» أخرجه الإمام احمد وغيره.

يَظهرُ خلل العقيدةِ والتوحيد في المجتمعِ حينما يَترك المنهزمون في الأمةِ المنبعَ الصافي من المنهجَ الرباني، ليتسولوا على فتاتِ أخلاقِ الأممِ، ويدسوا أنوفَهُم في جحورِهم، فيرونَ العزةَ في اتداءِ لباسِهم ، والتميزَ بمحاكاةِ مسمياتهِم ، والتفاخرَ في اظهارِ شعاراتِ أعيادِهم ،  ولو دخلوا جحرَ ضبٍ مليءٍ بالنتنِ لدخلوه . «وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»

كيف يرضى مسلمٌ يشهدُ في كلِ صلاةِ أنه لا إله إلا الله  يجاري ويوالي ويحاكي من ينازعُ اللهَ في ألوهيتهِ ويدعي له الصاحبة والولد {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} والله يقول {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}

كيف ترجو أمةٌ من ربِها الغيثَ والنصرَ والرزقَ، وسفهاؤها يتسابقون في ملاحقةِ ومتابعةِ واحتواءِ من{ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ } والله يقول {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ}

إذا حاد الانسانُ عن تشريعاتِ الإسلامِ اقتات من فُتاتِ الأممِ ، وتسول على رذائلِ أخلاقِ النحلِ، ففي كلِ يومٍ له لباسٌ، وأصبح عائرًا بين الناسِ، يُكمل نقص نفسهِ بترهاتِ غيرِه، ويبني شخصيتَه على شفا جرف هار، ضحالةُ في المعنى، واضطرابُ في المبنى .

       شريعةُ اللهِ لا نرضى بها بدلا   **  وما سواها فتضليلٌ وإفسادُ

قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه" لَا تَعَلَّمُوا رَطَانَةَ الْأَعَاجِمِ وَلَا تَدْخُلُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ، فَإِنَّ السَّخَطَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ ".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "فَهَذَا عُمَرُ قَدْ نَهَى عَنْ تَعَلُّمِ لِسَانِهِمْ وَعَنْ مُجَرَّدِ دُخُولِ الْكَنِيسَةِ عَلَيْهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ، فَكَيْفَ مَنْ يَفْعَلُ بَعْضَ أَفْعَالِهِمْ؟ أَوْ قَصَدَ مَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ دِينِهِمْ؟ أَوَ لَيْسَ عَمَلُ بَعْضِ أَعْمَالِ عِيدِهِمْ أَعْظَمَ مِنْ مُجَرَّدِ الدُّخُولِ عَلَيْهِمْ فِي عِيدِهِمْ؟، وَإِذَا كَانَ السَّخَطُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ بِسَبَبِ عَمَلِهِمْ، فَمَنْ يَشْرَكُهُمْ فِي الْعَمَلِ أَوْ بَعْضِهِ أَلَيْسَ قَدْ تَعَرَّضَ لِعُقُوبَةِ ذَلِكَ؟

 وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ t: "مَنْ صَنَعَ نَيْرُوزَهَمْ وَمِهْرَجَانَهمْ، وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوتَ حُشِرَ مَعَهُمْ". وَفي سنن البيهقي قَالَ عُمَرُ: «اجْتَنِبُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ فِي عِيدِهِمْ». وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شُهُودُ أَعْيَادِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى" "فَلَا يَعَاوَنُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ عِيدِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِ شِرْكِهِمْ، وَعَوْنِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ.

فاتقوا الله معشر المؤمنين، وخالفوا المشركين وحذِروا منه أهليكم، وانصحوا من ترونه متشبها بهم، وانكروا على من يروج لأعيادهم.. يتولاكم ربكم ويعزكم وينصركم {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ }..استغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات...

الخطبة الثانية ...

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد ..

التمسكُ بالتوحيدِ والارتباطُ بالعقيدةِ حفظُ للعبدِ من مضلات الفتنِ وشبهاتِ النحلِ.. رآى النَّبِيُّ r بيدِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، كِتَاباً أَصَابَهُ مِنْ أَهْلِ الْكُتُبِ ، فَغَضِبَ النبي r وَقَالَ " أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً" أخرجه الإمام أحمد وغيره.

دين الإسلام دين العزة والرفعة {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}

دين الإسلام كامل بتشريعاته {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} مُيَسرٌ بأحكامه { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، فلسنا بحاجة لرطانة لغتهم، أو خُضرة أرضهم، أومتابعة سخفهم ..

   لسنا نريد دساتيرًا مرقعـــــــــــــــةً      **   فشرعةُ اللهِ تكفينا وتُرضينا

دينُ الإسلام دين الجمال والكمال {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

قضى الله أنه متى ما حادت الأمةُ عن عقيدتِها، وتعلقت بهذا أوبذاك؛ إلا وتقلبت في ثنايا الإهاناتِ والنكباتِ والنكسات حتى ترجعَ إلى كتابِ ربها وسنةِ نبيها.

        من يتق الله وينصر دينه        لابد في ساح المعارك يُنصَرٌ

اللهم اهدنا للحق ورزقنا الثبات عليه وأعذنا من مضلات الفتن.... اللهم آمنا في دورنا واصلح ولاة أمورنا .. اللهم اجعلهم نصرة للحق وأهله وحربا على الباطل واهله

المرفقات

1735207343_{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}.docx

1735207343_{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}.pdf

المشاهدات 905 | التعليقات 0