إنـــهــا الصــــلاة

راشد بن عبد الرحمن البداح
1445/04/25 - 2023/11/09 15:44PM

الحمدُ للهِ الذي مَنّ علينا بشريعةِ الإسلامِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ذُو الجلالِ والإكرامِ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه أفضلُ مَن صلَى وزكَى وصامَ، صلى اللهُ عليهِ وسلمَ تسليماً كثيرًا على الدوامِ، أما بعدُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.

يا لعظمةِ تلكَ الشعيرةِ، التي فُرضت لوحدِها في أعلى سماءٍ، ورسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لوحدِه أمامَ ملكِ الملوكِ سبحانَه، ليسَ معه جبريلُ ولا غيرُه. إنها الصلاةُ أيُها المصلونَ.

فقد فُرضتْ في المعراجِ خمسينَ صلاةً بعددِ كلماتِ الأذانِ، ثم خُففتْ إلى خمسِ صلواتٍ بثوابِ خمسينَ، وبقيَ الأذانُ خمسينَ كلمةً، نرددُها وتُذكرُنا الثوابَ.

أتريدُ شيئًا من تعظيمِ الأنبياءِ للصلاةِ؟! خُذ إذًا:

يتركُ إبراهيمُ -عليهِ السلامُ- أهلَه في صحراءَ قاحلةٍ، ثم يقولُ: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} لماذا؟ قالَ: {رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ} "إنَّها الصلاةُ".

يأتي موسى -عليهِ السلامُ- لموعدٍ لا تتخيلُ العقولُ عظمتَه، فيكلمُه ربُه بأعظمِ أمرينِ قائلاً: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}[طه14] "إنَّها الصلاةُ".

ويضطهدُهم فرعونُ ويسومُهم سوءَ العذابِ، فكانت الوصيةُ الربانيةُأمامَ الطغيانِ بتحويلِ البيوتِ لأماكنَ للصلاةِ! {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}[يونس87]

ومن شدةِ تلذذِ موسى بالصلاةِ، فقد قالَ عنه نبيُنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى مُوسَى وَهُوَ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ()."إنَّها الصلاةُ".

وسليمانُ -عليهِ السلامُ- يَضرِبُ أعناقَ خيلهِ وسوقَها؛ لأنها أشغلَتْهُ عن صلاةِ العصرِ "حَتَّى تَوَارَتْ بِالحِجَابِ"! لكنْ باللهِعليكَ! ما حالُنا عندَ تفويتِنا لصلاتِنا؟!

أين جاءت بُشرَى الولدِ لزكريا -عليهِ السلامُ- بعدَ أن بلغَ من الكِبَرِعِتيّاً؟! {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ}[آل عمران39] قائمٌ يصلي! "إنَّها الصلاةُ"!.

ولكم أن تتخيلُوا مولودًا في مهدِه يقولُ: (وَأَوْصَانِيْبِالصَّلَاةِ) أوصى الُله عيسى -عليهِ السلامُ- بالصلاةِ وهو في المهدِ صبيًا."إنَّها الصلاةُ يا مصلينَ"!.

ويُشغِلُ الكفارُ رسولَنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن صلاةِ العصرِ؛ فيدعُو عليهم دعاءً مرعبًا! فيقولُ: مَلَأَ اللهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا، كَمَا حَبَسُونَا، وَشَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ. إنها الصلاةُ. ولذا كانت آخرُكلمةٍ وصَى بها وهوَ على فراشِ الموتِ يرددُ: الصلاةَ الصلاةَ.

فهل استشعرتَ مقدارَ عظمةِ الصلاةِ؟! ولماذا صارتْ فريضةً متكررةًيوميًا؟!

بل تأملْ جانبًا آخرَ لعظمةِ الصلاةِ: فإنه إذا كان الوضوءُ سبباً للمغفرةِ ‏والمشيُ إلى الصلاةِ يرفعُكَ درجةً ‏ويحطُّ عنك سيئةً، ‏وانتظارُك للصلاةِ بعدَ الصلاةِ رباطاً، ‏والدعاءُ بينَ الأذانِ والإقامةِ لا يُردُّ، ‏وبعدَالصلاةِ تدعُو الملائكةُ لكَ، ‏وكلُها مقدماتٌ للصلاةِ، فما ظنُك بالصلاةِنفسِها؟! وإذا كانت سنةُ الفجرِ تعدلُ الدنيا وما فيها، فما الظنُبفريضةِ الفجرِ نفسِها؟!

الحمدُ للهِ الذي هدَى، والصلاةُ والسلامُ على إمامِ الهدَى، أما بعدُ:

فهذهِ رسالةٌ بليغةٌ لمن يتأخرُ عن الصلاةِ أو يتعودُ على تفويتِ بعضِالركعاتِ. فيقالُ له: خاطِبْ نفسَك قائلاً: من الذي حددَ هذا التوقيتَللصلاةِ؟! أليسَ مَن اختاره هوَ اللهُ الذي خلقَ هذا الكونَ بعظمتِهوبديعِ إتقانهِ وكثرةِ كائناتهِ؟! أليسَ هو الذي يريدُني أن أقِفَ بين يديهِ، وأناجيَهُ. فكيفَ أجعلُ هذا الموعدَ آخرَ أولوياتي حتى يكادُ يفوتُوقتُه، مُقدّمًا عليهِ كلَ أمرٍ تافهٍ؟! اللهُ تعالى يطلبُني، وأنا مجردُ ذرةٍفي كونهِ العظيمِ؛ لأقفَ بين يديهِ، وأنا منهمكٌ في زهرةِ الدنيا الدنيئةِ. يطلبُني لبضعِ دقائقَ فقط، ثم آتيهِ متأخرًا في كثيرٍ من صلواتِي! أيُّ تفريطٍ أكبرُ من ذلك؟! يدعُوني سبحانَه (لاجتماعٍ مغلقٍ) بيني وبينَه وأنا صاحبُ الحاجةِ وهو الغنيُ المتفضلُ؛ فكيفَ أجعلُه اجتماعًا مفتوحًا لشتَى أنواعِ التفكيراتِ؟! أأحضرُ بجسِدي وأغيبُبقلبِي؟!. هو الغنيُ عني وعن عبادتِي، يطلبُني ليسمعَ قراءتِي وأنا الذي أُماطلُ! ثم أجيءُ إمّا متثاقلاً أو على عَجَل!! هو تعالى يريدُه اجتماعًا مَهيبًا خاشعًا، وأنا أجعلُ صلاتي كتمارينَ رياضيةٍ جوفاءَ!

أرأيتَ كيفَ بلغتْ بنا إضاعةُ الصلاةِ؟!

فاللهم اغفر لنا كلَ صلاةٍ لا تليقُ بجلالِ وجهِكَ وعظيمِ سلطانِكَ.

o رَبَّنا اجْعَلْنا مُقِيمِينَ للصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّاتِنا رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ.
o اللهم أصلح الشبابَ والفتياتِ، للمحافظةِ على الصلواتِ.
o اللهم أصلحْ أحوالَ المسلمينَ في كلِ مكانٍ، واهدِ ضالَهم, واكْسُ عاريَهم, واحملْ حافيَهم، وأطعمْ جائَعهم.
o اللهم وفَّقْ وليَّ أمرِنا ووليَّ عهدِه لما تحبُّ وترضَى، وخُذْ بناصيتِهِما للبرِّ والتقوى. وارزقهمْ بِطانةَ الصلاحِ والفلاحِ.
o اللهم يا وليَ المؤمنينَ ارفعْ حصارَ إخوانٍنا بفلسطين، ووحدْ صفوفَهم، وسددْ رميَهم وهيئْ لهم فرجًا ونصرًا من عندِك  عاجلاً غيرَ آجلٍ، واشفِصدورَ المؤمنينَ من اليهودِ المحتلينَ.
o نستغفرُ الله الحيَ القيومَ ونتوبُ إليهِ.
o اللهم اسقِ عبادَك وبلادَك وبهائمَك، وانشرْ رحمتَك، واجعلْ ما أنزلتَه قوةً لنا على طاعتِكَ وبلاغًا إلى حينٍ.
o اللهم إنا نحمدُك على أمطارٍ نزلتْ، فاللهم أحضرِ البركةَ.
o اللهم إنه لا غِنى لنا عن فضلِك وبركتِك، فباركْ في النازلِ، وتابعْ علينا الخيراتِ الفواضلَ.
o اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

المرفقات

1699533881_‎⁨إنها الصلاة⁩.docx

1699533885_‎⁨إنها الصلاة⁩.pdf

المشاهدات 939 | التعليقات 0