إنا أعطيناك االكوثر

د. محمود بن أحمد الدوسري
1438/08/06 - 2017/05/02 08:22AM
إنا أعطيناك الكوثر
د. محمود بن أحمد الدوسري
11/6/1435هـ
الحمد لله ...
أيها المسلمون .. سورةٌ في القرآن الكريم, قليلة آياتها, قليلة عدد كلماتها, ولكنها عظيمة في عطائها, عظيمة في دلالاتها, إنها سورة الكوثر, قال تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: ١], فمَن المعطي؟ إنه الله تعالى المُتحدِّث عن نفسه الشريفة بصيغة الكبرياء "إنَّا" وبنون العظمة, وهو سبحانه المتفرد بالكبرياء, والمُتحدث عن نفسه الشريفة بصيغة العظمة "أعطيناك" فالنون للعظمة, وهو سبحانه المتفرد بالعظمة, فكيف يكون عطاء صاحب الكبرياء والعظمة؟ لا بد أنه عطاء يتناسب مع كبريائه وعظمته, نعم هذا العطاء هو نهر الكوثر في الجنة, ويا تُرى لِمَنْ أعطاه؟ لا بد أن صاحب المنحة العظيمة له منزلة عند رب العزة, نعم, إنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, والمشار إليه بكاف الخطاب "أعطيناك" وهذا العطاء دليل على عظمة منزلة محمد صلى الله عليه وسلم عند ربه.
فمن عظمة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه تعالى:
* أنه صاحب نهر الكوثر:
فمن عظيم تكريم الله تعالى لنبيِّه الكريم أَنْ أعطاه نهر الكوثر في الجنة خالصاً له لا يُشاركه في هذه المزية غيره من الأنبياء والمرسلين, وفي هذه المِنَّة يقول سبحانه تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: ١].
قال الطبري - رحمه الله - عن الكوثر: (هو اسم النَّهر الذي أُعطِيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الجنة, وصَفَه اللهُ بالكثرة؛ لِعِظَمِ قَدْرِه). تفسير الطبري, (30/323).
فالله تعالى امتنَّ على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بأن أعطاه الكوثر, مؤكِّداً ومُصدِّراً ذلك بلفظ {إِنَّا} ومُشْعِراً بالخصوصية: بلفظ: {أَعْطَيْنَاكَ} دون غيرك من الأنبياء والمرسلين.
وقال ابن حجر - رحمه الله: (فالمُختصُّ بنبيِّنا صلى الله عليه وسلم الكوثر, الذي يُصَبُّ من مائة في حَوضِه, فإنه لم يُنقل نظيرُه لغيرِه, ووقع الامتنانُ عليه به في السورة). فتح الباري, (11/467).
* ومن الأوصاف العظيمة لنهر الكوثر:
1- جمالُه ورائحتُه الذَّكية:
عن أَنَسِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه؛ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ, إِذَا أَنَا بِنَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ الدُّرِّ الْمُجَوَّفِ [قِباب: جمع قُبَّة من البناء, ويُجمع على قبب, والدُّر: جمع درة وهي اللؤلؤ, والمجوف: الخاوي. والمعنى: أنَّ حافَّتي نهر الكوثر هي قباب اللؤلؤ المُجوَّف من حُسن جماله].
قُلْتُ: مَا هذا يَا جِبْرِيلُ؟ قال: هَذَا الْكَوْثَرُ الذي أَعْطَاكَ رَبُّكَ, فَإِذا طِينُهُ أَوْ طِيبُهُ مِسْكٌ أَذْفَرُ [أي: مِسك ذكيُّ الرائحة] ) رواه البخاري, (5/2406), (ح6210).
2- آنيته كعدد النجوم:
سُئِلتْ عائشةُ رضي الله عنها عن قوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} فقالت: (نَهَرٌ أُعْطِيَهُ نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم, شَاطِئَاهُ عَلَيهِ دُرٌّ مُجَوَّفٌ, آنِيَتُهُ كَعَدَدِ النُّجُومِ) رواه البخاري, (4/1900), (ح4681).
3- بقية أوصافِه العظيمة:
عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (الْكَوْثَرُ: نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ, حَافَّتَاهُ مِنْ ذَهَبٍ, وَمَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ, تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ, وَمَاؤُهُ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ, وَأَبْيَضُ مِنَ الثَّلْجِ) صحيح - رواه الترمذي, (5/449), (ح3361).
إخوتي الكرام .. إن المتأمل في أوصاف الحوض والكوثر يجدها متطابقة تماماً, وربما ظنَّ البعض أنَّ الحوض هو الكوثر, وليس كذلك, إذ الحوض يكون قبل دخول الجنة؛ ولذا يُمنع عنه بعض المسلمين؛ بسبب تبديلهم وإحداثهم في الدِّين, وممَّا يدل عليه:
1- قولُه صلى الله عليه وسلم: (أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ [أي: مُتقدِّمكم عليه], وَلَيُرْفَعَنَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ ثُمَّ لَيُخْتَلَجُنَّ دُونِي [أي: لَيُجْتَذَبون ويُقْطَعون عني], فَأَقُولُ يا رَبِّ أَصْحَابِي, فَيُقَالُ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِي ما أَحْدَثُوا بَعْدَكَ) رواه البخاري, (5/2404), (ح6205).
2- وقولُه صلى الله عليه وسلم: (أنا فَرَطُهُمْ على الْحَوْضِ, أَلاَ لَيُذَادَنَّ [الذَّود: هو الطرد] رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ, أُنَادِيهِمْ: أَلاَ هَلُمَّ! [أي: تعالوا] فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ, فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا [أي: بُعداً بُعداً لهم] ) رواه مسلم, (1/218), (ح249).
قال القاضي عياض - رحمه الله: (هذا دليلٌ لصحة تأويل مَنْ تأوَّل أنهم أهل الردة؛ ولهذا قال فيهم: "سُحْقًا سُحْقًا" , ولا يقول ذلك في مذنبي الأمة, بل يشفع لهم, ويَهتَمُّ لأمرهم. وقيل: هؤلاء صنفان؛ أحدهما: عصاة مرتدون عن الاستقامة, لا عن الإسلام, وهؤلاء مُبدِّلون للأعمال الصالحة بالسيئة. والثاني: مُرتدُّون إلى الكفر حقيقة ناكصون على أعقابهم). شرح النووي على مسلم, (15/64).
وقال ابن حجر - رحمه الله - مُوضِّحاً بأنَّ ماء الحوض مصدره الكوثر: (قول الله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} أشار إلى أنَّ المراد بالكوثر النهر الذي يَصُبُّ في الحوض, فهو مادة الحوض). فتح الباري, (11/467).
ودلَّت الأحاديث المُتقدِّمة على أنَّ الكوثر يكون في الجنة, كما دل عليه:
1- قوله صلى الله عليه وسلم: (بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ...).
2- وقولِه: (الْكَوْثَرُ: نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ...).
ومن عظمة منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه سبحانه:
* أنه صاحب الوسيلة والفضيلة:
تفضَّل الله تعالى على نبيِّه الكريم, وأعطاه الوسيلةَ والفضيلة, وهي أعلى منزلة في الجنة لا يُشاركه فيها أحد من الخلق, ومن الأحاديث الواردة في ذلك:
1- عن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ رضي الله عنهما؛ أَنَّهُ سَمِعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: (سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ؛ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ في الْجَنَّةِ, لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ, وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أنَا هُوَ). رواه مسلم, (1/288), (ح384).
2- وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ! وما الْوَسِيلَةُ؟ قال: (أَعْلَى دَرَجَةٍ في الْجَنَّةِ, لاَ يَنَالُهَا إِلاَّ رَجُلٌ وَاحِدٌ, أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ) صحيح - رواه الترمذي, (4/586), (ح3612).
3- وعن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هذه الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ, وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ, آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ, وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الذي وَعَدْتَهُ, حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري, (1/222), (ح589).
فالوسيلة: هي القُربة والمَنْزِلة عند الله عز وجل, يقال: توسَّلتُ: أي: تقربتُ, وتُطلق على المَنْزِلة العَلِيَّة, والواصلُ إلى تلك المنزلة قريبٌ من الله تعالى, فيكون النبي صلى الله عليه وسلم بإعطائه منزلة الوسيلة أقرب الخلق إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأنه أحب الخلق إليه, وأعظمهم منزلة عنده, وأشدهم له خشية. انظر: كشف المشكل, (4/125)؛ فتح الباري, (2/95).
قال ابن رجب - رحمه الله: (وأما " الْفَضِيلَةَ " فالمراد - والله اعلم: إظهار فضيلتِه صلى الله عليه وسلم على الخلق أجمعين يوم القيامة وبعده، وإشهادُ تفضيلِه عليهم في ذلك الموقف؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يومَ الْقِيَامَةِ"). فتح الباري في شرح صحيح البخاري, لابن رجب (3/468).
والمقام المحمود: هو الذي يُحْمَدُ القائمُ فيه, وهو مطلقٌ في كلِّ ما يَجلب الحمدَ من أنواع الكرامات. انظر: فتح الباري, (2/95).
اللهم بارك لنا في الكتاب والسنة, وانفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة, أقول ما تسمعون, وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه غفور رحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله ...
أيها الأحبة .. ومن مقتضيات عظمة منزلة النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة:
1- تدل هذه الفضائل والخصائص التي اختُصَّ بها النبي صلى الله عليه وسلم من بين سائر الأنبياء والمرسلين على عظيم منزلته ومكانته عند ربه سبحانه, وكذا ما اختُصَّت بها أُمَّتُه من بين الأمم, هو مَحْضُ رحمة الله وفضله الذي يؤتيه مَنْ يشاء؛ مصداقاً لقوله تعالى: {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: ١١٣].
2- دلَّ قبول الله تعالى للشفاعات المتنوعة من النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء على عظيم رحمته بعباده, وفي فَتْحِ الله تعالى لباب الشفاعات مظهرٌ من مظاهر تكريمِه لأنبيائه, ورفعِ درجاتهم, وبيانِ فضلهم, وكذلك رحمتُه بعباده المؤمنين, وهو ما يدعو المسلم إلى طلب الخير لإخوانه المسلمين ومساعدتهم وإبعاد الأذى عنهم؛ مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا, وَيَقْضِي اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم مَا شَاءَ) رواه البخاري, (2/520), (ح1365). وفي رواية: (اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا, وَلْيَقْضِ اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ما أَحَبَّ) رواه مسلم, (4/2026), (ح6858).
3- بما أنَّ الله تعالى فضَّل نبيَّه الكريم صلى الله عليه وسلم على الأولين والآخرين, وكرَّمه في منازل الآخرة, وجعله سيِّد ولد آدم, فذلك يدعو المسلمين جميعاً إلى اتِّباع سنَّته, ومحبته, وتوقيره, وتعظيمه, والاقتداء به في كلِّ شئونهم؛ لينالوا رضا الله تعالى ومحبَّته؛ مصداقاً لقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: ٣١].
4- في انفراد النبي صلى الله عليه وسلم وأمته بالشهادة للأنبياء والمرسلين دلالةٌ عظيمة على عدة أمور, منها:
أ- عِظَمُ منزلته صلى الله عليه وسلم عند ربِّه, وكذلك عِظَمُ منزلة أمته بين الأمم.
ب- أنَّ المختص بالشهادة على الناس يوم القيامة هو المُؤهَّل لقيادة البشرية في الدنيا, ويعني هذا:
* كمال الرسالة المحمدية وتمامها.
* أنها الرسالة الوحيدة لإسعاد البشر.
* الثقة المطلقة بالرسالة المحمدية؛ بسبب كمالها, وحفظها, وعالميتها, ويُسرها, ممَّا يُحفِّز إلى العمل الجاد دون تردد. انظر: خصائص النبي محمد صلى الله عليه وسلم التي انفرد بها عن سائر الأنبياء, خالد عوفان الخطيب (ص 142).
ج- تميُّز الأمة المحمدية على سائر الأمم؛ في جميع الجوانب, العقدية, والعبادية, والأخلاقية, وغيرها؛ مصداقاً لقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: ١١٠], وهو ما يدعو كلَّ مسلم ومسلمة إلى استشعار المسؤولية الملقاة على عاتقهم في تبليغ هذا الدِّين, وإيصاله للناس أجمعين.
د- إظهار عدل الله تعالى المطلق يوم القيامة؛ وذلك لمَّا أنكر الكفارُ واتَّهموا أنبياءَهم - زوراً وبهتاناً - أنهم لم يبلِّغوهم رسالةَ ربِّهم! عندها يشهد النبي صلى الله عليه وسلم, وتشهد أُمَّته مِنْ بعده بأنَّ الرسل أدوا الأمانة, وبلغوا الرسالة, وهذا ما يدعو المسلمين إلى العدل دائماً, وعدم الميل في كلِّ شؤونهم.
5- الحكمة من تدرُّج الناس في سؤال الشفاعة من آدم - عليه السلام - ومَنْ بعده من الأنبياء - عليهم السلام - حتى وصل السؤال إلى نبيِّنا الكريم محمدٍ صلى الله عليه وسلم؛ إظهاراً لفضيلته على جميع الأنبياء والمرسلين.
قال النووي - رحمه الله: (والحكمةُ في أنَّ الله تعالى ألهَمَهُم سؤالَ آدمَ ومَنْ بعده - صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهم - في الابتداء, ولم يُلهَمُوا سؤالَ نبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم هي: والله أعلم - إظهارُ فضيلةِ نبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم لو سألوه ابتداءً, لكان يحتمل أنَّ غيرَه يقدر على هذا ويُحصِّله, وأمَّا إذا سألوا غيرَه من رسل الله تعالى وأصفيائه فامتنعوا, ثم سألوه فأجابَ وحصلَ غرضُهم, فهو النهاية في ارتفاعِ المَنزِلة, وكمالِ القُرْبِ, وعظيمِ الإدلال والأُنس, وفيه تفضيلُه صلى الله عليه وسلم على جميع المخلوقين؛ من الرُّسل والآدميين والملائكة؛ فإنَّ هذا الأَمر العظيمَ - وهي الشفاعة العظمى - لا يقدر على الإقدام عليه غيرُه صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين). شرح النووي على صحيح مسلم, (3/56).
6- هذه المنزلة العظيمة لنبيِّنا الكريم, ولأمته من بين سائر الأمم تدفع إلى التَّطلُّع لليوم الآخِر وما فيه من نعيم عظيم, لا ينقطع أبداً؛ ولا يُنال ذلك إلاَّ برحمة الله تعالى أولاً, ثم باتِّباع هدي سيِّد المرسلين.
7- هذه المنزلة التي نالها النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة, وتلك المكانة التي بلَّغه الله إياها, ثمَّ أشرك أُمَّته في جزء منها, ومنَحَها منزلة ًسامية على الأمم قاطبة, تكريماً لنبيِّه وتعظيماً لشأنه, تقتضي من أمته أموراً عدة:
أ- نشر الخير الذي أتى به نبيُّنا العظيم صلى الله عليه وسلم والقيام بواجب الدعوة, مستخدمين كلَّ الوسائل والإمكانات, حاشدين كل الطاقات من أجل توسيع دائرة الخير المحمدي في الدنيا بأسرها.
ب- بيان أوجه العظمة التي خُصَّ بها نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم وإظهار صورته الحقيقية للعالم, حتى تتوقَّف تلك الهجمات الشرسة وهذا الافتراءات القذرة التي سرها.
يقوم بها ويتبنَّاها غوغاؤو البشر وساقطوهم وحثالتهم, ولا بد من أنْ نتَّهم - نحن المسلمين - أنفسنا؛ إذ بتقصيرنا في حقِّ نبيِّنا وفي دعوتنا كان هذا التَّعدي وهذا الافتراء.
ج- تحويل المنهج النبوي الشامل والمتكامل الذي جمع كلَّ مناحي الحياة في شمولٍ مبهر؛ تحويله إلى واقع عملي مُعاش في حياتنا: في المسجد, والمنزل, والجامعة, والشارع, والمصنع, والمستشفى, وفي كلِّ مجالات الحياة, بحيث نقضي على هذه المفارقة الغريبة بين المنهج العظيم الرائع الذي نمتلكه ونؤمن به, وبين واقعنا البائس المتردِّي الذي تراجَعْنا فيه إلى ذيل الأمم, وهذه مسؤوليةٌ جسيمة لا بد من القيام بها, قربةً إلى ربِّنا, وحبًّا لنبيِّنا, ووفاءً بفضله علينا.
الدعاء ..
المرفقات

إنا أعطيناك الكوثر.doc

إنا أعطيناك الكوثر.doc

المشاهدات 772 | التعليقات 0