إنصحوا ولا تفضحوا ..
عبدالله محمد الطوالة
1441/06/27 - 2020/02/21 10:06AM
الحمدُ للهِ الذي أنزلَ برحمته آياتِ الكتابِ، وأجرى بعظمته شتاتَ السحابِ، وهزمَ بقوته جموعُ الأحزابِ، {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}، تبارك وتعالى، {إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ}، وسبحانهُ وبحمده، {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} .. وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، الكريمُ التواب، العظيم الوهّاب، {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ} ..
وأشهد أن محمدًّا عبدهُ ورسولُه الْمُنيبُ الأواهُ الأوّاب .. سلامٌ على ذاكَ النبيِّ فإنَّهُ .. إليهِ العُلا والفضلُ والفخرُ يُنسبُ .. وأحسنُ خلقِ اللهِ خُلُقاً وخِلْقةُ .. وأطولهمْ في الجودِ باعاً وأرحبُ .. صفوهُ بما شئتمْ فواللهِ ما انطوى .. على مثلهِ في الكونِ أمٌّ ولا أبُ ...
صلَّى اللهُ وسلّمَ وبارك عليهِ، وعـلى جميـعِ الآلِ والأهـلِ والأصـحـابِ، ما لمـعَ سـرابٌ، وهمعَ سحابٌ، وقُرِئَ كتابٌ، وعلى التابعين وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يوم المآبِ، وسلَّم تسليماً كثيراً ..
أمَّا بعدُ: فاتقوا اللهَ تعالى عبادَ اللهِ وأطيعوهُ؛ فلنِعمَ زادُ المؤمنِ تقوى اللهِ تعالى وطاعتهِ، {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ} ..
معاشر المؤمنين الكرام: جاء في سير أعلام النبلاء قصةُ مناظرةٍ رائعةٍ، حدثت بين يدي الخليفة العباسي الواثق، حين كانت فتنة القول بخلق القرآن على أشدِّها، وحدثت هذه المناظرة بين الشيخ عبد الله بن محمد الآذرمي وبين زعيم القائلين بخلق القرآن في ذلك الوقت أحمد بن ابن أبي دؤاد .. حيثُ جيء بالشيخ الآذرمي مقيداً بالسلاسل، فأدخل على الخليفة فلما سلم قال له الواثق: اجلس لتناظر ابن أبي دؤاد .. فقال الشيخ الآذرمي: يا أحمدُ ما تقول في القرآن؟ .. قال أحمد: أقول أنه مخلوقٌ .. قال الشيخ الآذرمي: فأخبرني يا أحمدُ عن مقالتك هذه, أهي مقالةٌ واجبةٌ على المسلمِ فلا يكون المسلم مسلماً حتى يقول بها ؟ قال أحمدُ: نعم .. فقال الشيخ: فأخبرني يا أحمد هل أخفى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شيئاً مما أمرهُ اللهُ بتبليغه ؟ فقال أحمد: لا .. فقال الشيخ: فهل دعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الأمَّةَ إلى مقالتك هذه ؟ فسكت ابن أبي دؤاد, فقال الشيخ: تكلم يا أحمد، فما استطاع أن يجيب بشيءٍ, فالتفت الشيخ إلى الواثق وقال: يا أمير المؤمنين واحدة, فقال الواثقُ: واحدة .. قال الشيخ الآذرمي: فأخبرني يا أحمد حين قال الله تعالى في كتابه الكريم:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينـاً}، فهل صدق الله تعالى في إكمالِ دينهِ وإتمامه, أم أن الدين ناقصٌ حتى تُتِمَّهُ بمقالتك هذه .. فسكت ابن أبي دؤاد, فقال الشيخ: أجب يا أحمد, فلم يجب بشيءٍ، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين اثنتان .. فقال الواثق: نعم اثنتان .. قال الشيخ: فأخبرني يا أحمدُ هل علمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلمَ وخلفاؤه الراشدون بمقالتك هذه أم لم يعلموها ؟ قال أحمد: لم يعلموها، قال الشيخ: يا سبحان الله، شيءٌ لم يعلمه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدونَ علمتهُ أنت!، فخجل ابن أبي دؤاد وقال: بل علموها .. قال الشيخ: فهل حين علموها، عملوا بها، أم لم يعملوا بها ؟ فسكت أحمد .. قال الشيخ يا أمير المؤمنين ثلاث .. قال الواثق: نعم ثلاث .. فقال الشيخ: فأخبرني يا أحمد حين علم الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤهُ الراشدون بهذه المقالة، فهل وسعهم أن يسكتوا عنها, ولم يطالبوا الأمَّة بها ؟ قال ابن أبي دؤاد: نعم .. فأقبل الشيخ على الخليفة الواثق وقال: يا أمير المؤمنين أفلا يَسَعُنَا ما وسِعَ النبيَ صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون، فلا وسَعَ اللهُ على من لم يتسع لهُ ما اتسَعَ لهم .. فأخذ الواثقُ يحدَّثُ نفسه قائلاً: شيءٌ لم يعلمهُ النبيُ صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون، علمته أنت يا سبحان الله! .. شيءٌ علموه ولم يدعوا الناس إليه، أفلا وسِعك ما وسعهم .. ثم صاح بالجنود فكوا قيودَ الشيخ، ومنذ ذلك الحين انتهت بفضل الله تلك البدعة المنكرة التي راجت طويلاً ..
ونحن بدورنا نوجه هذه الأسئلة لكل صاحب بدعةٍ كائنة ما كانت، ونقول له بدعتك هذه علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون أم لم يعلموها ؟ فإن قال لا لم يعلموها، نقول يا سبحان الله كيف علمت أمراً خفيَ على النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون .. وإن قال: نعم علِموها .. نقول له فهل دعــوا الناس إليها ؟ أم سكتوا عنها ؟ فإن قال: دعوا الناس إليها، نقول فأين الدليل .. وإن قال: سكتوا عنها .. نقول له: فيسعنا ما وسع القوم، فما تركوه نتركه، وما فعلوه نفعله، وما سكتوا عنه نسكت عنه ..
معاشر المؤمنين الكرام: انظروا إلى دقة الاتباع، فقد أخرج الدارمي بسند صحيح أن أبا موسى الأشعري قال لابن مسعود رضي الله عنهما: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة فيهللون مائة فيقول: سبحوا مائة فيسبحون مائة، قال ابن مسعود: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء، ثم أتى حلقةً من تلك الحلق فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون قالوا: يا أبا عبد الرحمن، حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد، قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم! هؤلاء أصحابه متوافرون، وهذه ثيابه لم تَبَلَ، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملَّةٍ هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحوا باب ضلالة، قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريدٍ للخير لم يصبه .. كم من مريدٍ للخير لم يبلغه ..
فلذلك يجب على كل مسلمٍ أن يجتهد في اتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم، فيما فعل، وفيما ترك، وأن يقتدي بالخلفاء الراشدين ومن سار على نهجهم، واهتدى بهديهم، حتى يحظى بالشربة الهنيئة من حوض النبي صلى الله عليه وسلم، وليحذر أن يذادَ عن تلك الشربة وتمنعه الملائكة منها، قائلين للنبي صلى الله عليه وسلم حين يحامي عنهم .. “أمتي أمتي” فيقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيقول: “سُحقاً سحقاً” ..
ولمزيد بيانٍ حول دقة الاتباع نتأمل هذا الحديث النبوي الكريم: عن جابر رضي الله عنه قال: كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخط خطاً هكذا أمامه فقال: “هذا سبيل الله” وخط خطوطاً عن يمينه وخطوطاً عن شماله، وقال: “هذه سبل الشيطان” ثم وضع يده على الخط الأوسط ثم تلا هذه الآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ..
