إدراك العشر ووصايا للحجاج وشيء من أحكام الأضحية

مبارك العشوان
1436/12/04 - 2015/09/17 22:46PM

إن الحمد لله ...أما بعد: فاتقوا الله...مسلمون.
عباد الله: ونحن في اليوم الرابع من عشرنا لنسائل أنفسنا: ما ذا قدمنا؟! وما الاجتهاد الذي ميزنا به عشرنا عن سائر أيامنا؟! ما حالنا مع الصيام، ومع القيام، ومع الذكر والتكبير، بل ما حالنا مع الصلوات المفروضة.
أيامنا هذه فرصة؛ قد ندركها عاما آخر وقد يحال بيننا وبينها.
من كان مجتهدا فيما مضى فليستمر، وليتزود، وليسأل الله القبول. وليبادر من غفل، وليتدارك ما بقي، فهي أيام معدود مليئة بالخيرات.
عباد الله: اعلموا وفقكم الله: أن من أعظم ما يتقرب به إلى الله في هذه الأيام حج بيت الله الحرام، فريضة من فرائض الإسلام، جاء في الحديث: ( بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ...وذكر منها الْحَج ).رواه البخاري بالحج تكفر الخطايا، وتمحى الذنوب: ( مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ) رواه البخاري وفي الحديث الآخر: ( الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ ) رواه البخاري ومسلم .
متى وجب عليك الحج أخي المسلم فبادر، وحذار أن تتهاون وتسوف وكل عام تؤجله، ولا تدري أتؤجل أنت أم يفجأك الأجل ثم تلقى الله عز وجل وقد فرطت في ركن من أركان الإسلام .
إذا عزمت أخي المسلم على الحج فأخلص نيتك لله عز وجل، فإنما الأعمال بالنيات، وتحلَّ بلباس التقوى وتزود منها؛ فهي خير زاد وخير لباس، بادر بالتوبة النصوح، واخرج من المظالم وردها إلى أهلها، ثم اختر لحجك النفقة الطيبة؛ فالله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، خذ معك من النفقة ما يكفيك أو يزيد، حتى لا تحتاج إلى أحد، واترك لأهلك ما يكفيهم حتى لا تحوجهم إلى الناس واستخلف عليهم من يقوم على حوائجهم.
قبل حجك تعلم صفة الحج، واقرأ في كتب المناسك، واستمع لأشرطة العلماء في وصف الحج، واسأل عما يشكل عليك حتى تعبد الله تعالى على بصيرة، وحتى لا تقع في الخطأ ثم تبحث عن المخرج، أو تقوم بأعمالٍ تظنها من أعمال الحج وليست منها في شيء، ومنها ما هو من البدع.
التزم أخي الحاج أنظمة السير والوقوف والنزول، وعليك بالرفق فإنه ما كان في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه، وإذا احتجت إلى شيء من رخص الحج فخذ بها، ولا تتقصد المشاق فتشق على نفسك ومن معك.
اختر أخي الحاج لصحبتك في حجك من الرفقاء أصلحهم ممن يعينك على الخير، ويكفك عن الشر، ويذكرك عند الغفلة.
فإذا شرعت في السفر فتأدب بآدابه، وتعلم ما تحتاج من أحكامه .
ثم عليك أخي الحاج أن تحفظ لسانك من القيل والقال، وكثرة المزاح، ومن باب أولى من الغيبة وبذيء الكلام فإنه: { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18 تخلق بالخلق الحسن، تجمل بالصبر، وتحمل ما قد يصدر من الناس من أذى فكثيرا ما يعرض للحاج ما يثير غضبه، خاصة مع الإرهاق والزحام. احرص وفقك الله أن تذهب للحج وترجع منه ولم تصب أحدا من المسلمين بأذى فقد جاء في الحديث: ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) متفق عليه.
احرص وفقك الله على أداء ما افترض الله عليك، ومن أهم ذلك توحيد الله عز وجل، وإخلاص العبادة له، والحذر من الشرك صغيره وكبيره، فإنه لا ينفع مع الشرك عمل، كما قال سبحانه: { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً }الفرقان 23
ثم لتحرص على إقامة الصلوات الخمس كما أمر الله أن تقام.
احفظ بصرك أخي الحاج عن الحرام، ومتى حصل من غير قصد فاصرفه مباشرة فقد قال جل وعلا: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }النور30 وقال عليه الصلاة والسلام: ( لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ ) رواه أبو دود وحسنه الألباني .
أيها الحاج احفظ محارمك من السفور أمام الرجال حتى لا يَفتن أو يُفتن .
تجنب ما حرم الله عليك من الاختلاس، والسرقة، وسؤال الناس من غير حاجة ففي الحديث: ( مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ ) الحديث رواه البخاري .
أكثر أخي الحاج من ذكر الله تعالى ودعائه، وقم بشعائر الحج على وجه التعظيم والإجلال والمحبة والخضوع لله عز وجل، أدِّ شعائر حجك بسكينة ووقار، واحرص على اتباع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجه؛ فهو أحرى بالقبول .
تقبل الله منا ومنكم، وبارك الله لي ولكم ...أقول ما تسمعون …







الخطبة الثانية:
الحمد لله…وبعد: فاعلموا رحمكم الله: أن الأضحية من أعظم القربات، ومن أجلِّ الطاعات، فيها بذل للمال، وفيها التقرب إلى الله بالنحر، وفيها إحياء لسنةِ إمام الموحدين إبراهيم، وسنةِ سيد المرسلين محمد عليهما وسائرِ الأنبياء صلوات ربي وسلامه. قال أنس رضي الله عنه: ( ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا ) رواه البخاري ومسلم وغيرهما . وقال ابن القيم رحمه الله: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع الأضحية .
ثم اعلموا وفقكم الله: أن للأضحية شروطا يجب توفرها فأولها: أن تكون ملكا للمضحي، فلا يُضحَى بمغصوب ولا مسروق. ثانيا: أن تكون من بهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها. ثالثا: أن تبلغ السن المعتبر شرعا وهو في الإبل خمس سنين، وفي البقر سنتان، وفي الغنم سنة، ويجوز في الضأن منها خاصة ما تم له ستةُ أشهر لقوله عليه الصلاة والسلام: ( لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ ) رواه مسلم وغيره . قال الشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله: فيبحث عن الثني فإذا أعسر ولم يوجد الثني يذبح الجذع من الضأن، ولا يعني هذا أنه لا يجزئ مع وجود غيره . أ هـ رابعا: أن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء، وهي أربعة: العور البين، والمرض البين، والعرج البين، والكبر المتناهي، ويلحق بهذه العيوب ما كان مساويا لها، أو أشد منها. خامسا: أن تكون في وقت الذبح المحدد شرعا، ويبدأ يوم العيد بعد الصلاة ويستمر إلى غروب شمس اليوم الثالث عشر.
ثم ليحرص المسلم على تفقد الأضحية حال شرائها، وليتحقق خلوها من العيوب، وليعلم أنها كلما كانت أكمل فهي أحب إلى الله وأعظم للأجر. وكذلك على البائع أن يتقي الله، وأن ينصح للمشتري، وأن لا يكتم عيبا يعلمه، فإن فعل فقد غش، وفي الحديث: ( مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي ) رواه مسلم. ومما يتعلق بالأضحية: وجوب التسمية عليها، ولفظها: ( باسم الله ) وتستحب زيادة:
( والله أكبر ) كما تنبغي تسمية من هي له عند الذبح، فيقول مثلا: باسم الله والله أكبر اللهم تقبل مني، اللهم هذا عني وعن أهل بيتي.
وينبغي:الإحسان إليها بكل ما يريحها لقوله عليه الصلاة والسلام : ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ) رواه مسلم . قال الإمام النووي رحمه الله: ( وليرح ذبيحته ) بإحدادِ السكين وتعجيل إمرارها، وغير ذلك، ويستحب ألا يحد السكين بحضرة الذبيحة، وأن لا يذبح واحدة بحضرة الأخرى ولا يجرها إلى مذبحها . أ هـ
ومن آدابها أن تنحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى، ويذبح غيرها مضجعا، فإذا ذبح المسلم أضحيته فله قص أظفاره، والأخذ من شعره الذي يجوز له أخذه، أما لحيتة فليس له حلقها لا في العشر ولا غيرها، والذي أمر بالإمساك عن الشعر والأظفار أيام العشر هو الذي أمر بالإمساك عن اللحية وإعفائها طول العمر.
ثم إنه يستحب للمضحي أن يأكل من أضحيته ويهدي منها للأقارب والجيران ويتصدق على الفقراء والمحتاجين، و لا يقتصر على إعطاء من يرد عطيته كما هو الحال عند كثير من الناس.
قال الإمام أحمد رحمه الله: يأكل هو الثلث، ويطعم من أراد الثلث، ويتصدق بالثلث.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم وفقنا لعمل الخيرات واجتناب المنكرات ... عباد الله : صلوا وسلموا ...
عباد الله : اذكروا الله ...
المرفقات

794.doc

المشاهدات 1360 | التعليقات 0