إعجاز القرآن الكريم

احمد ابوبكر
1435/05/10 - 2014/03/11 09:18AM
المعجزة لغة: ما أُعجز به الخصم عند التحدي (القاموس المحيط) وهي أمر خارق للعادة يعجز البشر مُتفرِّقين ومجتمعين عن الإتيان بمثله يجعله الله على يد من يختاره لنبوته، ليدل على صدقه وصحة رسالته.

والقرآن الكريم كلام الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم هو المعجزة العظمى الباقية على مرور الدهور والأزمان، المعجز للأولين والآخرين إلى قيام الساعة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من الأنبياء نبي إلا أُعطي من الآيات على ما مثله آمن البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة» (رواه البخاري: كتاب فضل آيات القرآن، ومسلم: كتاب الإيمان).

وليس المراد في هذا الحديث حصر معجزاته صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم؛ بل المراد أن القرآن الكريم هو المعجزة التي اختص بها دون غيره، لأن كل نبي أُعطِيَ معجزة خاصةً به، تحدى بها من أُرسِل إليهم، وكانت معجزة كل نبي تقع مناسبة لحال قومه، ولهذا لما كان السحر فاشيًا في قوم فرعون، جاءهم موسى عليه السلام بالعصا على صورة ما يصنع السحرة، لكنها تلقف ما صنعوا، ولم يقع ذلك بعينه لغيره.

ولما كان الأطباء في غاية الظهور، جاء عيسى عليه السلام بما حيّر الأطباء من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وكل ذلك من جنس عملهم ولكن لم تصل إليه قدرتهم.

ولما كانت العرب أرباب الفصاحة والبلاغة والخطابة؛ جعل الله عز وجل معجزة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42].

وتتميز معجزة القرآن الكريم عن سائر المعجزات؛ لأنه حجة مستمرة باقية على مر العصور، والبراهين التي كانت للأنبياء انقرض زمانها في حياتهم ولم يبق منها إلا الخبر عنها، أما القرآن الكريم فلا يزال الحجة البالغة، لذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة».

والقرآن الكريم آية بينة، معجزة من وجوه متعددة من جهة اللفظ، ومن جهة النظم والبلاغة في دلالة اللفظ على المعنى، ومن جهة معانيه التي أمر بها ومعانيه التي أخبر بها عن الله تعالى وأسمائه وصفاته وملائكته، وغير ذلك من الوجوه الكثيرة التي ذكر كل عالِم ما فتح الله عليه به منها.

ومن وجوه الإعجاز في القرآن الكريم:

1- الإعجاز البياني والبلاغي:

من الإعجاز القرآني ما اشتمل عليه من البلاغة والبيان والتركيب المعجز، الذي تحدى به الإنس والجن أن يأتوا بمثله فعجزوا عن ذلك قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88].

وقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ . فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور:33-34].

فلم يستطيعوا الإتيان بمثله -وأنى لهم ذلك- ولم يكونوا من الصادقين: وتحداهم أن يأتوا بعشر سوره مثله.. {أَمْ يَقُولُونَ اِفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَر مِثْله مُفْتَرَيَات وَادْعُوا مَنْ اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُون اللَّه إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [هود:13].

وعجزوا أيضًا عن ذلك: فأفسح لهم في التحدي {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ . فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:23-24].

وثبت التحدي في هذه الآية للعرب المعاصرين لنزول القرآن الكريم ولمن يأتي بعدهم إلى آخر الزمان.

وأكد التحدي، وقطع بعجزهم حيث قال: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88].

2- الإخبار عن الغيوب:

مما يدل على أن القرآن الكريم معجزة من عند الله العلي القدير، أنه اشتمل على أخبار كثير من الغيوب التي لا علم لأحد من المخلوقين بها، ولا سبيل لبشر أن يعلمها.

والإخبار بالغيب أنواع:


النوع الأول: غيوب الماضي، وتتمثل في قصص الأنبياء والسابقين وأقوامهم، وما أخبر به الله عن ماضي الأزمان وبداية الخلق.


النوع الثاني: غيوب الحاضر؛ حيث أخبر الله عز وجل رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بغيوب حاضرة مثل كشف أسرار المنافقين، والأخطاء التي وقع فيها بعض المسلمين، أو غير ذلك مما لا يعلمه إلا الله وأطلع عليه رسوله صلى الله عليه وسلم.

النوع الثالث: غيوب المستقبل؛ أخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأمور لم تقع، ثم وقعت كما أخبر، وعلى أمور سوف تحدث في الأزمان والقرون التالية والتي سوف تأتي بعد ذلك، مما يجتهد العلماء في فهمه وتأويله.

الإعجاز التشريعي:

جاء القرآن الكريم لهداية الإنس والجن، على أن يتبعوه ويعملوا بتشريعاته، التي تفي بحاجات جميع البشر في كل زمان ومكان، لأن الذي أنزله هو العليم بكل شيء، خالق البشر، الخبير بما يصلحهم وما يفسدهم، وما ينفعهم وما يضرهم، فإذا شرع أمرًا جاء في أعلى درجات الحكمة والخبرة {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14].

ويزداد الوضوح عند التأمُّل في أحوال الأنظمة والقوانين البشرية التي يظهر عجزها عن معالجة المشكلات البشرية ومسايرة الأوضاع والأزمنة والأحوال، مما يضطر أصحابها إلى الاستمرار في التعديل والزيادة والنقص، فيلغونَ غدًا ما وضعوه اليوم، لأن الإنسان محل النقص والخطأ، والجهل بأعماق النفس البشرية، وبما يحدث في أوضاع الإنسان وأحواله المختلفة، وبما يصلح البشرية في كل عصر، فهذا هو الدليل الحي الشاهد على عجز جميع البشر عن الإتيان بأنظمة تصلح الخلق وتقوم أخلاقهم، وعلى أن القرآن الكريم كفيل برعاية مصالح العباد دون خلل. وهدايتهم إلى كل ما يصلح أحوالهم في الدنيا والآخرة إذا تمسكوا به واهتدوا بهديه.

قال تعالى: {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء:9].

وإجمالًا فإن الشريعة الإسلامية الغراء التي جاء بها كتاب الله تعالى مدارها على ثلاث مصالح:

المصلحة الأولى: درء المفاسد عن ستة أشياء: (حفظ الدين، والنفس والعقل والبدن والعِرض والمال).

المصلحة الثانية: جلب المصالح في جميع الميادين وسد كل ذريعة تؤدي إلى الضر.

المصلحة الثالثة: الجري على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات، ولم يترك القرآن الكريم جانبًا من الجوانب التي يحتاجها البشر في الدنيا والآخرة إلا ووضع لها القواعد وهدى إليها بأقوم الطرق وأعدلها، وإذا دققنا النظر وأمعنَّا الفكر لوجدنا أن به الحلول لجميع المشاكل العالمية التي عجز البشر عن إيجاد الحلول الحاسمة لها.

ـــــــــــــــــــــ

المراجع:

- (كتاب: الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى: سعيد بن علي القحطاني).
- (مناهل العرفان في علوم القرآن: للزرقاني).
- (أضواء البيان: للشنقيطي).
المشاهدات 1257 | التعليقات 0