{إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}

عبدالله محمد الطوالة
1442/04/11 - 2020/11/26 10:18AM
الحمدُ للهِ العزيزِ الغفارِ، الجليلِ الجبارِ، {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ}، سبحانهُ وبحمده، {كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} ..
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريك لهُ، {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ} ..
وأشهدُ أن محمداً عبدُ اللهِ ورسولهُ، المصطفى المختارِ ..
صلَّى عليكَ اللهُ يا خيرَ الورَى .. وزكاةُ ربي والسلامُ مُعطرا ..
يا ربِّ صلِّ على النبيِّ المصطفى .. أزكى الأنامِ وخيرُ من وَطِئَ الثَرى ..
يا ربِّ صلِّ على النبيِّ وآلهِ .. تِعدادَ حباتِ الرِمالِ وأَكثَرا ..
والآل والصحبِ الكرامِ ومن تلى .. وسلَّمَ تسليماً كثيراً أنورا ..
أما بعدُ: فلله أمرُ القلوب ما أعجبَها! وما أسرعَ تغيُرها، وما أشدَّ تقلُبَها .. وسبحان مَن خلقها وجعلها مُلوك الأبدان، إذا صلُحت صلُح البدنُ كله، وإن فسدت فسدَ الجسدُ كله .. ألا وإنَّ من أهمِّ صفاتِ المؤمنينَ العظيمةِ، وأبرزِ خصالهم الكريمةِ, الدالةِ على حُسنِ إيمانهم، ونُبلِ أخلاقِهم: سلامةُ صُدُورهم، وصفاءُ قلوبهم، وطهارةُ ألسنتهم .. فهي قلوبٌ سليمةٌ ليس فيها إلا محبةُ الخير للغير، وألسنٌ لا تنطِقُ إلا بالطيِّبِ من القولِ، والجميلِ من الدعاء .. والقلبُ السليمُ، والصدرُ السليمُ: هو السالمُ من الشحناءِ والبغضاءِ، النقيُّ من الغلِّ والحسد، المعافى من أدواء القلوب وعللها، ومن أمراض الشبهات والشهوات .. 
فحين سُئلَ عن أفضلِ الناسِ، كما في الحديث الصحيح، قال: “كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ لا إِثْم فِيهِ وَلَا بَغْيَ وَلا غِلَّ وَلا حَسَدَ"، والمخموم هو النظيف، من خمَّ البيت إذا نظفه .. وفي توجيه نبويٍّ كريمٍ آخرَ يقولُ : "لا يُبَلِّغُنِي أحدٌ من أصحابي عن أحدٍ شيئًا، فإنِّي أحبُّ أن أخرج إليكم وأنا سَلِيم الصَّدر" .. فإذا قيل هذا في حقِّ الطاهرِ المطَهرِ ، فهو في حقِّ غيرهِ أولى وأحرى، بل وأعظمَّ من ذلك فصاحبُ القلبِ السليمِ ينجُو مُكرماً يوم القيامة؛ لأنَّ اللهَ جلَّ جلالهُ يقولُ: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} .. فهنيئًا لمن داومَ على إصلاح قلبهِ، وتعاهَدَهُ بحسن الرعايةِ والعنايةِ، وعمِلَ على تطهِيرهِ من أدواء القلوبِ وعللِها ..
معاشِر المؤمنين الكرام: سلامةُ الصدرِ, وطهارة القلبِ، وصفاءُ النفسِ، أمرٌ يعرِفهُ كُلُّ أحدٍ، إلا أنَّ من يقدِرُ عليه قليلٌ جداً .. ففي قِصةِ عبدالله بن عمرو رضي الله عنه، حين سمعَ النبي  يخبُر ثلاثَ مراتٍ عن أحدِ الصحابةِ أنهُ من أهل الجنةِ، فاحتال حتى بات عندهُ ثلاثَ ليالٍ ليرى ما يصنع، وأيُّ شيءٍ أهلهُ ُلهذه البُشرى العظيمة .. فلم يرهُ يقومُ بكثير عملٍ، فصارحهُ وسألهُ ما الذي بلغَ به ما قاله عنه الرسول ، فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أنِّي لا أجدُ في نفسي لأحدٍ من المسلمين غِشًّا، ولا أحسدُ أحدًا على خيرٍ أعطاهُ اللهُ إياهُ .. فقال عبد الله: هذه هي التي بلغت بك، وهي التي لا نُطِيقُ ..
ولذلك قال الفضيل بن عياضٍ رحمهُ الله: “ما أدركَ عندنا مَن أدرك بكثرة نوافلِ الصلاةِ والصيامِ، وإنما أدركَ بسخاء النفسِ، وسلامةِ الصدرِ، والنصحَ للأمةِ“ .. وقال سفيان بن دينار: (قلتُ لأبي بشير: أخبرني عن أعمال من كان قَبْلنا؟ قال: كانوا يعملونَ يسيرًا، ويُؤْجَرون كثيرًا. قلت: ولم ذاك؟ قال: لسَلَامةِ صدورِهم) ..
أحبتي في الله: معلومٌ أنَّ خطورةَ المرضِ تقاسُ بخُطورةِ نتائِجهِ، ولذا فأمراضُ القلوبِ هي الأشدُّ خطراً، والأسوأُ أثراً .. فالقلبُ قد يمرضُ فلا يقوى على طاعةٍ، وقد يعمى فلا يُبصرُ ولا يتبصرُ الهداية، بل قد يموتُ وصاحبُهُ لاهيٍ مشغولٌ، لا يشعرُ من ذلك بشيء، قال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}، وقال تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} .. وعليه فإن أهمُّ ما يلزمُ المسلمَ أن يتعرَّفَ على أسباب تحصيلِ سلامةِ القلبِ وطهارتهِ، ثمَّ يسعى جاهداً في تطبِيقها وامتثالِ ما استطاعَ منها ..
ألا وإنَّ أولَ وأهمَّ أسبابِ سلامةِ القلبِ وطهارتهِ: الإخلاصُ: فالإخلاصُ هو أهمُّ أعمالِ القلوبِ وأخطرِها، وهو سِرُّ القبولِ والتوفيقِ، ففي محكم التنزيل يقولُ الحقُّ جلَّ وعلا: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ}، وفي الحديث القدسيِ الصحيحِ: "يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمِلَ عملاً أشركَ معي فيهِ غيري تركتهُ وشِركه" .. وفي الحديث الصحيح يقول : "ثلاثٌ لا يُغَلُّ عليهِنَّ قلبُ المؤمنِ: إخلاصُ العملِ، والنصيحةُ لأولي الأمرِ، ولُزومُ الجماعةِ، فإنَّ دَعوتَهم تكونُ مِن ورائِه"، وقال سفيان الثوري رحمه الله: "ما عالجت شيئًا أشدَّ علي من نيتي، فإنها تتقلب علي"، وقال يوسفُ بن أسباط: "ما أُتيَ كثيرٌ من الناس إلا من ضياع نياتهم وضعفِ إخلاصِهم .. وقال بعضُ السلف: قل لمن لا يُخلِصُ لا تُتعِب نفسك ..
ومن أهم أسبابِ سلامةِ القلوبِ: النصحُ لكلِ مسلمٍ: فهو من الأعمالِ الدالّةِ على صفاءِ السّريرةِ، وسلامةِ الصدرِ، وطهارةِ القلبِ، ولا يكمُلُ إيمانُ المسلمِ حتى يحبَّ لأخيه المسلمَ ما يحبُّ لنفسه، وحتى يكرهَ لأخيه ما يكرههُ لنفسه .. وهو دأْبُ الأنبياءِ ومنهجُ المرسَلين، فقد ذكرَ اللهُ تعالى على لسان كثيرٍ من أنبيائه ورسله: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِين}، بل إن النصيحة هي الدينُ كُله كما في جاء صحيح مسلم: قال : «الدِّينُ النصيحة» .. قُلْنَا لِمَنْ؟ قال: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» .. وقال الصحابي الجليلُ جريرُ بن عبدالله رضي الله عنه: "بايَعتُ النبيَّ  على الإسلام، فاشتَرط عليَّ النصحَ لكلِّ مُسلم" .. وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: إنْ شِئتم لأُقسمنَّ لكم بالله: أنَّ أحبَّ عبادِ الله إلى الله الذين يُحببون اللهَ إلى عباده، ويُحببون عبادَ اللهِ إلى الله، ويسعونَ في الأرض بالنصيحة .. وقال شيخُ الإسلام: المؤمن للمؤمن كاليدين تغسِلُ إحداهما الأخرى ..
ومن أهم أسبابِ سلامةِ القلوب: الدعاء .. وتأمَل قولَ الحقِّ جلَّ وعلا: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}، وقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، بل إن تركِ الدعاءِ يُعدُ من أسبابِ الكبر، وهو أخطر أمراض القلوب، تأمل هذا التوجيه الرباني الكريم: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}، واربط هذا بقوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}، فالله الله في الدعاء ..
 ومن أهمِّ أسبابِ سلامةِ القلوب: الرضا .. فالرِّضَا كما يُقولُ ابن القيّمِ رحِمهُ اللهُ: بابُ اللهُ الأعظمِ، وجَنَّةُ الدُّنيا، ومُستراحُ العَابدِين، مَنْ مَلأ قَلبهُ بالرِّضَا، مَلأ اللهُ صَدْرَهُ أمْناً وغِنىً .. جاء في الحديث الصحيح: "ذاقَ طعمَ الإيمانِ من رضِيَ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمُحمَّدٍ  رسولاً".. ويقول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ارضَ بما قسمَ الله تكن أغنى الناس، واجتنِب محارِمَ الله تكن أورعَ الناس، وأدِّ ما فرضَ الله تكن أعبدَ الناس"، وقال عطاء: "الرِّضا سُكونُ القلبِ باختيارِ الله للعبد، وأن ما اختارهُ الله له هو الأحسنُ فيرضَى به" .. وقال بعضُ الحُكماء: "من رضِيَ بقضاء الله لم يُسخِطهُ أحدٌ، ومن قنِعَ بعطائه لم يدخله حسدٌ" .. وقال الإمام أبو حاتم الرازي: "لو لم يَكنْ في القَناعَةِ والرِّضَا إلا رَاحَةُ النَّفْسِ، وطُمأنينةُ القَلبِ، لكَانَ الواجِبُ على العَاقِلِ ألَّا يُفارِقَ القَناعَةَ والرِّضَا في كُلِّ أحْوالِهِ" ..
ومن أهم أسبابِ سلامةِ القلوب: التسامُحُ: فالحقُّ جلّ وعلا يقولُ في محكم تنزليه: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}، ويقول سبحانه: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، ولو تأمَّل الناس في حِلم الخالق جلَّ وعلا على عباده وصَفحه عن زلاتهم لرفعوا التسامحَ شعاراً، ولاتَّخذوه مبدءاً .. يقول جلَّ وعلا: {وَلْيَعفوا ولْيَصفَحوا ألا تحبُّونَ أن يَغفرَ الله لكُم} .. وفي صحيح مُسلمٍ، قال : "وما زادَ الله عَبداً بعَفوٍ إلا عِزّاً" .. وجاء في حديثٍ صحيحٍ: "إنَّ شرَّ الناس عند الله منزلة يومَ القيامة، مَن تركَه الناسُ اتقاءَ شرِّه"، وقال عليه الصلاة والسلام: "ما مِن جُرْعةٍ أعظم عند الله أجرًا من جُرْعةِ غيظٍ كظمَها عبدٌ ابتغاءَ وجْه الله" .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} ..
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ...
.
الحمد لله كما ينبغي لجلاله، وجماله، وكماله، وعظيم سلطانه ....
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا ممن يستمع .....
معاشِر المؤمنين الكرام: من أهمِّ أسبابِ سلامةِ القلوبِ وطهارتها: العدلُ والانصاف: وهو أن ترضى لأخيك المسلمَ مَا ترضاهُ لِنَفْسِكَ؛ وتكرهَ لهُ ما تكرههُ لنفسك: وأن تؤدي إلى النَّاسِ ما تحبُّ أن يُؤديهِ النَّاسُ إليك، وأن تمنع عن النَّاس ما تُحبُّ أن يمنعهُ النَّاسُ عنك، وأن لا تقولَ للناس ما لا تُحبُّ أن يُقالَ لك، ففي الحديث المُتَّفَقٌ عَلَيْهِ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» .. والْإِنْصَافُ خُلُقٌ جَمِيلٌ، وسلوكٌ نبيل، يدلُ على سلامة القلبِ، وصفاءِ النفسِ، لأنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ إِذَا أَحَبَّ أَسْرَفَ فِي حُبِّهِ ومدَحِهِ، وتغاضَى عن العيوبِ، وَإِذَا كَرِهَ أَسْرَفَ فِي كُرْهِهِ وَذَمِّهِ، وتغاضى عن المحاسِن، فالإنصاف منهُ بعيد، كما قال الشاعر: وعين الرضا عن كُلِ عيبٍ كليلةٌ .. وعينُ السُخطِ تُبدي المساوِيا .. قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ سِيرِينَ: «ظُلْمًا لِأَخِيكَ أَنْ تَذْكُرَ أَسْوَأَ مَا تَعْلَمُ عنْهُ، وَتَكْتُمَ خَيْرَهُ» .. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: «الْإِنْصَافُ أَنْ تَكْتَالَ لِمُنَازِعِكَ بِالصَّاعِ الَّذِي تَكْتَالُ بِهِ لِنَفْسِكَ» .. وقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: اقْبَلِ الْحَقَّ مِمَّنْ قَالَهُ وَإِنْ كَانَ بَغِيضًا، وَرُدَّ الْبَاطِلَ عَلَى مَنْ قَالَهُ وَإِنْ كَانَ حَبِيبًا» .. ويمتد الانصافُ ليشملَ حَتَّى الْمُخَالِفَ فِي الدِّينِ؛ كَالْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ وَالْمُبْتَدِعِ: قال الله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} .. وَاللَّهُ تَعَالَى حِينَ ذَمَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بِكُفْرِهِمْ وَمَعَاصِيهِمْ أَنْصَفَ قِسماً مِنْهُمْ بقوله: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾، وحين ذم أَهْلَ الْخِيَانَةِ منهم، أَنْصَفَ أَهْلَ الْأَمَانَةِ، بقوله سُبْحَانَهُ: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا﴾ ..
ومن أهمِّ أسبابِ سلامةِ القلوب: عدم التفرُّقُ في الدين، وأخذه كلُه: فهو سببٌ من أعظم أسبابِ جمعِ الكلمةِ، وتقارُبِ القلوبِ، أمَّا التفرقُ في الدين وأخذِ بعضهِ وتركِ البعضِ الآخر، فيؤدي إلى اختلافِ القلوبِ وتفرقِها، قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}، وقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}، وقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} .. وقَالَ النبي : «يَدُ اللَّهِ على الجَمَاعَةِ ومن شذَّ شذَّ في النار» ..
ومن أهمِّ أسبابِ سلامةِ القلوب: حُسن الظنِّ بأخيك المسلم: فحسنُ الظنِّ والتماسُ الأعذارِ وإقالةُ العثراتِ، والتغاضِي عن الزلاتِ، وحملِ الكلامِ والمواقفِ على أحسنِ المحاملِ من أهمِّ أسبابِ سلامةِ القلوبِ وطهارتها، جاء في الحديث الصحيح: «إياكم والظنَّ، فإن الظنَّ أكذبُ الحديثِ"، ومن أقوال الفاروق الخالدة: "لا تظن بكلمةٍ خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخيرِ محملاً" .. وقال الشافعي: "من أراد أن يقضي اللهُ لهُ بخيرٍ فليُحسِن ظنهُ بالناس"، وقال الإمام ابن سيرين: "إذا بلغك عن أخيك شيء، فالتمس له عذرًا، فإن لم تجد، فقل: لعل له عذرًا لا أعرفه" ..
ومن أهمِّ أسبابِ سلامةِ الصدرِ وطهارةِ القلب: الإقبالُ على كتابِ اللهِ تعالى، الذي أنزلهُ اللهُ تعالى شفاءً لما في الصدورِ، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}، فكُلمَا أقبلت يا عبد الله على كتابِ اللهِ تلاوةً وحفظاً وتدبُّراً وفهماً, كُلما طهرُ صدرُك، وسلِمَ  قلبُك .. قال عثمان رضي الله عنه: "لو طهرت قلوبكم لما شبعتم من كلام ربكم ..
ألا فاتقوا الله وتعاهدوا قلوبكم واحرصوا على سلامتها، فلا ينجو يوم القيامة إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليم .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} ..
ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان ..
اللهم صل .. 
 

المشاهدات 3228 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا