(( إصلاح القلب )) خطبة 11شوال

algehani algehani
1440/10/07 - 2019/06/10 17:53PM

 

إصلاح القلب

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله  نحمده و نستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له ، ومن يُضلِل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا كثيرًا

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ ,  ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثاتُها ،وَكُلَّ مُحْدثةٍ بِدْعَةٍ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٍ، وكُلَّ ضَلالةٍ فِي النّارِ .

عباد الله: إن للقلب مكانة عظيمة وأهمية بالغة؛ فبصلاحه تصلح الأعمال والأحوال والجوارح، وبفساده تفسد

قال صلى الله عليه وسلم-: “أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ“.

القلب (عباد الله) هو ملك الجوارح وهو المسؤول عن التأثر والإستجابة  في جسم الإنسان؛ ولذا كان صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول: “يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ“.

والأعمال القلبية(عباد الله)هي التي يكون محلها القلب ومن أعظمها :

الإيمان بالله -عز وجل-، و المحبة، والخوف والرجاء، والإنابة والتوكل واليقين، والإخبات والإشفاق والخشوع، وما إلى ذلك.

وإن مما يدل على أهمية الأعمال القلبية، أن إختلال العبادات القلبية ربما يهدم عبادات الجوارح؛ فالإخلاص عمل قلبي، فإذا زال من قلب العبد أو إختل ، وقع العبد في الشرك أو النفاق أو الرياء فبطل عمله؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.

و الأعمال القلبية(عباد الله) هي أساس النجاة من النار والفوز بالجنة، كالتوحيد وسلامة الصدر للمسلمين ومحبة الله والأنس به والشوق إلى لقائه والإقبال عليه والإعراض عما سواه ،

والعبادات القلبية أشق من عبادات الجوارح.

و العبادات القلبية قد تكون في بعض الأحيان معوضة للعبد عن عبادات الجوارح كالجهاد في سبيل الله، فقد أتي رجال للنبي -صلى الله عليه وسلم- ليحملهم فيقول: (لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ) فهؤلاء كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم فيهم-: “إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا، إِلَّا شَرِكُوكُمْ فِي الْأَجْرِ“ لماذا؟ لأن العذر قد حبسهم؛

فالإنسان قد لا يستطيع أن يعمل بعض الأعمال، ولكنه يبلغ مبلغ العاملين لها بنيته.

ولما للقلوب من مكانة رفيعة وجب الحذر مما يفسدها

ألا وإن من أعظم مفسدات القلوب

تعلق القلب بغير الله عز وجل

فأسر القلب أعظم من أسر البدن، وإستعباد القلب أعظم من إستعباد البدن،

و من مفسدات القلوب الركون إلى الدنيا والإطمئنان بها مع نسيان الآخرة،.

ومما يفسد القلب الفضول من الأكل والشرب و النوم والكلام، وفضول المخالطة والمجالسة، وفضول  الضحك.

والقلب (عباد الله) هومحل نظر الله -عز وجل-، قَالَ صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ، وَأَعْمَالِكُمْ“.

لذا كان لزاماً على كل مسلم أن يحرص على علاج قلبه وإصلاحه بوسائل  منها:

المجاهدة الدائمة والمستمرة

قال جل وعلا (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا  وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)

يقول ابن المنكدر -رحمه الله-: “كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت لي“. فصار في حال من العبودية عجيب.

ومما يصلح القلب: كثرة ذكر الموت، وزيارة القبور، ورؤية المحتضرين؛ فإنها اللحظات التي يخرج الإنسان فيها من الدنيا ويفارق الشهوات واللذات، ويفارق الأهل والمال الذي أتعب نفسه في جمعه، في لحظة ينكسر فيها الجبارون، ويخضع فيها الكبراء، ولا يحصل فيها تعلق بالدنيا،  قال تعالى ( كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ)

فذكر الموت مما يحيي القلب،

وكفى بالموت واعظاً

يقول سعيد بن جبير -رحمه الله-: “لو فارق ذكر الموت قلبي لخشيت أن يفسد علي“.

ومما يحيي القلب: مجالسة الصالحين الذين يذكرون الله -عز وجل-، ويذكِّرون بالله بالنظر إلى وجوههم، فمن الناس من إذا نظرت إلى وجهه انشرح صدرك.

وورد في الحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “خيار عباد الله الذين إذا رؤوا ذكر الله“. ولهذا قيل: “ما أسرّ أحد سريرة إلا أظهرها الله على صفحة وجهه وفلتات لسانه“.

ومما يحيي القلب: أن يكون تعلقه بربه ومعبوده وخالقه -جل جلاله-، فإذا تعلق القلب بالمخلوق عذب به أياً كان، . فالله -عز وجل- خلق هذا القلب وركبه تركيباً خاصاً لا يصلح بحال من الأحوال إلا إذا علق بربه ومليكه. ولهذا كان ابن القيم -رحمه الله- يقول: “إن في القلب وحشة لا يذهبها إلا الأنس بالله، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته، وفيه فاقة لا يذهبها إلا صدق اللجوء إليه، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تذهب تلك الفاقة أبداً“.

فاللهم علق قلوبنا بك وحدك

وأرفع قدرنا عندك

وأكتبنا في أوليائك الصالحين الذين لا خوف عليهم ولاهم يحزنون .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بمافيه من الآيات والذكر الحكيم

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئه

فإستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم

 

 

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وحده لا شريك له تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا..

أما بعد (عباد الله)

ومن الوسائل التي تعين على إصلاح القلوب (الإكثار من الأعمال الصالحة) فقد جاء عن ابن عباس -رضي الله عنه أنه قال -: “إن للحسنة نوراً في القلب، وضياء في الوجه، وقوة في البدن، وزيادة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنا في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضاً في قلوب الخلق“.

ألا وإن من أعظم ما يصلح القلب

 (ذكر الله عز وجل وقراءة القرآن)

قال سليمان الخواص -رحمه الله-: “الذكر للقلب بمنزلة الغذاء للجسد، فكما لا يجد الجسد لذة الطعام مع السقم، فكذلك القلب لا يجد حلاوة الذكر مع حب الدنيا“.

فاتقوا الله -عباد الله- وأصلحوا قلوبكم يصلح لكم أعمالكم

قال تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).

هذا وصلوا رحمكم الله

على الهادي البشير النذير والسراج المنير

فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل

( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا )

اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحابته أجمعين

اللهم أعز الإسلام والمسلمين

اللهم أعز الإسلام والمسلمين

اللهم أعز الإسلام والمسلمين

اللهم أذل الشرك والمشركين والكافرين والمنافقين وجميع أعدائك أعداء الملة والدين

اللهم أشغلهم بأنفسهم ورد كيدهم في نحورهم وأدفع عنا وعن المسلمين شرهم وسوءهم

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا

وإجعل ولايتنا فيمن خافك وإتقاك وإتبع رضاك

اللهم أصلح أحوال عبادك المسلمين أجمعين في كل مكان

اللهم إغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات يا أرحم الراحمين

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

(عباد الله) إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي

يعظكم لعلكم تذكرون

فأذكروا الله العظيم الجليل يذكركم

وأشكروه على نعمه يزدكم

ولذكر الله أكبر والله يعلم ماتصنعون

المشاهدات 1442 | التعليقات 0