إِنظارُ المُعسِرِ  (مختصرة ومشكولة) PDF + DOC

عبدالله اليابس
1441/12/22 - 2020/08/12 17:37PM

إِنْظَارُ الـمُعْسِرِ                         الجُمُعَةُ 24/12/1441هـ

الحَمْدُ للهِ فَتَحَ بَابَهُ لِلْطَّالِبِينَ، وَأَظْهَرَ غِنَاهُ لِلْرَّاغِبِينَ، وَبَسَطَ يَدَهُ لِلْسَّائِلِينَ، قَصَدَتْهُ الخَلَائِقُ بِحَاجَاتِهَا فَقَضَاهَا، وَتَوَجَّهَتْ لَهُ القُلُوبُ بِلَهَفَاتِهَا فَهَدَاهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُهُ مِنْ خَلْقِهِ وَخَلِيلُهُ، وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَأَمِينُهُ عَلَى وَحيِهِ، فَصَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيهِ وَعَلَى آَلِهِ الطَّيِّبِينَ، وَأَصْحَابِهِ الغُرِّ الـمَيَامِيْنَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. حَيَاتُنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَا تَخْلُو مِنَ الأَكْدَارِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}، قَالَ سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ: "فِي شِدِّةٍ وَطَلَبِ مَعِيشَةٍ".

طُبِعَتْ عَلَى كَدَرٍ وَأَنْتَ تُرِيْدُهَا *** صَفْوًا مِنَ الأَقْذَاءِ وَالأَكْدَارِ

وَمِنْ أَشَدِّ مَا يُضَيِّقُ عَلَى الإِنْسَانِ أَمْرَ عَيْشِهِ: هَمُّ الدَّيْنِ.

تَقُولُ العَرَبُ: لَا هَمَّ إِلَا هَمُّ الدَّيْنِ، وَكَانَ يُقَالُ: الدَّينُ يُنقِصُ مِنْ الدِّينِ وَالحَسَبِ، وَيُقَالُ: الدَّينٌ هَمٌّ بِاللَّيلِ وَمَذَلَةٌ بِالنَّهَارِ، وَرُويَ عَنْ عُمَرَ بنِ عَبْدِالعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالدَّينَ؛ فَإِنَّ أَوَّلَهُ هَمٌّ، وَآخِرُهُ حَرْبٌ"، وَيُقَالُ: الدَّينُ رِقٌ، فَلْيَخْتَرْ أَحَدُكُمْ أَيْنَ يَضَعُ رِقَّهُ.

لَيْسَ الحَدِيْثُ اليَوْمَ عَنْ أَحْوَالِ مَنْ تَرَاكَمَتْ عَلَيْهِمُ الدُّيُونِ، وَلَنْ نَتَكَلَمَ عَنِ الـمُتَحَايِلِيْنَ الذِيْنَ يَأْخُذُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ وَهُمْ لَا يُرِيْدُونَ أَدَاءَهَا، فَهَؤَلَاءِ يَكْفِي فِيْهِم حَدِيثٌ مُخِيْفٌ رَوَاهُ البُخَارِيُّ فِيْ صَحِيْحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أخَذَ أمْوالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَها أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إَتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ)، وَإِنَّمَا حَدِيْثُنَا اليَوْمَ يُوَجَّهُ لِـمَنْ أَكْرَمَهُ اللهُ تَعَالَى يَوْمًا بَتَفْرِيْجِ كُرْبَةٍ لِأَخيْهِ الـمُسْلِمِ الصَّادِقِ الـمُضْطَرِّ.. فَـأَصْبَحَ دَائِنًا لَهُ.. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَعَثَّرَ أَخُوهُ وَلَمْ يَسْتَطِعِ السَدَادَ وَقْتَ حُلُولِ الدَّيْنِ.

تَذَكَّرْ أَيُّهَا الدَّائِنُ أَنَّكَ إِذَا اِحْتَسَبْتَ الأَجْرَ فِي إِقْرَاضِ أَخِيْكَ وَنَفَّسْتَ كَرْبَهُ؛ كَانَ لَكَ الأَجْرُ الذِيْ وَعَدَكَ بِهِ الحَبِيْبُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيْحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ).

مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا وَأَنْجَاهُ مِنْ لَهِيْبِ الحَاجَةِ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يُجَازِيْهِ بِأَنْ يُنْجِيْهِ مِنْ لَهِيْبِ الحَرِّ يَوْمَ القَيَاَمَةِ، فَيَكُونُ مِمَّنْ يَسْتَظِلُّ بِظِلِّ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِيْ صَحِيْحِهِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَن أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ وَضَعَ عنْه، أَظَلَّهُ اللَّهُ في ظِلِّهِ).

وَرَوَى الإَمَامُ أَحْمَدُ فِيْ مُسْنَدِهِ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ غَرِيمِهِ أَوْ مَحَا عَنْهُ كَانَ فِي ظِلِّ العَرْشِ يَوْمَ القِيَامَةِ).

التَنْفِيْسُ عَنِ الـمُعْسِرِيْنَ بِإِمْهَالِهِم حَتَّى الـمَيْسَرَةِ يُفَرِّجُ كُرُبَاتِهِمْ وَهُمُومَهُم، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ اللهَ يُجَازِي الـمُقْرِضَ بِتَنْفِيسِ أَعْظَمِ الكُرُبَاتِ، رَوَى مُسْلِمٌ فِيْ صَحِيْحِهِ عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ، طَلَبَ غَرِيمًا لَهُ، فَتَوَارَى عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ، فَقَالَ: إِنِّي مُعْسِرٌ، فَقَالَ: آللَّهِ؟ قالَ: آللَّهِ؟ قَالَ: فَإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهِ اللَّهُ مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ).

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَيْطَانِ الرَّجِيْمِ: {وَإِنْ كَانَ ذُوْ عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}.

 بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، قَدْ قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَرَاقِبُوهُ فِيْ السِّرِّ وَالَّنَجْوَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَنَا عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى..

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. مِنْ أَعْظَمِ مَا يَدْفَعُ وَيُرَغِّبُ فِي إِنْظَارِ الـمُعْسِرِيْنَ مَا رَواَهُ الـمُنْذِرِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ عَنْ بُرَيْدَةَ بنِ الحُصَيْبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: (مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَومٍ مِثْلُهُ صَدَقَةٌ)، قَالَ: ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: (مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَومٍ مِثْلَيهِ صَدَقَةٌ) قُلْتٌ: (سَمِعْتُكَ يَا رَسُولَ اللهِ تَقُولُ: مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَومٍ مِثلُهَ صَدَقَةٌ، ثُمَّ سَمِعْتُكَ تَقُولُ: مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَومٍ مِثْلَيهِ صَدَقَةٌ؟ قَالَ: لَهُ بِكُلِّ يَومٍ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَإِذَا حَلَّ الدَّينُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَومٍ مِثْلَيهِ صَدَقَةٌ).

أَجْرُ إِنْظَارِ الـمُعْسِرِ عَظِيْمٌ.. بَلْ إِنَّ الأَجْرَ يَمْتَدُ حَتَّى لِـمَنْ أَنْظَرَ مُوسِرًا، وَالجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ، رَوَى مُسْلِمٌ فِيْ صَحِيْحِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: (أُتِيَ اللَّهُ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَقَالَ لَهُ: مَاذَا عَمِلْتَ فِي الدُّنْيَا؟ ـــ قَالَ: وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا، ـــ قَالَ: يَا رَبِّ آتَيْتَنِي مَالَكَ، فَكُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ، وَكَانَ مِنْ خُلُقِي الجَوَازُ، فَكُنْتُ أَتَيَسَّرُ علَى الـمُوسِرِ، وَأُنْظِرُ الـمُعْسِرَ، فَقَالَ اللَّهُ: أَنَا أَحَقُّ بِذَا مِنْكَ؛ تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِيْ).

اللهُ أَكْبَرُ.. أَيُّ فَضْلٍ هَذَا؟ أَنْ يَشْتَرِي الـمَرْءُ فِكَاكَ رَقَبَتِهِ مِنَ النَّارِ بِتَجَاوُزِهِ عَنِ النَّاسِ..

مَا أَحْسَنَ العَفْوَ مِنَ القَادِرِ *** لَا سِيَّمَا عَنْ غَيرِ ذِي نَاصِرِ

اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ الـمَهْمُومِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ الـمَكْرُوبِيْنَ، وَاِقْضِ الدَّيْنَ عَنِ الـمَدِيْنِيْنَ، وَاِشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى الـمُسْلِمِينَ، اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَحْفَظَنَا بِحِفْظِكَ، وَأَنْ تَكْلَأَنَا بِرِعَايَتِكَ، وَأَنْ تَدْفَعَ عَنَّا الغَلَاء َوَالوَبَاءَ وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلَازِلَ وَالمِحَنَ وَسُوءَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. اِعْلِمُوا أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ لِلْصَلَاةِ عَلَيهِ فِي هَذَا اليَوْمِ وَالإِكْثَارِ مِنْهَا مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الأَيَّامِ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

عِبَادَ اللهِ.. إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى، وَيَنْهَى عَنْ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

إنظار-المعسر-24-12-1441

إنظار-المعسر-24-12-1441

إنظار-المعسر-24-12-1441-2

إنظار-المعسر-24-12-1441-2

المشاهدات 903 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا