إِعْلامُ النَّاس بشُرور فِتْنَةِ الأَحلاس

الطيب بن أحمد عشاب
1435/11/04 - 2014/08/30 08:40AM
[align=justify][/align] إعلامُ النَّــاسِ بِشُرورِ فِتْنةِ الأَحْــلاسِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[align=justify]{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
أَحْمَدُهُ سُبحانَهُ وَ تََعالى حمْداً كَثيراً مُبارَكاً فيهِ كَما يَنْبَغي لِجَلالِ عِزِّهِ وَ عَظيمِ سُلْطانِهِ.وَ أَشْهَدُ أَنْ لا إلـهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ. أَكْرَمَنـا بخيرِ نبيٍّ أُرْسِل وخصَّنـا بِأَفْضَلِ كتابٍ أُنْزِل وأَتمَّ النِّعْمَةَ عَلَيْنا بِأَعْظَـمِ دينٍ شُرِع { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} (المائدة: من الآية3) وَ أَشْهَدُ أَنَّ محمداً عبدُهُ و رَسولُهُ،أَرْسلَهُ على حينِ فترةٍ من الرسلِ بيْنَ يدي الساعةِ بشيراً و نذيراً.بَلَّغَ الرسالةَ، أدَّى الأمانةَ،نَصَحَ للِْأُمَّة و جاهدَ في الله حقَّ جهادهِ حتى أتاهُ اليقينُ منْ ربِّهِ.فاللهم صل عليه و على آله و أزواجِهِ الطيبينَ الطاهرين و على أصحابه الْغُرِّ الْمُحَجَّلينَ الميامين و على تابِعيهِمْ ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102)
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}(الأحزاب:70/71)


ثم أما بعــدُ
عبادَ الله ... معشَرَ المؤمِنين...
لَقًدْ أطًلًّتِ الْفِتًنُ بِرًأْسِها في جًسًدِ الأُمًّةِ،فأًلْبًسًتْها خُطوباً وً نًوازِلَ مُدْلَهِمَّـةً وَ صَنَعَتْ مِن أًمْنِها وً أًمانِها ساحَةً لِمُشاكَسَةٍ مُتَلاطِمَةٍ وَ حَوَّلَتْ هُدوءَها وَ سُكونَها إِلى أَيامٍ وَ لَيالٍ عاتِيَةٍ، فأَصْبَحَتْ الملايينُ مِنْ أُمَّتِنا ـ التي امْتَنَّ اللهُ تَعالى عَلَيْها بِأَنْ آمَنَها مِنْ خَوْفٍ وَ أَطْعَمَها مِنْ جُوعٍ ـ مُنْدَهِشَةً هارِبَةً خائِفَةً، وَمُفْتَقِرَةً مُفْلِسَةً جائِعَةً.تَئِنُّ تَحْتَ الشَّدائِدِ و الْمُلِمَّـات وَ تَتَجَرَّعُ آلامَ الْوَيْلاتِ وَ الْبَلِيَّـاتِ.

و قَدْ أَخْبَـرَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَ هُوَ الصادِقُ المصدوقُ بما يَكونُ مِنَ الْفِتَنِ ؛ بَيَّنَها وَجَلَّاها بَياناً جَلِيّاً شافِياً وَ لَمْ يَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئاً حِسّاً وَ مَعْنىً، كَما أَكَّدَ ذلِك حُذَيْفةُ بنُ اليًمانِ فِي الحَْدِيثِ الصَّحيحِ حينَ قالَ رَضِيَ اللهُ تَعالى عَنْهُ: «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا، مَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، إِلَّا حَدَّثَ بِهِ»
ومِنَ الْفِتَنِ الَّتي حَدَّثَ بها رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحابَهُ، وَ نَبَّأَ بِتَصَدِّي الأُمَّةِ لأَحْداقِها وَأَنَّها سَتَطْعَمُ مَرارةَ أَذْواقِها فِتنةُ الأَحْلاسِ.

روى سُلَيمانُ بنُ الأَشْعَثِ بنُ شَداد بنُ عَمرو، الأزْدي أبو داود، السَّجَسْتاني ، إمامُ الأئمةِ في الحَْديثِ،في سُنَنِه وَ هُوَ أَحَدُ كُتُبِ الحديثِ الستّةِ المشهورةِ؛قال:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ، حَدَّثَنِي الْعَلَاءُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ الْعَنْسِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: كُنَّا قُعُودًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ، فَذَكَرَ الْفِتَنَ فَأَكْثَرَ فِي ذِكْرِهَا حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الْأَحْلَاسِ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا فِتْنَةُ الْأَحْلَاسِ؟ قَالَ: " هِيَ هَرَبٌ وَحَرْبٌ، ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ، دَخَنُهَا مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي، وَلَيْسَ مِنِّي، وَإِنَّمَا أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ، ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ، ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ، لَا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً، فَإِذَا قِيلَ: انْقَضَتْ، تَمَادَتْ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا، حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى فُسْطَاطَيْنِ، فُسْطَاطِ إِيمَانٍ لَا نِفَاقَ فِيهِ ، وَفُسْطَاطِ نِفَاقٍ لَا إِيمَانَ فِيهِ، فَإِذَا كَانَ ذَاكُمْ فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ، مِنْ يَوْمِهِ، أَوْ مِنْ غَدِهِ "

ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الْحَدِيـثِ فِتَنًا وَ هِي: فِتْنَةُ الْأَحْلَاسِ ، فِتْنَةُ السَّرَّاءِ ، فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ و فِتْنَةُ المسيحِ الدَّجَّالِ.
و نَتَعَرَّضُ في خُطْبَةِ هذا الْيَوْمِ المبارَكِ لِفِتْنَةِ الأحْلاسِ لأَنَّها تَنْطَبِقُ كَثيراً مَعَ ما تَعيشُهُ الأُمَّةُ مِنْ جَرّاءِ فِتْنَةِ خَوارِجِ العَصْرِ.

"الأحلاس" جمع حِِلْسٌ بكسر الحاء وَهُوَ كِساءٌ يوضَعُ على ظَهْرِ الدّابَّةِ.فَيوضَعُ عَلى ظَهْرِ البعيرِ قَبْلَ الرَّحْلِ أو على ظهورِ الحَميرِ و الْبِغالِ قَبْلَ البَراذِعِ أَوْ على ظَهْرِ الخيْلِ قَبْلَ السَّرْجِ
وَ هُوَ أيضا ما ما يُبسَط في البَيْتِ مِنْ حَصِيٍر ونَحْوِهِ تَحْتَ كَرِيمِ المْتَاعِ.

وَ قَد سَمَّـى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الفتنةَ بِفِِتْنَةِ الأحْلاسِ تَشْبيهاً لها بِدَوامِها وَ لُزومِها.
وَقالَ الفقيهُ المحدِّثُ الإمامُ الخطابي رحمه الله تعالى: " إِنما أُضيفَتْ إِلى الأَحْلاسِ لِدَوامِها وَطولِ لُبْثِهَا.يُقالُ للرَّجُلِ إذا كانَ يَلْزَمُ بَيْتَهُ لا يَبْرَحُ مِنْهُ هُوَ حَلِسُ بَيْتِهِ، لأَنَّ الحْلسَِ يُفْترشُ فَيبْقى على المكانِ ما دام لا يُرْفَعُ.وقد يَحْتَمِلُ أَنْ تَكونَ هذه الفِتْنَةُ إنما شُبِّهَتْ بالاحْلاسِ لِسَوَادِ لَوْنِهَا وَظُلْمَتِهَ "
كَما يُفْهَمُ من إِضافَتِها لِلْأَحْلاسِ لِكَوْن صانِعيها مِنْ أَسافِلِ الْقَوْمِ وَصِغارِهمْ وَ مِنَ الَّذين لا يَسْتَطيعون أَداءَ أَدْوارِهِمْ و واجِباتِهِم بَعْدُ تُجاهَ أُمَّتِهِمْ.
صانِعوها مِنْ أَسافِلِ الْقَوْمِ لِكَوْنِ الأحْلاسِ لا توضَعُ إِلا أَسْفَلَ الرِّحالِ وَ الْبَراذِعِ و السُّروجِ و أَسْفَلَ كُلِّ متاعٍ كَرِيمٍ.
صانِعوها مِنْ صِغارِ الْقَوْمِ سِنًّا و عَقلاً لِكَوْنِ قيمَةِ الأَحْلاسِ قَليلَة،فأصْبَحوا لِصِغَرِ سِنِّهِمْ وَ خِفَّةِ عَقْلِهِمْ وَ َسفاهَةِ أَحْلامِهِمْ رؤوسَ فِتْنَةٍ وَ قَتَلَةً مارِقين كَما قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حديث عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ»
و لما سُئِلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا فِتْنَةُ الْأَحْلَاسِ؟ قَالَ: " هِيَ هَرَبٌ وَحَرْبٌ و في رواية مسند الإمام هِيَ فِتْنَةُ هَرَبٍ وَحَرَبٍ

و هذِهِ الْفِتْنَةُ تَتَطابَقُ كَثيراً مَعَ ما تَعْرفُهُ أُمَّتُنا مِنْ وَيْلاتِ فِتْنَةِ الْخَوارِجِ في أَيّامِنا.
إنَّهُم يُكَفِّرونَ كُلَّ المسلمينَ المُخالِفينَ لَهُمْ بِغيرِ عِلْمٍ و يَسْتَحِلونَ دَمَهُمْ و إن كانوا آباءَهُم أو أبناءَهُم { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ }كما يُكَفِّرونَ حُكَّامَ المسلمينَ ومَنْ تَحْتَ طاعتِهِمْ و عُلماءَهُم ويُعْرِضون عَنْ مَنْهَجِ السًَّلَفِ الصّالحِ و يَتَعَلَّقونَ بِشِعاراتٍ كالجهادِ و الخِْلافَـةِ.

َو لا فَرْقَ بَيْنَهم في ذلك وَ بَيْنَ خَوارِجِ الأَمْسِ في التَّشَدُّدِ مَعَ المسْلِمينَ وَ تَكْفيرِهِمْ و اسْتِباحَةِ دِمائِهِمْ و أَمْوالِهِمْ و الخْرُوجِ بالسَّيْفِ على الأُمَّةِ.
فخوارجُ الأَمْسِ خَرَجوا بالسَّيْفِ على الخليفةِ عُثمانَ رَضِيَ اللهُ تَعالى عَنْهُ وَ قَتَلوهُ بِدَعْوى التَّهاوُنِ في العَدْلِ و تطبيقِ شَرْعِ الله كما خَرَجوا عَنْ طاَعةِ عَلِيٍّ بنِ أَبي طالِب رَضِيَ اللهُ تَعالى عَنْهُ وَ قَتَلوهُ بِدَعْوى عَدَمِ الاحْتِكامِ لِلْكِتابِ، وَتَحْكيمِ الرِّجَالِ.

وَ مِنْ جَرائِمِ خَوارِجِ الأَمْسِ الكثيرةِ قَتْلُهُم عَبْدَ اللهِ بنَ خَبَّاب بنَ الأَرَتِّ ـ رضِيَ اللهُ عَنْهُما ـ فَذَبَحوهُ كَما تُذْبَحُ الشاةُ ثُمَّ ذَبَحوا زَوْجَتَهُ وَ بَقَروا بَطْنَها و اسْتَخْرَجوا جَنينَها مِنْ بَيْنِ أَحْشائِها.

وَ التَّشَدُّدُ لِسوءِ الْفَهْمِ وَ فَرْضِ الرَّأْيِ لَيْسَ مِنَ الإسْلامِ في شَيْءٍ كَما أَنَّ التَّشَدُّدَ يكونُ مَعَ الكُفارِ أَمّا المؤمِنونَ فَحقُّهم على إخْوانِهِمء الرحمةُ.يَقولُ المولى جَلَّ في عُلاه عَنْ أَصْحابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} (الفتح:29) إنهم يقتلون المسلمين و يتركون أعداء الأمة الحاقدين كما أخبر رسول الله ص بذلك « يقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ، لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ»

ارتكبوا جَرائِمَ قَتْلٍ بَشِعَةٍ ضِدَّ الْمُسْلِمينَ و قاموا بِسبْيِ نِسائِهِمْ.
فكانت فتنتُهم كما أخبر بذلك النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتنةَ هَرَبٍ وَ حَرَبٍ. فتنةَ هَرَبٍ إذْ هاجَرَتْ عَشَراتُ الآلافِ مِنَ المسلِمينَ النّاجينَ بسوريا و العراقِ تَحْت َوَطْأَةِ الرُّعْبِ. وكانَتْ فِتْنَةَ حَرَبٍ بَعْدَما سَلَبوا مِنَ المسلمينَ أَمْوالَهُمْ و مساكِنَهُمْ وَ أَرْزاقَهُمْ. قال الخطابي :"وَالْحَرَبُ ذهابُ المالِ والأهْلِ، يقالٌ حَرِبَ الرجلُ فهو حَريبٌ إذا سُلِبَ أهْلَه ومالَه"
اللهم جَنِّبْنا الفِتَنَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ
توبوا إلى ربِّكُمْ و اسْتَغْفِروهُ، إِنَّهُ هو الغفورُ الرحيمُ

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَـقَّ حَمْدِهِ، و الصَّلاةُ و السَّلامُ عَلى خيْرِ خَلْقِهِ و رَحْمَتِهِ المهداةِ للْعالَمينَ،سيِّدِنـا مُحَمَّدٍ رسولِ رَبِّ الْعالَمينَ إلى النَّاسِ أَجْمَعين.

عباد الله...
إن َّ مِمّـا يَجِبُ التَّذْكيرُ بِهِ في هذا الزَّمَنِ الحَرِجِ الذي مَزَّقَتْ فيهِ الفِتَنُ جَسَدَ الأُمَّةِ و تكالَبَتْ عَلَيْها الأُمَم بِـتَزايُدِ مُشاقَّتِها مِنْ طَوائِفِ الَضَّلالِ والْبَغْيِ

ـ وُجوبُ تَصَدّي الأمَّةِ لهذا الفِكْرِ المنْحَرِفِ الضَّالِّ.و عَلى العُلَماءِ الرَّبانيين أَنْ يُؤَدُّوا دوْرَهُم تاما كاملا غيرَ ناقصٍ
فالفتنُ إذا أطَلَّتْ بِرَأْسِها في المجتمعِ وَجَبَ على العُلماءِ والمصلِحينَ والدُّعاةِ وأهْلِ الْحَلِّ وَالعَقْدِ وصُنّاعِ القَرارِ التَّعامُلُ مَعَها بما يوافِقُ شَرْعَ اللهِ المطَهَّرِ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِي أَيِّ شَيْءٍ قَتَلَ، وَلَا يَدْرِي الْمَقْتُولُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ»
فما جوابُ هؤلاءِ القتلةِ المارقين يومَ القِيَامَة عن سُؤالِ المقتولينَ كما في الْحديثِ الصَّحيحِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « يَجِيءُ الْمَقْتُولُ بِقَاتِلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي»
و ما مكانةُ النفسِ في هذا الشرْعِ العظيمِ، و كيفَ تستحلُّ دمَاءُ المُسْلمينَ و قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا»

ـ الخوارِجُ عَدُوٌّ لِرَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و عَدُوٌّ لِصَحابَتِه و عَدُوٌّ للصالِحين في الأمة سَلَفِهِمْ و خَلَفِهِمْ «لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ» و رايةُ الجهادِ التي يَرْفَعونَها كاذِبَةٌ لأنَّهُمْ مارِقون مِنَ الدينِ كما وَصَفَهُمْ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و خارِجونَ عَنِ الجَماعَةِ و داعونَ إلى الضَّلالَةِ و مُسْتَحِلّون لدماءْ الأمَّةِ.
إنهَّمُ يمثلون في عالمِ اليَوْمِ إرهابَ الجماعةِ إلى جانبِ الكيـانِ الصُّهْيوني الذي يُمَثِّلُ إرْهابَ الدَّوْلَةِ.

ـ الدُّعاءُ و التَّضَرُّعُ إلى الله تَعالى بأن يُجَنِّبَنا الفِتَنَ ما ظَهَر منها و ما بَطَنَ،و أن يُبْرِمَ لهذه الأمةِ أمرَ الرشد الذي يُعَزُّ فيه أَهْلُ الطَّاعَةِ و يُذَلُّ فيه أهْلُ الْمَعْصِية.و الدعَاءُ هو العبادةُ و هو سِلاحُ المؤمِنينَ الصَّادِقينَ

ـ الثباتُ على التوْحيدِ و الاستقامَةُ على التُّقَى و الْهُدَى،و العملُ على إِظْهارِ السُّنةِ و إماتَةِ البِدْعَةِ، فالفتنُ ابتلاءاتٌ { وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } (العنكبوت:3)
اللهم صل على محمد و على آل محمد .[/align]
المرفقات

554.doc

المشاهدات 2887 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا