إدانة الجريمة الإرهابية في منطقة القصيم (خطبة جمعة)
أبو المقداد الأثري
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله تعالى لا يحب الفساد في الأرض ولا يحب المفسدين ولا يصلح عمل المفسدين. كما قال تعالى في ذلك (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) (إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ). ونهى سبحانه عن الفساد في الأرض فقال جل وعلا {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}
وإن من أعظم الإفساد في الأرض بعد الشرك بالله تعالى الإفساد فيها بتكفير المسلمين بغير حق، ونقض بيعة ولي الأمر، واستهداف رجال الأمن، ونشر الرعب والخوف في المجتمع المسلم الآمن.
وإن هذا الفساد كله قد اجتمع في أفكار التنظيمات الإرهابية التي تلبس لباس الدين تغريراً وخداعاً للناس، وترفع راية الجهاد ليكون سلماً لها تصل به إلى غاياتها من القتل والدمار، وإن ما حصل في مطلع هذا الأسبوع من استهداف شرذمة من الخوارج لنقطة أمنية واغتيال أحد رجال الأمن وقتل رجل آخر كان في الموقع هو حلقة من حلقات الإفساد العظيم الذي تقوم به هذه التنظيمات أعاذ الله بلادنا وبلاد المسلمين قاطبة من شرورها.
عباد الله:
إن هذه الجريمة عمل منكر قبيح وجرم بشع شنيع .كيف لا وهو عمل ترفضه الشريعة القويمة، والعقول السليمة والفطر المستقيمة. لأنه قد تضمن صوراً شتى من القبائح والموبقات، ومنها:
أولاً: قتل الأنفس المعصومة فرجال الأمن الذين استهدفوهم هم رجال موحدون مسلمون من أهل لا إله إلا الله وقد قال تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} وقال صلى الله عليه وسلم : «كلُّ ذَنْب عسى الله أن يغفِرَهُ إلا الرَّجل يقتلُ المؤمِنَ مُتَعَمِّداً، أو الرجل يموتُ كافراً» أخرجه النسائي وقال صلى الله عليه وسلم «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم» أخرجه النسائي، وقال صلى الله عليه وسلم «لَنْ يزالَ المؤمِنُ في فُسحَة من دِينه ما لم يُصِبْ دماً حراماً» ، وقال ابن عمر: «إنَّ من وَرَطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفكُ الدَّم الحرام بغير حِلِّه» رواهما البخاري.
وإذا كان لا يجوز قتل المسلم بغير حق فكذلك لا يجوز قتل الكافر الذي له عهد وأمان على نفسه، ومن تعمد قتله فهو مستحق للوعيد الشديد الذي جاء في قوله صلى الله عليه وسلم
«من قتل مُعَاهداً لم يَرَحْ رائحة الجنة، وإنَّ ريحها يوجدُ من مسيرةِ أربعين عاماً» رواه البخاري.
ثانياً: نقض بيعة ولي الأمر واعتقاد كفره وكفر رجال دولته ورجال أمنه واستحلال دمائهم فإن هذه التنظيمات تنطلق في أعمالها الإجرامية من هذا المنطلق فمجتمعنا كله قادة ورعية مدنيون وعسكريون هم في نظرهم مرتدون عن دين الله ، يرون أن دماؤهم وأموالهم حلال والعياذ بالله.
والله عز وجل قد أمرنا بالوفاء بالعهود والعقود ونهانا عن نقضها وإن من أعظم وألزم وأحق العقود بالوفاء هو عقد البيعة لولي الأمر قال صلى الله عليه وسلم متوعداً من نقض بيعته لولي أمره : «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» رواه مسلم.
ثالثاً: أن هذا العمل هو عمل الخوارج وفكر الخوارج وطريقة الخوارج والنبي صلى الله عليه وسلم قد حذرنا من الخوارج وتوعد الخوارج بخزي الدنيا وعذاب الآخرة قال صلى الله عليه وسلم : “سيخرج قوم في آخر الزمان حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يقرؤون القرآن لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامة ” متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم «الْخَوَارِجُ كِلَابُ النَّارِ» رواه ابن ماجه. ووصف من قُتل من الخوارج بأنهم شر قتلى تحت أَديم السماء والعياذ بالله.
رابعاً: في هذه الجريمة المنكرة عدوان على أمن المجتمع فإن رجال الأمن المعتدى عليهم وزملاءهم في كل مكان في هذه البلاد الطاهرة قد جندوا أنفسهم لأمن البلاد وراحة العباد فهم الذين يحمون أرواحنا وأعراضنا وأموالنا الخاصة ومرافقنا العامة. هم الذين يحمون حدودنا وثغورنا. هم الذين يحمون طرقنا ودروبنا. هم الذين يحموننا في حلنا وفي أسفارنا، هم الذين يغيثون الملهوف ويطفئون الحريق وينقذون الغريق، ويرعون أمن البيت العتيق. هم الذين يقومون على رعاية وحماية الحجاج والمعتمرين. هم أسود الشرى وليوث الوغى قد انتصبوا في البر والبحر والجو أمام الباغين المعتدين. فبهم بعد فضل الله نحن اليوم ننعم بالأمن السابغ والراحة التامة.
عباد الله: أمثلُ هؤلاء يكفّرون؟! أمثل هؤلاء يُغتالون ويُقتلون؟! لا والله بل حقهم أن يدعى لهم وأن يعرف لهم فضلهم وأن يحفظ لهم حقهم وقدرهم. وأن نستحضر دائما ً أن العدوان عليهم هو عدوان على أمننا وعلى أنفسنا وعلى مقدساتنا.
اللهم إنا نعوذ بك من الخوارج الفجرة اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله عَلَى إحسانِه، والشّكرُ لَه على توفِيقِه وامتنانِه، وأشهد أن لاَ إلهَ إلاّ الله وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشَأنه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان وسلم تسليما.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واستقيموا على كتاب ربكم وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم وتمسكوا بعقيدة سلفكم الصالح. تهتدوا في دينكم وتسعدوا في دنياكم وأخراكم.
واحذروا خطر الجماعات الإرهابية والتنظيمات الحزبية والولاءات الخارجية التي نهاية أمرها إفساد الدين والدنيا وخراب الديار والأوطان، ولكم عظة وعبرة في البلاد التي اجتاحتها عواصف الفتن وتسلطت عليها الأحزاب والجماعات والتنظيمات كيف فعلت بها إذ أسقطت أنظمتها وفتكت بها ذبحاً وتقتيلاً وتشريداً وتدميراً.
احذروا الجماعات التي حذرتكم منها دولتكم وعلماؤكم وسمتها باسمها وعلى رأسها تنظيم الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة في الداخل والخارج، فإنها تنظيمات تجر من ينتمي إليها ويغتر بها إلى التكفير ونزع البيعة والانخراط في العمليات الإرهابية والمساهمة فيها.
حافظوا على أبنائكم وبناتكم منهم فإنهم يسعون ليلاً ونهاراً في اختطافهم عقيدةً وولاءً وانتماءً لتجنيدهم لصالحهم.
كونوا حذرين من الدعاة المتحزبين لهذه الجماعات ومن علاماتهم أنهم لا يربون الجماهير على السمع والطاعة لولاة الأمور والدعاء لهم ولا يحذرونهم من جماعة الإخوان والتبليغ وتنظيم القاعدة وأمثالها، ولا يحذرون الجماهير من رؤوس ورموز تلك الجماعات الضالة بل على العكس تجدونهم يمدحونهم ويثنون عليهم ويقدمونهم على أنهم دعاة مصلحون وأئمة مجاهدون.
ومن علاماتهم أنهم لا تكاد تنطق ألسنتهم بالثناء على دولتنا وإبراز محاسنها لتوثيق العلاقة والصلة بين الراعي والرعية بل يعدون ذلك من التطبيل والنفاق في الوقت الذي تجدهم فيه أشد الناس مبالغة في الثناء والمدح على الأنظمة الخارجية التي تنتمي إلى حزبهم الإخواني.
فهذه علامات ظاهرة بارزة لا يستعصي فهمها ولا إدراكها على من تابع كلماتهم وأصغى لخطابهم من عامة المسلمين.
عباد الله: حافظوا على وطنكم باستشعار مسؤوليتكم عن أمنه واستقراره بالتعاون مع الجهات الأمنية بالإبلاغ عن كل ما يهدد أمننا واستقرارنا ولو كان ذلك التهديد صادراً من جار أو صديق أو قريب فأمن الوطن واستقراره وحمايته قضية لا مساومة عليها.
اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا واجتماع كلمتنا اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين. اللهم احفظ جنودنا ورجال أمننا وحماة حدودنا اللهم احفظهم بحفظك واكلأهم برعايتك وكن لهم عوناً ونصيراً ومؤيداً وظهيراً، اللهم عليك بالخوارج الفجرة. الخونة الغدرة. اللهم اهتك استارهم وأخرجهم من جحورهم ومكّن منهم جنودنا جنود الحق والتوحيد والسنة يا قوي يا عزيز. اللهم عليك بالصفويين المجوس واذنابهم من الحوثيين الذين يسعون في الأرض فساداً ويريدون بنا وبمقدساتنا دماراً وخراباً. اللهم أشغلهم في أنفسهم واجعل بأسهم بينهم واجعل تدميرهم في تدبيرهم يا رب العالمين.
اللهم صلّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد وعلى خلفائه الراشدين وأزواجه وذريته وعامة أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.
كتبها: