إعادة صياغة خطبة ( الإعراض عن الله تعالى )
إبراهيم بن صالح العجلان
فأعدت صياغته واختصاره ، مع تقديم وتأخير ، وشي من التعليق.
فالشكر أولاً وأخيراً للشيخ إبراهيم ، فالجهد جهده ، فله منا خالص الشكر ، وأصدق الدعاء
معاشر المسلمين :
هو أصل كل بلاء ، وأساس كل شقاء ، الضلال يمر من بريده ، والغواية تأتي عبر طريقه ، هو ديدن الكافرين ، وخلق من أخلاق المنافقين .
إذا عشعش في القلب أفسد على العبد دنياه ، وأوبق عليه أُخراه .
إنه الإعراض عن الله تعالى ، إعراض يكون بالبعد عن دين الله ، أو بالاعتراض على أحكام الإسلام ، إعراض يثمر الاستنكاف عن شريعة السماء ، أو بالأُوفوك عن هدايات القرآن ، والصدود عن الناصحين الواعظين بالقرآن .
فتعالوا نورد القلوب شيئاً من مواعظ القرآن ، وحديث الفرقان عن أهل الإعراض وصفاتهم وأفعالهم ونفسياتهم وعاقبتهم .
فآيات الله في الأمم والأفراد ليست سنة ماضية بل شريعة باقية .
( إنَّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) .
إننا لو تأملنا آيات الذكر الحكيم لوجدناها ملئا بالآيات المحذرة من الإعراض عن الله تعالى وعن دينه ، وعن الصدود عن سبيله ، وعن الاعتراض على شريعته .
فرفع العافية ، وإبدال النعم نقماً عقوبات معجلة لمن أعرض عن ذكر ربه ، ونسي ما قدمت يداه .
فهل أصاب قوم سبأ ما أصابهم بعد أن كانوا في آية من النعيم ، إلا بعد إعراضهم وبعدهم ( فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أُوكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل * ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور ) .
وحين اختار كفار مكة سبيل الإعراض عن الدعوة المحمدية وتولوا عنها ، أمر الله نبيه أن ينذرهم بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ( فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود )
وفي خطاب قرآني آخر شديد : ( وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير)
هذه العقوبات الإلهية على أهل الإعراض ليست شرطاً أن تكون حسية كالصواعق والقصف ، والمسخ والقذف ، بل إنَّ عقوبات الملك الجبار على أهل الإدبار قد تكون معنوية ، أن يطمس الله على قلوبهم فلا تهتدي لحق ، ولا ينفعها ذكر ( لهم قلوب لا يفقهون بها ) فالقلوب تنبض وتجري فيها الدماء ، ولكنها قلوب قد علاها الرَّان ، حال الله بينهم وبين قلوبهم بما كانوا يكسبون ، يقول الله سبحانه مبيناً حال قلوب أهل الإعراض ، وعقوبته بهم : ( ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنَّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً )
إنها قلوب بسبب الإعراض مريضة ، لا تهتدي بهدي القرآن ، ولا تستشفي بشفاءه ، إذا ذُكر الله وحده اشمأزت ، وإذا ذكر الذين من دونه رقصت وطربت ،
مضغ تنقبض وتضيق ، وتنفر نفرة عجيبة من مواعظ وأوامر القرآن ( فما لهم عن التذكرة معرضين )
معرضون بسبب الأكنة التي طمست قلوبهم ، ولولاها لتأثروا بوعيد القرآن ووعده ، وأياته وعبره .
وحين يختار العبد الشقي سبيل الإعراض عن ربه ، فليس أمامه إلا سبل مظلمة موحشة ، سبل فيها انحراف خلقي ، وسبل فيها انحراف فكري وعقدي ، وسبل أخرى جمعت السوأتين كليهما ، يجره إليه الشيطان جرا ، ويزينها له في قلبه فيحسب العبد المسكين أنه على شي ( وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون )
وأهل الإعراض عن الله تعالى أقسام :
ـ فقسم جهلوا الحق فأعرضوا عنه ، فجهلهم هو سبب إعراضهم ، قال الله تعالى: ( بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون ).
ـ وقسم عرفوا الحق ويدركون وَيُدْرِكُونَ أَنَّهُمْمَصْرُوفُونَ عَنِ الحَقِّ إِلَى البَاطِلِ، وَعَنِ الهُدَى إِلَى الضَّلاَلِ،وَلَكِنَّهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ اتِّبَاعَ الحَقِّ مِنَ الخِذْلانِ الَّذِي حَاقَبِهِمْ؛ عُقُوبَةً لَهُمْ عَلَى إِعْرَاضِهِمْ؛) فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون * وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون )
ـ وقسم ثالث عرفوا الحق ، لكنَّ قبوله به ورده بحسب مصلحته وهواه ، وهذه خصلة نفاقية ، قال الله عن أهلها : ( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون * أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون ) .
ـ وقسم أخر يعرفون الحق ولكنَّ في الشدة والبلاء ، أما في النعمة والرخاء فغافلون معرضون ، قال الله عن أهل هذا الصنف : (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونئا بجانبه وإذا مسه الشر فذوا دعاء عريض )
المعرضون عن الله تعالى يجتمع عليهم الشقاء والحسرة والبلاء في دنياهم قبل أُخرهم ، فهل شقاء أعظم وأشد ، من إعراض الله عن العبد ، فيكله إلى نفسه الأمارة بالسوء ، فَتُزَيِّنُ لَهُ سُوءُ عْمَلِهِ ، فَتَظُنُّهُحَسَنًا وَهُوَ سَيِّئٌ، فَتَزْدَادُ ضَلالاً وَإِعْرَاضًا؛ [وَمَن يُشَاقِقِٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيرَ سَبِيلِٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡمَصِيرًا ) ،
وَمَعْنَى: [نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى]: أي: نَتْرُكُهُوَشَأْنَهُ لِقِلَّةِ الاكْتِرَاثِ بِهِ، وَفِي قِصَّةِ الرَّجُلِ الَّذِي مَرَّعَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يُذَكِّرُ النَّاسَ،فَأَعْرَضَ عَنِ التَّذْكِيرِ، وَوَلَّى مُدْبِرًا، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهِ: ( وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ ، فَأَعْرَضَ اللهُعَنْهُ)؛رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وأما عذاب الآخرة لأهل الإعراض ، فهو الشقاء والنكال ، والحسرة والوبال ، إنه الوزر العظيم الذي حذر منه المولى بقوله : ( وقد آتيناك من لدنا ذكرا * من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزراً * خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملاً ) ، وَالذِّكْرُ هُنَا هُوَ القُرْآنُ، وَمَنْ أَعْرَضَعَنْهُ فَقَدْ أَعْرَضَ عَنِ اللهِ تَعَالَى .
ويا لتعاسة أهل الإعراض أيضاً من غدهم ومنقلبهم،فقد توعدهم الملك الجبار بالانتقام (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون )
وَانْتِقَامُهُ سُبْحَانَهُ مِنْهُمْ يَكُونُ فِيالدُّنْيَا بِمَا يُصِيبُهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ،وَيَكُونُ فِي الآخِرَةِ بِالعَذَابِ الشَّدِيدِ؛(وَلَعَذَابُ ٱلأٓخِرَةِأَخزَىٰۖ وَهُمۡ لَا يُنصَرُون )
قَالَقَتَادَةُ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-«إِيَّاكُمْ وَالإِعْرَاضَ عَنْ ذِكْرِ اللهِ؛ فَإِنَّمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِهِ فَقَدِ اغْتَرَّ أَكْبَرَ الغِرَّةِ وَأَعْوَزَأَشَدَّ العَوَزِ .
نسأل تعالى أن يرزقنا الإذعان لشريعته ، والقبول لأمره ونهيه ، ونعوذ بالله من مناكفة شرعه ، أو الاستدراك على شيء من دينه ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب )
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .....
الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على عبده المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اجتبى ، أما بعد :
وقد يتقلب المرء في ظلمات الإعراض وهو لا يشعر ، فتراه يعارض نصاً شرعياً ولا يذعن له اتباعاً لهواه ، ثم يجادل بالباطل ليرد به الحق .
فمن أعرض عن نص من نصوص الوحيين فقد وقع في شرك الإعراض ، واتبع هواه ، وهذا هو الضلال بعينه ( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله )
هؤلاء المعرضون عن النصوص ليفتشوا عن صدورهم ، فلربما فسدت قلوبهم وارتكسوا في الآثام وهم لا يشعرون ، ربما انغمسوا في النفاق وتنقلوا بين شعبة وهم لا يدركون .
هذا الصنف من البشر حذر الله نبيه منهم فقال سبحانه : ( وَأَنِ ٱحكُم بَينَهُم بمَآ أَنزَلَٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهوَآءَهُمۡ وَٱحذَرۡهُمۡ أَن يَفتِنُوكَ عَنۢبَعضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيكَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فٱعلَمۡ أَنَّمَايُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعضِ ذُنُوبِهِمۡۗ وَإِنَّكَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِلَفَٰسِقُونَ )
عباد الله :
كم من أقوام أعرضوا عن شريعة الله فكانوا بها من الجاهلين ، فأصبحت أوامر الدين وتشريعاته غريبة عليهم ، فجرهم ذلك إلى الطعن في الدين ، والاستهزاء بالشرع .
كم من أُناس أعرضوا عن دين الله وتعلم الشرع والعقيدة فقادهم ذلك إلى الإلحاد في أسماء الله وصفاته ، والتهكم بعقيدة أهل السنة في هذا الباب .
كم من أقوام اعرضوا عن علم الشريعة ونور الوحيين ، وخلت قراءاتهم وكتاباتهم منها ، وتعلقوا وفتنوا بأقوال فلاسفة هالكين ، فإذا استشهدوا فبهم ، وإذا استدلوا فبكلامهم ، فقادهم ذلك إلى انحراف في المفاهيم ، وخلل في مسلمات الدين .
عباد الله :
إنَّ المُتَتَبِّعُ لِأَحْوَالِ هَؤُلاءِ المُنَاكِفِينَ لِلشَّرِيعَةِ ليَرى بعين البصر والبصيرة أَنَّ بِدَايَاتِ هَذَاالزَّيْغِ الَّذِي أَصَابَهُمْ كَانَ إِعْرَاضًا عَنْ بَعْضِ أَحْكَامِ اللهِ تَعَالَى، تَطَوَّرَ إِلَى اعْتِرَاضٍ عَلَيْهَا، وَمِنْ ثَمَّ اسْتِمَاتَةٍ فِي رَدِّهَا، مَعَ اتِّبَاعِ المُتَشَابِهِ مِنَ النُّصُوصِ، إِلَى أَنْ وَصَلَ بِهِمْ إِعْرَاضُهُمْ إِلَى الزَّيْغِ وَالضَّلالِ، وَالاسْتِهَانَةِ بِاللهِ تَعَالَى،وَرَفْضِ شَرِيعَتِهِ؛(فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُقُلُوبَهُمۡۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَٱلۡفَٰسِقِينَ( ، (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً) .
والحمد لله أنَّ الله قد جعل في هذه الأمة أُلو بقية ينهون ، وينكرون على أهل الإعراض في إعراضهم وانحرافهم ، يفعلون ذلك إقامة للحجة ، وبياناً للحق وعدم كتمانه ، وإعذاراً عند رب العالمين ، مع ما يلاقونه من أهل الإعراض أو من تأثر بهم من سفاهة وسفالة وافتراء .
قَالَ أَبُو تُرَابٍ النَّخْشَبِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُتَعَالَىـ ( إِذَا أَلِفَ القَلْبُ الإِعْرَاضَ عَنِ اللهِ صَحِبَهُالوَقِيعَةُ فِي أَوْلِيَاءِ اللهِ )
فالله الله عباد الله في تعظيم شرع الله والاستمساك بأوامر الله ، وملء القلوب من هذه المعاني ، والحذر كل الحذر من الاعتراض على أحكام الشرع ، أو كراهة شيء منها ، فتبعة ذلك حبوط الأعمال وشقاء ليس بعده شقاء ( ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم )
اللهم صل على محمد ....
المشاهدات 5683 | التعليقات 4
بورك فيكم ياشيخ إبراهيم .. وبورك في الشيخ إبراهيم الحقيل ..
تنبيه على آيه وقع فيها خطأ :
وفي خطاب قرآني آخر شديد : ( وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم شديد )
والصواب
( وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير )
وآخر "فمالهم عن التذكرة معرضون" .... والصواب "معرضين"
ما دام في الخطبة خطأ في آية أو حديث أو حاجة إلى تنسيق فما أدري لماذا يوضع عليها ختم متميز ؟؟
التميز معناه كمال الخطبة من عامة الجهات وأما الكمال التام فليس للبشر قطعا ...
أشكر من مر وصوب وعلق ، فنحن هنا يكمل بعضنا بعضا ..... نفع الله بالجميع
وبالنسبة لاقترحك أبا اليسر فاعتقد أن التشكيل أمر متيسر ، وإن لم يخب ظني فهناك موقع يشكل لك الكلمات ، ولعل الأخوة يفيدونا بالرابط
تحياتي للكريم مرور ..... فلولا وجودك وأمثا لك من الأخوة لما اتضح لنا الخطأ . قال أبو بكر الصولي : المتصفح للكتاب أبصر بمواقع الخلل من منشئة .
أبو اليسر
شيخنا الفاضل : إبراهيم
جزاك الله خير .. وبارك الله في جهودك وجهود الشيخ الحقيل
ينقصها تشكيل بالحركات حتى لا يقع لحن في إلقائها ..
فليتك تهتهم بهذا الجانب فليس كل الخطباء لديهم إلمام قوي باللغة .. وادني شيء نهاية الكملة حتى
أسأل الله لك التوفيق والسداد
تعديل التعليق