معاشر المؤمنين الكرام: من القواعد المقررة شرعاً .. أن الأصل في العبادات والمحاكمات المنع والتوقف حتى يأتي الدليل بالسماح، وأن الأصل في المعاملات والعادات السماح والإباحة حتى يأتي الدليل بالمنع والتوقف، ومعنى ذلك أنه لا يصحُ لعبدٍ أن يتعبدَ بعبادةٍ أو يتحاكم بحكم إلا ولديه دليلٌ شرعيٌ صحيح يسمح له بذلك، وإلا فعمله مردود، قال صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد "، وفي رواية: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" متفق عليه .. وقال أيضاً : "كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار" ..
ونزيد هذا الأمر وضوحاً فنقول: أن كلَّ العبادات والمحاكمات التي يقوم بها المسلم قد قرَّرها الشرع الحكيم بتفاصيلها الدقيقة، "صلوا كما رأيتموني أصلي" .. "خذوا عني مناسككم" .. وهكذا سائر أبواب العبادات والمحاكمات .. كلها حظيت بتفصيلاتٍ دقيقٍة، ولم تترك لمجتهدٍ مجالاً .. أما المعاملات والعادات والوسائل العامة، فكلها جائزة شرعاً إلا ما نص عليه دليلٌ شرعي بمنعه .. الأطعمة مثلاً من العادات .. الأصل فيها السماح إلا ما جاء النص بمنعه كالخمر والخنزير وغيرها .. اللباس أيضاً الأصل فيه الإباحة إلا ما جاء النص بمنعه كالذهب والحرير للرجال والتشبه بالجنس الآخر وما هو خاص بالكفار .. وهكذا نقيس على كلِّ ما هو ليس بعبادة ..
وقد أكمل الله للأمة هذا الدين ورضيه وأتم به نعمته، {ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناً} وروى الطبراني بإسناد صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ما تركت شيئا يقربكم الله إلا وقد أمرتكم به، وما تركت شيئا يبعدكم عن الله إلا وقد نهيتكم عنه”..
فالشرع الحكيم رسم للعبادات والتكاليف طرقاً خاصة بأوجه خاصة .. وقيدها زماناً ومكاناً، هيئةً وعدداً، وأخبر أن الخير فيها والشر في تجاوزها وتعديها .. وقال أهل العلم: من زعم أن ثمة طرقاً أخرى للعبادات وعَبَدَ الله بمستحسنات العقول، فقد قدح في كمال هذا الدين وخالف ما جاء به المصطفى الأمين، وكأنه يستدرك على الشريعة نقائص لم يفطن إليها الشارع، قال تعالى: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} .. وقال مالك ـ رحمه الله ـ: “من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة لأن الله تعالى يقول: {ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} .. فما لم يكن يومئذ دينا، فلا يكون اليوم دينا ” أ. هـ كلامه رحمه الله ..
وحين يقول الرسول العظيم محذرا وموصيا: “فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة” .. فهو صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى .. فقد وقع اختلافٌ كثيرٌ .. فلا بد أن يقابله اجتهادٌ في التمسك بالأثر، والعض بالنواجذ على السنة ... أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : {أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ فَرَءاهُ حَسَناً فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِى مَن يَشَاء فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرٰتٍ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُون} .. بارك الله لي ..
الحمد لله كما ينبغي ....
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين ..
معاشر المؤمنين الكرام: ذُكر أن الحسن والحسين رضي الله عنهما، دخلا مكاناً للوضوء، فوجدا رجلاً كبيراً لا يحسن الوضوء .. فأرادا أن يعلماه الوضوء الصحيح دون أن يحرجاه أو يجرحا شعوره .. فنظر الحسن والحسين إلى بعضهما نظرةً ذاتُ مغزى، ثم اقتربا من الرجل، فقال له أحدهما: يا عماه : لقد اختصمت أنا وأخي هذا أينا أحسن وضوءً، فإن رأيت أن تحكم بيننا .. فقال الرجل: أفعل إن شاء الله .. فتقدم الحسن فتوضأ وضوءً نبوياً كاملاً، ثم تقدم الحسين فتوضأ أيضاً وضوءً نبوياً كاملاً، ثم التفتا إلى الرجل ينتظران منه الحكم، فوقع هذا العمل النبيل من الرجل موقعاً بليغاً، وقال لهما: بل أنا والله الذي لا يحسن الوضوء، وقد علمتماني أحسن تعليم، ونصحتماني أبلغ النصح ..
