إليكم خطبة رائعة عن المخدرات .. منقولة مع جمع وتصرف

عبدالرحمن اللهيبي
1440/10/25 - 2019/06/28 05:03AM

الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ كَرَّمَ الْإِنْسَانَ بِالْعَقْلِ، وَشَرَّفَهُ بِالْعِبَادَةِ، وَكَلَّفَهُ بِحَمْلِ الْأَمَانَةِ، وَفَضَّلَهُ عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانِ: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ أَحْمَدُهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أما بعد:

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً .

معاشر المسلمين إنها والله مصيبة لا كالمصائب وداء عظيم لا كالأدواء ، بلية المسكرات والمخدرات وما أعظمها من شر وبلية , إنها رحلة مريرة .. مع داء عاقبته اضمحلال الإيمان وإزهاق النفوس البريئة , وانتهاك الأعراض العفيفة ، وفساد العقول السليمة ، وضياعٌ للشباب وفقدانٌ للهوية والإنسانية , إنه داء يؤدي إلى فقد كل معاني الإنسانية ,, وزوال كل معالم الروح البشرية فما أعظمه وربي من داء عظيم وما أشده من بلاء جسيم

إني والله لا أحب أن أذكر لكم أحداثا مؤلمة وقصصا مفجعة ولكني أجد نفسي مضطرا لأذكر لكم اليسير منها لأشعركم بمدى خطورة هذه المخدرات على شبابنا ومجتمعنا

أما بلغكم خبر المدمن الذي نحر ثلاثة من أطفاله في العام الماضي ولا حول ولا قوة إلا بالله ..

أوما قرأتم في الصحف خبر مدمن قام برمي أمه من الدور الثاني ومدمن آخر يقتل والده ذا التسعين من عمره وهو قائم يصلي .. وآخر يحرق زوجته واثنين من أطفاله وهو ينظر إليه وهم يضطربون ويستمع إليهم وهم يصطرخون، وينتهي به المطاف إلى مستشفى الأمراض النفسية ، والله إن هذه الحوادث المفجعة ليست من نسج الخيال لترهيبكم من خطورة هذا الداء العضال.. ألا وإن بعض هذه الحوادث قد وقعت هنا في البلد الحرام.. إنها حوادث مؤلمة ومآسي محزنة تدمي القلوب وتفتت الأكباد ..  فلا عجب والله من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الخمرة وما شابهها في الإسكار وتغييب العقل..

قال أنس ابن مالك رضي الله عنه ((لعن النبي  في الخمر عشرة: عاصرَها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيَها وآكلَ ثمنِها والمشتريَ لها والمشتراةِ له)) ولا ريب أن المخدرات المسكرة تأخذ حكم الخمر فكلاهما في الأثر واحد بل إن المخدرات أعظم خطرا وأشد أثرا من الخمر والمسكرات فكل من تعاطى شيئا يسكره فيغيب به عقله أكلا أو شربا أو حقنا أو استنشاقا أو بيعا أو شراء أو نقلا أو تداولا فهو ملعون بلسان رسول الله صلى الله عليه وسلم

وصدق الله إذ يقوليا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتبنوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم والعداوةَ والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون.

عباد الله : إن المسكرات والمخدرات تزهق النفوس فتهلكها,, وتفتك بالعقول فتعطلها ، وتضيع الأموال فتبددها ، وتدمر الأُسر فتشتتها. وتهلك الشباب فتفقدهم إنسانيتَهم والله تعالى يقول ((ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما))

وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ..

المسكرات والمخدرات يا عباد الله دمار ساحق ، وبلاءٌ ماحق ، وموتٌ بطيء بل الموت أرحم، فكم من شاب صيرته سائلاً متشردا وضائعا متسكعاً ، بعد أن كان ناضجَ العقل ، عاليَ الهمة ، طموحا إلى معالي الأمور .

فيا لله كم خربت المخدرات من بيوت كانت بأهلها عامرة ، وكم شتت من أسر وعائلات كانت ملتئمة آمنة.

أيها المسلمون : لست هنا بصدد الحديث عن المخدرات وحكمها وأضرارها فذاك مما لا يخفى على أولي الألباب والأبصار ، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: ما الذي يجعل فئةً من شبابنا تنجرف وراء هذا الداء رغم عظيم مخاطره وتحقق مهالكه

ما الذي جعل فئة من شبابنا تُقبل على إدمان المخدرات حتى أصبحت رهينة الجنون وفئة أخرى تحت أقبية السجون وآخرون هلكى في أودية الضياع والمجون ؟

إنه سؤال نملك الإجابةَ عليه ونعرفه، ألا وهو أننا نحن المسئولون عن ضياع أبنائنا وانجرافهم في تيار المسكرات والمخدرات .

نعم نحن المسئولون عنهم حينما أهملنا تربية أبنائنا وبناتنا وغفلنا عنهم وتركنا مجالستهم وجعلناهم فريسة لأصدقاء السوء وضحايا لبث قنوات الفسق والفجور وغرقى في دهاليز النت المفتوح بلا حسيب ولا رقيب..

نحن المسئولون عنهم حينما غيَّبنا البُعْدَ الدينيَ والإيمانيَ في تربيتهم فلم نغرس في قلوبهم خشيةَ الله جل جلاله ومحبتَه ومحبةَ رسوله صلى الله عليه وسلم.. ولم نعودْهم على تحري الحلال وتوخي الحرام منذ نعومة أظفارهم ، ولم نعلقهم بالقرآن وحلق تحفيظه ، ولم نربطهم بالصحبة الصالحة ومجالس الصالحين منذ صغرهم وفي أول نشأتهم.

نحن المسئولون عنهم إذ لم نجعل المسجد مكانا عظيما في قلوبهم يألفونه ويرتادونه في اليوم خمس مرات. قال الله تعالى (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها)

نحن المسئولون عنهم إذا لم نكن لهم قدوة صالحة.. فالأطفال بطبيعتهم يتأثرون بوالديهم ويقلدونهم في تصرفاتهم ، أما ترونهم كيف يقلدون آباءهم في عباداتهم وعاداتهم الحسنة كما يقلدونهم في المقابل في العادات السيئة كالكذب والتدخين..

فالأب المدخن مثلا هو الذي يضع أولاده عند العتبة الأولى لنفق المخدرات المظلم . فطريق المخدرات يتدرج إليه الشاب بخطوات ومن أوائل هذه الخطوات هو التدخين وقد أثبتت الدراسات عدم وجود متعاط للمخدرات لم يسبقها بتعاطي التدخين

نحن المسئولون عنهم إذا أهملناهم وانشغلنا عن مجالستهم وتربيتهم  فهذا أب مشغول بتجارته وصفقاته وآخر بأسفاره أو بسهراته في الاستراحات مع رفقائه.. ومن عجيب ما سمعنا في هذه الأيام أن بعض الآباء يسافرون مع زوجاتهم فقط ويتركون صبيتهم هربا من ضجيجهم !!

فلماذا إذن ينجبونهم إذا لم يكونوا قادرين على تحمل مشاق تربيتهم ورعايتهم .. وإحاطة الوالدين لهم بلطفهم وعنايتهم .. ألا فليعلم الآباء والأمهات أن انشغالهم عن أولادهم لهو من أعظم الأسباب المؤدية إلى ضياعهم وانحرافهم.

نحن المسئولون عنهم حينما تكون مشاكلُنا الأسرية وصراخنا ونزاعنا وشتائمنا أمام ناظريهم .. وقد يضرب الرجل زوجته وأمَ أولاده أمام أبنائها وبناتها وربما حدثت الفرقة بالطلاق ثم يكون الصبية ضحية لذلك الفراق والشتات

نحن المسئولون عنهم حينما نهمل تعليمهم ثم تكون البطالة نصيبهم ، ونحن المسئولون عنهم إذا علمنا بأن أحد الأقارب متورطاً في الإدمان وله علاقة بهم ، أو أننا لا نعرف رفقاءهم وقد نتركهم في الخارج يسهرون ولا نعلم مَن يجالسون ومع مَن يذهبون .

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن دورنا كآباء ومربين هو الدور الأكبر في تحصين أبنائنا وحمايتهم من الانجراف وراء المخدرات من قبل أن يأتي يومٌ نعض فيه أصابع الندم ونتحسر فيه على أكباد ضيعت وأصبحت فريسة للمفسدين نسأل الله تعالى أن يحفظ أبناءنا وبناتنا من كل سوء وشر ومكروه

أما بعد :

