إحياء الآثار الجاهلية(عكاظ مثالا)

أبو عبد الرحمن
1432/10/25 - 2011/09/23 05:04AM
إحياء الآثار الجاهلية
د. محمد بن عبد الله الهبدان
ملخص الخطبة
1- تبرّع سخي لبعث حضارات ما قبل الإسلام 2- غاية الغرب من بعث القوميات والوطنيات القديمة 3- دعوات مستغربة موافقة لدعوات الغرب

الخطبة الأولى


أعلن أحد أثرياء أمريكا وهو روكفلر عن تبرعه بمبلغ عشرة ملايين دولار لإنشاء متحف للآثار الفرعونية، يلحق به معهد لتخريج المتخصصين في هذا الفن!!
عشرة ملايين دولار ينفقها هذا الرجل الغربي على إحياء الآثار الفرعونية في بلاد الإسلام ـ في مصر ـ فما السر في ذلك؟ ما السر في الاهتمام الشديد من قبل الغرب بإحياء التراث القديم ـ وخاصة منها ما كان قبل الإسلام ـ!؟
ما السر في إثارة مثل هذه الأمور بين شعوب العالم الإسلامي وإعطاء تلك الأشياء الهالة العظيمة! والصورة الضخمة!؟
هل كان ذلك نابعا عن عفوية وحسن نية؟ أم كان نابعا عن محبة لما ينفع الأمة ويغير مسارها لما ينفعها!؟
بالطبع لا! كيف يكون عن حسن نية والله يقول: start-icon.gifوَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْend-icon.gif [البقرة:120].
كيف يكون عن عفوية والله يقول: start-icon.gifكَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَend-icon.gif [التوبة:8].
كيف يكون عن محبة والله يقول: start-icon.gifيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَend-icon.gif [آل عمران:118].
إن إثارتهم لمثل هذه الاهتمامات بين شعوب العالم الإسلامي كان الهدف منه إقصاء الإسلام من واقع الناس صرف الناس عن موروثهم الحقيقي وتاريخهم المجيد ..تفريغ القلوب من موروث الأنبياء والأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا هذا الدين ..إنهم يريدون إشغال الأمة عن دينها الذي خلقت من أجله، ووجدت لتقوم به ،إنهم يريدون سلب الأمة شرفها المجيد الذي شرفها الله به حسدا من عند أنفسهم start-icon.gifوَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِend-icon.gif [البقرة:143].
إنهم يردون تفريغ القضية، أي قضية بوجه عام من المحتوى الإسلامي، وإحلال أفكار أخرى وعقيدة أخرى محل عقيدته، إنهم يريدون من الأمة أن تقطع صلتها بدينها؛ وتنتسب إلى هذه الآثار، فالمصري ينتسب إلى الفراعنة، والتركي يتيه إعجابا بتركيته ويحاول أن يصل نسبه بهولاكو وجنكيز.. وهكذا!
إن الدول الغربية شجعت على ظهور مثل هذا الاهتمام ..لتحقيق مطامعها في الشرق الإسلامي هاهو أحدهم يقول: (من أهم مظاهر فرنجة العالم الإسلامي تنمية الاهتمام ببعث الحضارات القديمة التي ازدهرت في البلاد المختلفة التي يشغلها المسلمون الآن، فمثل هذا الاهتمام موجود في تركيا ومصر وأندنيسيا والعراق وفارس، وقد تكون أهميته محصورة الآن في تقوية شعور العداء لأوربا، ولكن من الممكن أن يلعب في المستقبل دورا مهما في تقوية الوطنية الشعوبية وتدعيم مقوماتها)[1].
ويا حسرة على العباد ،هاهم أبناء جلدتنا وممن يتكلمون بألسنتنا من العلمانيين والحداثيين ومرضى القلوب جعلوا أكبر همهم التعلق بموروثات الآباء والأجداد.. وموروثات الأجداد هل هي الأعمال المجيدة؟ كلا! هل هي الأخلاق الحميدة؟ كلا! هل هو جهادهم الصالح قولا وعملا، ودعوة وصبرا؟ كلا!
بل إن موروث الأجداد الذي يعنونه ويقصدونه هو موروث الجاهلية الأولى، فتراهم يحيون أسواق الجاهلية..وشعراء الجاهلية وأشخاص الجاهلية وهيئات الجاهلية ومعارك الجاهلية، فقد أصبحت على ألسنة الحداثيين أمثال هذه الجاهليات هي الموروثات الشعبية القيمة! وجعلوا من الموروثات الشعبية ما ورثناه قريبا عن أجدادنا وآبائنا الذي هو من قبيل العادات، وتعلقوا بالأشياء كما يحدث الآن من الاهتمام بالمورثات الشعبي، حتى صار عيدا سنويا يضاهي العيد الشرعي أو يكاد يكون!
بم يحتفلون؟ ما المناسبة؟ من شرعه؟
وحتى تعلم أخي المبارك أننا لا نتكلم من فراغ، بل من واقع ملموس فهذا الشاعر أحمد شوقي ـ الذي يحوى ديوانه عددا من القصائد الإسلامية ـ قال قصيدة يمجد فيها الفراعنة وقد أهدى هذه القصيدة إلى المستشرق مرجو ليوث ـ أستاذ اللغة العربية، وقال شوقي في مقدمة الإهداء له: (نظمتها تغنيا بمحاسن الماضي، وتقييدا لآثار الأباء، وقضاء لحق النيل الأسعد الأمجد، ونسبتها إليك عرفانا لفضلك على لغة العرب، وما أنفقت من شباب وكهولة في إحياء علومها ونشر آدابها) وهذا آخر يطالب في جريدة الندوة ويقول: (هذه المدينة المقدسة بها آثار كثيرة تستحق الذكرى، ونحن العرب لم نهتم بهذه الآثار بينما نشاهد معالم باريس، ولندن بها من الآثار ما يجعل شعوبها تخلد هذه الذكرى، فمالنا نحن المسلمين العرب لا نهتم بآثار العصور الماضية)[2].
يردون أن نقدس كل شيء عن الآباء والأجداد إلا السنة والشرع القويم!
يريدون أن نقدس كل شيء عن الآباء والأجداد إلا الدين والحق!
يردون أن نقدس كل شيء عن الآباء والأجداد إلا الجهاد والخير والفضيلة!
قال العلامة ابن باز: (إن تعظيم الآثار لا يكون بالأبنية والكتابات والتأسي بالكفرة، وإنما تعظيم الآثار يكون باتباع أهلها في أعمالهم المجيدة، وأخلاقهم الحميدة، وجهادهم قولا وعملا، ودعوة وصبرا، هكذا كان السلف الصالح يعظمون آثار سلفهم الصالحين، وأما تعظيم الآثار والأبنية والزخارف والكتابة ونحو ذلك فهو خلاف هدي السلف الصالح، وإنما ذلك سنة اليهود والنصارى ومن تشبه بهم، وهو من أعظم وسائل الشرك، وعبادة الأنبياء والأولياء كما يشهد به الواقع)[3]، وقال الشيخ صالح الفوزان: (ومن دسائس هذه المنظمات الكفرية دعوتها إلى إحياء الآثار القديمة والفنون الشعبية المندثرة حتى يُشغلوا المسلمين عن العمل المثمر بإحياء الحضارات القديمة والعودة إلى الوراء وتجاهل حضارة الإسلام.
وإلا فما فائدة المسلمين من البحث عن أطلال الديار البائدة! والرسوم البالية الدارسة! وما فائدة المسلمين من إحياء عادات وتقاليد أو العاب قد فنيت وبادت! في وقت هم في أمس الحاجة إلى العمل الجاد المثمر، وقد أحاط بهم أعداؤهم من كل جانب واحتلوا كثيرا من بلادهم وبعض مقدساتهم! إنهم في مثل هذه الظروف بحاجة إلى العودة إلى دينهم و إحياء سنة نبيهم والاقتداء بسلفهم الصالح حتى يعود لهم عزهم وسلطانهم،وحتى يستطيعوا الوقوف على أقدامهم لرد أعدائهم، وأن يعتزوا برصيدهم العلمي من الكتاب والسنة والفقه، ويستمدوا من ذلك خطة سيرهم في الحياة، ويقرؤوا تاريخ أسلافهم لأخذ القدوة الصالحة من سيرهم، أما أن ينشغلوا بالبحث عن آثار الديار، وإحياء الفنون الشعبية بالأغاني والأسمار، وإقامة مشاهد تحاكي العادات القديمة، فكل ذلك مما لا جدوى فيه، وإنما هو استهلاك للوقت والمال في غير طائل، بل ربما يعود بهم إلى الوثنية، والعوائد الجاهلية )[4].
فاتقوا الله أيها المسلمون واعملوا ما فيه صلاح لكم ولأمتكم تفلحوا دنيا وأخرى start-icon.gifوَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَend-icon.gif [التوبة:105].
بارك الله لي. . .
[1] انظر أساليب الغزو الفكري ص78
[2] جريدة الندوة في عددها الصادر في 24/6/1380هـ والقائل هو مصطفى أمين . وانظر في عددها الصادر في 24/5/1387هـ بقلم صالح محمد جمال .
[3] الرد على مصطفى أمين ص548 من المجموع المفيد .
[4] الخطب المنبرية (3/85-86)


small-white-h-line.gif
الخطبة الثانية

أيها الأخوة: إن إبليس لعنه الله استطاع بمكره وكيده أن يقلب مفاهيم البشر، إذ الناس بفطرتهم يقدرون آباءهم وأجدادهم ويحترمونهم، فهذه النزعة صارت وسيلة لتقديس الأشخاص والأشياء، ومنها تدرج بهم الشيطان إلى الشرك .. وقد بين الله جل جلاله تخبط أهل الجاهلية في هذه المكيدة الإبليسية فقال تعالى مبينا احتجاج قوم نوح salla-icon.gif بهذه الشبهة: start-icon.gifفَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَend-icon.gif وهذا نبي الله صالح يواجهه قومه بهذه الحجة الداحضة، ويتهمونه في عقله، ويردون عليه دعوته ويقولون له start-icon.gifقَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍend-icon.gif [هود:62].
أرأيت أيها الأخ المبارك كيف استغل دعاة الضلالة هذه المكيدة الإبليسية بالإفساد في الأرض والكفر بالله جل جلاله والتلاعب بالأديان وتغييرها على حسب أهوائهم واستحساناتهم وأغراضهم المتنوعة، ولهذا قال إمام دار الهجرة في زمانه الإمام مالك بن أنس رحمه الله كلمة عظيمة: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما أصلح أولها) لقد صلح حال أولئك عندما تركوا ما كان عليه آباءهم وأجداهم وراءهم ظهريا، وانشغلوا بما ينفعهم من ميراث محمد salla-icon.gif.
وستعود للأمة عزتها المسلوبة،ويرجع إليها مجدها الأثيل، ونصرها على الأعداء، إن تمسكنا بما تمسكوا به واعتصمنا بما اعتصموا به قال الله تعالى: start-icon.gifوَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَend-icon.gif [النور:55].
آلا إنها دعوة لأهل الإسلام جميعا إلى أن يتمسكوا بميراثهم الحقيقي كتاب الله وسنة رسوله salla-icon.gif آلا إنها دعوة إلى التكاتف على تحقيقهما في جميع المجالات التشريعية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية و جميع جوانب الحياة.
آلا إنها دعوة للحذر من كل ما يخالف ذلك أو يفضي إلى التباسه أو التشكيك فيه.
آلا إنها دعوة لتصحيح المفاهيم فالميراث الحقيقي الذي يجب الاعتناء به وإحيائه وتكريس الجهود من أجله ميراث محمد salla-icon.gif، اتباع منهاجه والسير على طريقه الذي لا سعادة للبشرية إلا به ولا عزة إلا بالتمسك بجانبه.
المشاهدات 2628 | التعليقات 1

حكم إحياء الآثار والعناية بأمور الجاهلية وشخصياتها
الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد فالآثار أنواع:
أولا: الآثار عند المحدثين
يراد بها ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الشريفة ويطلق عليها اسم السنة وتأتي في المرتبة الثانية في الاستدلال بعد القرآن الكريم وتطلق الآثار أيضا على ما ورد عن السلف الصالح من اجتهادات وأقوال في الأحكام الشرعية وهذه الآثار النبوية والأقوال والاجتهادات السلفية تجب العناية بها والاحتفاظ بها فهي مصادر الدين الإسلامي بعد القرآن الكريم. وقد اعتنى بها العلماء حفظا وضبطا ورواية وتفقهوا في معانيها. وسموا ذلك بفن الأثر أو علم الأثر وألفوا فيه المؤلفات الكثيرة من السنن والصحاح والمسانيد والآثار . وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء به من الكتاب والسنة بالغيث النازل على الأرض فمنهما طائفة حفظت الماء وأنبتت الكلأ وهو العشب فارتوى الناس من مخزونات مياهها ورعوا من كلنها وذلك مثل العلماء الحفاظ الفقهاء. ومنها طائفة أمسكت الماء ولم تنبت كلئها لأنها أجادب فارتوى الناس من مخزون مياهها وهذا مثل الحفاظ غير الفقهاء. وفي كلا الطائفتين خير. وطائفة ثالثة لم تمسك ماء ولم تنبت كلئها وهذا مثل من لم يقبل هدى الله الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يرفع بذلك رأسا.
ثانياً: الآثار عند المؤرخين الجغرافيين الذين يحددون الديار والأقاليم ويؤلفون فيه المؤلفات مثل معجم البلدان لياقوت الحموي وصفة جزيرة العرب للهمداني وصحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار فإن كانت هذه الآثار تتعلق بها أحكام شرعية أو أحداث تاريخية أو جاء ذكرها في أشعار العرب شواهد للغة العربية فهذه الآثار يستفاد منها تاريخيا ولغويا وغير ذلك وكان الشعراء يتغنون بها في أشعارهم تذكرا لعشيقاتهم الساكنة فيها فيفتحون بها قصائدهم مثل معلقة امرئ القيس في وقوله:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدحول فحومل
وقال لبيد:
عفت الديار محلها فمقامها بمنى تأبد غولها فرجامها
وقال النابغة:
يا دامية بالعليا فالسند أقوت وطال عليها سالف الأمد
وقال الأعشى:
ودع هريرة إن الركب مرتحل وهل تطيق وداعا أيها الرجل
وقال عنترة:
هل غادر الشعراء من متردم أم هل عرفت الدار بعد توهم

ثالثاً: الآثار السياحية التي صارت مرفقا اقتصاديا من مرافق بعض الدول وهي محل بحثنا وهذه الآثار أقسام:
1- منها آثار الأمم الهالكة المعذبة. مثل ديار ثمود بالحجر قال تعالى فيها (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا) /color][/font][color=black][font=times new roman]النمل:52[/font][/color][font=times new roman. وآثار عاد بالأحقاف. وهذه الآثار ينظر فيها للعظة والاعتبار كما قال تعالى: (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ* أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) /color][/font][color=black][font=times new roman]الحج: ٤٥ – ٤٦[/font][/color][font=times new roman ولما مر النبي صلى الله عليه وسلم بديار ثمود في طريقه لغزوة تبوك قال لأصحابه: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل أصابهم) فنحن لا ننظر إليها نظر إعجاب ونفتخر بها أو ننظر إليها اقتصادياً كما تفعل الدول غير المسلمة أو المسلمة المقلدة لها لأن هذا يخالف ما جاء به ديننا نحوها من عدم العناية بها وحمايتها فضلا عن استثمارها. ولا تجوز الإقامة فيها ولا فتح مشاريع استثمارية فيها من مطاعم ومقاه وفنادق مما يرغب في زيارتها ويجلب الكفار السياح إلى بلاد المسلمين.
2- ومنها آثار جاهلية مما قبل الإسلام فإذا كانت هذه الآثار أمكنة عبادة الجاهلية فنحن مأمورون بطمسها وإتلاف معالمها حفاظا على عقيدتنا من الموروث الجاهلي الذي يجر إلى الشرك وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكسر الأصنام وإتلافها وإزالة معالمها ونهى عن إحيائها ومشابهة أهلها. ومن ذلك لما سأله رجل نذر أن ينحر إبلاً ببوانة اسم موضع قريب من رابغ. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد، قالوا:لا، قال:هل كان فيها عيد من أعيادهم، قالوا:لا، قال: أوف بنذرك. فانه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملكه ابن آدم) ولا يجوز الاحتفاظ بهذه الأصنام أو بأجزائها أو التنقيب عنها أو جلبها من بلاد الكفار كما فعل عمرو بن لحي لما جلب الأصنام من بلاد الشام إلى أرض الحجاز وغير دين إبراهيم وأمر بعادتها من دون الله.
3- وإن كانت هذه الآثار الجاهلية ليست من أعلام دين المشركين. وإنما هي مساكن ومرابع لهم فإنها تترك ولا يعتني بها ولا ترمم حتى تندرس وتذهب كسائر الخربات.
4- وإن كانت هذه الآثار مساكين للمسلمين وقد تركت وهجرت واستغنى عنها فأنها تترك ولا يلتفت إليها ولا تكون ذات أهمية دينية ولا دنيوية ولا تنزع ملكيتها من أهلها.
5- وإن كانت هذه الآثار لها ارتباط بالصالحين كمساجدهم ومجالسهم وسائر استعمالاتهم وقد خرجت وهجرت فلا تجوز العناية بها وإحياؤها لأن هذا يفضي إلى الشرك بالتبرك بها والاعتقاد بأصحابها كما حصل لبني إسرائيل لما تتبعوا آثار أنبيائهم وصالحيهم فآل بهم ذلك إلى الشرك. ولما رأى عمر رضي الله عنه قوما يذهبون إلى شجرة بالحديبية يزعمون أنها الشجرة التي وقعت تحتها بيعة الرضوان ليصلوا عندها أنكر عليهم وأمر بقطع الشجرة. ومن باب أولى المساجد القديمة المهجورة كمسجد علي كما يسمونه في خيبر ومثل المساجد السبعة في المدينة ومسجد الكوع ومسجد عداس في الطائف لا تحيى هذه المساجد ولا تزار كما لا يبني على آثار الصالحين ولا على قبورهم مساجد. فقد لعن صلى الله عليه وسلم زوارت القبور والمتخذين عليه بالمساجد والسرج وأخبر أن من فعل ذلك فهو من شرار الخلق عند الله فلا يجوز للمسلمين أن يعملوا عملهم وتشبهوا بهم لأن ديننا يمنع من ذلك. وقد قامت الآن منظمات دولية تعتني بهذه الآثار وتحييها وتحافظ عليها ويقلدهم بعض جهلة المسلمين فاشتركوا في هذه المنظمات وعلى ولاة أمور المسلمين أن يمنعوا ذلك ويطهروا بلادهم منه وقال تعالى: (وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ*مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [الروم: ٣١ – ٣٢]. ولا نعتز بها ولا نفتخر بها ونقول إنها تربطنا بالماضي كما يقولها الجهال بل نعتز بديننا ونتمسك به فقد أغنانا الله عن كل ما سواه وفي الاعتزاز بغيره ذلة وهوان كما قال عمر أمر المؤمنين (نحن أمة أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العز بغيره أذلنا الله) ولا نرتبط بالجاهلية بأي رباط وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من كل ما يرتبط بالجاهلية.وفق الله الجميع للتمسك بدينه والبعد عن كل ما يخل به.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

كتبه صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء 5/4/1433هـ