إحصاء السكانِ و السُّكْنـى و نِعَـمُ الله التي لا تُعدُّ و لا تُحْصـى

الطيب بن أحمد عشاب
1435/11/12 - 2014/09/07 17:02PM
إحصاء السكانِ و السُّكْنـى و نِعَـمُ الله التي لا تُعدُّ و لا تُحْصـى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[align=justify]الخطبة الأولــى
الْحَمْدُ لله الذي خَلَقَ الكَوْنَ فنظَّمَهُ،و خَلَقَ الإنسانَ وكرَّمه،وسَنَّ الدّينَ وعَظَّمَهُ، وأَنْزَلَ الكتابَ وأَحْكَمَهُ و أَشْهَدُ أن لا إلهَ إلا اللـهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، مُنَزَّهٌ عَنِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ أَوَّلٌ بِلا ابْتِداءٍ دائِمٌ بلا انْتِهاءٍ. خَلَقَ الْخَلْقَ { أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً } وَ رَزَقَهُمْ وَ لَمْ يَنْسَ مِنْهُمْ أَحَداً {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً}. و أَشْهَدُ أَنَّ محمداً عَبْدُ الله ورسولُهُ وصَفِيُّهُ وخَليلُهُ وصَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ وحَبيبُهَ بَلَّغَ الرسالةَ، أدَّى الأمانةَ،نصح الأمـةَ و محى الظُّلْمَةَ و كَشَفَ الْغُمَّةَ ، و تركنا عَلَى المحجة الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدَهُ إِلَّا هَالِكٌ. فاللهم صلّ عليه وعلى آلِهِ وأَزْواجِهِ الطيبينَ الطاهِرين وَعَلى أَصْحابِهِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلينَ الميامين وعلى تابِعيهِمْ ومَنْ تَبِعَهُمْ بإِحْسانٍ إلى يَوْمِ الدينِ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]،
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرا وَنِسَاء وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا) [النساء:1]،
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزا عَظِيما) [الأحزاب:70-71].

عباد الله ... معشر المؤمنين..
تَعيشُ بِلادُنا هذه الأَيّامَ عَمَلِيّةَ الإحْصـاءِ الْعامِّ للسُّكانِ وَ السُّكْنى، وَ ُهَو السّادِسُ مِنْ نَوْعِهِ مُنْذُ الاسْتِقْلالِ.و قَد انْطَلَقَ في الْيَوْمِ الأَوّلِ مِنْ شَهْرِ شُتَنْبِر الْجاري و سَيَسْتَمِرُّ إلى غايَـةِ الْعِشْرينِ ِمْنُه.
وَقَــدْ عَرَفَت الشُّعوبُ وَ الأُمَمُ الإِحْصاءَ مُنْذُ القَديمِ لأَغْراضِ تَحْصيلِ الضَّرائِبِ أَوْ لِضَبْطِ عَدَدِ الضَّحايا بَعْدَ انْصِرام الْمَجاعاتِ و الْغَزَواتِ و الأَوْبِئَةِ.
وَ يَرْجِعُ أَقْدَمُ إِحْصاءٍ في تاريخِ المغْربِ إِلى النِّصْفِ الأَوَّلِ مِنَ الْقَرْنِ الثّامِنِ الْهِجْري و الذي أَشْرَفَ عَلَيْهِ أحَدُ كِبارِ عُلَماءِ وَ فُقَهاءِ الْمَغْرِبِ وَ هُوَ إِبْراهيمُ بنُ عَبدِ الرَّحْمانِ التَّازِي الذي تَوَلَّـى التَّدْريسَ بِجامِعَةِ غَرْناطَةَ وَكانَ مِنْ بَيْنِ تلاميذِهِ بِها الْوَزيرُ لِسانُ الدِّينِ بنُ الْخَطيبِ. وَقَــدْ كانَ هذا الإِحْصـاءُ بِأَمْرٍ مِنَ السُّلْطانِ أَبي الْحَسَنِ الْمَريني،بِغَرَضِ تَقْديمِ بَعْضِ الْمُساعَداتِ الاجْتِماعِيَةِ للِسُّكانِ وَ إِحْصاءِ حَصيلَـةِ ضَحايا وَباءِ الطَّاعونِ الَّذي ضَرَبَ الْمَغْرٍبَ خِلالَ هذا الْعَهْدِ.

عبـاد الله ...
كَثيراً ما تَنْصَرِفُ الأَذْهَانُ عِنْدَ ذِكْرِ لَفْظِ " الإِحْصاء" إِلى مَقْصَدٍ واحِدٍ وَ َوحيدٍ أَلا وَ هُوَ مَعْرِفَةُ عَدَدِ السُّكَّانِ.هَذا صَحيحٌ لكِنْ لِلإِحْصاءِ أَهَمِّيَةٌ تَعْلُو وَ تَتَجاوَزُ دائِرَةَ مَعْرِفَةِ الْعَدَدِ.فَلَيْسَ الْمَقْصودُ كَمْ مِنْ صَغيٍر وَ كَبيرٍ وَ كَمْ مِنْ غَنِيٍّ وَفَقيرٍ وَ كَمْ مِنْ ضَريرٍ وَ بَصيرٍ بِتَعْبيرٍ عَدَدِيٍّ جافٍّ لِذاتِهِ.
إِنَّ الْهَدَفَ وَ الْقَصْدَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ.فَمَنْهَجُ الشَّرْعِ يَقومُ عَلى أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْعَمَلِ يَكونُ تَبَعاً لِمَقاصِدِهِ.
وَ إِذا كانَتْ مَقاصِدُ الإحْصَاءِ هِيَ رَصْدُ واقِعِ الْخَدَماتِ الاِجْتِماعِيَةِ وَ تَحْديدِ الأَوْلَوِياتِ في بَرامِجِ السِّياساتِ الاقْتِصادِيَةِ و الاجْتِماعِيَةِ و السُّكانِيَةِ وَالْبَيْئِيَةِ عَن طَريقِ مَعْرِفَةِ التَّرْكيبِ الْعُمري وَ الْجِنْسي وَ الْمِهْني للِسُّكَّانِ عَرَفْنا أَنَّ هذا الْمَقْصَدَ مَقْصَدٌ شَرْعِيٌّ عَظيمٌ يَدْخُلُ ضِمْنَ تَقْديرِ الأُمورِ حَقَّ قَدْرِها وَ أَخْذِ الْحيطَةِ وَ الْحَذَرِ كَما أَمَرَ بِذلكَ اللهُ تَعالى في كِتابِهِ الْحَكيمِ{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً } (النساء:71)
كَما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ طَبَّقَ هذا الْمَنْهَجَ فِي دَعْوَتِهِ بَدَأَها سِراًّ ثُمَّ اخْتارَ لَها مِنْ مُخْتَلَفِ الشَّرائِحِ وَ الْمُسْتَوَياتِ مَنْ يُناسِبُ الحالَ، فاخْتارَ مِنَ الرِّجالِ أبا بَكْرٍ وَ مِنَ النِّساءِ خَديجةَ و مِنَ الصِّبْيانِ عَلي بنَ أَبي طالِبٍ وَ مِنَ الْمَوالي زَيْدَ بنَ حارِثَةَ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُمْ أجمعينَ و أَرْضاهُمْ. كَما اخْتارَ الْمَكانَ الأنْسَبَ لِدَعْوَتِهِ خِلالَ هَذِه الْمَرْحَلَةِ وَ هُوَ دارُ الأَرْقَمِ واخْتارَ الْمَنْهَجَ الْمُناسِبَ فَعَرَضَ الدَّعْوَةَ بِشَكْلٍ فَرْدِيٍّ انْتِقائِيٍّ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْجَهْرِ{ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (الحجر:94) كَمـا طَبَّقَهُ أَيْضاً في الْهِجْرَةِ إِذْ أَخَذَ بِالأسْبابِ وَ وَزَّعَ الأَدْوارَ.

عباد الله
إِنَّ للإحْصاءِ مَقاصدُ شَرْعِيةٌ عَظيمَةٌ، مِنْها:
ـ أَخْذُ الْحيطَةِ وَ الْحَذَرُ مِنْ أَعْداءٍ كَالْفَقْرِ وَ الْبِطالَةِ و السَّكَنِ غَيْرِ اللائِقِ و الأَزَماتِ الِاجْتِماعِيةِ؛ لِمُحارَبَةِ كُلِّ الامْتِداداتِ النَّاشِئَـةِ عَنْها كَسوءِ الأخْلاقِ و الإدْمانِ والتَّطَرُّفِ.
ـ إِعْدادُ العُدَّةِ اللازِمَةِ لِضَمانِ ظُروفِ عَيْشٍ كَريمَةٍ لِلْعِبادِ.و ذلك لِما يَنْشَأُ عَنْهُ مِنْ رَصْدٍ لِواقِعِ الْوَضْعِيةِ السُّكَّانِيَةِ والتَّمَكُّنِ مِنْ اخْتِيارِ السُّبُلِ الْجادَّةِ لِتَحْقيقِ تَنْمِيَةٍ شامِلَةٍ.
ـ وَ مِنْ مَقاصِدِهِ أَيْضاً، تَجْسيدُ اهْتِمامِ الراعي بِأَحْوالِ الرَّعِيةِ. فالإسلامُ دينٌ وَ دَوْلَةٌ وَ دَعْوَةٌ وَ سُلْطانٌ و شَعائِرُ و شَرائِعُ.
وَ رَغْمَ تَنَقُّل مَلِكِ الْبِلادِ صَيْـفاً وَ شِتـاءً عَبْرَ رُبوعِ الْبِلادِ مُتَفَقِّدًا لأحْوالِ الْعِبادِ مُسْتَفْسِراً عَنِ المنْجَزاتِ وَ الْحاجٍياتِ فَإِنَّ هذا الإحْصاءَ الذي يَتَّصِلُ بِكُلِّ أُسْرَةٍ أُُسْرَةٍ ِبَمَقَرِّ سَكَنِها لَدَليلٌ عَنْ هذا الْمَقْصَدِ الْعَظيمِ.

عباد الله ...
كانَ مِنَ الْمُمْكِنِ أنْ تَرْجِعَ الدَّوْلَةُ وَ الْحُكومَةُ إلى السِّجِلاتِ التي تُوَفِّرُ مَصادِرَ لِلْمَعْلوماتِ دونَ اللُّجوءِ إِلى هذه الْعَمَلِيَّةِ.لكِنْ كَوْنُ هذا الإحْصاءِ ذو مَقاصِدَ شرعيةٍ و ذو أَبْعادٍ وطنيةٍ بَعيدَةٍ عَنِ الإجْراءاتِ الإدارِيةِ و الحْكوميةِ الرُّوتينيةِ،وَجَبَ أَنْ يَكونَ وِفْقَ هذه الطَّريقَةِ و هِيَ الاتِّصالُ المباشِرُ بالسُّكانِ في مَقَراتِ سُكْناهُمْ.
وَ لهذا يَجِبُ عَلَيْنا
1 ـ حُسْنُ اسْتِقْبالِ الباحِثينَ.وَ حُسْنُ الاسْتِقْبالِ مِنْ آدابِ الإسْلامِ، كَما قالَ رَسـولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: (( إِنَّ تَبَسُّمَكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ ))، و مُساعَدَتُهُ على أَداءِ مُهِمَّتِهِ، حاوِلْ أَنْ تُوَفِّرَ لَهُ كُرْسِيا و أَكْرِمْهُ بشرْبةِ ماءٍ بارِدٍ فَهُوَ مُتَنَقِّلٌ منْ دارٍ لأُخْرى تحتَ الشَّمْسِ الحارِقَةِ.
2 ـ ضَرورَةُ وَ وَجوبُ تَوَخي الصِّدْقِ في التَّصْريحاتِ،فَكُلُّ مَعْلومَةٍ أَوْ تَصْريحٍ كاذِبٍ سَيُؤَثِّرُ عَلى مِصْداقِيَةِ هذا الإحْصاءِ وَ يُعْدِمُهُ الفائدَةَ.فبلادنا رَصَدَتْ طاقَةً بشريةً و مالِيةً هائلتين،فلا يمكِنُ أَنْ تَذْهَبَ هَدْراً.
وَ الصِّدْقُ مِنْ آدابِ الإسْلامِ و أَخْلاقِهِ، وَقَـْد وَصَفَ اللهُ تعالى الأنْبِياءَ بـهِ في مَعْرِضِ المدْحِ والثَّناءِ فقالَ:
"وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا "[مريم41] وقال تعالى: "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا" [مريم 56]
و قالَ رَسـولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا، وَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا»وَيَكْفي في فضيلةِ الصِّدْقِ أَنَّ الصدِّيق مُشْتَقٌّ مِنْهُ. وَيَكْفي في الْكَذِبِ أَنَّهُ ِمنْ صِفاتِ أَهْلِ النِّفاقِ. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أربعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهَا كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ من النقاق حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ»
و قال ابن عباس: «أربع من كن فيه فقد ربح: الصدق والحياء وحسن الخلق والشكر»
توبوا إلى ربكم و استغفروه، إنه هو الغفور الرحيـم

الخطبة الثانية
الحمد لله حق حمده و الصلاة و السلام على خير خلقه سيدنا محمد بن عبد الله رسول رب العالمين إلى كل العالمين.

إنَّ الإنْسانَ يستَطيعُ أنْ يُحْصِيَ أمْوالَهُ و مُمْتلكاتِهِ،و مُنْجَزاتِهِ و إِنْتاجاتِهِ كما لَهُ أَنْ يُحْصِيَ النّاسَ و المَحاصيلَ..لكنه عاجِزٌ عن إِحْصـاءِ نِعَـمِ الله تعالى على عِبادِهِ.يقولُ المولى جَلَّ في عُلاه:{ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } (ابراهيم:34) و قالَ عَزَّ مِنْ قائِلٍ: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ }(النحل:18)
نِعَمُهُ تعالى أَكبَرُ مِنْ أنْ تُحْصـى، و في كُلِّ نعْمَةٍ نِعَمٌ وكُلُّ نعْمَةٍ مِنْهُ تفضلاً و إِنْعاماً {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} (النحل:53) و هذهِ النٍّعَمُ تَسْتَوْجِبُ شُكرَها و ذلك بِتَصْريفِها في طاعَتِه سُبْحانَهُ وَ تَعالى.و قَدْ ذَكَرَ ابنُ القَيِّمِ أَرْكانَ شُكْرِها فقال:
وَهُوَ مَبْنِيٌّ على ثلاثَةِ أَرْكانٍ: الاعْتِرافُ بها باطناً، والتَّحَدُّثُ بها ظاهِراً، وتَصْريفُها في مَرْضاةِ وَلِيِّها وَمُسْديها وَمُعْطيها،فَإِذا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ شَكَرَها مَعَ تَقْصيرِه في شُكْرِها.
فَبِشُكْرِ النِّعَمِ و طاعَةِ الله تَعالى،تَتَأَسَّسُ قِيمَةُ العِبادِ و يَتَكَوَّنُ الرِّجالُ الصالِحون و النِّساءُ الصالِحات.و لا قيمةَ لِعَدَدِ السكانِ قِلةً كانوا أو كَثير،يُعَدُّونَ بالملايينِ أو بالملاييرِ إذا هُمْ انْسَلَخوا مِنْ طاعةِ اللهِ و رَسولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و هو الصادِقُ المصدوقُ الذي أكَّدَ أَنَّ العِبْرَةَ بشُكْرِ النِّعَمِ و الطاعةِ وحذَّرَ منْ تحولِ الأُمةِ إلى غُثَاءٍ كَغُثَاءِ السَّيْلِ رغمَ الكثْرَةِ بقولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حديث ثوبان بمسند الإمام أحمد: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا» . قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، تُنْتَزَعُ الْمَهَابَةُ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ» . قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ»
إِنَّ عَدَمَ شُكْرِ النِّعَمِ يُحَوِّلُها إلى نِقَمٍ فَتَتَخَبَّطُ الأمَّةُ في ظَلامٍ دامِسٍ لا تَستطيعُ تَلَمُّسَ الطريقِ و تَفْقِدُ قيمَتَها وَ قُوَّتَها،وَ قَدْ انْتَبَهَ سيدُنا عُمَرُ رَضِيَ الله تعالى عَنْهُ لِهذِهِ الْقَضِيَّةِ إِذْ جَلَسَ يوماَ إلى جماعةٍ مِنْ أَصْحابِهِ فقالَ لَهُمْ: تَمَنَّوْا ؛ فقال أحدُهم: أتمنى لو أن هذه الدارَ مملوءَةٌ ذَهَبا أُنْفِقُه في سبيل الله. ثم قال عمر: تمنوا، فقال رجل آخر: أتمنى لو أنها مملوءة لُؤْلُؤاً وزَبَرْجَدًا وجَوْهَراً أُنْفِقُه في سبيل الله وأتصدق به. ثم قال: تمنوا، فقالوا: ما ندري ما نقولُ يا أميرَ المؤمنين؟ فقال عمر : ولكني أتمنى رجالاً مِثْلَ أبي عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ، ومُعاذَ بنَ جَبَلٍ، وسالِمَ مَوْلى أبي حُذَيْفَةَ، فَأَستعين بهم على إِعْلاءْ كلمةِ الله.
فبين أن الرجالَ هُمْ أَغْلى المعادِنِ،و أَنَّ حياةَ و قُوَّةَ الأُمَّةِ في رِجالاتِها مِنْ عُلَماء وقادَةٍ سِياسِيين و قادَةٍ عَسْكَرِيين.
اللهم صل على محمد و على آل محمد...
[/align][align=justify][/align]
المرفقات

إحصاء السكان و السكنى و نعم الله التي لا تعد و لا تحصى.doc

إحصاء السكان و السكنى و نعم الله التي لا تعد و لا تحصى.doc

المشاهدات 2911 | التعليقات 2

وفقك الله شيخ الطيب وبارك في علمك وجهدك وقلمك كم هي روعة كتاباتك ومنشوراتك بأسلوبها الراقي.


جزاك الله خيرا