إمام المسجد الكبير بعاصمة وسط إفريقيا بانجي في ضيافة الألوكة
احمد ابوبكر
1435/04/17 - 2014/02/17 08:43AM
أهم تصريحات الشيخ خلال الحوار:
♦ مسلمو إفريقيا الوسطى وقعوا بين مِطرَقة المنظَّمات التنصيرية وسِندان الفِرق الضالَّة.
♦ الحِقبة الاستعمارية كرَّست تهميشهم، ومحاولات مكثَّفة لإضعاف دورهم الاقتصادي.
♦ تيارات داخل السلطة تحاوِل إشعال "إسلامو فوبيا" في أوساط الأغلبية، ونسعى بقوة لإفشال مساعيهم.
♦ نقْص الدُّعاة، والأمية الدينية، والتعصب للعادات القديمة - أبرز العراقيل أمام الجهود لتنمية الوعي الديني.
♦ تَحالُف مشبوه بين البهائيين والماسونيِّين لتجريف هُويتنا، والشريعة الإسلامية مرجعيتنا في قضايا الأحوال الشخصية.
♦ اهتمام العالم العربي لا يتناسَب مع التحديات التي تواجِهنا، ونقْص الإمكانات يُهدِّد بفشل مهمة مُبتعثينا في الجامعات الإسلامية.
نص الحوار:
أكَّد الشيخ إبراهيم عثمان محمد - عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وإمام المسجد الكبير بعاصمة وسط إفريقيا ببانجي - أن مسلمي البلاد يعيشون أوضاعًا جيدة، ويتمتَّعون بحرية كبيرة في ممارسة شعائرهم، ولا تفرِض الدولة أيَّة قيود على مؤسساتهم، وتَحكُمهم علاقات طيبة مع باقي الطوائف، سواء الكاثوليك أو البروتستانت.
ولفَت خلال حواره مع "الألوكة" لنجاح المسلمين في الاندِماج في المجتمع بشكل جيد، ولعب دور اقتصادي وتجاري متميز، رغم معاناة أغلبيتهم من أوضاع اقتصادية معقَّدة، شأنهم شأن أغلبية الشعب في إفريقيا الوسطى، فضلاً عن انتشار الفقر والحِرمان والجهل في أوساطهم، والتعصب للعادات القديمة.
وعزا الشيخ عثمان تَضاؤل الدور السياسي للمسلمين في إفريقيا الوسطى لأسباب عديدة، تتعلَّق بالدور السلبي للحِقبة الاستعمارية في تهميش دورهم في المجتمع لصالح النصارى، وعدم وجود كوادر مؤهَّلة للعب دور سياسي، ومع هذا فقد شغَل العديد من المسلمين مناصبَ وزارية، ووصَل العشرات منهم للبرلمان، مُعرِبًا عن أمله أن تتحسَّن أوضاعهم، ويلعبوا دورًا أفضل في المستقبل القريب.
وأوضَح أن النقص الحاد في أعداد الدعاة، وافتِقار عدد كبير من المساجد للأئمة والخطباء - يتصدَّر العقبات التي تقف أمام مسيرة الدعوة، لافتًا لتصاعُد المخاطر الشديدة على هُوية المسلمين؛ نتيجة التنامي الملحوظ لنفوذ البهائيين والماسونيين، وسعيهم المستمر لاختراق المجتمع المسلم عبر نشْر الأفكار الهدامة والرؤى المخرِّبة.
وفي السطور القادمة التفاصيل الكاملة للحوار مع إمام المسجد المركزي في العاصمة بانجي.
في البداية نرجو أن توضِّح لنا سُبُل تعرُّف شعب وسط إفريقيا على الإسلام، والمحاور التي سلكتْها مسيرةُ الدعوة؟
الشيخ إبراهيم عثمان: تقع بلادنا - كما هو مُطابِق لاسمها - في وسط القارة السمراء، ويَحُدها من الشمال والشمال الغربي تشاد، ومن الشرق السودان، ومن الجنوب الكونغو الديمقراطية (زائير) والكونغوبرزافيل، فيما تَحُدها الكاميرون شمالاً، وحباها الله بثروات معدنية، مِثل الذهب والألماس، وقد وصَل الدين الحنيف للبلاد عبر عديد من الممالك الإسلامية المجاورة لها، مِثل مملكة "كاتم" في شمال شرقي بحيرة تشاد، ومملكة "باجرمي" منطقة نهر شاري، وقامت جهود هذه الممالك في توصيل الدعوة الإسلامية إلى إفريقيا الوسطى، وخضعت الأجزاء الشمالية من البلاد لهذه الممالك، وسبَق الإسلام وصول النصرانية للبلاد بمدة طويلة، إلا أن أوضاعًا بعينها حوَّلت النصارى لأغلبية بين سكان البلاد البالغين 4 ملايين، 25% منهم مسلمون يَنتشرون في المدن الرئيسية، مِثل: العاصمة بانجي، ومدينة بربرتي، وغيرها من المدن.
تتحدَّث وكأن دول الجوار هي الرافد الوحيد لوصول الإسلام لبلادكم؟
الشيخ إبراهيم عثمان: لم تكن الممالك المجاورة لإفريقيا الوسطى هي الرافد الوحيد للدعوة الإسلامية، بل لعِب المحور السوداني دورًا مهمًّا في هذا السياق، لا سيَّما من كردفان ودارفور؛ حيث انتشَر الإسلام في المناطق المجاورة لحدود السودان، وأثَّر في القسم الشرقي من البلاد، وحقَّق قفزة نوعيَّة في فترة ليست بالطويلة، وانتشَر في صفوف قبائل اللامدا والزاندي والجماعات السودانية التي تعيش في شرقي بلادنا.
فقر وجهل:
ما طبيعة الأوضاع التي تعيش فيها الأقلية المسلمة في إفريقيا الوسطى، وأهم التحديات التي تواجِههم؟
الشيخ إبراهيم عثمان: يعيش مسلمو وسط إفريقيا في أوضاع جيدة، ويتمتَّعون بحرية في ممارسة شعائرهم، ولا تفرِض الدولة أيَّة قيود على مؤسساتهم، ويَرتبِطون بعلاقات طيبة مع باقي الطوائف، سواء الكاثوليك والبروتستانت الذين يُمثِّلون الأغلبية، ورغم كون المسلمين أقلية، إلا أنهم مُندمِجون بقوة في المجتمتع، ويلعبون دورًا اقتصاديًّا وتجاريًّا، لا سيما في قطاع المعادن النفيسة، الذي يُسيطر عليه ما يقرب من 7 آلاف لبناني، ومعهم أعداد كبيرة من مسلمي البلاد المُسيطرين على محلات بيعها، وفي المقابل تُعاني الأغلبية المسلمة أوضاعًا اقتصاديَّة معقَّدة، شأنهم شأن أغلب مواطني إفريقيا الوسطى، فضلاً عن انتشار الفقر والحرمان والجهل في أوساطهم، والتعصب للعادات القديمة، وعدم قَبُول أي تغييرات، سواء أكانت اجتماعية أم دينية.
لكن هناك تقارير تشير إلى وضْع جهات حكومية قيودًا أمام تَمدُّد نفوذ المسلمين الاقتصادي في البلاد؟
الشيخ إبراهيم عثمان: للأسف هناك تيارات داخل الحكم في وسط إفريقيا تُحاوِل التصدي للدور الاقتصادي للمسلمين؛ عبر وضْع قيود أمام التحركات المالية للمسلمين، وإلزامهم بتسجيل أنشطتهم ضمن إطار الشركات التي تقع تحت سيطرة الحكومة الكاملة، وهو أمر قد يعقِّد من التمدُّد الاقتصادي للمسلمين في المجتمع، فضلاً عن وجود بعض التيارات التي تنـظُر للمسلمين في البلاد باعتبارهم خطرًا شديدًا على الأغلبية النصرانية التي تتصاعَد في أوساطهم نعرات التعصُّب، وهو ما تُحاوِل الحكومة في بانجي التصدي للحفاظ على أمن واستِقرار البلاد.
نقص كوادر:
إذا كنتم تلعبون دورًا اقتصاديًّا متميِّزًا، فبمَ تُفسِّر تضاؤل الدور السياسي للمسلمين في وسط إفريقيا، رغم أنهم يشكِّلون ما يقرُب من ربع سكان البلاد؟
الشيخ إبراهيم عثمان: رغم أن المسلمين لا يواجِهون اضطهادًا سياسيًّا أو عنصريًّا أو دينيًّا، ولكنهم لا يلعبون الدور السياسي المنوط بهم، أو وَفْقًا لنِسبَتهم لعدد السكان، وهو ما يعود لأسباب عديدة تتعلَّق بالدور السلبي للحِقبة الاستعمارية في تهميش دورهم في المجتمع لصالح النصارى، وعدم وجود كوادر مؤهَّلة علميًّا أو سياسيًّا، ومع هذا فقد شغَل العديد من رموزهم مناصبَ وزارية رفيعة، ووزراء دولة في عديد من القطاعات، ويَشغَل حوالي 5 مسلمين مناصب وزارية، ووصَل العشرات منهم للبرلمان، ونأمل في المرحلة القادمة ومع زيادة الاهتمام بالتعليم في أوساطهم - أن تتحسَّن أوضاعهم ويتمكَّنوا من لعب دور سياسي يُسهِم في رفع ترقية وزنهم على جميع الأصعدة.
تثور بين الحين والآخر محاولات لفرض بروتكول السيداو على الأقليات المسلِمة في البلدان الإفريقيَّة، فهل ينسحِب الأمر على مسلمي إفريقيا الوسطى؟
الشيخ إبراهيم عثمان: من المطمئن أن مجال الأحوال الشخصية للمسلمين في بلادنا مستمَدٌّ من الشريعة الإسلامية، ولم يسمَح المسلمون لأحد بالتدخل في شؤونهم؛ حيث يُدير مجلس القضاء الأعلى القضايا الخاصة بالزواج والطلاق والمواريث وغيرها، بالتعاون مع علماء مجلس الإفتاء، وأعتقِد أن عدم تدخُّل حكومة بانجي في مجال الأحوال الشخصية الخاصة بالمسلمين يُعَد من الأمور الإيجابية التي تؤمِّن استمرار العلاقات الودية بينها وبين المسلمين.
إمكانيات محدودة:
إذا انتقلنا إلى المجال الدعوي، ما أهم المشكلات التي تواجِه المسلمين، وهل حـاوَلت المؤسـسات الإسـلامية والتصدي لها؟
الشيخ إبراهيم عثمان: لا شك أن النقص الحاد في أعداد الدُّعاة، وافتِقار أغلب المساجد للأئمة والخطباء - يُعَدان من أهم العقبات أمام مسيرة الدعوة، بشكل أدَّى لتراجُع الوعي الديني، فضلاً عن أن الإمكانيات الضئيلة جدًّا لمؤسسات الدعوة الإسلامية، وعدم قُدرتها على تسيير القوافل الدعوية للأماكن النائية التي يَقطُنها المسلمون - قد زاد من صعوبة الموقف، وكانت له تداعيات سلبيَّة على هُوية المسلمين، بالتزامُن مع تَنامٍ ملحوظ لنفوذ البهائيين والماسونيين، وسعيهم المستمر لاختِراق المجتمع المسلم؛ عبر نشْر الأفكار الهدَّامة والرؤى المخرِّبة، مُستغلِّين تراجُع الثقافة الإسلامية وانتِشار الأمية في أوساطهم؛ نتيجة لتخلُّف النظام التعليمي واقتِصاره على المرحلة الابتدائية.
منح وبعثات:
كيف تصدَّيتُم لمِثل هذه الصعوبات، وهل هناك دعم عربي وإسلامي يقدَّم لمسلمي وسط إفريقيا؛ لمواجهة المشاكل المُحدِقة بالمسلمين؟
الشيخ إبراهيم عثمان: هناك جهود تقوم بها عشرات من المنظمات الإسلامية، وعلى رأسها الحركة الإسلامية للشباب، والجمعية الإسلامية لإفريقيا الوسطى، وجمعية النشاط الإسلامي؛ لمواجهة كم المشاكل المُحدِقة بالمسلمين؛ عبر إرسال بعض المبعوثين للدراسة في بعض الجامعات الإسلامية في مصر والمملكة العربية السعودية وليبيا؛ حيث تتعاوَن المنظمات المحليَّة مع العديد من المؤسسات الإغاثية الإسلامية، ومن بينها الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ولجنة مسلمي إفريقيا - العون المباشر - الكويتية، ومؤسسة راشد الإماراتية، وجمعية الدعوة الإسلامية العالمية في ليبيا، وبعض المؤسَّسات السودانيَّة، فضلاً عن الأزهر الشريف القائم برعاية معهد محمد نور الأزهري لإعداد الطلاب لاستِكمال دراساتهم في الجامعات الإسلامية الكبرى.
صعوبات:
في ظلِّ وجود عدد من مؤسسات التعليم الديني والعربي في إفريقيا الوسطى، هل أسهَمتْ في حَلِّ بعض المشكلات في أوساط المسلمين؟
الشيخ إبراهيم عثمان: هناك أكثر من 5 مدارس إسلامية في البلاد، أهمها على الإطلاق مدرسة صلاح الدين، والمدرسة العراقية، ومدرسة حي جونة، ومدرسة مسكين المُلحَقة بالمسجد المركزي بالعاصمة بانجي، وتقوم هذه المدارس بتدريس اللغة العربية والعلوم الإسلاميَّة، فضلاً عن تحفيـظ القرآن الكريم، وتوفِّر السَّكن والمبيت لطلابها، وأسهَمتْ وَفْق إمكانياتها في تأهيل عدد كبير من الدُّعاة، وإمدادهم بحد معقول من المعلومات التي تتيح العمل في المجال الدعوي، ومساعدتهم في الالتحاق بمراحل تعليمية متقدِّمة، بالإضافة للدور المهم لكتاتيب تحفيظ القرآن، أو ما يُطلَق عليه في العاصمة بانجي: "الجوني الصوير"، وهي تجرِبة أسهَمت في إقبال المواطنين على حفظ القرآن وبأعداد كبيرة، لا سيَّما في صفوف الأطفال والشباب، رغم أن الإقبال لم يكن كبيرًا على الكتاتيب في السنوات الأولى للتجرِبة.
منح وتردُّد:
ولكن هل تكفي المِنح المقدَّمة من بعض الجامعات الإسلامية لأداء الدور الدعوي المنوط؟
الشيخ إبراهيم عثمان: رغم أن الأزهر يقدِّم عديدًا من المِنح سنويًّا للطلاب المسلمين من إفريقيا الوسطى، إلا أن التجرِبة تَشوبها نواحي قصور، أهمها أن الوضع المالي لشباب المبعوثين شديد القسوة، لا سيما أن المساعدات المقدَّمة لهم من قِبل الأزهر لا تتجاوز 20 دولارًا شهريًّا، وهو مبلغ لا يكفي أغلب الطلاب لاستِكمال دراستهم، ويُجبرهم في أغلب الأحيان للعودة إلى البلاد، أو التفكير في الهجرة إلى إسرائيل؛ مما يخلُق نوعًا من التردُّد لدى ذويهم في إرسالهم للدراسة في الجامعات الإسلامية بشكل عام.
من البديهي الإشارة إلى أن الأوضاع المعقَّدة التي يعيش فيها مسلمو إفريقيا الوسطى تُعطي فرصة كبيرة للمدِّ التنصيري للمُضي قُدمًا في مخطَّطه التخريبي؟
الشيخ إبراهيم عثمان: المنصِّرون موجودون في جميع المدن، ويَنشطون بشدة وبمختلَف ألوان طيفهم (كاثوليكي - بروتستانتي - إنجيلي)؛ سعيًا لتخريب عقيدة المسلمين، ويلعب الفاتيكان دورًا مهمًّا في تنشيط العمل التنصيري؛ عبر المدارس العديدة التي يمتلِكها في جميع أنحاء البلاد، فضلاً عن الخدمات الصحية المقدَّمة عبر المستشفيات والمستوصفات المملوكة له، وقد نجح المنصِّرون في ربط أنشطتهم بالتعليم، وساعَدوا النصارى بشدة على السيطرة على البلاد، والتحوُّل من أقليَّة في بداية القرن لأغلبيَّة تحكُم وتُهيمن، علاوة على التنامي الملحوظ لنفوذ البهائيين والماسونيين، وسعيهم المستمر لاختراق المجتمع المسلم؛ عبر نشْر الأفكار الهدامة، والرؤى المخرِّبة.
كيف - إذًا - يواجِه مسلمو إفريقيا الوسطى هذا المشهد القاتم؟
الشيخ إبراهيم عثمان: رغم قَتامة الصورة إلا أن النتائج التي حقَّقتها أكثر من 200 مؤسسة تنصيرية لم تكن مُجدِية، ولم تُفلِح في تخريب عقيدة المسلمين، أو إبعادهم عن دينهم؛ بفضل الاتصالات المستمرة مع العالَمَين العربي والإسلامي، ووصول دُعاة للإسلام من مصر والسودان للبلاد؛ ما كانت له آثار إيجابية على إفشال المُخطط المشبوه.
علاقات طيبة:
ما دُمتَ تتحدَّث عن الصِّلات مع العالَمَين العربي والإسلامي، فما واقِع العلاقات العربية مع إفريقيا الوسطى؟
الشيخ إبراهيم عثمان: هناك علاقات قوية تَربِط بين بلدان العالم الإسلامي وبين إفريقيا الوسطى، وهناك زيارات متتالية يقوم بها مسؤولون عرب للعاصمة بانجي، وفي مقدِّمتهم وزراء من ليبيا والسعودية وقطر؛ حيث تدعُم هذه الدول عديدًا من المشروعات التنموية والدعوية في البلاد، وفي نفس الإطار ترعى تركيا عددًا لا بأس به من مشروعات الخدمات الصحية والتعليمية؛ مما أسهَم في تحسُّن أوضاع البلاد ودفْع علاقاتها والعالم الإسلامي للأمام.
♦ مسلمو إفريقيا الوسطى وقعوا بين مِطرَقة المنظَّمات التنصيرية وسِندان الفِرق الضالَّة.
♦ الحِقبة الاستعمارية كرَّست تهميشهم، ومحاولات مكثَّفة لإضعاف دورهم الاقتصادي.
♦ تيارات داخل السلطة تحاوِل إشعال "إسلامو فوبيا" في أوساط الأغلبية، ونسعى بقوة لإفشال مساعيهم.
♦ نقْص الدُّعاة، والأمية الدينية، والتعصب للعادات القديمة - أبرز العراقيل أمام الجهود لتنمية الوعي الديني.
♦ تَحالُف مشبوه بين البهائيين والماسونيِّين لتجريف هُويتنا، والشريعة الإسلامية مرجعيتنا في قضايا الأحوال الشخصية.
♦ اهتمام العالم العربي لا يتناسَب مع التحديات التي تواجِهنا، ونقْص الإمكانات يُهدِّد بفشل مهمة مُبتعثينا في الجامعات الإسلامية.
نص الحوار:
أكَّد الشيخ إبراهيم عثمان محمد - عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وإمام المسجد الكبير بعاصمة وسط إفريقيا ببانجي - أن مسلمي البلاد يعيشون أوضاعًا جيدة، ويتمتَّعون بحرية كبيرة في ممارسة شعائرهم، ولا تفرِض الدولة أيَّة قيود على مؤسساتهم، وتَحكُمهم علاقات طيبة مع باقي الطوائف، سواء الكاثوليك أو البروتستانت.
ولفَت خلال حواره مع "الألوكة" لنجاح المسلمين في الاندِماج في المجتمع بشكل جيد، ولعب دور اقتصادي وتجاري متميز، رغم معاناة أغلبيتهم من أوضاع اقتصادية معقَّدة، شأنهم شأن أغلبية الشعب في إفريقيا الوسطى، فضلاً عن انتشار الفقر والحِرمان والجهل في أوساطهم، والتعصب للعادات القديمة.
وعزا الشيخ عثمان تَضاؤل الدور السياسي للمسلمين في إفريقيا الوسطى لأسباب عديدة، تتعلَّق بالدور السلبي للحِقبة الاستعمارية في تهميش دورهم في المجتمع لصالح النصارى، وعدم وجود كوادر مؤهَّلة للعب دور سياسي، ومع هذا فقد شغَل العديد من المسلمين مناصبَ وزارية، ووصَل العشرات منهم للبرلمان، مُعرِبًا عن أمله أن تتحسَّن أوضاعهم، ويلعبوا دورًا أفضل في المستقبل القريب.
وأوضَح أن النقص الحاد في أعداد الدعاة، وافتِقار عدد كبير من المساجد للأئمة والخطباء - يتصدَّر العقبات التي تقف أمام مسيرة الدعوة، لافتًا لتصاعُد المخاطر الشديدة على هُوية المسلمين؛ نتيجة التنامي الملحوظ لنفوذ البهائيين والماسونيين، وسعيهم المستمر لاختراق المجتمع المسلم عبر نشْر الأفكار الهدامة والرؤى المخرِّبة.
وفي السطور القادمة التفاصيل الكاملة للحوار مع إمام المسجد المركزي في العاصمة بانجي.
في البداية نرجو أن توضِّح لنا سُبُل تعرُّف شعب وسط إفريقيا على الإسلام، والمحاور التي سلكتْها مسيرةُ الدعوة؟
الشيخ إبراهيم عثمان: تقع بلادنا - كما هو مُطابِق لاسمها - في وسط القارة السمراء، ويَحُدها من الشمال والشمال الغربي تشاد، ومن الشرق السودان، ومن الجنوب الكونغو الديمقراطية (زائير) والكونغوبرزافيل، فيما تَحُدها الكاميرون شمالاً، وحباها الله بثروات معدنية، مِثل الذهب والألماس، وقد وصَل الدين الحنيف للبلاد عبر عديد من الممالك الإسلامية المجاورة لها، مِثل مملكة "كاتم" في شمال شرقي بحيرة تشاد، ومملكة "باجرمي" منطقة نهر شاري، وقامت جهود هذه الممالك في توصيل الدعوة الإسلامية إلى إفريقيا الوسطى، وخضعت الأجزاء الشمالية من البلاد لهذه الممالك، وسبَق الإسلام وصول النصرانية للبلاد بمدة طويلة، إلا أن أوضاعًا بعينها حوَّلت النصارى لأغلبية بين سكان البلاد البالغين 4 ملايين، 25% منهم مسلمون يَنتشرون في المدن الرئيسية، مِثل: العاصمة بانجي، ومدينة بربرتي، وغيرها من المدن.
تتحدَّث وكأن دول الجوار هي الرافد الوحيد لوصول الإسلام لبلادكم؟
الشيخ إبراهيم عثمان: لم تكن الممالك المجاورة لإفريقيا الوسطى هي الرافد الوحيد للدعوة الإسلامية، بل لعِب المحور السوداني دورًا مهمًّا في هذا السياق، لا سيَّما من كردفان ودارفور؛ حيث انتشَر الإسلام في المناطق المجاورة لحدود السودان، وأثَّر في القسم الشرقي من البلاد، وحقَّق قفزة نوعيَّة في فترة ليست بالطويلة، وانتشَر في صفوف قبائل اللامدا والزاندي والجماعات السودانية التي تعيش في شرقي بلادنا.
فقر وجهل:
ما طبيعة الأوضاع التي تعيش فيها الأقلية المسلمة في إفريقيا الوسطى، وأهم التحديات التي تواجِههم؟
الشيخ إبراهيم عثمان: يعيش مسلمو وسط إفريقيا في أوضاع جيدة، ويتمتَّعون بحرية في ممارسة شعائرهم، ولا تفرِض الدولة أيَّة قيود على مؤسساتهم، ويَرتبِطون بعلاقات طيبة مع باقي الطوائف، سواء الكاثوليك والبروتستانت الذين يُمثِّلون الأغلبية، ورغم كون المسلمين أقلية، إلا أنهم مُندمِجون بقوة في المجتمتع، ويلعبون دورًا اقتصاديًّا وتجاريًّا، لا سيما في قطاع المعادن النفيسة، الذي يُسيطر عليه ما يقرب من 7 آلاف لبناني، ومعهم أعداد كبيرة من مسلمي البلاد المُسيطرين على محلات بيعها، وفي المقابل تُعاني الأغلبية المسلمة أوضاعًا اقتصاديَّة معقَّدة، شأنهم شأن أغلب مواطني إفريقيا الوسطى، فضلاً عن انتشار الفقر والحرمان والجهل في أوساطهم، والتعصب للعادات القديمة، وعدم قَبُول أي تغييرات، سواء أكانت اجتماعية أم دينية.
لكن هناك تقارير تشير إلى وضْع جهات حكومية قيودًا أمام تَمدُّد نفوذ المسلمين الاقتصادي في البلاد؟
الشيخ إبراهيم عثمان: للأسف هناك تيارات داخل الحكم في وسط إفريقيا تُحاوِل التصدي للدور الاقتصادي للمسلمين؛ عبر وضْع قيود أمام التحركات المالية للمسلمين، وإلزامهم بتسجيل أنشطتهم ضمن إطار الشركات التي تقع تحت سيطرة الحكومة الكاملة، وهو أمر قد يعقِّد من التمدُّد الاقتصادي للمسلمين في المجتمع، فضلاً عن وجود بعض التيارات التي تنـظُر للمسلمين في البلاد باعتبارهم خطرًا شديدًا على الأغلبية النصرانية التي تتصاعَد في أوساطهم نعرات التعصُّب، وهو ما تُحاوِل الحكومة في بانجي التصدي للحفاظ على أمن واستِقرار البلاد.
نقص كوادر:
إذا كنتم تلعبون دورًا اقتصاديًّا متميِّزًا، فبمَ تُفسِّر تضاؤل الدور السياسي للمسلمين في وسط إفريقيا، رغم أنهم يشكِّلون ما يقرُب من ربع سكان البلاد؟
الشيخ إبراهيم عثمان: رغم أن المسلمين لا يواجِهون اضطهادًا سياسيًّا أو عنصريًّا أو دينيًّا، ولكنهم لا يلعبون الدور السياسي المنوط بهم، أو وَفْقًا لنِسبَتهم لعدد السكان، وهو ما يعود لأسباب عديدة تتعلَّق بالدور السلبي للحِقبة الاستعمارية في تهميش دورهم في المجتمع لصالح النصارى، وعدم وجود كوادر مؤهَّلة علميًّا أو سياسيًّا، ومع هذا فقد شغَل العديد من رموزهم مناصبَ وزارية رفيعة، ووزراء دولة في عديد من القطاعات، ويَشغَل حوالي 5 مسلمين مناصب وزارية، ووصَل العشرات منهم للبرلمان، ونأمل في المرحلة القادمة ومع زيادة الاهتمام بالتعليم في أوساطهم - أن تتحسَّن أوضاعهم ويتمكَّنوا من لعب دور سياسي يُسهِم في رفع ترقية وزنهم على جميع الأصعدة.
تثور بين الحين والآخر محاولات لفرض بروتكول السيداو على الأقليات المسلِمة في البلدان الإفريقيَّة، فهل ينسحِب الأمر على مسلمي إفريقيا الوسطى؟
الشيخ إبراهيم عثمان: من المطمئن أن مجال الأحوال الشخصية للمسلمين في بلادنا مستمَدٌّ من الشريعة الإسلامية، ولم يسمَح المسلمون لأحد بالتدخل في شؤونهم؛ حيث يُدير مجلس القضاء الأعلى القضايا الخاصة بالزواج والطلاق والمواريث وغيرها، بالتعاون مع علماء مجلس الإفتاء، وأعتقِد أن عدم تدخُّل حكومة بانجي في مجال الأحوال الشخصية الخاصة بالمسلمين يُعَد من الأمور الإيجابية التي تؤمِّن استمرار العلاقات الودية بينها وبين المسلمين.
إمكانيات محدودة:
إذا انتقلنا إلى المجال الدعوي، ما أهم المشكلات التي تواجِه المسلمين، وهل حـاوَلت المؤسـسات الإسـلامية والتصدي لها؟
الشيخ إبراهيم عثمان: لا شك أن النقص الحاد في أعداد الدُّعاة، وافتِقار أغلب المساجد للأئمة والخطباء - يُعَدان من أهم العقبات أمام مسيرة الدعوة، بشكل أدَّى لتراجُع الوعي الديني، فضلاً عن أن الإمكانيات الضئيلة جدًّا لمؤسسات الدعوة الإسلامية، وعدم قُدرتها على تسيير القوافل الدعوية للأماكن النائية التي يَقطُنها المسلمون - قد زاد من صعوبة الموقف، وكانت له تداعيات سلبيَّة على هُوية المسلمين، بالتزامُن مع تَنامٍ ملحوظ لنفوذ البهائيين والماسونيين، وسعيهم المستمر لاختِراق المجتمع المسلم؛ عبر نشْر الأفكار الهدَّامة والرؤى المخرِّبة، مُستغلِّين تراجُع الثقافة الإسلامية وانتِشار الأمية في أوساطهم؛ نتيجة لتخلُّف النظام التعليمي واقتِصاره على المرحلة الابتدائية.
منح وبعثات:
كيف تصدَّيتُم لمِثل هذه الصعوبات، وهل هناك دعم عربي وإسلامي يقدَّم لمسلمي وسط إفريقيا؛ لمواجهة المشاكل المُحدِقة بالمسلمين؟
الشيخ إبراهيم عثمان: هناك جهود تقوم بها عشرات من المنظمات الإسلامية، وعلى رأسها الحركة الإسلامية للشباب، والجمعية الإسلامية لإفريقيا الوسطى، وجمعية النشاط الإسلامي؛ لمواجهة كم المشاكل المُحدِقة بالمسلمين؛ عبر إرسال بعض المبعوثين للدراسة في بعض الجامعات الإسلامية في مصر والمملكة العربية السعودية وليبيا؛ حيث تتعاوَن المنظمات المحليَّة مع العديد من المؤسسات الإغاثية الإسلامية، ومن بينها الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ولجنة مسلمي إفريقيا - العون المباشر - الكويتية، ومؤسسة راشد الإماراتية، وجمعية الدعوة الإسلامية العالمية في ليبيا، وبعض المؤسَّسات السودانيَّة، فضلاً عن الأزهر الشريف القائم برعاية معهد محمد نور الأزهري لإعداد الطلاب لاستِكمال دراساتهم في الجامعات الإسلامية الكبرى.
صعوبات:
في ظلِّ وجود عدد من مؤسسات التعليم الديني والعربي في إفريقيا الوسطى، هل أسهَمتْ في حَلِّ بعض المشكلات في أوساط المسلمين؟
الشيخ إبراهيم عثمان: هناك أكثر من 5 مدارس إسلامية في البلاد، أهمها على الإطلاق مدرسة صلاح الدين، والمدرسة العراقية، ومدرسة حي جونة، ومدرسة مسكين المُلحَقة بالمسجد المركزي بالعاصمة بانجي، وتقوم هذه المدارس بتدريس اللغة العربية والعلوم الإسلاميَّة، فضلاً عن تحفيـظ القرآن الكريم، وتوفِّر السَّكن والمبيت لطلابها، وأسهَمتْ وَفْق إمكانياتها في تأهيل عدد كبير من الدُّعاة، وإمدادهم بحد معقول من المعلومات التي تتيح العمل في المجال الدعوي، ومساعدتهم في الالتحاق بمراحل تعليمية متقدِّمة، بالإضافة للدور المهم لكتاتيب تحفيظ القرآن، أو ما يُطلَق عليه في العاصمة بانجي: "الجوني الصوير"، وهي تجرِبة أسهَمت في إقبال المواطنين على حفظ القرآن وبأعداد كبيرة، لا سيَّما في صفوف الأطفال والشباب، رغم أن الإقبال لم يكن كبيرًا على الكتاتيب في السنوات الأولى للتجرِبة.
منح وتردُّد:
ولكن هل تكفي المِنح المقدَّمة من بعض الجامعات الإسلامية لأداء الدور الدعوي المنوط؟
الشيخ إبراهيم عثمان: رغم أن الأزهر يقدِّم عديدًا من المِنح سنويًّا للطلاب المسلمين من إفريقيا الوسطى، إلا أن التجرِبة تَشوبها نواحي قصور، أهمها أن الوضع المالي لشباب المبعوثين شديد القسوة، لا سيما أن المساعدات المقدَّمة لهم من قِبل الأزهر لا تتجاوز 20 دولارًا شهريًّا، وهو مبلغ لا يكفي أغلب الطلاب لاستِكمال دراستهم، ويُجبرهم في أغلب الأحيان للعودة إلى البلاد، أو التفكير في الهجرة إلى إسرائيل؛ مما يخلُق نوعًا من التردُّد لدى ذويهم في إرسالهم للدراسة في الجامعات الإسلامية بشكل عام.
من البديهي الإشارة إلى أن الأوضاع المعقَّدة التي يعيش فيها مسلمو إفريقيا الوسطى تُعطي فرصة كبيرة للمدِّ التنصيري للمُضي قُدمًا في مخطَّطه التخريبي؟
الشيخ إبراهيم عثمان: المنصِّرون موجودون في جميع المدن، ويَنشطون بشدة وبمختلَف ألوان طيفهم (كاثوليكي - بروتستانتي - إنجيلي)؛ سعيًا لتخريب عقيدة المسلمين، ويلعب الفاتيكان دورًا مهمًّا في تنشيط العمل التنصيري؛ عبر المدارس العديدة التي يمتلِكها في جميع أنحاء البلاد، فضلاً عن الخدمات الصحية المقدَّمة عبر المستشفيات والمستوصفات المملوكة له، وقد نجح المنصِّرون في ربط أنشطتهم بالتعليم، وساعَدوا النصارى بشدة على السيطرة على البلاد، والتحوُّل من أقليَّة في بداية القرن لأغلبيَّة تحكُم وتُهيمن، علاوة على التنامي الملحوظ لنفوذ البهائيين والماسونيين، وسعيهم المستمر لاختراق المجتمع المسلم؛ عبر نشْر الأفكار الهدامة، والرؤى المخرِّبة.
كيف - إذًا - يواجِه مسلمو إفريقيا الوسطى هذا المشهد القاتم؟
الشيخ إبراهيم عثمان: رغم قَتامة الصورة إلا أن النتائج التي حقَّقتها أكثر من 200 مؤسسة تنصيرية لم تكن مُجدِية، ولم تُفلِح في تخريب عقيدة المسلمين، أو إبعادهم عن دينهم؛ بفضل الاتصالات المستمرة مع العالَمَين العربي والإسلامي، ووصول دُعاة للإسلام من مصر والسودان للبلاد؛ ما كانت له آثار إيجابية على إفشال المُخطط المشبوه.
علاقات طيبة:
ما دُمتَ تتحدَّث عن الصِّلات مع العالَمَين العربي والإسلامي، فما واقِع العلاقات العربية مع إفريقيا الوسطى؟
الشيخ إبراهيم عثمان: هناك علاقات قوية تَربِط بين بلدان العالم الإسلامي وبين إفريقيا الوسطى، وهناك زيارات متتالية يقوم بها مسؤولون عرب للعاصمة بانجي، وفي مقدِّمتهم وزراء من ليبيا والسعودية وقطر؛ حيث تدعُم هذه الدول عديدًا من المشروعات التنموية والدعوية في البلاد، وفي نفس الإطار ترعى تركيا عددًا لا بأس به من مشروعات الخدمات الصحية والتعليمية؛ مما أسهَم في تحسُّن أوضاع البلاد ودفْع علاقاتها والعالم الإسلامي للأمام.