إقامة الحدود

المهذب المهذب
1437/03/28 - 2016/01/08 04:37AM
هذه خطبة عن إقامة الحدود ، جمعتها من عدة خطب


إقامةُ الحُدودِ
28/3/1437
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّـهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ؛ شَرَعَ لَنَا مِنَ الدِّينِ أَحْكَمَهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْنَا مِنَ الْكَلَامِ أَحْسَنَهُ، وَبَعَثَ إِلَيْنَا خَاتَمَ رُسُلِهِ، وَجَعَلَنَا مِنْ هُدَاةِ أُمَّتِهِ؛ نَحْمَدُهُ عَلَى ما أعطانا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا هَدَانَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَتَمَسَّكُوا بِدِينِهِ، وَالْتَزِمُوا حُكْمَهُ، وَعَظِّمُوا شَرِيعَتَهُ، "إِنَّمَا كَانَ قَولَ المُؤمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحكُمَ بَينَهُم أَن يَقُولُوا سَمِعنَا وَأَطَعنَا وَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ. وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ".
أيها المسلمون، لقد شرع اللهُ تعالى القصاصَ والحدودَ والتعزيراتِ لحكمٍ بالغةٍ ومصالحَ عظمى؛ فهي من مظاهر رحمة الله -تَعَالَى- بعباده، ولطفه بهم؛ إذ هي من أكبر العوامل للمحافظة على الضروريات الخمس: الدينِ والنفسِ والعقل والعِرض والمال، والتي متى ما حُفظت استقر المجتمع وأمِنَ واطمأن.
وهذا المقصد وهو أمن المجتمع مطلبٌ لجميع البشر، يسعون إلى الظفر به وتحصيله مهما كلفهم من ثمن؛ ولذا فإن إقامةَ حد في الأرض خيرٌ لأهلها من مطرٍ نافع يستمر أربعين يومًا، عن أبي هريرة  قال: قال رسول الله : "إِقَامَةُ حُدٍّ في الأَرضِ خَيرٌ لأَهلِهَا مِن أَن يُمطَرُوا أَربَعِينَ لَيلَةً" رَوَاهُ النَّسَائيُّ وَابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
عباد الله، لقد شرع الله -تَعَالَى- حدَّ الردة حمايةً لحرمة الدين، وشرع القصاصَ في النفس والأطراف حمايةً لحرمة النفس، وشرع حدَّ الخمر حمايةً لحرمة العقل، وشرع تعالى حدَّ الزنا وحدَّ القذف حمايةً لحرمة الأعراض، وشرع الله -تَعَالَى- حدَّ السرقة حماية لحرمة المال، وجاء حدُّ الحِرابة أغلظَ الحدود؛ لأن به حمايةَ النفس والمال والعرض.
فإذا طبقت هذه العقوباتُ عَمَّ النفعُ الأفرادَ والجماعات؛ لما في تنفيذها من امتثال أمر الله تَعَالَى وإقامة شرعه؛ "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى"، ولما في تنفيذها من ردع وزجر وتخويف يُضَيِّق مجال الجريمة ويحدُّ من انتشارها؛ "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"؛ وذلك لأن مَن أراد القتل وعلم أنه سيُقتل انزجر؛ فلم يُقْدِم على جريمته، وبذلك تحقن الدماء وتصان النفوس. وهكذا سائر الحدود الشرعية؛ فإن فيها من النكاية والزجر ما هو كفيلٌ بكفِّ الناس عن الوقوع في موجباتها.
وفي تنفيذ الحدود حسمُ الفوضى، واستتبابُ الأمن، ودفعُ الفتن، يقول الله -تَعَالَى ذِكْرُهُ- بعد ذكر قصةِ ابني آدم: "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا".
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ العُقُوبَاتِ في الإِسلامِ وَالحُدُودَ وَالتَّعزِيرَاتِ لَيسَت تَعذِيبًا وَلا تَشَفِّيًا وَلا انتِقَامًا، وَلَكِنَّ لها أَهدَافًا سَامِيَةً وَحِكَمًا بَالِغَةً، فَفِيهَا التَّطهِيرُ وَالتَّكفِيرُ، وَفِيهَا القِصَاصُ وَالتَّعوِيضُ، وَفِيهَا الزَّجرُ وَالرَّدعُ، عَن عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ  قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  وَحَولَهُ عِصَابَةٌ مِن أَصحَابِهِ: "بَايِعُوني عَلَى أَن لا تُشرِكُوا بِاللَّهِ شَيئًا وَلا تَسرِقُوا وَلا تَزنُوا وَلا تَقتُلُوا أَولادَكُم وَلا تَأتُوا بِبُهتَانٍ تَفتَرُونَهُ بَينَ أَيدِيكُم وَأَرجُلِكُم وَلا تَعصُوا فِي مَعرُوفٍ، فَمَن وَفَى مِنكُم فَأَجرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَن أَصَابَ مِن ذَلِكَ شَيئًا فَعُوقِبَ بِهِ في الدُّنيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَن أَصَابَ مِن ذَلِكَ شَيئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيهِ في الدُّنيَا فَهُوَ إِلى اللَّهِ: إِن شَاءَ عَفَا عَنهُ وَإِن شَاءَ عَاقَبَهُ".
وَحِينَمَا يُقَامُ الحَدُّ عَلَى مُجرِمٍ أَمَامَ النَّاسِ وَعَلَى مَشهَدٍ مِنهُم، فَإِنَّ ذَلِكَ رَدعٌ لَهُ عَن مُعَاوَدَةِ الجُرمِ، وَكَفٌّ لِغَيرِهِ إِذَا رَأَى العُقُوبَةَ وَعَايَنَ الجَزَاءَ.
وَقَد ثَبَتَ بِاستِقرَاءِ الأَحوَالِ أَنَّ الحُدُودَ الشَّرعِيَّةَ مَا طُبِّقَت في مَكَانٍ إِلاَّ وَوُئِدَت فيه الجَرِيمَةُ في مَهدِهَا، وَأَمِنَ النَّاسُ عَلَى أَنفُسِهِم وَعُقُولِهِم وَأَموَالِهِم وَأَعرَاضِهِم؛ فَبِتَنفِيذِ حَدِّ الزِّنَا يُقطَعُ دَابِرُ البِغَاءَ وَتَقِلُّ الفَوَاحِشُ، وَبِتَنفِيذِ حَدِّ شُربِ المُسكِرَاتِ تُصَانُ العُقُولُ، وَبِقَطعِ يَدِ السَّارِقِ وَقَتلِ القَاتِلِ وَالمُرتَدِّ، وَإِقَامَةِ حَدِّ الحِرَابَةِ عَلَى البَاغِي، تَأمَنُ السُّبُلُ وَالمَسَالِكُ، وَتُسَدُّ الثُّغُورُ وَتُحمَى المُمتَلَكَاتُ، وَتُحفَظُ الأَموَالُ وَتُصَانُ النُّفُوسُ، وَتُحقَنُ الدِّمَاءُ وَيُرتَدَعُ عَن إِزهَاقِهَا.
وَمِن ثَمَّ يَحِلُّ الأَمنُ، وَيَحْصُلُ النَّمَاء وَالرَّخَاءُ، وَيَطِيبُ العَيشُ وَتَنتَظِمُ أَسبَابُ الحَيَاةِ.
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وَلْنَحمَدِ اللهَ الَّذِي وَفَّقَ وُلاتَنَا في هَذِهِ البِلادِ إِلى تَحكِيمِ شَرعِ اللهِ، وَتَنفِيذِ أَحكَامِهِ، وَلْنَرضَ بِذَلِكَ وَلْنُسَلِّمْ "فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسلِيمًا".
بارك الله لي ولكم ...

الخطبة الثانية:
أما بعد: فمن سلمه الله وعافاه من موجبات العقوبات فليحمد الله، وليحذر من الشماتةِ أو السخريةِ بمن أُقيم عليه حدٌ أو قِصاص؛ فقد أنكر النبي  على خالد بن الوليد  لعنه لمن رُجمت حداً .
والذين نُفذِّت فيهم الأحكام -في الأسبوع الماضي- ليسوا سواء؛ ففيهم الجاهل الذي غُرر به، فعسى أن يكون هذا الحكمُ كفارةً له وتطهيراً .
ومنهم من ضل وأخطأ، فنسأل الله أن يكون ما وقع من حكمٍ رادعاً له ولغيره عن المضي في درب الجهالة والإجرام.
ومنهم الضالُّ المضلُّ صاحبُ الإجرام والإفساد، والذي نسأل الله أن يكون حكمُ الإعدام كفاً لشره، وردعاً لكل من تسوِّل له نفسه أن يسلُك طريقَه.
وكلهم أفضى إلى ما قدم، ونسأل اللهَ أن يرحمَ موتانا وموتى المسلمين، ويحفظَ أولادنا وبلادنا من الشرور والفتن.
عباد الله، لقد علم القاصي والداني والمحبُّ والمبغضُ أن بلادَنا بحمد الله تَعَالَى آمنةٌ مطمئنة؛ سُبُلها آمنة، مدنُها على كِبَرِها آمنة، قُراها على بُعدها آمنة، الأمن -بحمد الله- قد عَمَّ الحاضرَ والباد، والمواطنَ والمقيم، وأما الجريمة فقد ضُيّق عليها الخناق، ووقف لها رجالُ الأمنِ بالمرصاد. فقل لي بربك: ما الذي خَصَّنا بهذه النعمةِ دون أكثرِ العباد؟ إنه توحيدُ الله تَعَالَى، والطهارةُ من الشرك الذي حرَّم الله الجنة على صاحبه، فبلادنا بحمد الله من مظاهر الشرك سالمة، ولمنائره هادمة. قال الله تَعَالَى: "الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ".
ومن آثار التوحيد: تطبيقُ حدودِ الله تعالى، وإقامةُ شرعه بين الناس؛ فالحمد لله على هذه النعمة، ونسأله -سُبْحَانَهُ- أن يزيدَ بلادنا عزةً وقوة، وأن يوفقها لكل خير، وأن يجنبها كلَّ شر ومكروه، وأن يديمَ عليها نعمةَ الأمن والإيمان، وسائرَ بلادِ المسلمين.
هذا وصلوا وسلموا ...

المرفقات

946.doc

المشاهدات 1292 | التعليقات 0