إليكم خطبة مناسبة ومنقولة بتصرف عن استقبال رمضان

عبدالرحمن اللهيبي
1440/08/28 - 2019/05/03 04:40AM

هذه خطبة جمعت بتصرف عن استقبال رمضان أسأل الله أن ينفع بها 

أَمَّا بَعدُ ، فَـ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يومان وربما أقل وَيَحِلُّ بِالمُسلِمِينَ شَهرُ رَمَضَانَ ، وَيَنزِلُ بِهِم مَوسِمُ الصِّيامِ وَالقِيَامِ وَالقُرآنِ ، وتحل عليهم عزائم الرحمة والغفران وَتُتَاحُ لَهُم فُرَصُ التَّوبَةِ وَالدُّعَاءِ وَالإِنفاقِ وَالإِطعَامِ ، فَهَل نَحنُ عَلَى استِعدَادٍ لاستِقبَالِهِ ؟ هَل هَيَّأنَا النُّفُوسَ لاغتِنَامِه عند َحُلُولِهِ؟ وَمَا نِيَّةُ كُلٍّ مِنَّا على العمل فِيهِ ... وما الذي نحن عَازِمُونَ عليه؟!

والله يا مسلمون إنَّ إِدرَاكَ شَهرِ رَمَضَانَ نِعمَةٌ عَظِيمَةٌ ومنة من الله للعبد جسيمة، فهنيئا لمن سيمن الله عليه منا بإدراك شهر الرحمة والغفران , فهو موسم تتضاعف فيه الحسنات وترفع فيه الدرجات وتغفر فيه الزلات وتعظم فيه الرحمات ..

يا عباد الله ألا ترون أنَّ الزَّمَنَ يَجرِي بنا دون تَوَقَّفُ ، والعُمُرُ يمضي وَما مضى منه ينقَضى فلا يَعُودُ ، ألا إنَّ الفُرَصَ في الحَيَاةِ كَالصَّيدِ إِنِ اقتنصَتها وَإِلاَّ فَرَّت وَفَاتَت ، فالمسلم العاقل الموفق يَغتَنِمُ الفُرَصَ وَالمَوَاسِمَ ، وَلا يُفَرِّطُ فيها وَلا يَتَكَاسَلُ

ومن أوائل ما يجب أن يقوم به المسلم عند استقبال الشهر المبارك أَن يَبدَأَ بِأَشرَفِ أَعضَائِهِ وَجَوَارِحِهِ ، وهو قلبه فَيُطَهِّرَهُ مِمَّا يَحُولُ بَينَهُ وَبَينَ رَبِّهِ ، فحسن إقبال المرء على طاعة ربه مبني على سَلامَةِ قَلبِهِ ، فصَلاح أَمرِ المرء بِصَلاحِ فُؤَادِهِ ، قال – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ” أَلا وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضغَةً إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلا وَهِيَ القَلبُ ” رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .

وَعَلَى هَذَا – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – فَإِنَّ المُسلِمَ العَاقِلَ يَحرِصُ عَلَى أَلاَّ يَدخُلَ عَلَيهِ شَهرُ رَمَضَانَ إِلاَّ وَقَد أَصلَحَ قَلبَهُ مِنَ الأَمرَاضِ الَّتِي تُضعِفُ سَيرَهُ إِلى رَبِّهِ ، كعزم الإِصرَارِ عَلَى الكَبَائِرِ وَالمُخَالَفَاتِ ، أَوِ امتِلاءِ القُلُوبِ بأمراض الغِلِّ وَالحِقدِ وَالحَسَدِ وغيرها من الآفات ، أَوِ استِمرَارِ التَّهَاجُرِ وَالتَّقَاطُعِ وَالتَّدَابُرِ ، أَو عُقُوقِ الوَالِدَينِ وَقَطِيعَةِ الأَرحَامِ . فَعَلَى المُسلِمِ قَبلَ دُخُولِ الشَّهرِ أَن يُصَفِّيَ قَلبَهُ وَيُطَهِّرَهُ مِن كُلِّ هَذِهِ القَوَاطِعِ وَالمَوَانِعِ ؛ وذلك لأجل أن تَخِفَّ نَفسُهُ فتنشطَ للعبادة وتجتهد في الطاعة ، وَحينها يُوَفَّقَ لِلصَّالِحَاتِ وَيُعَانَ عَلَيهَا  قَالَ – سُبحَانَهُ – ” وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، ها هو رَمَضَانُ عَلَى الأَبوَابِ ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ، وَلْيُعَمِّرْ وَقْتَهُ بِطَاعَةِ اللَّهِ ؛ فَكَمْ فِي الْقُبُورِ مِنْ أُنَاسٍ يَتَمَنَّوْنَ الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا لِلتَّزَوُّدِ مِنَ الْخَيْرات، وَلَكِنْ هَيْهَاتَ هيهات.

ويا حسرة على كثير من العباد قَدِ اعْتَادُوا فِي رَمَضَانَ عَلَى اتِّبَاعِ الشَّيْطَانِ وَأَعْوَانِهِ فِيمَا يَأْمُرُونَهُمْ بِهِ مِنَ المعاصي والسيئات، ويزينون لهم الآثامَ والخطيئات، وَلَاسِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَنِ الَّذِي كَثُرَتْ فِيهِ الْمُلْهِيَاتُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمُوبِقَاتِ، وَوَصَلَ إِلْهَاءُ النَّاسِ فِي رَمَضَانَ عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِمْ حَدًّا عَجِيبًا حتى أفسدوا قُلُوبَهمْ بِالْمُنْكَرَاتِ ، تَتَنَافَسُ في ذلك وسائل الشر والإفساد من الْفَضَائِيَّات ، وَالْمُشَاهِدُ الْمُسْلِمُ يَصُومُ نَهَارَهُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالنِّكَاحِ، وَيَقْضِي لَيْلَهُ عَلَى مُشَاهَدَةِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي رَمَضَانَ وَفِي غَيْرِ رَمَضَانَ، وَهَذَا وَاللَّهِ مِنْ الخذلان وقَضَاءِ الْعُمْرِ فِي سُوءِ الْعَمَلِ، نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ وَالْهِدَايَةِ.

 

فَاللهَ اللهَ بِالنِّيَّةِ الصَّالِحَةِ وَالعَزِيمَةِ الصَّادِقَةِ وَالحَذَرَ الحَذَرَ مِنَ الخَسَارَةِ في مَوسِمِ تتضاعف فيه الأرباح ولا يخسر فيه إلا من رغم أنفه ومخذول كره الله طاعته ، فَإِنَّ مَن لم يَفُزْ في رَمَضَانَ فَحَرِيٌّ بِهِ أَن يَخسَرَ في سَائِرِ الأزمان

أَيُّهَا المُسلِمُونَ – إن من أراد الفوز والفلاح في رمضان فَإِنَّ ثَمَّةَ مِفتَاحًا مُهِمًّا لِلتَّغيِيرِ ، وَبَابًا عَظِيمًا إِلى إِصلاحِ النَّفسِ ، ذَلِكُم هُوَ الصَّلاةُ ، نَعَم – أَيُّهَا الإِخوَةُ – إِنَّهَا الصَّلاةُ ، فَمَن عازما بصدق عَلَى الاستِفَادَةِ مِن شَهرهِ ، فَلْيَضبِطْ أَمرَ صَلاتِهِ ، وَلْيُحَافِظْ عَلَيهَا في وَقتِهَا وَمَعَ جَمَاعَةِ المُسلِمِينَ في المَسَاجِدِ ، وَلْيَحرِصْ عَلَى أَلاَّ تَفُوتَهُ تَكبِيرَةُ الإِحرَامِ وَقتًا وَاحِدًا ، وَإِنِّي وَاللهِ لَضَامِنٌ لِمَن كَانَ هَذَا شَأنَهُ ، أَن يُبَارَكَ لَهُ في شَهرِهِ وَوَقتِهِ ، وَأَن يُحَبَّبَ إِلَيهِ سَائِرُ الخَيرِ وَتَخِفَّ إِلَيهِ نَفسُهُ وينشرحَ له صدره، وَأَن يَجِدَ مِنهَا إِقبالاً عَلَى قِرَاءَةِ القُرآنِ وَالقِيَامِ ، وَسَيَكُونُ عَلَى حَسَنَاتِهِ حَرِيصًا ، وَبِأَوقَاتِهِ شَحِيحًا أَلا تَضِيعَ في مُتَابَعَةِ القَنَوَاتِ وَمُحبِطَاتِ الأَعمَالِ مِنَ المُسَلسَلاتِ ، وَسَيَجِدُ في نَفسِهِ عُزُوفًا عَنِ الشَّهَوَاتِ وَالتِفَاتًا عَنِ المُلهِيَاتِ ، وَتَلَذُّذًا بِالطَّاعَاتِ ، ومِصدَاقُ ذَلِكَ في كِتَابِ اللهِ ، حَيثُ قَالَ – سُبحَانَهُ : فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ

أَلَا فَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ، واعلموا بأنكم قد خلقت في هذه الدنيا لعبادته وممتحنون فيها بطاعته ومجزيون في الآخرة على أعمالكم .. فاعْمُرُوا أَوْقَاتَكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى والمنافسة في الخيرات، وَاقْضُوا أَعْمَارَكُمْ فِي التَّزَوُّدِ مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ؛ فَإِنَّ خِيَارَ النَّاسِ مَنْ طَالَتْ أَعْمَارُهُمْ وَحَسُنَتْ أَعْمَالُهُمْ، وَإِنَّ شِرَارَ النَّاسِ مَنْ طَالَتْ أَعْمَارُهُمْ وَسَاءَتْ أَعْمَالُهُمْ.  ” يَا قَومِ إِنَّمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ . مَن عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجزَى إِلاَّ مِثلَهَا وَمَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ يُرزَقُونَ فِيهَا بِغَيرِ حِسَابٍ

 

 

 

 

 

 

أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ” وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، في مِثلِ هَذِهِ الأَيَّامِ مِنَ العَامِ المَاضِي ، كَانَ المُسلِمُونَ يَستَعِدُّونَ لاستِقبَالِ شَهرِ رَمَضَانَ وَيَتَهَيَّؤُونَ لِدُخُولِهِ ، وَدَخَلَ رَمَضَانُ وَمَرَّ وَرَحَلَ ، فَلا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، مَا أَسرَعَ مُرُورَ اللَّيالِي وَالأَيَّامِ ، وَمَا أَسرَعَ انقِضَاءَ السِّنِينَ وَالأَعوَامِ ! وَمَا أَسعَدَ مَن أَحيَا لَيَالِيَهُ بِالذكر والقِيَامِ ، وَأَكثَرَ في أَيَّامِهِ مِنَ التلاوة مع الصِّيَامِ ، وَاتَّخَذَ مِن تَقوَى اللهِ زَادًا لِقَابِلِ الأَيَّامِ ! فَاللهَ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – فَإِنَّ كُلَّ يَومٍ يَمُرُّ عَلَينَا ، تَقصُرُ فِيهِ أَعمَارُنَا  وَتَقتربُ فيه آجَالُنَا ، فَإِلى متى الغَفلَةُ ؟! ومتى تَزكُو نُفُوسُنَا ؟! وَمَتى تَطهُرُ أَروَاحُنَا ؟ أَلا يَكفِينَا مَا مَضَى مِن أَعمَارِنَا ؟ أَلا يَكفِينَا مَا انقَضَى مِن آجَالِنَا ؟ أَلا نَعتَبِرُ بِمَن مَاتَ مِن إِخوَانِنَا ؟ كَم مِن مَرِيضٍ زُرنَاهُ ؟ وَكَم مِن حَبِيبٍ فَقَدنَاهُ ؟ وَكَم مِن صَاحِبٍ شَيَّعنَاهُ إِلى مَثوَاهُ ؟ فَفِرُّوا إِلى اللهِ وَسَارِعُوا إِلى حِمَاهُ ، وَسَابِقُوا إِلى جَنَّتِهِ وَرِضَاهُ وعما قريب سيلتقى كل منا بربه ومولاه ، فيا خجلاه من رب طالما قصرنا في حقه وعصيناه وطالما حلم علينا وجللنا بعفوه وستره وأكرمنا بفضله وعطاه...فاللهم أعنا على طاعتك وذكر وشكرك وحسن عبادتك واستعملنا في مرضاتك

المشاهدات 1175 | التعليقات 0