إرشاد البلغاء ببدع الخطباء

أبو عبد الرحمن
1430/10/08 - 2009/09/27 09:04AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إليكم هذا البحث القيم و إن كانت بعض مسائله تحتاج إلى مزيد بحث وتحرير:

فَصْلٌ فِي بدع الجمعة

أحدث الناس في هذا الزمان الكثير من البدع، منها، ما يكون في العبادات، ومنها ما يكون في الأعياد والمواسم، ومنها: ما يكون في الجنائز والمآتم، ومنها: ما يكون في الضيافة والولائم، ومنها: ما يكون في المعاشرة والعادات، ومنها: ما يكون في الاعتقادات وهو شر هذه الأنواع.
البدع التي أحدثها الناس في هذا الزمان في خطبة الجمعة:
من البدع:دق الْمِنبر بالعصا أو بالقدم: كما يفعل بعض الْخُطباء عند أن يتحمس فِي الْخُطبة، هذه بدعة منكرة مزعجة للمستمعين. انظر: "الباعث". لأبي شامة (ص262)، و "الإتباع". للسيوطي (ص 247)، و"الْمَدخل". لابن الْحَاج (ج2 ص267)، و"إصلاح الْمَساجد". للقاسمي (ص48)، و"روضة الطالبين". للنووي (ج2 ص32)، و"المجموع" (4/529) ، و"مغني المحتاج" (1/290)، و"تنبيه الغافلين لابن النحاس" ص ( 268 ) ، و"الفروع (2/122) ، و"سبل السلام" (2/59) .
ومن البدع:تباطؤه في الطلوع، واشتغاله بالدعاء قبل الإقبال على الناس، والسلام عليهم." الباعث " 64 " المدخل " 2/267 " إصلاح المساجد " 48 و" المنار " 18/558 "الأمر بالإتباع ".(ص247) ، وإنما الْمَطلوب من الْخَطيب ألا يتكلف التباطؤ، كحال بعض الْمُتظاهرين بالزهد، ولا يقف على كل درجة من درجاته؛ لعدم ثبوت حديث أن النبِي ص كان يقف على كل درجة من درجتَي الْمِنبر، وغاية ما تثبت أنه -عليه الصلاة والسلام- صعد يومًا فقال: (( "آمين"، ثم صعد الثانية فقال: "آمين"، ثم صعد الثالثة، ويُحمل على كونه جلس عليها فقال: "آمين"، فسألوه عن ذلك؟ فقال: " قال لي جبريل: بَعُد من أدرك أبويه أحدهما أو كليهما ولَم يغفر له، قل: آمين. فقلت: آمين، فقال: بَعُد من أدركه رمضان ولَم يغفر له، قل: آمين. فقلت: آمين. فقال: بعُد من ذُكرت عنده ولَم يصل عليك، قل: آمين. فقلت: آمين)).
وليس فيه أنه كان يقف على كل درجة، وإنَّما الْمَطلوب من الْخَطيب أن يصعد على حالته الْمُعتادة بغير تكلف تباطؤ ولا تكلف عجلة وطيش.
ومن البدع:الالتفات يميناً وشمالاً عند قوله آمركم وأنهاكم، وعند الصلاة على النبي e مع زيادته ارتقاء درجة من المنبر عند ذلك، ثم نزوله عند الفراغ منها، ولا أصل لشيء من ذلك، بل السنة الإقبال على الناس بوجهه من أول الخطبة، إلى آخرها.
نص بعض الفقهاء على أن الإلتفات يميناً وشمالاً في حقه غير مشروع ، بل عده بعضهم من البدع - وإن كان ذلك فيه بعد - ، وخاصة ما يفعله بعض الخطباء عند الصلاة على النبي e .
قال الإمام النووي-رحمه الله- : " . . . ولا يفعل ما يفعله بعض الخطباء في هذه الأزمان من الإلتفات يميناً وشمالاً في الصلاة على النبي e ولا غيرها ، فإنه باطل لا أصل له ، واتفق العلماء على كراهة هذا الإلتفات ، وهو معدود من البدع المنكرة " (المجموع 4 / 528) .
والظاهر من الكلام أن قصده بالكراهة كراهة التحريم .
ينظر : "الحاوي" (3/55) ، و"المجموع" (4/528) ، و"روضة الطالبين" (2/32) ، و"مغني المحتاج" (1/289- 290) ، و"المغني" (3/178) ، و"كشاف القناع" (2/36) ، و" الباعث " (ص65 )، و" حاشية ابن عابدين " (1/ 759 ) ، و" إصلاح المساجد " (ص48) ، و" المنار " (18/558).
ومن البدع:جعل الخطبة الثانية عارية من الوعظ والإرشاد والتذكير والترغيب، وتخصيصها بالصلاة على النبي e والدعاء. ( " السنن " 56 ، " نور البيان في الكشف عن بدع آخر الزمان " 445
ومن البدع:الاعتماد على سيف من الخشب، ظنا منهم أن الدين ما قام إلا بالسيف.
انظر: "زاد الْمَعاد".(ج1 ص429)، و"السنن والْمُبتدعات".(ص89).

ومن البدع:مواظبتهم في آخر الخطبة الأولى على حديث (التائب من الذنب كمن لا ذنب)([1]). أو (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة)([2])، أو لفظة كما قال.ينظر : "الشرح الصغير للدردير بهامش البلغة" (1/ 182) ، و"السنن والمبتدعات" (ص 77) ، و"رسالة إلى الخطباء" (ص 23) .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
[1])) حسن: أخرجه من حديث أبي هريرة t الإمام الترمذي في أبواب الدعاء - باب رقم ( 66 ) ، (5/179-180) ، الحديث رقم ( 3545) ، وقال:« حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه » ، وحسنه العلامة الألباني-رحمه الله- في صحيح الجامع (1/ 108) .

[2])) حسن: أخرجه من طريق أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه الإمام ابن ماجه في كتاب الزهد - باب ذكر التوبة (2/1419 – 1420) ، الحديث رقم (4250) . وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1/ 578 ).
ومن البدع:التمسح بالخطيب عند ما ينزل من على المنبر، ويجب عليه أن يزجرهم، وينهاهم عن ذلك الفعل." الإبداع " (ص79)، " إصلاح المساجد " (ص72) ، " السنن " (ص54) ، " نور البيان " (ص44).
ومن البدع:قول المؤذن عند دخول الخطيب إلى الجامع بصوت مرتفع، (إن الله وملائكته يصلون على النبي) .
ومن البدع:دخول الإمام في الصلاة قبل استواء الصفوف. " إصلاح " 92 93
ومن البدع:اشتراط الإمام الأعظم، والمسجد العتيق، والحاكم الشرعي، والسوق، وغير ذلك من تلك الشروط التي لم يأت بها نص في شرع الله تعالى.
من البدع التي ذكرها الشيخ الألباني-رحمه الله- في كتابه الأجوبة النافعة:
من البدع:جعل درجات المنبر أكثر من ثلاث درجات: فمن مضار هذه البدعة أنها تقطع الصفوف، وقد تأخذ حيزا كبيرا، كان الأولى أن تكون تلك المساحة لصفوف الصلاة.
ومن البدع:قراءتهم سورة الإخلاص ثلاثا أثناء الجلوس بين الخطبتين." السنن 56
ومن البدع:إطالة الخطبة، وقصر الصلاة، فإن سنة النبي e على العكس من هذا: خلاف السنة، فقد روى مسلم رقم (869) من حديث عمار بن ياسر t: أن النَّبِي e قال: ((إِنَّ طُولَ صَلاَةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ فَأَطِيلُوا الصَّلاَةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ)).
قال الإمام النووي -رحِمه الله- ما معناه: أطيلوا الصلاة أي: بالنسبة للخطبة؛ فلا يتعارض مع حديث جابر بن سمرة: أن النَّبِي ص كانت صلاته قصدًا وخطبته قصدًا. وانظر لِهَذه البدعة "روضة الطالبين". للنووي (ج2 ص33).

ومن البدع:نزول الخطيب في الخطبة الثانية إلى درجة سفلى ، ثم العود( " حاشية ابن عابدين " 1/770).
ومن البدع:مبالغتهم في الإسراع في الخطبة الثانية. ( " المنار " 18 / 858).
ومن البدع:تكلف الخطيب رفع الصوت في الصلاة على النبي e فوق المعتاد في باقي الخطبة. انظر: "الباعث". لأبي شامة (ص 265)، و "الأمر بالإتباع". للسيوطي (ص248)، والاختيارات لابن تيمية (ص121).
ومن البدع:قول بعض المؤذنين بين يدي الخطيب إذا جلس من الخطبة الأولى: غفر الله ولوالديك، ولنا ولوالدينا، والحاضرين. ( فتاوى ابن تيمية " 1/129 و" إصلاح المساجد " 70).
ومن البدع:إعراض الخطباء عن خطبة الحاجة (إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره..) .
ومن البدع:ترك الخطيب السلام على الناس إذا خرج عليهم. ذكر ابن الْحَاج فِي الْمَدخل (ج2 ص266) أن ذلك بدعة، وقال بنحو ذلك السيوطي فِي الأمر بالإتباع (ص247)..
ومن البدع:إعراضهم عن التذكير بسورة ( ق ) في خطبهم مع مواظبة النبي e عليه ( " السنن " 57).
ومن البدع:سكتات الخطيب في دعائه على المنبر ليؤمن عليه المؤذنون( " شرح الطريقة المحمدية " 3 / 323).
ومن البدع:الترنم في الخطبة: خلاف هدي النَّبِي e:فقد أخرج أبو داود رقم (4839) عَنْ عَائِشَةَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ:((كَانَ كَلاَمُ رَسُولِ اللَّهِ e كَلاَمًا فَصْلاً يَفْهَمُهُ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ))([1]).وسنده حسن.
وأخرج البخاري فِي صحيحه رقم (95) عَنْ أَنَسٍ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e: ((كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاَثًا)). وانظر: "الإبداع فِي مضار الابتداع". (ص 27)، و"الأجوبة النافعة".(ص72).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
[1])) قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " (5 / 131)ح (2097) :أخرجه أبو داود ( 2 / 293 ) و النسائي في " عمل اليوم و الليلة " ( 412 و 413 )و أحمد ( 6 / 138 ) عن سفيان عن أسامة عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا .
و أخرجه ابن سعد ( 1 / 375 ) و أحمد أيضا ( 6 / 257 ) من طريق روح بن عبادة :أخبرنا أسامة بن زيد به نحوه . قلت : و هذا إسناد حسن ، رجاله ثقات رجال مسلم غير أن أسامة بن زيد - و هو الليثي - فيه ضعف من قبل حفظه ، قال الحافظ : "صدوق يهم " . و الحديث عزاه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " ( 2 / 324 )للنسائي فقط في " عمل اليوم و الليلة " و حسنه .
ومن البدع:صلاة الْخَطيب ركعتَي تَحية الْمَسجد قبل صعوده الْمِنبر، ثُمَّ يصعد بعدها مباشرة: بدعة؛ لأن النَّبِي e والْخُطباء من أصحابه لَمْ يكونوا يصلونها. ينظر : "المنتقى شرح الموطأ" (1/189) ، و"الفواكه الدواني" (1/313) ، و"الحاوي" (3/52) ، و"المجموع" (4/529) ، و"روضة الطالبين" (2/33) ، و"مغني المحتاج" (1/189) ، و"الفروع" (2/123) ، و"الإنصاف" (2/416) ، و"كشاف القناع" (2/46).
ومن البدع:تَحري الْخَطيب التقدم إلَى الْمَسجد قبل وقت الْخُطبة لغير عذر:هذا خلاف الْهَدي النبوي، وخلاف عمل خطباء السلف الصالح -رضوان الله عليهم- من الصحابة وغيرهم، وبعض الناس الآن ربَّما يبقى جالسًا بِجَانب الْمِنبر حَتَّى يأتي الوقت فيقوم من هناك، وتَعَمُّدُ ذلك بدعة.
ومن البدع:الدعاء عند الْمِنبر قبل صعوده: بِحَيث يقف قليلاً يدعو ثُمَّ يصعد، هذه بدعة، انظر: الباعث على "إنكار البدع والْحَوادث".(ص163)، و"الأمر بالإتباع".(ص247)، و "الْمَدخل". (ج2 ص267).
ومن البدع:الدعاء بعد صعود الْمِنبر وقبل الشروع فِي الْخُطبة:انظر "الباعث".(ص (263)،و"الاختيارات". لشيخ الإسلام ابن تيمية (48)، و"روضة الطالبين". للنووي (ج2 ص32)، و"المجموع" (4/529) ، و"مغني المحتاج" (1/290) ،و"الفروع" (2/125) ، و"كشاف القناع" (2/37) ، و"زاد المعاد" (1/189، 429) .
ومن البدع:الْخُطبة من خطب وأوراق مؤلفة قديْمَة، بِمَا فيها من الغث والسمين، وقد لا يناسب بعض مواضيعها ما يَحتاجه الناس فِي هذا الزمان أو هذا البلد: فالْخُطبة تكون بِمَا تقتضيه حاجة الْمُخاطبين من ترغيب وترهيب وغيره، كذا قال ابن القيم فِي "زاد الْمَعاد".(ج1 ص189)، و"انظر السنن والْمُبتدعات" (ص91).
ومن البدع:نشر الأحاديث الضعيفة والْمَوضوعة ونشر العقائد الفاسدة بين العامة: هذا من منكرات الْخُطباء، وانظر "السنن والْمُبتدعات".(ص79).
ومن البدع:ملازمة قول الْخَطيب بعد نهاية الْخُطبة: وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والْمُنكر، ولذكر الله أكبر: أوختمها بقول الله تعالَى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[النحل: 90].
ومن البدع:ملازمة ختم الْخُطبة بآية من القرآن، أو تَحري ختمها بِحديث نبوي: كل ذلك بدعة، وانظر "السنن والْمُبتدعات".(ص89)، و"بلغة السالك" (1/181).ومصادر أخرى ذكرت هذه البدعة.
ومن البدع:تكلف الْخَطيب للسجع فِي الْخُطبة:قال الله تعالَى لنبيه:{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}[ص: 86].
وقال عمر بن الْخَطاب t: ((نُهِينَا عَنِ التَّكَلُّفِ)). أخرجه البخاري ح(7293) ك (الاعتصام بالكتاب)
باب (مَا يُكْرَهُ مِنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ وَتَكَلُّفِ مَا لاَ يَعْنِيهِ) (ج13 ص229).
وثبت فِي صحيح مسلم رقم (1681) وغيره عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ t قَالَ:(( ضَرَبَتِ امْرَأَةٌ ضَرَّتَهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ وَهِىَ حُبْلَى فَقَتَلَتْهَا، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ e دِيَةَ الْمَقْتُولَةِ عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ، وَغُرَّةً لِمَا فِى بَطْنِهَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ: كيف نَدِي يا رسول الله مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : "سَجْعٌ كَسَجْعِ الكهان، إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الَّذِي سَجَعَ".
قال الإمام النووي-رحِمه الله- فِي شرح مسلم (ج11 ص191): فَقَالَ الْعُلَمَاء : إِنَّمَا ذَمّ سَجْعه لِوَجْهَيْنِ :
أَحَدهمَا : أَنَّهُ عَارَضَ بِهِ حُكْم الشَّرْع وَرَامَ إِبْطَاله .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ تَكَلَّفَهُ فِي مُخَاطَبَته ، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مِنْ السَّجْع مَذْمُومَانِ .
وَأَمَّا السَّجْع الَّذِي كَانَ النَّبِيّ e يَقُولهُ فِي بَعْض الْأَوْقَات وَهُوَ مَشْهُور فِي الْحَدِيث فَلَيْسَ مِنْ هَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَارِض بِهِ حُكْم الشَّرْع ، وَلَا يَتَكَلَّفهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ .. أهـ.
وانظر لِهَذه البدعة: "الْحَوادث" للطرطوشي (ص157)، و "السنن والْمُبتدعات".(ص91).
ومن البدع:الضحك أو الابتسام من الْخَطيب حال الْخُطبة: يُخالف هدي رسول الله e ، فقد ثبت فِي مسلم رقم (867): كَانَ رَسُولُ اللَّهِ e إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلاَ صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ « صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ ».
ومن البدع:التغنِّي بقراءة الآيات فِي الْخُطبة بصوت ملحّن: خلاف هدي رسول الله e، فقد سبق ذكر حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ t مسلم رقم (867): كَانَ رَسُولُ اللَّهِ e إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلاَ صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ « صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ ».، ومنذر الْجَيش لا يتصور أنه فِي تلك الْحَالة الْمُفزعة يتغنى بصوته ويُحسنه.
وثبت فِي صحيح مسلم رقم (872) عَنْ أُمِّ هِشَامٍ بِنْتِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ-رضي الله عنها- قَالَتْ: (( لَقَدْ كَانَ تَنُّورُنَا وَتَنُّورُ رَسُولِ اللَّهِ e وَاحِدًا سَنَتَيْنِ أَوْ سَنَةً وَبَعْضَ سَنَةٍ وَمَا أَخَذْتُ (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) إِلاَّ عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ e يَقْرَؤُهَا كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ إِذَا خَطَبَ النَّاسَ)).
ولَم تنقل هي ولا غيرها أن النَّبِي e حسن صوته فِي حرف واحد منها، وقد نقلوا عنه تَحسين صوته فِي قراءته لسورة التين فِي صلاة العشاء كما فِي البخاري (ج2)، ومسلم رقم (464): عَنْ عَدِىِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ tقَالَ: ((سَمِعْتُ النَّبِىَّ e قَرَأَ فِى الْعِشَاءِ " بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ". فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا مِنْهُ)).
بل نقلوا عنه أمورًا أدنى من ذلك بكثير ، فلم ينقلوا لنا تَحسين الصوت فِي قراءة الآيات وقت الْخُطبة، لا شك أن هذا أمر غير معهود لَهم ألبتة، ولَم يكن يفعله حَتَّى القصاص فِي العصور الْمَاضية، ولا يزال عمل الْمُسلمين على ذلك حتى جاء بعض الْمُستحسنين فجعلوا يترنَّمون بالآيات فِي خطب الْجُمعة بِحُجة أن ذلك يؤثر فِي السامعين، ونعم قد يَحصل شيء من ذلك لكن ضرر البدعة يربو على مصلحة تأثر بعضهم بالصوت الْحَسن، إن كان حسنًا، و إلا فبعضهم يظنه حسنًا وهو قبيح!
ومهما كان؛ فخير الْهَدي هدي رسول الله e ، وكل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة، وتكلف التأثير على الناس ولو بالبدعة أمر غير مشروع، فلم يكلف الله أحدًا من أنبيائه -عليهم السلام- أن يؤثر على الناس فيجعلهم يستجيبون له فضلاً عن غيرهم، قال تعالَى لنبيه مُحَمَّد e:{إِِنْ عَلَيْكَ إِلاََّ الْبَلاَغُ} [الشورى: 48]. وقال:{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ} [الغاشية: 21-22]. فليربع الْحَماسيون على أنفسهم عن مُخالفة السنة لِحُجة تأثر أو قبول الناس لدعوتهم، فإن ذلك ليس إلا إلَى الله وحده؛ فهو الذي سبحانه يقبل بالقلوب على من أطاعه إن شاء، ويصرفها عمن عصاه
ومن البدع: ملازمة الدعاء فِي آخر الْخُطبة: ليس عليه دليل، وإنما دعا النَّبِي e حين قال له الأعرابي: يا رسول الله، هلكت الْمَواشي فاستسق؛ فادع الله أن يسقينا فرفع يديه وقال: ((اللهم اسقنا، اللهم اسقنا...)). إلخ، ولَم يكن يدعو ولا يستسقي فِي كل جُمعة كما يفعل بعض الناس الآن، ولَم يعين ذلك الدعاء فِي آخر الْخُطبة.
ومن البدع:جعل الْخُطبة الأخيرة مقتصرة على الدعاء بالدعاء للسلاطين والغزاة والْمُرابطين:انظر: "روضة الطالبين".(ج2 ص32-33)، و" الاعتصام ". للشاطبِي (ج1 ص17-18) و(ج2 ص217)، و" الأجوبة النافعة ". للعلامة الألباني (ص72).
ومن البدع:جعل الْخُطبة الأخيرة مقتصرة بالترضي على آل البيت كما يفعل أغمار الشيعة:هذا مُحدث، وانظر: " الأجوبة النافعة".(71)، و" السنن والْمُبتدعات".(ص56).
ومن البدع: إكثار بعض الْخُطباء من الأشعار فِي خطبة الْجُمعة:مُخالف لقول الله تعالَى:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}[الْجُمعة: 9].فإن الأشعار ليست من ذكر الله.
وقد قال العز بن عبد السلام-رحمه الله-فِي فتاويه:((ذكر الشعر فِي خطبة الْجُمعة من أقبح البدع)). انظر: "السنن الْمُبتدعات".(ص84-85).
ومن البدع: تعمد جعل إمام للجمعة غير الْخَطيب من غير ضرورة: فقد كان النَّبِي e وجَميع خلفائه والْخُطباء من أصحابه من خطب الناس منهم هو الذي يؤمهم.
ومن البدع :كثرة الإشارة من الْخَطيب بيده هكذا وهكذا، أو رفعها للدعاء أثناء الْخُطبة لغير استسقاء: ثبت فِي صحيح مسلم رقم (874) عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ t قَالَ:((رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ فَقَالَ: " قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ" لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ e مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ: بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ)). وقد أنكر هاتين البدعتين جَماعة من أهل العلم، كما فِي شرح مسلم للإمام لنووي عند هذا الْحَديث، و" الاختيارات". لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص121) بتعليق العلامة ابن عثيمين-رحِمه الله الجميع-، و"الإتباع". للإمام السيوطي (ص247)، و" الباعث". للإمام أبي شامة (ص263)، و" بذل الْمَجهود شرح سنن أبي داود".(ج6 ص105-106)، وابن عابدين فِي حاشية (ج1 ص768) وغيرهم.

ومن البدع :تغميض العينين فِي الْخُطبة: خلاف هدي رسول الله e الْمَذكور فِي حديث جابر عند مسلم أنه كان إذا خطب احْمَرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه كأنه منذر جيش.
ومن البدع :كثرة الْحَركات والالتفات على الْمِنبر يَمينًا وشمالاً: بدعة، وانظر: "الباعث على إنكار الْحَوادث". لأبي شامة (ص264-265)، و"الإتباع". للسيوطي (247-248)، والشافعي فِي "الأم".(ج1 ص230)، وابن القيم فِي "زاد الْمَعاد".(ج1 ص430)، و"روضة الطالبين". للنووي (ج2 ص32)، و"إصلاح الْمَساجد". للقاسمي (ص48).
ومن البدع : ملازمة الاستغفار فِي الْجَلسة بين الْخُطبتين بقول: أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم:
لَم يثبت الْحَديث بذلك ([1])؛ فملازمة ذلك بدعة.
ومن البدع:إكثار الْخَطيب من قوله:أو كما قال:هذا يدل على عدم أهليته،وانظر"السنن والْمُبتدعات".(ص90).

ومن البدع :قول الْخَطيب: اذكروا الله يذكركم ولا تنسوه فيخذلكم، والاستمرار على ذلك فِي آخر الْخُطبة.
وقول الْمَأمومين عند ذلك: لا إله إلا الله، بصوت واحد مرتفع مزعج. لا دليل عليه فهو بدعة.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــ


[1])) أخرج ابن حبان (9/137) رقم (3828) من الإحسان قال:أخبرنا مكحول ببيروت ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد ، قال : حدثنا عبد الله بن رجاء ، قال : حدثنا موسى بن عقبة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر t قال: (( طاف رسول الله e على راحلته القصواء يوم الفتح ، واستلم الركن بمحجنه ، وما وجد لها مناخا في المسجد حتى أخرجت إلى بطن الوادي، فأنيخت، ثم حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " أما بعد ، أيها الناس ، فإن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية ، يا أيها الناس ، إنما الناس رجلان بر تقي كريم على ربه ، وفاجر شقي هين على ربه "، ثم تلا:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا )[الحجرات/13] ، ثم قال:" أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم ")وأخرجه البغوي فِي شرح السنة (13/123) وفِي تفسيره عند آية (13) من سورة الْحُجرات.
من طريق الضحاك بن مَخلد، عن موسى بن عبيدة الربذي، عن عبد الله بن دينار... به، وأورده ابن كثير فِي تفسيره عند الآية، عن الربيع بن سليمان قال: حدثنا أسد بن موسى قال: حدثنا يَحيى بن زكريا القطان قال: حدثنا موسى بن عبيدة الربذي... به.
وأخرجه الترمذي (5/389) فقال: حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر قال: حدثنا عبد الله بن دينار، عن ابن عمر... فذكر الْحَديث بدون زيادة (أقول قولي هذا واستغفروا الله).
ثُمَّ ضعف الْحَديث بعبد الله بن جعفر والد علي بن الْمَدينِي وقال: لا نعرفه من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر إلا من هذا الوجه.
فالناظر إِلَى الْحَديث بداية يرى أنه رواه عن عبد الله بن دينار موسى بن عقبة عند ابن حبان. وموسى بن عبيدة الربذي عند ابن كثير والبغوي. وعبد الله بن جعفر الْمدينِي عند الترمذي مُختصرًا بدون زيادة الاستغفار، ولكن الصحيح أنه حديث موسى بن عبيدة الربذي؛ كما أبان ذلك الْحَافظ، وأن قول بعضهم موسى بن عقبة وَهْمٌ، وموسى بن عبيدة الربذي ضعيف حَتَّى قال فيه ابن معين: ليس بشيء، ويشتد ضعفه فِي روايته عن عبد الله بن دينار الَّتِي منها هذا الْحَديث، قال ابن معين ليس بالكذاب، لكنه روى عن عبد الله بن دينار أحاديث مناكير. كذا فِي التهذيب.
وتلك الرواية الَّتِي ذكرها الترمذي فِي جامعه ليس فيها ذكر الاستغفار، وحتى لو ذكر فيها الاستغفار فهي ضعيفة، كما أبانه الترمذي؛ لأنها من طريق عبد الله بن جعفر والد علي بن الْمَدينِي وهو ضعيف حَتَّى قال ابن معين: ليس بشيء كما فِي التهذيب، فلا تصلح أن تكون شاهدة لرواية موسى بن عبيدة الربذي؛ فعلم أن الْحَديث ضعيف من كلتا الطريقين.
ولا يعكر ذلك قول الترمذي -رحِمه الله- أنه لا يعرفه إلا عن عبد الله بن جعفر الْمَدينِي عن ابن دينار عن ابن عمر من هذا الوجه.
فقد عرفه ابن حبان والبغوي وابن أبِي حاتِم -كما فِي تفسير ابن كثير- من تلك الطرق الَّتِي ذكرنا.
ومن ذلك يظهر أن قول بعض الْخُطباء فِي الْجَلسة بين الْخُطبتين للجمعة: أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم؛ مُحدث.
فإذا أراد أن يقول ذلك فليقل فِي آخر الْخُطبة الثانية ما أخرجه أحْمَد فِي مسنده (6/77).
فقال: حدثنا أبو سلمة قال: حدثنا خالد بن سليمان الْحَضرمي، عن خالد بن أبِي عمران، عن عروة، عن عائشة ل أن رسول الله e:((كان إذا جلس مُجلسًا أو صلى تكلم بكلمات؛ فسألته عائشة عن الكلمات، فقال: إن تكلم بِخير كان طابعًا عليهن إِلَى يوم القيامة، وإن تكلم بغير ذلك كان كفارة: سبحانك وبِحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك)). وهذا سند صحيح.
وقد ذكر الْحَافظ ابن حجر-رحمه الله-:أن هذا الْحَديث قد جاء عن خَمسة عشر (شخصًا) من الصحابة. انظر الفتح (13/544-545) عند شرح آخر حديث من صحيح البخاري.
قلت: لكن أكثرها معلة كما بينه الْحَافظ وغيره، وحتى حديث ابن عمر الذي من طريق الربذي ومن طريق عبد الله بن جعفر على ضعفه الْمَذكور ليس فيه أن النَّبِي e قال ذلك الاستغفار بين الْخُطبتين إنمَا فيه أنه قاله فِي آخر كلامه.
فيكون شاهدًا لِما استدللنا به من حديث عائشة ل: أن الاستغفار إنمَا يكون فِي آخر الكلام، أما ملازمة قوله بين الْخطبتين فهو مُحدث.
ولو قال النَّبِي e ذلك فِي خطبه لنقل إلينا كما نقلت ما دونها من السنن والآداب وعدم نقل ذلك من طريق صحيح يكفي فِي أنه مُحدث، ولَم أر ثابتًا عن السلف أو عن بعضهم فِي ذلك شيء بعد النظر فِي مصنف عبد الرزاق، ومصنف ابن أبِي شيبة، والكبرى للبيهقي، والأوسط لابن الْمُنذر، ومَجمع الزوائد للهيثمي، مع ما هو معلوم من عنايتهم بذكر الآثار؛ وهذا مِمَّا يؤكد ما تقرر هنا -إن شاء الله-. نقلاً بواسطة ( أحكام الجمعة وبدعها) لشيخ يحيى الحجوري-حفظه الله- (صـ242ـ244).
ومن البدع : قول الْخَطيب أثناء الْخُطبة: مُحب النَّبِي يصلي عليه، أو: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

بدعة، ويتفرع منها أن الْمُستمعين الْجُهال يصرخون بالصلاة على النَّبِيe أو بالدعاء،فيكون هذا الْخَطيب متسببًا فِي بطلان ثواب جُمعتهم، ويصير آمرًابِمُنكر.
ومن البدع :صلاة الاستسقاء بعد صلاة الْجُمعة فِيالْمَسجد: بدعة؛ وإنما كان النَّبِيe إذا استسقىيوم الْجُمعة رفع يديه ودعا، ولَم يثبت عنهe أنه صلى بعد الْجُمعة صلاة استسقاء، بل كان إذا أراد أنيستسقي بِهم خرج بِهم يومًا، فصلى بِهم وخطب، أما بعد الْجُمعة فلا.
ومن البدع: تَحري ختم الْخُطبة بالصلاة على النبِيe ، مثل قول هذا: وصلى الله على نبينا مُحمد وعل
المشاهدات 3107 | التعليقات 0