عباد الله : إننا ندرك أن تربية الآباء لأبنائهم ورعايتهم وحمايتهم أمرٌ في غاية المشقة وخصوصا في مثل زماننا هذا الذي عظمت فيه الفتن وكثرت فيه الملهيات والمغريات من الشهوات لكن هذا مما ينبغي أن يحتم علينا مزيدا من الاجتهاد في التربية والإصلاح مع سؤال الله التوفيق والهداية والصلاح فإنك أيها الأب مهما بذلت من التربية فلن تكون التربيةُ نافعة ما لم يصحبها توفيق الله جل وعلا وإن كان هذا لا يعني التخلي عن بذل الأسباب والتفريط فيها

وإنك لتعجب أشد العجب من آباء يبذلون كل البذل من أوقاتهم وأموالهم وأعمارهم في توفير الغذاء والمسكن والكساء وتوفير سبل العيش الكريم لبناء مستقبل مشرق لأبنائهم في الدنيا وهم لا يبذلون عُشر ذلك في بناء مستقبلهم في الآخرة , مع أن الآخرة خير وأبقى وهي المستقبل الأبدي لو كانوا يعلمون

فيا أيها الآباء كما أنكم تحرصون على تغذية أجساد أبنائكم بالطعام والشراب فغذوا قلوبهم وأرواحهم بنور الوحي والإيمان ..

فإن كان التفريط في الطعام والشراب يتلف الأبدان فإن التقصير في غذاء الأرواح بالإيمان يفسد الأديان , وفساد الأديان أعظم مصيبة من تلف الأبدان

أيها الآباء عليكم أن تعلموا أن رعاية الأبناء والخوف عليهم من الوقوع في شرك المخدرات ليس خاصا بالذكور دون الإناث فهذا الداء الخطير قد غزى الفتيات كما غزى الفتيان وثمة إحصاءات مخيفة على نسب المتعاطيات من الفتيات خاصة في المرحلة الجامعية

ألا تلاحظون انتشار تعاطي الفتيات لما يسمى بالمعسل , فهل كان فتياتنا من قبل يعرفون هذا البلاء فضلا عن تعاطيه

إننا لا يمكن أن نقي أبنائنا وبناتنا مخاطر الفتن والمخدرات بتركنا لهم الحبل على غاربه يفعلون ما يريدون ويرتكبون ما يشتهون دون رقيب أو حسيب .

 

 

إننا والله لا نستغرب ونحن على هذه الحال حينما نشاهد ضياع القوامة وزوال الرجولة عندما نرى فتياتنا في الأسواق يتجردون من الحشمة والحياء والأدب والوقار في حجابهم وحركاتهم وتغنجهم وانفلاتهم

إن بعض الآباء يعيش وهم الثقة في أبنائه وبناته.. بالله عليكم فأبناء مَن؟ أولئك الذي يجوبون الشوارع ويتسكعون في الطرقات ويرفعون أصوات مزامير الشيطان ويتعاطون التدخين والمخدرات ويؤذن الناس والمارة ويعاكسون الفتيات أليسوا أبناءنا ؟

أخبروني بالله عليكم بنات مَن؟ اللواتي نشاهدهن في المولات والطرقات دون تلك الحشمة والحياء والوقار التي كنا نعرفها في مجتمعنا من بناتنا ونسائنا ..

إن الثقة لا تعني ترك عود الثقاب بجوار الوقود ولا تعني تركهم في أجواء ملبدة بالفتن بعيدة عن أجواء نور الإيمان والقرآن..

 

علينا معشر الآباء قبل كل شيء الوقوف بحزم أمام المخدرات الفكرية قبل المخدرات الحسية من قنوات فاسدة ومفسدة ، ومن دهاليز الانترنت المظلمة ومقالات وكتابات ونقولات وحوارات منجرفة تهدف إلى زعزعة الإيمان وبث الشكوك والإلحاد وزرع الانحلال وإضعاف صلة المسلمين بدينهم وسلخ الشباب من هويتهم

فاتقوا الله معشر الآباء وقوا أهليكم وأنفسكم نارا وقودها الناس والحجارة

وارعوا أبناءكم وبناتكم أيها المسلمون ربوهم على الإيمان والتقوى وكونوا حولهم ولا تنشغلوا عنهم حاوروهم وجالسوهم وحادثوهم واعرفوا أصدقاءهم وحولوا بينهم وبين سبل الفساد والانحراف وخذوا بحجزهم عن الفساد وقبل ذلك علقوا قلوبكم ورجاءكم بالله , والله لن يضيع لكم جهدا , حفظ الله أبناءنا وبناتنا ونسائنا من كل شر ومكروه ...

المشاهدات 26989 | التعليقات 0