إسباغ الوضوء على المكاره (1)

إسباغ الوضوء على المكاره (1)
4 / 4 / 1439هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيمِ الْحَلِيمِ، الْبَرِّ الرَّحِيمِ، الْجَوَادِ الْكَرِيمِ؛ أَفَاضَ عَلَى عِبَادِهِ بِالْخَيْرَاتِ، وَفَتَحَ لَهُمْ أَبْوَابَ الطَّاعَاتِ، وَجَعَلَ لِذُنُوبِهِمْ كَفَّارَاتٍ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ؛ لَا رَبَّ لَنَا سِوَاهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الشِّتَاءَ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِ بِطُولِ لَيْلِهِ لِلْقِيَامِ، وَقِصَرِ نَهَارِهِ لِلصِّيَامِ، وَبَذْلِ وَسَائِلِ الدِّفْءِ لِلْفُقَرَاءِ، وَالتَّفَكُّرِ فِي نُزُولِ الْأَمْطَارِ، وَاهْتِزَازِ الْأَرْضِ بِالزَّرْعِ، وَالِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ عَلَى عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ، وَشُكْرِهِ عَلَى جَزِيلِ نِعْمَتِهِ ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 7].
أَيُّهَا النَّاسُ: إِذَا كَانَ فِي الْعِبَادَةِ مَشَقَّةٌ عَلَى الْعَبْدِ عَظُمَ أَجْرُهَا، وَلَيْسَتِ الْمَشَقَّةُ تُطْلَبُ لِذَاتِهَا، وَلَكِنَّهَا مِنْ لَوَازِمِ بَعْضِ الطَّاعَاتِ، وَإِلَّا فَإِنَّ قَصْدَهَا مَذْمُومٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا أَرَادَ بِالطَّاعَاتِ إِحْرَاجَ عِبَادِهِ وَالْمَشَقَّةَ عَلَيْهِمْ. وَفِي الْوُضُوءِ فِي الشِّتَاءِ مَشَقَّةٌ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْمَاءُ بَارِدًا، وَتَتَضَاعَفُ الْمَشَقَّةُ إِذَا كَانَ الْمُتَوَضِّئُ فِي الْعَرَاءِ، كَمَنْ وُلِعُوا بِالتَّخْيِيمِ فِي الْبَرَارِي فِي الشِّتَاءِ وَهُمْ كَثِيرٌ. وَفِي آيَةِ الْوُضُوءِ بَيَانٌ لِحِكْمَتِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ...﴾ إِلَى أَنْ قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الْمَائِدَةِ: 6]، فَنَصَّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى أَنَّ مِنْ حِكَمِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ التَّطْهِيرَ، وَهُوَ يَشْمَلُ طَهَارَةَ ظَاهِرِ الْبَدَنِ بِالْمَاءِ، وَطَهَارَةَ الْبَاطِنِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا. وَإِتْمَامُ النِّعْمَةِ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا وَتَكْفِيرِهَا، وَالْوُضُوءُ عَلَى الْمَكَارِهِ مِنْ أَسْبَابِ تَكْفِيرِ الْخَطَايَا؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ مَحْوُ الْخَطَايَا وَرَفْعُ الدَّرَجَاتِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي الْوُضُوءِ بِأَمْرَيْنِ: إِسْبَاغُهُ وَهُوَ إِكْمَالُهُ وَإِتْمَامُهُ، وَكَوْنُهُ يَتَوَضَّأُ عَلَى كَرَاهِيَةٍ؛ كَالْوُضُوءِ فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ، فَيَفْعَلُهُ طَاعَةً لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ كَانَتْ نَفْسُهُ تَكْرَهُهُ. قَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «مِنْ صِدْقِ الْإِيمَانِ وَبِرِّهِ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي الْمَكَارِهِ».
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ ذَكَرَ إِحْسَانَ الْوُضُوءِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْغُفْرَانَ يَقَعُ لَهُ بِوُضُوئِهِ قَبْلَ صَلَاتِهِ؛ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى سُرْعَةِ تَكْفِيرِ الْخَطَايَا بِالْوُضُوءِ؛ وَذَلِكَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ يُحْسِنُ وُضُوءَهُ، وَيُصَلِّي الصَّلَاةَ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ حَتَّى يُصَلِّيَهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةِ خُرُوجِ الْخَطَايَا فَقَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ».
وَفِي أَحَادِيثَ أُخْرَى بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةِ خُرُوجِ الذُّنُوبِ مِنْ كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ؛ فَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوُضُوءِ قَالَ: «فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَالْوُضُوءَ حَدِّثْنِي عَنْهُ، قَالَ: مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ فَيَتَمَضْمَضُ، وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ وَفِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ، ثُمَّ إِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ، فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ إِلَّا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ عَلَى أَنَّهُ كُلَّمَا أَحْسَنَ الْعَبْدُ غَسْلَ أَعْضَائِهِ، وَأَسْبَغَ وُضُوءَهُ كَانَ ذَلِكَ أَكْثَرَ لِتَكْفِيرِ خَطَايَاهُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ إِسْبَاغَ الْوُضُوءِ وَإِحْسَانَهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ. إِضَافَةً إِلَى تَفْصِيلِ خُرُوجِ الْخَطَايَا مِنْ كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ. كَمَا دَلَّتِ الْأَحَادِيثُ عَلَى أَنَّ جَزَاءَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ عَلَى وُضُوئِهِ سَرِيعٌ جِدًّا، حَتَّى يُجَازَى بِحَطِّ خَطَايَا كُلِّ عُضْوٍ وَهُوَ لَمْ يَنْتَهِ مِنْ وُضُوئِهِ، وَأَنَّهُ جَزَاءٌ عَظِيمٌ جِدًّا، يَصِلُ بِالْعَبْدِ إِذَا صَلَّى بِوُضُوئِهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ صَلَاتِهِ وَوُضُوئِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وَهَذَا وَرَدَ فِي الْحَجِّ الْخَالِي مِنَ الرَّفَثِ وَالْفِسْقِ، فَشَابَهَ الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ بِخُشُوعٍ الْحَجَّ الْمَبْرُورَ فِي تَكْفِيرِ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ تَعَالَى، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
هَذَا الثَّوَابُ الْكَبِيرُ جَاءَ فِي الْوُضُوءِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ الْإِسْبَاغُ وَالْإِحْسَانُ، فَكَيْفَ إِذَا اقْتَرَنَ بِذَلِكَ كَوْنُ الْوُضُوءِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ، وَكَثْرَةِ الْمَلَابِسِ، مِمَّا يَزِيدُ الْمَشَقَّةَ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ فِي نَزْعِ الثَّقِيلِ مِنْ مَلَابِسِهِ لِأَجْلِ الْوُضُوءِ، وَحَسْرِ أَكْمَامِهِ لِغَسْلِ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ؛ وَذَلِكَ مِنْ إِحْسَانِ الْوُضُوءِ وَإِسْبَاغِهِ؛ لِاسْتِيعَابِ كُلِّ عُضْوٍ بِغَسْلِهِ كُلِّهِ، وَكَوْنِ الْوُضُوءِ بِمَاءٍ بَارِدٍ؛ لِأَنَّهُ فِي مَكَانٍ لَا يَجِدُ فِيهِ مَاءً سَاخِنًا، وَكَوْنِهِ فِي الْعَرَاءِ يَتَعَرَّضُ لِلْهَوَاءِ، وَكَوْنِ وُضُوئِهِ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، وَالنَّاسُ فِي فُرُشِهِمْ وَتَحْتَ أَغْطِيَتِهِمْ يَنْعَمُونَ بِالدِّفْءِ، وَهُوَ قَائِمٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ وَأَسْبَغَهُ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ لَا يَرْجُو بِذَلِكَ إِلَّا ثَوَابَ اللَّهِ تَعَالَى، فَمَا ظَنُّكُمْ بِهِ؟!
فَحَرِيٌّ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يَسْتَحْضِرَ هَذَا الثَّوَابَ فِي كُلِّ وُضُوءٍ، وَمَعَ دُخُولِ كُلِّ صَلَاةٍ؛ لِيَنْشَطَ عَلَى الْوُضُوءِ لَهَا مَهْمَا كَانَ حَالُهُ، وَأَيًّا كَانَ مَكَانُهُ؛ وَلِيُحْسِنَ وُضُوءَهُ وَيُسْبِغَهُ، وَيَجِدَ فِي نَفْسِهِ فَرَحًا بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنْ هَدَاهُ لِهَذَا الدِّينِ، وَأَعَانَهُ عَلَى هَذَا الْوُضُوءِ الَّذِي يُكَفِّرُ خَطَايَاهُ، وَيَسْتَجْلِبُ مَحَبَّةَ اللَّهِ تَعَالَى ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التَّوْبَةِ: 108].
نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعَلِّمَنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْعَمَلَ بِمَا عَلَّمَنَا، وَأَنْ يَجْعَلَنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...
 
 
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِذَا كَانَ الْوُضُوءُ يُخْرِجُ خَطَايَا الْأَعْضَاءِ وَيُكَفِّرُهَا عَنْ صَاحِبِهَا؛ فَإِنَّهُ كُلَّمَا اسْتَكْثَرَ الْمُؤْمِنُ مِنْهُ كَانَ أَكْثَرَ لِتَكْفِيرِ خَطَايَاهُ؛ وَلِذَا كَانَ مِنَ السُّنَّةِ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ؛ لِيَسْتَكْثِرَ الْعَبْدُ مِنْ تَكْفِيرِ الْخَطَايَا، قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَكُنَّا نُصَلِّي الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ صَلَّى الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّكَ فَعَلْتَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ فَعَلْتَهُ، قَالَ: عَمْدًا فَعَلْتُهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، ثُمَّ قَالَ: «وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّهُ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ مَا لَمْ يُحْدِثْ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ اسْتِحْبَابًا وَإِرَادَةَ الْفَضْلِ».
وَالْوُضُوءُ بَعْدَ كُلِّ حَدَثٍ، ثُمَّ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ سَبْقٌ إِلَى الْجَنَّةِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ: «يَا بِلَالُ، حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي: أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ خَشْخَشَةً أَمَامَهُ، فَقَالَ: «مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: بِلَالٌ، فَأَخْبَرَهُ، وَقَالَ: بِمَ سَبَقْتَنِي إِلَى الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَحْدَثْتُ إِلَّا تَوَضَّأْتُ، وَلَا تَوَضَّأْتُ إِلَّا رَأَيْتُ أَنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ رَكْعَتَيْنِ أُصَلِّيهِمَا، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ.
وَمِنْ مَشَاهِيرِ الْمُكْثِرِينَ مِنَ الْوُضُوءِ صَيْفًا وَشِتَاءً الْإِمَامُ الْمُحَدِّثُ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، كَانَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ نَافِلَةً كَانَتْ أَمْ فَرِيضَةً، وَرُبَّمَا تَوَضَّأَ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَكَانَ لَا يَكَادُ يُصَلِّي صَلَاتَيْنِ مَفْرُوضَتَيْنِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ. وَقِيلَ لَهُ فِي كَثْرَةِ وُضُوئِهِ فَقَالَ: «مَا تَطِيبُ لِي الصَّلَاةُ إِلَّا مَا دَامَتْ أَعْضَائِي رَطْبَةً».
فَمَنْ دَاوَمَ عَلَى الْوُضُوءِ، وَصَلَّى بِكُلِّ وُضُوءٍ سَبَقَ إِلَى الْجَنَّةِ. وَمَنْ تَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَكْثَرَ مِنْ تَكْفِيرِ الْخَطَايَا، وَلَا سِيَّمَا إِذَا أَسْبَغَ الْوُضُوءَ عَلَى الْمَكْرُوهَاتِ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَتَبَ لَنَا هَذِهِ الْأُجُورَ الْعَظِيمَةَ عَلَى أَعْمَالٍ قَلِيلَةٍ ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يُونُسَ: 58].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
 
 
المرفقات

الوضوء-على-المكاره-1

الوضوء-على-المكاره-1

الوضوء-على-المكاره-1-مشكولة

الوضوء-على-المكاره-1-مشكولة

المشاهدات 1532 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا