إرهاب “البراميل المتفجرة” هذا ما رأيته في مستشفى عند الحدود السورية / كريستين رايت
احمد ابوبكر
1435/02/20 - 2013/12/23 02:57AM
إرهاب “البراميل المتفجرة" هذا ما رأيته في مستشفى عند الحدود السورية / كريستين رايت
عدت مؤخرا من زيارة للحدود السورية, كنت أسمع اللاجئين خلالها يتهامسون بصوت مخنفض حول “البراميل.
ولهذا سألت :" ما هي هذه البراميل؟".
عندما سمعت الجواب, تمنيت لو أني لم أسأل أطرح السؤال من الأصل.
هذه البراميل عادة ما تكون معبأة بكميات كبيرة من مادة التي أن تي والنفط والمسامير وشظايا معدنية حادة متنوعة. وهي إشارة إلى البراميل التي يلقيها نظام الأسد على المناطق والأحياء السكنية والمدارس والمستشفيات وأي أماكن أخرى فيها ما يكفي من نساء ورجال وأطفال لتدمر على رؤوسهم.
أول مرة عرفت فيها عن البراميل كان خلال زيارتي لعائشة, وهي شابة بنفس عمري, كانت مستلقية على سرير في مستشفى مكتظ عند الحدود السورية التركية.
خلف عيونها التي تغمرها الدموع تكمن قصة ينفطر القلب لها لا يمكن تصورها. والدها كان يسير بصعوبة شديدة وهو يحاول أن يروي لنا قصة رحلتهم, التي خرج فيها هو وابنته كناجين وحيدين من هجوم بالبراميل شنه نظام الأسد ضد المدنيين.
عائشة كانت تعيش مع أسرتها في قرية صغيرة في سوريا عندما سمعت في أحد الأيام صوتا يصم الآذان صادرا عن طائرة مروحية كانت تحوم فوق المنطقة. عندها غطت أذنيها وركضت باتجاه ملجأ قريب, ولكن الأوان كان قد فات. في غضون ثوان قليلة فقط, تطايرات المسامير والشظايا المعدنية الحادة فوقها. شعرت عائشة بالدم ينزف من قدميها بينما كانت تحاول الوصول إلى منزل العائلة.
في ذلك الخضم رأت الشظايا تتطاير حولها في كل مكان. وخلال دقيقة شق الصمت صوت صراخ رهيب ودخان ينبعث من رماد كان ذات يوم منزلها ومنزل أسرتها.
شظايا البرميل كانت مزروعة في جسد أمها وأختها وأبناء أختها الصغار الخمسة, لقد تعرضوا جميعا لأبشع طريقة قتل يمكن تخليها, رؤوسهم وأطرافهم كانت مقطوعة كما مزقت الشظايا أجساد أبناء أختها إلى النصف. وبينما كانت عائشة تشق طريقها وسط الدخان وهي تصرخ, سمعت صوت أنين منخفض, لقد كان صوت الأنفاس الأخيرة التي لفظها أبناء أختها.
لم يكن هناك وقت, كما أخبرتني, ما بين سماع صوت المروحية ورؤية جثث عائلتها المشوهة التي تناثرت حولها. لم يكن هناك أي تحذير. لم يكن هناك وقت أبدا.
في المستشفى الحدودي حيث قصت علي قصتها. كانت عائشة لا تزال مصدومة بما حدث. استجمعت ما بقي من قوتها لسحب الغطاء, حيث كشفت عن جروح عميقة سببتها الشظايا في قدمها. قدمها الأخرى بترت, وتحولت إلى قطع متناثرة بعد الهجوم.
والدها كان يقف بالقرب منا. عند نقطة معينة أعطى ابنته قطعة من الورق المقوى. وبدورها سلمتني إياها بيدها المرتجفة.
لقد كانت صورة لأبناء أختها الخمسة الذي لا تزيد أعمارهم عن 10 سنوات, هذه الصورة هي آخر الذكريات التي تملكها عائشة عن أسرتها التي فقدتها.
قالت لي عائشة وهي تشير إلى كل واحد منهم :" ابن اختي هذا قطع إلى النصف, وهذا قطع رأسه …".
في ذلك اليوم قتل 24 شخص, قالت وهي تروي القصة, وكانوا جميعا من النساء والأطفال.
قال والد عائشة موضحا أنه بعد أيام على الهجوم أعلن نظام الأسد أنهم هزموا الإرهابيين في تلك القرية. وقال النظام إن الأشخاص ال24 الذين قتلوا كانوا جيمعا من الإرهابيين.
ولكنهم في الحقيقة كانوا جميعا من النساء والأطفال, وفي معظمهم كانوا من أسرته.
حاول والد عائشة دفن الجثث, كما قال, ولكن لم يكن هناك وقت. إذ استمرت المروحيات بالعودة في ذلك اليوم, وكانت تطير على ارتفاع منخفض فوق القرية وتلقي مزيدا من البراميل. كان يعلم تماما أن ابنته سوف تموت بسبب الجروح التي تعرضت لها إن لم تتلق المساعدة بسرعة. عندها تركوا القرية وهربوا.
لقد وصلوا إلى المستشفى الحدودي قبل 5 أيام فقط.
كنت أجلس هناك بصمت من هول الصدمة, ممسكة بيد عائشة في غرفة المستشفى الباردة, أشعر بالدموع الساخنة تنساب فوق وجهي, متسائلة ماذا يمكن أن أقول في هذا العالم. مر على ذهني أبناء أختى الصغار وهم في بيتهم في الولايات المتحدة, وفكرت كيف يمكن أن أتعامل مع مثل هذه الخسارة.
كان الجميع يبكي. والدها تكلم أخيرا والدموع تنهمر على وجهه.
قال ببساطة :"أريد أن يأتي العالم ويرى ما الذي يجري, أريد من الجميع أن يعرف".
ولكن على ما يبدو فإن لا أحد يعرف بما يجري. وهجمات البراميل الوحشية التي يشنها النظام تشهد تزايدا مستمرا.
خلال الأيام الثلاثة الأخيرة قتل ما يقرب من 200 شخص خلال هجمات البراميل المتفجرة التي شنتها طائرات النظام السوري المروحية في حلب, وفقا لمنظمة أطباء بلا حدود. أكثر من 800 شخص جرحوا في هذه الهجمات المتوحشة. كثير منهم من الأطفال.
ولا زال الصمت الذي يكتنف موتهم مستمرا. أكثر من 100000 شخص قتلوا في سوريا منذ بداية الصراع, قضى عدد كبير منهم بسبب البراميل الرهيبة التي يلقيها النظام.
عائشة وأبوها من بين القلائل الذين لا زال بوسعهم التعبير عن الرعب الذي شاهدوه بأعينهم, ومن بين القلائل الذين نجوا من الوحشية التي تمارس ضد آلاف من المدنيين السوريين.
لا زلت أستذكر العذاب الذي ذكرته في قصتها, والألم الذي وصفته في اللحظة التي تعرضت فيها للقصف , واللحظة التي تناثرت فيها حياتها حولها.
“البراميل", قالتها وهي تحدق في أرض الغرفة.
المصدر: كلنا شركاء
عدت مؤخرا من زيارة للحدود السورية, كنت أسمع اللاجئين خلالها يتهامسون بصوت مخنفض حول “البراميل.
ولهذا سألت :" ما هي هذه البراميل؟".
عندما سمعت الجواب, تمنيت لو أني لم أسأل أطرح السؤال من الأصل.
هذه البراميل عادة ما تكون معبأة بكميات كبيرة من مادة التي أن تي والنفط والمسامير وشظايا معدنية حادة متنوعة. وهي إشارة إلى البراميل التي يلقيها نظام الأسد على المناطق والأحياء السكنية والمدارس والمستشفيات وأي أماكن أخرى فيها ما يكفي من نساء ورجال وأطفال لتدمر على رؤوسهم.
أول مرة عرفت فيها عن البراميل كان خلال زيارتي لعائشة, وهي شابة بنفس عمري, كانت مستلقية على سرير في مستشفى مكتظ عند الحدود السورية التركية.
خلف عيونها التي تغمرها الدموع تكمن قصة ينفطر القلب لها لا يمكن تصورها. والدها كان يسير بصعوبة شديدة وهو يحاول أن يروي لنا قصة رحلتهم, التي خرج فيها هو وابنته كناجين وحيدين من هجوم بالبراميل شنه نظام الأسد ضد المدنيين.
عائشة كانت تعيش مع أسرتها في قرية صغيرة في سوريا عندما سمعت في أحد الأيام صوتا يصم الآذان صادرا عن طائرة مروحية كانت تحوم فوق المنطقة. عندها غطت أذنيها وركضت باتجاه ملجأ قريب, ولكن الأوان كان قد فات. في غضون ثوان قليلة فقط, تطايرات المسامير والشظايا المعدنية الحادة فوقها. شعرت عائشة بالدم ينزف من قدميها بينما كانت تحاول الوصول إلى منزل العائلة.
في ذلك الخضم رأت الشظايا تتطاير حولها في كل مكان. وخلال دقيقة شق الصمت صوت صراخ رهيب ودخان ينبعث من رماد كان ذات يوم منزلها ومنزل أسرتها.