النصح في اللغة هي تخليص الشيء من الشوائب .. والنصيحة في الشرع كلمةٌ جامعة مرادفةٌ للدین، فإذا ضاعت النصيحة ضاع الدين .. والنصيحة هي إرادة الخير للغير .. والسعي في إصلاح حال المنصوح بالحكمة والموعظة الحسنة .. والنصيحة الشرعية نصحٌ مغلفٌ بالمودة، وإرشادٌ مضبوط بالحكمة، وتصحيحٌ وتقويمٌ بالتي هي أحسن .. ينبع من قلبٍ ملئ بحبِّ الخير للغير، ودافعه صدق الانتماء لهذا الدين ..
النصيحة تعني إيقاظ المنصوح من غفوته، وتنبيهه إلى مواضع زلَّته، وتحذيره من مغبة غفلته، وإرشاده إلى الصراط المستقيم الذي يُدرك به هدفُه وغايته .. والنصيحة مَعلمٌ بارزٌ من معالم الأخوة الإسلامية، وهي من كمال الإيمان، وتمام الإحسان، إذ لا يكمُل إيمانُ المسلمِ حتى يحبَّ لأخيه المسلمَ ما يحبُّ لنفسه، وحتى يكره لأخيه ما يكرهه لنفسه .. روى البخاري ومسلم عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: “بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ” .. والنصيحةُ من الأعمالِ الدالّة على صفاء السّريرة، وسلامة الصدر قال الفضيل رحمه الله: “ما أدرَك عندَنا من أدرَك بكثرةِ الصلاة والصيام، وإنما أدرَك بسخاءِ النفس وسلامةِ الصدر والنصح للأمّة، وأنصحُ الناس لك من خاف الله فيك” .. والنصيحة مسؤولية الجميع، والكلُّ فيها مُتساوون .. إنها واجبٌ ديني لازم، وأمرٌ إلهي عام، وشرعٌ مفروضٌ على كلِّ مسلمٍ ومسلمة، وهي واجبةٌ بالقدْر الذي يَعلمه المسلم من دينه، وبحسب امكانياته ومسؤوليته .. فعلى كلِّ مسلمٍ أن يسعى في نُصح إخوانه وأقرانه وأهل زمانه، فلنصيحة أثرٌ عظيم، ونفعٌ كبير؛ فهي تُساهِم في إصلاح ما فسد، وتُقِيمَ الحُجةَ على المعاند والمستبد، قال جريرٌ بن عبدالله رضي الله عنه: “بايَعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فاشتَرط عليَّ النصحَ لكلِّ مسلم” .. وفي صحيح مسلم : «الدين النصيحة» ..
فواجبٌ علينا أن نقدم النصيحة لكل من يحتاجها، ولكن بأسلوب حسنٍ مقبول، فنبدأ بالأهم ثم الأهم، ونتدرج حسب حال المنصوح .. وإذا أغنى التلميح فلا داعي للتصريح، ومِن الحكمة ألا تُشعر المنصوح بأنَّك تفرِضُ عليه أمرًا، بل عليك أن تعرض رأيك عليه عرضاً كأنك تخيره ..
فإن لانت لك القلوب وقبلت نصيحتك .. فاسجد لمولاكَ شكرًا، فهو الذي أعان ووفق .. وإن اصطدمت نصيحتكَ بقلبٍ تمكنت منه شبهةٌ فلا تيأسْ، وكرر النصيحة في وقت آخر، ونوع الأسلوب، فمفاتيح القلوب بيد علام الغيوب .. وإن رُدَّت نصِيحتك فلا تحزَن، فإنما أدَّيتها عبادةً لله، وليس عليك إلا البلاغ المبين، {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}..
ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان .. اللهم صل ..