{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لكم}.
د عبدالعزيز التويجري
1444/05/07 - 2022/12/01 12:27PM
الخطبة الأولى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لكم}. 8/5/1444ه
الحمد لله على ما أولى وهدى، وأشكره على ما وهب وأعطى، لا إله إلا هو العلي الأعلى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي النهى والتقى والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فاتقو الله أيها المؤمنون ، وادعوا ربكم في الرخاء والشدة والعسر واليسر ..
إذا لم يكن عون من الله للفتى ** فأول ما يجني عليه اجتهاده
أخرج الامام مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ t، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ r إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ r الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: «اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ»، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لكم }
هذا النبي الكريم مؤيد من عند الله ومنصور ، ومع ذلك يناشد ربه ويتضر ويستكين ، فما يكون حالنا نحن المساكين المجاهيل الضعفاء عن الدعاء وطلب العون من رب الأرض والسماء ..
إن مناداة الله والتضرع إليه والاستكانة بين يديه سنة المرسلين وعمل الصاحين {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ} {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ }. لا بد من الدعاء والخضوع والاستكانة والتضرع والإلحاح .
قال عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو t، رفع النَّبِيَّ r: يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي»، وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ: " يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلَا نَسُوءُكَ " أخرجه مسلم
قال الإمام ابن كثير رحمه الله ( كَانَ أَيُّوبَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ لَهُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ شَيْءٌ كَثِيرٌ وَأَوْلَادٌ كَثِيرَةٌ وَمَنَازِلُ مَرْضِيَّةٌ، فَابْتُلِيَ في ذلك كله، وذهب عن آخره. وَقَدْ مَكَثَ فِي الْبَلَاءِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَرَفَضَهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ، فمر به رجلان فقال أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: تَعَلَّمْ وَاللَّهِ لَقَدْ أَذْنَبَ أَيُّوبُ ذَنْبًا مَا أَذَنَبَهُ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: مُنْذُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يَرْحَمْهُ اللَّهُ فَيَكْشِفَ مَا بِهِ، فَقَالَ أَيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَا أَدْرِي مَا تَقُولُ غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى الرَّجُلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ فَيَذْكُرَانِ اللَّهَ، فَأَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي فَأُكَفِّرُ عَنْهُمَا كَرَاهِيَةَ أَنْ يذكرا الله إلا في حق. فرفع أيوب يديه إلى ربه فقال (رب أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، فقال الله ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)
قال أَبِو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: "لما عَافَى اللَّهُ أَيُّوبَ أَمْطَرَ عليه جراداً من ذهب، فجعل يأخذ منه بِيَدِهِ وَيَجْعَلُهُ فِي ثَوْبِهِ قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: يَا أَيُّوبُ أَمَا تَشْبَعُ؟ قَالَ: يَا رَبِّ ومن يشبع من رحمتك .
{وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} أَيْ وَجَعَلْنَاهُ فِي ذَلِكَ قُدْوَةً لِئَلَّا يَظُنَّ أَهْلُ الْبَلَاءِ أَنَّمَا فَعَلْنَا بِهِمْ ذَلِكَ لِهَوَانِهِمْ عَلَيْنَا، وَلِيَتَأَسَّوْا بِهِ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَقْدُورَاتِ اللَّهِ، وَابْتِلَائِهِ لِعِبَادِهِ بِمَا يَشَاءُ، وَلَهُ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ فِي ذَلِكَ.
يا أيها الناس : من ظُلم في نفسه، وأُوذي في عرضه، وشُوهت سمعته فاليدعوا ربه.. في صحيح البخاري لما قام أسامة بن قتادة من أهل الكوفه يسيء إلى سعد بن أبي وقاص ويرفع الشكاية ضده إلى عمر بأنه يجور ولا يحسن أن يصلي .. فرفع سعدُ يديه إلى الملك العدل من يعلم السر وأخفى فقال: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا ، فَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ بِالفِتَنِ، فاستجاب الله له ونصره، فدارت عليه عليه الأيام، فطال عمره حتى سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنَ الكِبَرِ، وافتتن حتى إِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ .
من ظُلم في ماله وأُخذ حقه فاليرفع شكايته إلى ربه ، عن هشام ابن عروة أن أروى خاصمت سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ فِي بَعْضِ دَارِهِ، فَقَالَ سعيد بن زيد: دَعُوهَا وَإِيَّاهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r ، يَقُولُ: «مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ، طُوِّقَهُ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، اللهُمَّ، إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَأَعْمِ بَصَرَهَا، وَاجْعَلْ قَبْرَهَا فِي دَارِهَا، قَالَ هشام: " فَرَأَيْتُهَا عَمْيَاءَ تَلْتَمِسُ الْجُدُرَ تَقُولُ: أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، فَبَيْنَمَا هِيَ تَمْشِي فِي الدَّارِ مَرَّتْ عَلَى بِئْرٍ فِي الدَّارِ، فَوَقَعَتْ فِيهَا، فَكَانَتْ قَبْرَهَا " متفق عليه.
من أجدبت أرضُه و عطِش بستانُه فليستسقي ربه .. قال ثابت البناني عليه رحمة الله : جَاءَ قَيِّمُ أَرْضِ أَنَسٍ فَقَالَ:عَطِشَتْ أَرَضُوكَ ياصاحبُ رسولَ الله، فَتَرَدَّى أَنَسٌ بردته، فخَرَجَ إِلَى الْبَرِيَّةِ، ثُمَّ صَلَّى وَدَعَا، فَثَارَتْ سَحَابَةٌ وَغَشَتْ أَرْضَهُ وَمَطَرَتْ حَتَّى مَلأَتْ صِهْرِيْجَهُ، وَذَلِكَ فِي الصَّيْفِ، فَأَرْسَلَ بَعْضَ أَهْلِهِ فَقَالَ: انْظُرْ أَيْنَ بَلَغَتْ، فَإِذَا هِيَ لَمْ تَعْدُ أَرْضَهُ إِلا يَسِيرًا .
لا تستهينوا في الدعاء، وأكثروا من الإلحاح في الشدة والرخاء، فإن شانه عظيم {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ، وَيَكْشِفُ السُّوءَ، وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ، أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ، قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}
أستغفر الله لي ولكم وللؤمنين والمؤمنات فاستغفروه إن ربي رحيم ودود
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى وسمع الله لمن دعى وصلى الله وسلم على عبده ورسوله المصطفى وعلى آله وصحبه ومن أقتفى أما بعد ..
يا ايها المؤمنون ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ، ادعو لانفسكم ولأولادكم وذرياتكم ولامتكم .
ادعوا على كل من يريد ويسعى لإفساد عقيدة هذه البلاد أوتشويه دينها أوعبثا بأمنها، على كل من آذى المسلمين في دينهم واستقامتهم، فإن الله لا يحب المفسدين ، ولا يصلح عمل المفسدين .
ادعوا ولا تذخروا ولا تملوا ولا تستيئسوا فإن الدعاء هو العبادة ،
سهامُ الليل لا تخطي ولكن ** لها أمد وللأمد انقضاءُ
فيمسكها إذا ما شأ ربــــي ** ويرسلها إذا نفذ القضاء
عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه
الدعاء في كل وقت وحين، ليس خاصاً بالاسحارِ أو رمضان، لاتدرون لعلكم تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ»
لا ناصر لنا ولا معين إلا الله .. لايدفع الضر ولا يرفع البلاء والغلاء إلا الله.
من أخلص لله في الدعاء ظفر بمراده, وانتصر على أعدائه.
ارجع إلى الله واقصد بابه كرماً ** والله والله لا تلقى سوى الله
اللهم اهد قلوبنا واهد ضالنا واصلح ولاة امرنا وانصر المرابطين في سبيلك على حدودنا، اللهم من آذى عبادك الصالحين وشوه الدين فأبطل كيده وافضح امره واكفي المسلمين شره.
الحمد لله على ما أولى وهدى، وأشكره على ما وهب وأعطى، لا إله إلا هو العلي الأعلى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي النهى والتقى والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فاتقو الله أيها المؤمنون ، وادعوا ربكم في الرخاء والشدة والعسر واليسر ..
إذا لم يكن عون من الله للفتى ** فأول ما يجني عليه اجتهاده
أخرج الامام مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ t، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ r إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ r الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: «اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ»، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لكم }
هذا النبي الكريم مؤيد من عند الله ومنصور ، ومع ذلك يناشد ربه ويتضر ويستكين ، فما يكون حالنا نحن المساكين المجاهيل الضعفاء عن الدعاء وطلب العون من رب الأرض والسماء ..
إن مناداة الله والتضرع إليه والاستكانة بين يديه سنة المرسلين وعمل الصاحين {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ} {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ }. لا بد من الدعاء والخضوع والاستكانة والتضرع والإلحاح .
قال عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو t، رفع النَّبِيَّ r: يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي»، وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ: " يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلَا نَسُوءُكَ " أخرجه مسلم
قال الإمام ابن كثير رحمه الله ( كَانَ أَيُّوبَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ لَهُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ شَيْءٌ كَثِيرٌ وَأَوْلَادٌ كَثِيرَةٌ وَمَنَازِلُ مَرْضِيَّةٌ، فَابْتُلِيَ في ذلك كله، وذهب عن آخره. وَقَدْ مَكَثَ فِي الْبَلَاءِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَرَفَضَهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ، فمر به رجلان فقال أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: تَعَلَّمْ وَاللَّهِ لَقَدْ أَذْنَبَ أَيُّوبُ ذَنْبًا مَا أَذَنَبَهُ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: مُنْذُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يَرْحَمْهُ اللَّهُ فَيَكْشِفَ مَا بِهِ، فَقَالَ أَيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَا أَدْرِي مَا تَقُولُ غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى الرَّجُلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ فَيَذْكُرَانِ اللَّهَ، فَأَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي فَأُكَفِّرُ عَنْهُمَا كَرَاهِيَةَ أَنْ يذكرا الله إلا في حق. فرفع أيوب يديه إلى ربه فقال (رب أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، فقال الله ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)
قال أَبِو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: "لما عَافَى اللَّهُ أَيُّوبَ أَمْطَرَ عليه جراداً من ذهب، فجعل يأخذ منه بِيَدِهِ وَيَجْعَلُهُ فِي ثَوْبِهِ قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: يَا أَيُّوبُ أَمَا تَشْبَعُ؟ قَالَ: يَا رَبِّ ومن يشبع من رحمتك .
{وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} أَيْ وَجَعَلْنَاهُ فِي ذَلِكَ قُدْوَةً لِئَلَّا يَظُنَّ أَهْلُ الْبَلَاءِ أَنَّمَا فَعَلْنَا بِهِمْ ذَلِكَ لِهَوَانِهِمْ عَلَيْنَا، وَلِيَتَأَسَّوْا بِهِ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَقْدُورَاتِ اللَّهِ، وَابْتِلَائِهِ لِعِبَادِهِ بِمَا يَشَاءُ، وَلَهُ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ فِي ذَلِكَ.
يا أيها الناس : من ظُلم في نفسه، وأُوذي في عرضه، وشُوهت سمعته فاليدعوا ربه.. في صحيح البخاري لما قام أسامة بن قتادة من أهل الكوفه يسيء إلى سعد بن أبي وقاص ويرفع الشكاية ضده إلى عمر بأنه يجور ولا يحسن أن يصلي .. فرفع سعدُ يديه إلى الملك العدل من يعلم السر وأخفى فقال: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا ، فَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ بِالفِتَنِ، فاستجاب الله له ونصره، فدارت عليه عليه الأيام، فطال عمره حتى سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنَ الكِبَرِ، وافتتن حتى إِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ .
من ظُلم في ماله وأُخذ حقه فاليرفع شكايته إلى ربه ، عن هشام ابن عروة أن أروى خاصمت سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ فِي بَعْضِ دَارِهِ، فَقَالَ سعيد بن زيد: دَعُوهَا وَإِيَّاهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r ، يَقُولُ: «مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ، طُوِّقَهُ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، اللهُمَّ، إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَأَعْمِ بَصَرَهَا، وَاجْعَلْ قَبْرَهَا فِي دَارِهَا، قَالَ هشام: " فَرَأَيْتُهَا عَمْيَاءَ تَلْتَمِسُ الْجُدُرَ تَقُولُ: أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، فَبَيْنَمَا هِيَ تَمْشِي فِي الدَّارِ مَرَّتْ عَلَى بِئْرٍ فِي الدَّارِ، فَوَقَعَتْ فِيهَا، فَكَانَتْ قَبْرَهَا " متفق عليه.
من أجدبت أرضُه و عطِش بستانُه فليستسقي ربه .. قال ثابت البناني عليه رحمة الله : جَاءَ قَيِّمُ أَرْضِ أَنَسٍ فَقَالَ:عَطِشَتْ أَرَضُوكَ ياصاحبُ رسولَ الله، فَتَرَدَّى أَنَسٌ بردته، فخَرَجَ إِلَى الْبَرِيَّةِ، ثُمَّ صَلَّى وَدَعَا، فَثَارَتْ سَحَابَةٌ وَغَشَتْ أَرْضَهُ وَمَطَرَتْ حَتَّى مَلأَتْ صِهْرِيْجَهُ، وَذَلِكَ فِي الصَّيْفِ، فَأَرْسَلَ بَعْضَ أَهْلِهِ فَقَالَ: انْظُرْ أَيْنَ بَلَغَتْ، فَإِذَا هِيَ لَمْ تَعْدُ أَرْضَهُ إِلا يَسِيرًا .
لا تستهينوا في الدعاء، وأكثروا من الإلحاح في الشدة والرخاء، فإن شانه عظيم {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ، وَيَكْشِفُ السُّوءَ، وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ، أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ، قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}
أستغفر الله لي ولكم وللؤمنين والمؤمنات فاستغفروه إن ربي رحيم ودود
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى وسمع الله لمن دعى وصلى الله وسلم على عبده ورسوله المصطفى وعلى آله وصحبه ومن أقتفى أما بعد ..
يا ايها المؤمنون ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ، ادعو لانفسكم ولأولادكم وذرياتكم ولامتكم .
ادعوا على كل من يريد ويسعى لإفساد عقيدة هذه البلاد أوتشويه دينها أوعبثا بأمنها، على كل من آذى المسلمين في دينهم واستقامتهم، فإن الله لا يحب المفسدين ، ولا يصلح عمل المفسدين .
ادعوا ولا تذخروا ولا تملوا ولا تستيئسوا فإن الدعاء هو العبادة ،
سهامُ الليل لا تخطي ولكن ** لها أمد وللأمد انقضاءُ
فيمسكها إذا ما شأ ربــــي ** ويرسلها إذا نفذ القضاء
عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه
الدعاء في كل وقت وحين، ليس خاصاً بالاسحارِ أو رمضان، لاتدرون لعلكم تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ»
لا ناصر لنا ولا معين إلا الله .. لايدفع الضر ولا يرفع البلاء والغلاء إلا الله.
من أخلص لله في الدعاء ظفر بمراده, وانتصر على أعدائه.
ارجع إلى الله واقصد بابه كرماً ** والله والله لا تلقى سوى الله
اللهم اهد قلوبنا واهد ضالنا واصلح ولاة امرنا وانصر المرابطين في سبيلك على حدودنا، اللهم من آذى عبادك الصالحين وشوه الدين فأبطل كيده وافضح امره واكفي المسلمين شره.
المرفقات
1669886861_{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لكم}.pdf
1669886866_{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لكم}.docx