شظايا البرميل كانت مزروعة في جسد أمها وأختها وأبناء أختها الصغار الخمسة, لقد تعرضوا جميعا لأبشع طريقة قتل يمكن تخليها, رؤوسهم وأطرافهم كانت مقطوعة كما مزقت الشظايا أجساد أبناء أختها إلى النصف. وبينما كانت عائشة تشق طريقها وسط الدخان وهي تصرخ, سمعت صوت أنين منخفض, لقد كان صوت الأنفاس الأخيرة التي لفظها أبناء أختها.
لم يكن هناك وقت, كما أخبرتني, ما بين سماع صوت المروحية ورؤية جثث عائلتها المشوهة التي تناثرت حولها. لم يكن هناك أي تحذير. لم يكن هناك وقت أبدا.
في المستشفى الحدودي حيث قصت علي قصتها. كانت عائشة لا تزال مصدومة بما حدث. استجمعت ما بقي من قوتها لسحب الغطاء, حيث كشفت عن جروح عميقة سببتها الشظايا في قدمها. قدمها الأخرى بترت, وتحولت إلى قطع متناثرة بعد الهجوم.
والدها كان يقف بالقرب منا. عند نقطة معينة أعطى ابنته قطعة من الورق المقوى. وبدورها سلمتني إياها بيدها المرتجفة.
لقد كانت صورة لأبناء أختها الخمسة الذي لا تزيد أعمارهم عن 10 سنوات, هذه الصورة هي آخر الذكريات التي تملكها عائشة عن أسرتها التي فقدتها.
قالت لي عائشة وهي تشير إلى كل واحد منهم :" ابن اختي هذا قطع إلى النصف, وهذا قطع رأسه …".
في ذلك اليوم قتل 24 شخص, قالت وهي تروي القصة, وكانوا جميعا من النساء والأطفال.
قال والد عائشة موضحا أنه بعد أيام على الهجوم أعلن نظام الأسد أنهم هزموا الإرهابيين في تلك القرية. وقال النظام إن الأشخاص ال24 الذين قتلوا كانوا جيمعا من الإرهابيين.
ولكنهم في الحقيقة كانوا جميعا من النساء والأطفال, وفي معظمهم كانوا من أسرته.
حاول والد عائشة دفن الجثث, كما قال, ولكن لم يكن هناك وقت. إذ استمرت المروحيات بالعودة في ذلك اليوم, وكانت تطير على ارتفاع منخفض فوق القرية وتلقي مزيدا من البراميل. كان يعلم تماما أن ابنته سوف تموت بسبب الجروح التي تعرضت لها إن لم تتلق المساعدة بسرعة. عندها تركوا القرية وهربوا.
لقد وصلوا إلى المستشفى الحدودي قبل 5 أيام فقط.
كنت أجلس هناك بصمت من هول الصدمة, ممسكة بيد عائشة في غرفة المستشفى الباردة, أشعر بالدموع الساخنة تنساب فوق وجهي, متسائلة ماذا يمكن أن أقول في هذا العالم. مر على ذهني أبناء أختى الصغار وهم في بيتهم في الولايات المتحدة, وفكرت كيف يمكن أن أتعامل مع مثل هذه الخسارة.
كان الجميع يبكي. والدها تكلم أخيرا والدموع تنهمر على وجهه.
قال ببساطة :"أريد أن يأتي العالم ويرى ما الذي يجري, أريد من الجميع أن يعرف".
ولكن على ما يبدو فإن لا أحد يعرف بما يجري. وهجمات البراميل الوحشية التي يشنها النظام تشهد تزايدا مستمرا.
خلال الأيام الثلاثة الأخيرة قتل ما يقرب من 200 شخص خلال هجمات البراميل المتفجرة التي شنتها طائرات النظام السوري المروحية في حلب, وفقا لمنظمة أطباء بلا حدود. أكثر من 800 شخص جرحوا في هذه الهجمات المتوحشة. كثير منهم من الأطفال.
ولا زال الصمت الذي يكتنف موتهم مستمرا. أكثر من 100000 شخص قتلوا في سوريا منذ بداية الصراع, قضى عدد كبير منهم بسبب البراميل الرهيبة التي يلقيها النظام.
عائشة وأبوها من بين القلائل الذين لا زال بوسعهم التعبير عن الرعب الذي شاهدوه بأعينهم, ومن بين القلائل الذين نجوا من الوحشية التي تمارس ضد آلاف من المدنيين السوريين.
لا زلت أستذكر العذاب الذي ذكرته في قصتها, والألم الذي وصفته في اللحظة التي تعرضت فيها للقصف , واللحظة التي تناثرت فيها حياتها حولها.
“البراميل", قالتها وهي تحدق في أرض الغرفة.
المصدر: كلنا شركاء