إحسان الظن بالله والحذر من اليأس والقنوط

فيصل التميمي
1435/10/12 - 2014/08/08 05:19AM
الخطبة في أصلها لفضيلة الشيخ إسامة خياط حفظه الله

مع الإضافة عليها والتعديل بما يناسب الموضوع والمقام

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إحسان الظن بالله والحذر من اليأس والقنوط 12/11/1435هـ
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أما بعد: فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عزوجل، فهي وصيته جل وعلا للأوّلين والآخرين، وسبيل النجاة في الدارين قال تعالى (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ).
معاشر المسلمين.. شرُّ ما مُنِيَت به النفوس، واضطربت به القلوب؛ يأسٌ وقنوطٌ تُظلِم به الدنيا، وتتحطّم معه الآمال وينقطع الرجاء.
ولقد جاء ذكر اليأس والقنوط في آيتين من كتاب الله تعالى، في مَعْرِض الذَّمِ لهما والتنفير من سلوك سبيلهما؛ لأنهما من كبائر الذنوب، فقال عزَّ وجل: (إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ ) ، ورَوْحُ الله عباد الله: هو رحمته ورجاء الفرج من عنده سبحانه.
وقال جل وعلا: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّون). فأوضح سبحانه أن المؤمن ليس من شأنه اليأس والقنوط، وإنما يكون على الدوام خائفًا راجيًا، يخاف جَرِيرَة ذنبه وتَبِعَة معصيته، ويرجو مع ذلك رحمة ربه وعفوه ومغفرته، مقرونًا بالعمل بطاعته وطلب مرضاته.
ولقد أطمع الله عباده في رحمته ورغّبهم في عفوه، وعلّق آمالهم في مغفرته، فقال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ، وقال سبحانه (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ). وفي الحديث القدسي ـ الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح، عن أبي ذر الغفاري أن رسول الله صى الله عليه وسلم قال : ((قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي. يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عَنَان السماء ثم اسْتَغْفَرْتَنِي غفرت لك. يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بِقُرَابِ الأرض خَطَايَا ثم لَقِيتَنِي لا تشرك بي شيئا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مغفرة)). وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله قبل موته بثلاثة أيام يقول: ((لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه)).
وكل ذلك عباد الله وما في معناه من نصوص الوحيين مما يفتح أمام المرء أبواب الأمل والرجاء، ويصرف عنه اليأس والقنوط، ويجعله ينظر إلى ما يستقبلُ من أيامه نظرةَ المتفائل الذي يحسن الظن بربه ويرجو رحمته وجميل العاقبة عنده.
وإن حسن ظن العبد بربه يجب أن لا يكون مقصورًا على حالٍ مخصوصة، أو حادثة بعينها، أو زمن دون آخر، فكما يجب أن يحسن المرء ظنه بالله وهو مقبل عليه يرجو عفوه ومغفرته، فكذلك يجب أن يكون حسن ظنه بالله مصاحبًا له في كل ما يعرض له في هذه الحياة الدنيا من مصائبَ وشدائد، وما ينزل به من نوازلَ ويغشاه من كروب، فإذا ابتُلِي العبدُ بداءٍ أو أصابته جَائِحَة أو غَلَبهُ الدَّين أو فَقَدَ حبيباً كان مِلء سمعه وبصره؛ وجب عليه أن لا ييأس من رَوْح الله وأن لا يقنط من رحمته، بل يجب عليه أن يستيقن أنّ ما نزل به من بلاء لم يكن إلا خيرًا له؛ يرفع الله به درجته أو يدفع عنه شرًّا أعظم مما ابتلاه به، أو يعوّضه خيرًا مما فقد في عاجل أمره وآخره، كما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من يرد الله به خيرًا يُصِب منه)). أي: يبتليه بالمصائب ليثيبه. وكما جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي وابن ماجه في سننهما بإسناد جيد، عن أنس رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن عِظَم الجزاء مع عِظَم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السَّخَط)).
معاشر المسلمين.. وأما أولئك الذين ينظرون إلى الحياة نظرة سوداء حين تنزل بساحتهم الكوارث وتصيبهم البلايا، فيسكن في نفوسهم أن البلوى سوف يطول أمدها، وأنهم سيشْرِفون بها على الهلاك، وأن الشدائد تلاحقهم في كل أحوالهم، وأن المحن لا ينقطع نزولها بهم، فهذا كله سوء ظن بالله وليس من صفات المؤمنين ولا من سجايا المخبتين. فكم بَدّل الله من خوف أصاب عباده إلى أمن ورخاء، ومن فقر إلى سعة وغنى، ومن بؤس ولؤى إلى رغد عيش ونَعْمَاء، ومن ذل وهوان إلى رِفْعةٍ ورحمة وعز لا حدود له.
حَدَّثَ عتبةُ بنُ غَزْوَانَ رضي الله عنه في خطبةٍ له فقال: لقد رأيتني سابعَ سبعةٍ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر، حتى قَرِحَت أشداقُنا، والتقطت بُرْدة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك، فاتّزرت بنصفها، واتّزر سعد بالنصف الآخر، فما أصبح اليوم منا أحد إلا وهو أمير على مِصْر من الأمصار.
وكم لهذا يا عباد الله من أمثالٍ وأشباه لا يكاد يستوعبها حصر في ماضي الأيام وحاضرها.
فاتقوا الله عباد الله، واذكروا على الدوام أن حسن الظن بالله والأمل فيه ورجاء ما عنده مع الخوف من تَبِعات معصيته والتفصير في طاعته هو شأن المؤمنين الصادقين ودَيْدَن المحسنين المخبتين، وأن حسن الطن بالله مرتبط بالأعمال الصالحة، فالمحسن الظن بالله هو المنيب إلى الله المقبل على طاعته المستمر على الأعمال الصالحة، قال جل وعلا : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، أما من أساء العمل وتجاوز الحدود واقترف من المعاصي والذنوب في خلواته وجلواته ما لا يعلمه إلا الله، فقد أساء الظن بربهِ وجنى على نفسهِ، قال الحسن البصري رحمه الله: (إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، وإن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل) فلنتق الله في أنفسنا، ولنحسن الظن بربنا، ولنعمل ولنجتهد مع يقيننا بأن أعمال محفوظة لنا.. (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)
اللهم يا ربنا إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن ترزقنا أجمعين التوفيق لمحابِّك من الأعمال، وصدق التوكل عليك وحسن الظن بك يا ذا الجلال والإكرام. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ:
فيا أيُّها الناس، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، ثم اعلموا رحمني الله وإياكم أنه جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما يُصِيبُ المسلم من نَصَبٍ ولاَ وَصَبٍ ولاَ هَمٍّ ولا حَزَنٍ ولا أَذَىً ولا غَمٍّ حتى الشوكة يُشَاكُهَا إلا كفّر الله بها من خَطَايَاهُ)). وفيه كما قال أهل العلم: بشارة عظيمة لكل مؤمن؛ لأن الإنسان لا ينفكُ غالبًا عن ألم بسبب مرض أو هَمٍّ أو نحو ذلك، وأن الأمراض والأوجاع والآلام بدنية كانت أم قلبية من الهموم والغموم والأحزان تكفّر ذنوبًا وقعت عليه، وإن كان هذا التكفير مخصوصاً عند جمهور أهل العلم بالصغائر، إلا أن في هذا الحديث وهذه البشارةِ النبوية فتحٌ لباب الأمل والرجاء في كرم الله تعالى وجميل عفوه وعظيم غفرانه، وهي باعث قوي لكل مؤمن على حسن الظن بالله تعالى، والبعد عن اليأس والقنوط من فضله جل جلاله.
ألا فاتقو الله معاشر المؤمنين الموحدين وأحسنوا الظن بربكم ولا تجعلوا للقنوط واليأس إلى قلوبكم سبيلاً.
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال قولا كريماً...
المشاهدات 2627 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا