إعصار ساندي قوة الجبار

إبراهيم الحدادي
1433/12/17 - 2012/11/02 14:52PM
[font="]الحمد لله الملك الجبار العزيز الغفار وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المختار ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الأخيار ، ومن تبعه بإحسان ما تعقب الليل والنهار .[/font]
[font="] [/font]
[font="]أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تبارك وتعالى تَدرعُوا بها في الشدة والرخاء في السراء والضراء اعمروا بها أوقاتكم صباحاً ومساءً فبها تدفع المحن والبلايا والفتن والرزايا ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً )الطلاق2[/font]
[font="] [/font]
[font="]عباد الله! آياتٌ ونذر من الرحمن الرحيم للبشرية جمْعاء تتجدد يوما بعد يوم بلْ بكل لحظة من لحظات حياتهم؛ حروبٌ ومجاعات، أمراضٌ فتاكة ، حوادث سير في البر والبحر والجو، ينجم عنها موت الجماعات من الناس في لحظة واحدة، خسوف وكسوف، زلازل وبراكين وفيضانات، عواصف وأعاصير وغيرها ..[/font]
[font="]وقد أراد الله أن يرسل على دولة الكفر والفساد إعصارا سموه بإعصاربساندي ، فأنشأه في البحر، وضرب به جانب البر، اقتلع الأشجار، وخرب البيوت، واكتسح اليابسة، وأوقف الصادرات. حل الرعبٌ في القلوب، وقُطِعَت وسائل الاتصال والطاقة الكهربائية ، دخلت المياه على الناس في بيوتهم، وتوقفت حركة السير والطيران، وتقطعت بالناس السبل، وَفَيَاتٌ، وإصاباتٌ. والخسائر بالمليارات .[/font]
[font="] ما بَيْنَ غَمْضَةِ عَيْنٍ وانْتِبَاهَتُها يُبَدِّلُ الله مِنْ حالٍ إلى حَالِ[/font]
[font="] [/font]
[font="]فمن الذي أنشأه؟ إنه الله -عزَّ وجلَّ-. ومن الذي سيّره؟ إنه الله -عزَّ وجلَّ-. ومن الذي يعلم إلى أين يتجه، ومن سيصيب؟ إنه الله -عزَّ وجلَّ-.. {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (القمر:49)، [/font]
[font="] [/font]
[font="]لا إله إلا الله القوي الجبار، العزيز القهار،{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82]. [/font]
[font="] [/font]
[font="]أما هذا العالم المادي الذي لا يعرف الكثيرون فيه الآخرة؛ إنما ينسبون كل شيءٍ إلى الإعصار، وكأنه الذي خلق نفسه، وأنه يفعل ما يشاء، ويقولون: ثأر الطبيعة، وغضبة الطبيعة.[/font]
[font="] [/font]
[font="]إنها عقيدة فاسدة ترفض أن تذكر ربّها، لكن المسلم بما يحمل من عقيدة التوحيد يعلم أن الضر والنفع بيد الله، وأن ما يجري من هذه الآيات والنذر إنما هي بِقَدَرٍ من الله لحكمة يريدها الله، عَلِمَها البشر أو غابت عنهم،{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرّفُ الاْيَـاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}[الأنعام: 65-67]،{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ} [النور: 43].[/font]
[font="] [/font]
[font="]فلا إله إلا الله، تمر بنا الأحداث حدَث بعد آخر، فهل نأخذ العبر؟! هل نتعظ ونتدبر؟!{يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ}[الرعد: 2]. فالأمواج جند الله، والبحار جند الله، والجبال جند الله، والرياح والغبار جند الله، والأرض والسموات كلها جنود، تتحرك بأمر الله، وتسكن بأمره،{وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ}[المدثر: 31]. فيا سبحان الله يأمر الزلازل فتتحرك، ويأمر البراكين فتتحرك، ويأمر الأعاصير فتتحرك، فتدمر كل شيء بأمر ربها . [/font]
[font="] [/font]
[font="]أيها المؤمنون! لا يجب أن يمر هذا الحدث دون تأمّل وتفكر واعتبار، ففيه بيان عجز الإنسان وضعفه، وإحاطة قوة الله وقدرته به من كل الجهات: من فوقه ومن تحته، وفي أرضه وسمائه وهوائه، وفيه بيانُ عظيمِ بطش الله وقهرِه وجبروته وشدّته وقوة محاله وعظمته،{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}[البروج: 12]،{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}[الزمر: 67]فإن الله سبحانه فعال لما يريد، وهو على كل شيء قدير، إنه سبحانه شديد المحال، إنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء .[/font]
[font="] [/font]
[font="]عباد الله : إنها ظواهر كونية تستحق أن نقف معها وقفة تأمل وادِّكار، وعظة واعتبار، فالريح والإعصار، رسل نذر وإنذار، من الملك الجبار، وآية من آيات الواحد القهار،{وَمَا نُرْسِلُ بِالآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا}[الإسراء: 59]. لقد خوَّف العظيم الجليل عباده بالريح العاتية، وأنذرهم بالأعاصير القاصفة، كما قال تعالى: {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً()أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا"[الإسراء: 68، 69]. ولعظمة الريح وعظم شأنها أقسم بها ربها فقال جل في علاه: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا()فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا()وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا}وجعلها الله تعالى برهانًا دالاً على ربوبيته وألوهيته، قال تعالى:{وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}[الجاثية: 5]. هذه الرياح جند طائع لله تعالى، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ}[المدثر: 31]، فإذا شاء الله صيرها رحمة، فجعلها رخاءً ولقاحًا للسحاب، فكانت مبشرات بين يدي رحمته ونزول نعمته، "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ"[الروم: 46]، وإذا شاء الله جعل هذه الرياح نقمة ونكالاً، فكانت صرصرًا عاصفًا وعذابًا عقيمًا، قال تعالى عن قوم عاد لما كفروا واستكبروا:"وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ()مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ"[الذاريات: 41، 42]. هذه الريح جعلها الله سلامًا لنصرة أوليائه، فحينما زلزل المؤمنون يوم الخندق زلزالاً شديدًا،نصر الله نبيه وأولياءه بهذه الريح، فأرسلها على أعدائهم عاتية قلعت خيامهم وأطفأت نارهم وكفأت قدورهم، فارتحلوا بعد ذلك صاغرين متفرقين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا"[الأحزاب: 9]، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم ((نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ))متفق عليه.والصَّبَا: هي الريح الشرقية، والدَّبور:الريح الغربية. [/font]
[font="] [/font]
[font="]إخوة الإيمان : ومن الحقائق الثابتة التي نطق بها القرآن أن هذه المصائب العامة التي تنزل بالبلاد والعباد إنما هي حصائد ذنوبهم وجزاء ما كسبت أيديهم،"ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"[الروم: 41]، ويقول الله بعد أن ذكر مصارع الأمم:"فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ"[العنكبوت: 40]، ويقول تعالى:"وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ"[القصص: 59]. [/font]
[font="]
[/font]
[font="]نعم، لهذه الأعاصير أسباب وظواهر علمية، ولكن هذا لا يعني التعلق بهذه الأسباب ونسيان خالقها ومسببها، فإن الله تعالى إذا أراد شيئًا أوجد سببه، ورتب عليه نتيجته، كما قال سبحانه: "وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا" [الإسراء: 16].[/font]
[font="] والرياح كما أنها جند من جنود الله يسلطها على من يشاء فإنها أيضا خلق من خلق الله يسخرها لمن يشاء من عباده، قال المولى تبارك وتعالى: "وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ"[الأنبياء: 81]وقال تعالى:"وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ"[سبأ: 12].قال قتادة:"تغدو مسيرة شهر إلى نصف النهار، وتروح مسيرة شهر إلى آخر النهار؛ فهي تسير في اليوم الواحد مسيرة شهرين".[/font]
[font="] [/font]
[font="]ومن الأحكام الشرعية مع الريح والأعاصير أنه لا يجوز سبها أو لعنها، قال صلى الله عليه وسلم : ((لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ؛ فَإِنَّهَا تَجِيءُ بِالرَّحْمَةِ وَالْعَذَابِ، وَلَكِنْ سَلُوا اللَّهَ خَيْرَهَا، وَتَعَوَّذُوا بِهِ مِنْ شَرِّهَا)) رواه أحمد بسند حسن. [/font]
[font="]أقول ما تسمعون،....
[/font]
[font="]
[/font] [font="] الخطبة الثانية:[/font]
[font="] [/font]
[font="]الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن ولاه، [/font]
[font="]أما بعد: يقول الله تعالى {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا}[الجن: 16].[/font]
[font="]إن من أهم الأسباب التي تستدفع بها الأمة الكوارث عنها إزالة رايات الفساد والإفساد المستعلنة، وإنكار المنكر، والأخذ على أيدي السفهاء الذين يخرِقون سفينة مجتمعنا بمسامير الشهوات أو بمطارق الشبهات، الأخذ على أيديهم ومنع فسادهم وإفسادهم حلقة من حلقات الإصلاح، وصمام أمان من العقوبات الإلهيه،"وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ"[هود: 117]. أما إذا علت المنكرات وكثر سوقها وصلُب عودها ولم يوجد النكير فإن العقوبة عامة، سيهلك الأخيار بجريرة الفجار. سألت زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقالتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟! قَالَ: ((نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ)). فاتقوا الله أيها المسلمون، وانظروا إلى هذه الحوادث بعين البصر والبصيرة، والعقل والتعقل، لا بعين الشماتة أو التزكية للنفس، فقد يصرف الله العقوبات عمن هو أفجر وأفسق إمهالا ومكرًا بهم،{لا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ" [الأعراف: 99]. [/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
المشاهدات 2373 | التعليقات 1

جزاكم الله خيرا على هذا الطرح