{ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ }

مبارك العشوان 1
1442/02/21 - 2020/10/08 21:07PM

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. أَمَّا بَعْدُ:

فَيَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } الأحزاب 72

مَا أَعْظَمَ شَأْنَ الأَمَانَةِ؛ تُشْفِقُ مِنْ حَمْلِهَا هَذِهِ المَخْلُوقَاتُ العَظِيْمَةُ: السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالجِبَالِ، وَتَخَافُ أَلَّا تَقُومَ بِأَدَائِهِ.

الأمَانَةُ مِنْ أَعْظَمِ مَا أُمِرَ بِهِ الإِنْسَانُ، وَالخِيَانَةُ مِنْ أَعْظَمِ مَا نُهِيَ عَنْهُ: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلهَـا }النساء58 { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } الأنفال27

حِفْظُ الأمَانَةِ مِنْ أَعْظَمِ الأخْلَاقِ؛ وَأَجْمَلِ الأوْصَافِ؛ قَالَ تَعَالَى عَنْ أَعْظَمِ المَلَائِكَةِ وَأَشْرَفِهِمْ: { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ  } الشعراء 193  وَقَالَ: { مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } التكوير 21

وَلُقِّبَ أَعْظَمُ الرُّسُلِ وَأَشْرَفُهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالصَّادِقِ الأَمِينِ، وَكَانَ يَقُولُ: ( أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ...) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

وَقَالَ نُوحٌ عَلَيهِ السَّلَامُ لِقَومِهِ: { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } وَقَالَ هُودٌ عَلَيهِ السَّلَامُ: { وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ }{ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } وَقَالَهَا صَالِحٌ وَشُعَيْبٌ ولُوطٌ، وَقَالَهَا مُوسَى وَوُصِفَ بِالقَوِّيِّ الأمِينِ، وَقَالَ الْمَلِكُ لِيُوسُفَ: { إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ } صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ.

وَهَكَذَا - عِبَادَ اللهِ - وَصَفَ اللهُ بِالأَمَانَةِ عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ؛ أَهْلِ الفَوزِ وَالفَلَاحِ، وَوَعَدَهُمْ الفِرْدَوسَ: { وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُون، َالَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } المؤمنون 8 ــ 11

وَإِذَا كَانَتِ الأَمَانَةُ مِنْ صِفَاتِ المُؤْمِنِينَ أَهْلِ الفِرْدَوسِ؛ فَإِنَّ الخِيَانَةَ مِنْ صِفَاتِ المُنَافِقِينَ، أَهْلِ الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ؛ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

الخِيَانَةُ خُلُقٌ ذَمِيْمٌ؛ حَذَّرَ اللهُ تَعَالَى مِنْهُ، وَبَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا أَنَّهُ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ، وَلَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ.

عِبَادَ اللهِ: وَإِذَا ضُيِّعَتِ الأمَانَةُ وَحَلَّتْ مَحَلَّهَا الخِيَانَةُ؛ كَانَ ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى فَسَادِ النَّاسِ، وَهُوَ عَلَامَةٌ عَلَى قُرْبِ السَّاعَةِ لِأَنَّهَا تَقُومُ عَلَى شِرَارِ الخَلْقِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ: ( إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ، فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ، فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ. ) وَفِي البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَبْضِ الأَمَانَةِ...وَفِي الحَدِيثِ: ( فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، فَلاَ يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأَمَانَةَ، فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فُلاَنٍ رَجُلاً أَمِينًا، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ وَمَا أَظْرَفَهُ وَمَا أَجْلَدَهُ، وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ... ) الخ

أَلَا فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَارْعَوا مَا حَمَلْتُمْ مِنَ الأَمَانَةِ وَأَدُّوَهَا كَمَا أُمِرْتُم، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُوقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّكُمْ، وَمَجْزِيُّونَ بِأَعْمَالِكُمْ.

ثُمَّ اعْلَمُوا - وَفَّقَكُمُ اللهُ أَنَّ الأَمَانَةُ تَشْمَلُ جَمِيْعَ مَعَانِي الأَمَانَاتِ فِي الدِّينِ، وَأَمَانَاتِ النَّاسِ كَمَا قَالَ إِمَامُ المُفَسِّرِينَ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ، وَقال القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَالْأَمَانَةُ تَعُمُّ جَمِيعَ وَظَائِفِ الدِّينِ، وَقَالَ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: فَجَمِيْعُ مَا أَوْجَبَهُ اللهُ عَلَى عَبْدِهِ أَمَانَةٌ، عَلَى العَبْدِ حِفْظُهَا بِالقِيَامِ التَّامِّ بِهَا، وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَمَانَاتُ الآدَمِيِّيِّنَ، كَأمَانَاتِ الأمْوَالِ وَالأَسْرَارِ وَنَحْوِهِمَا، فَعَلَى العَبْدِ مُرَاعَاةُ الأمْرَينِ، وَأَدَاءُ الأمَانَتَينِ.   

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيْهِ مِنَ الْآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيْمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

 الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأَمَانَاتِ وَأَوْجَبِهَا وَأَوْلَاهَا بِالرِّعَايَةِ: نَفْسُ الإِنْسَانِ: سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَقَلْبُهُ وَجَمِيعُ جَوَارِحِهِ، وَكَذَا أَهْلُهُ وَأَوْلَادُهُ وَمَنْ تَحْتَ رِعَايَتِهِ؛ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ، وَاللهُ تَعَالَى سِائِلُهُ يَومَ القِيَامَةِ عَنْهُمْ.{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } التحريم 6

لِيُحْسِنْ تَرْبِيَتَهُمْ، وَلْيَحْرِصْ عَلَى الحَلَالِ فِيْمَا يُطْعِمُهُمْ وَلْيَعْدِلْ فِي العَطَايَا بَيْنَ أَوْلَادِهِ.

وَمِنْ أَعْظَمِ الأمَانَاتِ وَأَوْلَاهَا بِالحِفْظِ: مَقَاصِدُ الإِنْسَانِ وَنِيَّاتُهُ بِأَنْ يُخْلِصَ لِلَّهِ تَعَالَى أَقْوَالَهُ وَأَفْعَالَهُ؛ فَيَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ، وَيَلْتَمِسُ رِضَاهُ، وَلَا يَلْتَفِتُ فِيْهَا لِأَحَدٍ سِوَاهُ.

فَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ؛ وَلَا يَقْبَلُ اللهُ مِنَ العَمَلِ إِلَّا الخَالِصَ لِوَجْهِهِ، المُوَافِقَ لِشَرْعِهِ.

وَعِبَادَةُ الإِنْسَانِ لِرَبِّهِ تَعَالَى أَمَانَةٌ؛ طَهَارَتُهُ وَصَلَاتُهُ بِشُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا وَوَاجِبَاتِهَا وَخُشُوعِهَا أَمَانَةٌ.

وَالزَّكَاةُ أَمَانَةٌ؛ يُؤَدِّيْهَا فِي وَقْتِهَا، وَيُوصِلُهَا لِمُسْتَحِقِّهَا. وَالصَّومُ وَالحَجُّ وَغَيْرُهَا مِنَ العِبَادَاتِ؛ أَمَانَاتٌ يَجِبُ عَلَى العَبْدِ حِفْظُهَا وَرِعَايَتُهَا.

وَمِنَ الأَمَانَاتِ: حُقُوقُ النَّاسِ؛ سَوَاءً كَانَتْ مَالِيَّةً مِنْ بِيْعٍ وَشِرَاءٍ وَقَرْضٍ وَدَينٍ وَإِيْجَارٍ وَنَحْوِهَا، أَوْ كَانَتْ وَظَائِفَ حُكُومِيَّةٍ أَوْ خَاصَّةٍ، أَوْ كَانَتْ الحُقُوقُ غَيْرَ مَالِيَّةٍ؛ كَحَقِّ الجَارِ، وَكَحِفْظِ السِّرِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَمِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ: ( إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأَمَانَةِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي لَفْظٍ: ( إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ... ) أَعَاذَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المرفقات

إِنَّا-عَرَضْنَا-الْأَمَانَةَ-عَلَى

إِنَّا-عَرَضْنَا-الْأَمَانَةَ-عَلَى

المشاهدات 2694 | التعليقات 0